الغيب في المعركة والتغيير الكوني

 الإهداء
-   المقدمة  

 

الفصل الأول 

 الغيب
-   الغيب في حياة الرسول
      -   الغيب في العهد المكي
     -   الغيب في الهجرة
     -   الغيب في العهد المدني
     -   الغيب في غزوة بدر
     -   الغيب في غزوة أحد
     -   الغيب في غزوة الأحزاب
     -   الغيب في فتح خيبر
     -   الغيب في فتح مكة
     -   الغيب في غزوة حنين
     -   الغيب في معركة مؤتة
     -   الغيب في غزوة تبوك
 
-   وفــاة الرسول
  
الفصل الثاني
 
-   الغيب في عهد الصحابة
     -   الغيب في معركة اليرموك
     -   الغيب في فتح مصر
     -   الغيب في معركة القادسية
 
-     الغيب في الحروب الصليبية
 -   الغيب في الدولـة العثمانيــة
  
الفصل الثالث
 
-   حتمية النصر  ..  الصحوة الإسلامية قدر
 
     -   التحول في الجزائر
     -   التحول في مصر
     -   أثر حرب الأفغان في التغيير
     -   التحول في السودان
     -   التحول في تركيا
     -   التحول في الكرة الأرضية
 
-   زوال الإمبراطوريات التي ساهمت بقيام
     دولة إسرائيل
 
     -   زوال الإمبراطورية البريطانية
     -   زوال الإمبراطورية الفرنسيـــة
     -   زوال الإمبراطورية الألمانيــــة
     -   زوال السلطنة العثمانيــــــة
     -   زوال الإمبراطورية السوفياتيـة
     -   الزوال القائم للإمبراطورية الأمريكية
 
-   قواعد زوال الإمبراطوريات
 
-   التغيير الكوني في القرآن الكريم
 
الفصل الرابع
 
 -     تدمير الحضارة الغربية
 
     -   الآية الأولى في تدمير الحضارة المادية
     -   الآية الثانية في تدمير الحضارة المادية
 
-   مراحل تدمير دولة اليهود
 
-   التوكل والتواكل
 
 الفصل الخامس
 
 -   الحركات الإسلامية العاملة في الساحة
 
-   الحركات الإصلاحية
 
     -   الحركة الصوفية
     -   حركة الإخوان المسلمين
     -   حزب التحرير
     -   الدعوة السلفية
     -   حركة الدعوة والتبليغ
     -   حركات مختلفة
 
-   أسلوب الدعوة
  
الفصل السادس
  
-   الهجرة إلى الأرض المباركة

 

الإهـــداء

أقدم كتابي هذا إلى أهل الأرض المباركة في الداخل وفي الشتات ،  وإلى كل مفكر وعالم وسياسي مخلص ومجاهد يبحث عن الحقيقة ،  وإلى كل الأحزاب والتكتلات السياسية والنقابية . .  وإلى كل المسلمين في الأرض الذين جعلهم الله أمة واحدة وجعلهم أمناء على هذه الأرض المباركة  .

 أقــدم كتــابي هذا إلى كل شهـيد سقط على هذه الأرض وعلى كل أرض إسلاميـة . .  سقط في سبيل الله وإعلاء كلمة الله .  وإلى كل من ينتظر الشهادة في حرب الكفر كله وفي تحرير الأرض المباركة من أيدي يهود  .

 أقــدم كتــابي هذا ضــوءا على الطريق لمن أراد أن يستنـير ويهتدي سواء السبيــل  .

 

 المؤلـف

المقدمة 

 في جو الهزيمـة التي تعيشه الأمـة ؛ والظلام الذي يحيـط بها من كل جانب ؛ ظلمات بعضها فوق بعض كما قال الله تعالى (أو كظلمات في بحر لجي يغشاه موج من فوقه موج من فوقه سحاب ظلمات بعضها فوق بعض إذا أخرج يده لم يكد يراها ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور) [ النور : 40 ]  .

 فهي تعيش في ظلمات متراكمة بعضها فوق بعض ؛ ظلمات التأخر الفكري والحضاري ؛ يعلوها ظلمات الجهل والأمية ؛ يعلوها ظلمات الخرافة والضلال يعلوها ظلمات الهزيمة والسخيمة ؛ يعلوها ظلمات الفكر المادي الملحد والعلماني ؛ يعلوها ظلمات التجزئة والدول على مستوى الحارات مما أوقع الأمة في اليأس والقنوط .  فكان لا بد لهذا الظلام من نور ليبدده ولهذا الليل من آخر ،  فجر يشرق على الأمة بنور الله بالنصر الحتمي والغلبة على أعداء الله والخلاص من التجزئة وقيام دولة الإسلام وذهاب دولة يهود  . 

وقد نتج عن هذا الوضع المؤلم وهذا الظلام الدامس أسئلة يرددها الناس في المجتمع  .

 هل إلى خلاص من سبيل ؟  وكيف ؟  . 

وهل عند هذه الأمة مقدرة على النهوض مرة أخرى ؟  .

 وهل تستطيع أن تجابه الدول الكـبرى ،  والنظـام العالمي الجديد ؟  .

 وهل إسرائيـل جـاءت لـتبقى ؟  وكيف السبيل إلى الخلاص منها ؟  .

 وهل التجزئــة مفروضة على هذه الأمة لا سبيل إلى الوحدة فيها أو الاتحاد ؟  .

 وهل سيعود الإسلام ليحكم في الأرض ليطهر الإنسانية التي تعاني من الشقاء الذي تعيش ؟

 وهل كل ذلك ممكن أن يكون والأمة لا تملك من الوسائل المادية ومن وسائل التدمير الذي يملكها عدوها ولا تملكه ؟   

وهل يمكن للمسلمين أن يتغلبوا على أمريكا وهي التي تملك القوة كلها وعلى أوروبا والغرب ؟  .

أما العلمانيون ومن تربوا في مدارس الغرب الفكرية ممن لا يعنيهم القرآن الكريم والحديث النبوي لا في قليل ولا في كثير ،  ولا يعنيهم تاريخ هذه الأمة الذي أشرق على الدنيا ذات يوم بنور الله ،  فبــدد الظلـم والظــلام ،  هؤلاء الناس رضوا بالحياة الدنيا وأطمأنوا بها ،  يدعـون الأمـة لترضى بالـذل وتقبـل بالهـوان ،  رسالتهم في الحيـاة أن يأكلــوا ويشربــوا ويتلـذذوا بأنـواع اللذة ولو عاشوا في ذل وهوان وعاشت أمتهم في الحضيض .  فجاء هذا الكتاب ليرد على هذه الأسئلـة جميعــا من خــلال كتاب الله وأحــاديث الرسول صلى الله عليـه وسلم ومن خلال تاريخ هذه الأمة حينما كانت صاحبة رسالة ،  ففتح الله لها الأرض وأزال على يديها الإمبراطوريات ،  هذه الإمبراطوريات التي يمثل واقعها في ذلك الحين قول شوقي رحمه الله  :

أتيت والناس فـوضى لا تمر بهم        إلا على صنم قد هــام في صـــنم

مسيـطر الفرس يبغي في رعيتـه       وقيـصر الروم من كــبر أصم عـم

يعـذبــان عبـاد الله فـي شبـه      ويذبحــان كما ضحـيــت بالغـــنم

والخلـق يفتـك أقــواهــم بأضعفهم      كالأســد بالبهم أو كالحــوت بالبلم

وهذا الكتاب يعطي اليائسين الأمل والمترددين اليقين والمتشائمين التفاؤل  .

 إن دور الإسلام قد بدأ يأتي من جديد وما فيه ليس استنتاجا علميا ولا فكريا وإنما هو فهم عقلي وفكري حسب قواعد الشريعة التي جاء بها القرآن والسنة النبوية والقواعد الشرعية التي استنبطها العلماء من الآيات والأحاديث .  هذا الكتاب نرجو الله أن يؤدي دوره في إيقاظ الغافلين والمترددين الذين لم يفهموا هذا الدين فحاربوه عن جهل وقاوموه من غير أن يعرفوه وكما يقول الفلاسفة :" من جهل شيئا عاداه "  .

وهذا الكتاب جزء من المعركة لمن يبحث عن الخلاص من مفكرين وأحزاب وساسة وحركات جهادية ومن كل الإتجاهات ممن يريدون لأمتهم الخلاص وهو قابل للنقاش لمن أراد .  وهذا الكتاب ليس كتاب تاريخ فلا يعنيني الدخول في التفاصيل ،  وإنما أخذت من تاريخ الرسول صلى الله عليه وسلم ومضات إيمانيــة كيف أن الله ينقذ هذه الأمــة حينمــا تصل إلى حالــة اليأس وأن النصر لها يأتي في حالـة القنـوط بعد أن يظن كثـير من الناس أن الله قد تخلى عن هذه الأمة ( حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا جاءهم نصرنا ) [ يوسف :  110 ] ..  وأخذت ومضات من حياة ومعارك الصحابة التي خاضوها فهدموا الإمبراطوريات الظالمة  .

 خرج جند الله من الجزيرة بهذا النور ،  نور القرآن ،  ونور الوحي ،  يطاردون الظلم والظلام ،  فأنتصروا وعم الضياء وكلما تخلوا عن حمل الرسالة عاد عدوهم فأنتصر عليهم كان ذلك في الحروب الصليبية وكان ذلك في حروب التتر وهو الآن ،  وكانوا كلما عادوا إلى الإسلام عاد لهم النصر ،  وفي هذا العصر بعدوا عن الإسلام فأصابهم الوهن فكان الذي كان من ذهاب دولة الإسلام وقيام دولة يهود وعاد الظلم والظلام مرة أخرى وبلغ الظــلام والظلم ذروتها في حروب الكفــار ضد المسلمين في كل مكان في الأرض الآن في الوقت الذي يتغنى فيــه الغرب الكافــر بحقــوق الإنســان .  وقد جئت بهذا الكتـاب لأبشر أمتي والعالم من بعد ذلك أن الإسلام قادم ،  إسلام لا شرك فيه ولا ربا ولا احتكار ولا مخدرات ولا مسكرات ولا علب ليل ولا هتك الأعراض باسم الفن ولا المتاجرة بجسم المرأة ولا عبودية إلا لله ،  وأن حضارة الغرب بدأت بالزوال موضحا ذلك بالآيات القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة في وسط هذا الظلام الدامس الذي بدأنا نخرج منــه ،  وبدأ النور يقوى شيئا فشيئا ،  ولما أحس الغرب الكافر بالخطر على ربيبته ( إسرائيل ) من الإسلام القـادم الذي سيتمثل في سقوط الحكم في مصر وهو ساقط لا محالة ،  وفي سقوط الحكم في الجزائر وهو ساقط لا محالة وفي غيرها من البلاد والشعوب الإسلامية ،  أسرعوا بوضع حل يحاولــون فيـه حل القضيــة الفلسطينيــة فهذا الحل يريدون فيه أن يثبتوا إسرائيل دولــة ،  فهو يسابق القدر ولن يسبق القدر ،  فإسرائيل إلى زوال واليهود في عذاب إلى يوم القيامة ( وإذ تأذن ربك ليبعثن عليهم إلى يوم القيـامة من يسومهم سوء العـذاب ) [ الأعراف :  167 ] ..

وهذا الحل الممسوخ وما آلت إليه الأمة من حروب أهليــة وثورات إسلاميــة ،  كل ذلك سببه غيــاب الإسلام عن الساحة ،  فإذا أردنا أن نسرع بالخــلاص فليتنازل هؤلاء الحكام عن سلطانهم المزيف الذي يكرس التجزئة وليستجيبــوا لأمر الله في الوحدة والإتحاد ( وأعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا ) [ آل عمران :  103 ] ..  وإلا فإن القدر سيجرفهم وسيكونون أضحوكة التاريخ ،  ونقطا سوداء في تاريخ هذه الأمة المجيدة  .

نحن واثقون من النصر وأن النصر آت لا ريب فيه ،  وأرجو من الحركات الإسلامية التي تكلمت عنها في هذا الكتاب أن تأخذ الأمر بروح إيمانية ،  فالمسلم مرآة أخيه المسلم ،  قد أمرنا الله بالتناصح ،  فأنا لم أقصد التشهير ومعاذ الله أن يكون ذلك ،  فقد أعطيت كل حركة حقها وبينت ما تصورت أنه الخطأ في مسيرتها  .

 ولما أخذت الحضارة الغربية في الإنهيار بوجهيها الشيوعي والرأسمالي ،  فهي حضارة واحدة كالعملة الواحدة ذات وجهين ،  لما أخذت هذه الحضارة بالإنهيار وخصوصا بعد إنهيار الشيوعية والفكرة الإلحادية ،  وإنهيار نظرية التطور الحتمي للمادة والتاريخ ،  خرج علينا الوجه الآخر من الحضارة الغربية ( الرأسمالية ) بما يسمى بنظريــة ( النظــام العالـمي الجديد ) ،  فلا تعطي هذه النظرية أي حــل لمشاكل البشرية التي أشقتها ،  وإنمــا هي محاولــة لمنع انهيــار الرأسمالية بالحديد والنار كما فعلت الشيوعية من قبل ،  فأمريكا بما تملك من وسائل تدمير ومن قوة ضخمة ومن أموال تمتص بها دماء الشعوب ،  تحاول فرض هيمنتها وسيطرتها على شعوب الأرض ،  وهي تمثل الجندي الصارم الذي عليه أن يأمر فيطيعه أتباعه .  ولما كانت سنن الله في الكون لا تتغير ودولة الظلم والظلام لا بقاء لها حسب سنة الله في خلقه . .  لذلك فإن هذه الدولة لن تبقى  .

إن الله كان يهلك أمة من الأمم بخطيئة واحدة تصر عليها مثل قـوم لوط ،  وقــوم هود ،  وقوم صالح ،  وقوم شعيب وقوم نوح .  هذه الذنوب جميعا مجتمعة الآن في الحضارة الغربية ،  فإنهيارها حتمي وزوالها قادم .  فسنن الله لا تتخلف (والنظام العالمي الجديد) يجب أن يكون هو الإسلام . بل هو الإسلام كما أخبر بذلك القرآن والأحاديث النبوية ،  وستزول التجزئة وتنهار (الأنظمة) ونعود لقيادة العالم من جديد ،  لا بعرقنا ولا بعنصريتنا وإنما بنور الله الذي بين أيدينا ،  الذي يحرم التجزئة ،  قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :""  إذا بويع لإمامين فأقتلوا الآخر منهما  "" .  ليس في الإسلام إلا الطهر والراحة الأبدية والسعادة في الدنيا والمرحمة التي تحرم قتل الشعوب وأكل أموال الناس بالباطل وترد الإنسان عن الغواية وتهديه سواء السبيل  .

 ) والنظام العالمي الجديد ) ليس فيه من جديد ،  فالمفروض أن يأتي أصحاب النظرية بأفكـار جديدة وحلول جديدة لمشاكل الإنســان ،  تمنع عنه الشقاوة وتعطيه الراحة النفسية ،  فهو في النظام العالمي القديم يجري وهو يشرب ،  ويجري وهو نائم ويجري وهو يأكل ويجري ويجري ولا يدري لماذا يجري حتى إذا أعياه الجري سقط صريع جريه ،  تلاحقه الأقساط وتلهب ظهره سياط الفوائد ،  ويعصره الظلم الإجتماعي ،  فإذا كان الإنسان من اللون غير الأبيض زادت شقاوته وتضاعفت تعاسته ،  فالإنسان في حاجة إلى (نظام عالمي جديد  حقا .  وهذا لا يكون إلا في دين الله الممتد عبر آدم وعبر الأنبياء وعبر الكتب السماوية التي ختمها الله بالقــرآن ،  ولأنه الكتــاب الأخير حفظه الله من التغيير أو ( التبديل ) (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون) [ الحجر :  9 ] . .  والإسلام دين الله القديم ودين الله الجديد ودين الله إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها  .

 النظام الجديد المطلوب هو الذي يمنع الفوضى في علاقات الإنسان ،  علاقته بربه ،  وعلاقته بنفسه ،  وعلاقته بالناس وعلاقته بالدولــة ،  فليس لـه الحرية كمـا في ( النظـام العالـمي الجديد ؟! ) في أن يأكـل ما يشـاء أو أن يـشرب ما يشـاء أو أن يلبس ما يشـاء وأن يتصرف في المجتمع كالحيوان ،  لا قيود ولا حلال ولا حرام .. ( النظام العالمي الجديد ) كما تريده أمريكا هو تركيز لهذه المفاهيم ،  ( والنظام العالمي الجديد ) كما يريده الله ويريده المؤمنون والذي جاء على لسان الأنبياء لعلاج مشكلة الإنسان ،  أي إنسان ،   في جميع أنحاء الكرة الأرضية ،  لا تفريق في اللون ولا في الجنس ولا في اللغــة ولا في الجغرافيــة ،  فقد جاءت شريعــة الله لإشبــاع حاجـات الإنسان الغريزية بشكل منظم لا كبت ولا رهبانية ولا انفــلات ولا فوضويــة .  فالإنسان في حاجة إلى ( نظام عالمي جديد ) حقا ،  يرى الإنسان فيه التغيير في مأكله وملبسه وعلاقته بمجتمعه حتى تعيش الإنسانية في وئام ،  وهذا قادم بإذن الله بالإسلام الذي سينظم شؤون الدنيا  .

 والذي يقرأ الصحافة اليوم والمؤلفات الكثيرة التي تصدر هنا وهناك في الشرق والغرب ويستمع إلى وسائل الإعلام التي تخوف العالم من الأصولية أي (الإسلام) وكأن الإسلام بعبع يريد أن يفترس الإنسان ،  فهؤلاء الناس ( أعوان الشيطان ) الذين نرجو من الله لهم الهداية سواء كانوا من أصل إسلامي أو غير إسلامي ،  فالإسلام جاء لهدايــة البشر ،  فكيف يخوفون الناس من الأصولية ؟ وماذا تعني الأصولية ؟ . .  أيخافون أن يعبد الناس الله وحده ولا يشركون به شيئا ؟ أيخافون على الربا والربويين وإحتكار المحتكرين ؟ أيخافون على تحريم المخدرات وتحريم المسكرات ؟  أيخافون على ترف الحكام المارقين وفسوق بعض الأثرياء المنحرفين ؟  أيخافون أن يشبع الجائع وأن ينكسي العاري وأن يطمئن الخائف ؟  أيخافون أن يقف واحد من الناس فيقول لحاكم مثل عمر بن الخطاب أمير المؤمنين :" اتق الله يا عمر " ؟ . . أيخافون من قول الرسول صلى الله عليه وسلم :""  من ترك مالا فله ولورثته ،  ومن ترك دينا فعلي وإلي  "" ،  لماذا يخافون من الأصولية وكثير منهم لم يعرف القرآن ولا اطلع على أحاديث رسول الله ولا قــواعد الإسلام ،  ومنهم من لم يقرأ كتابا إسلاميا في حياته ومنهم من يقرأه فيخاف على فكره القديم فيصر على ضلاله خوفا من أن يقال أنه كان على خطأ .  إن الذي يحدث اليوم في الجزائر وفي مصر وفي بقية العالم الإسلامي ومنهم العرب هو إصرار من الشيطان وأعوان الشيطان على مقاومة القرآن وتحدي لله ،  وعلى العمل لبقاء الجوع في مصر والجوع في الجزائر والجوع في غير مصر والجزائر من بلاد المسلمين ،  مع أن الله قد أعطانا الآن مثلا حيا على ( النظام الإسلامي ) في السودان ،  التي حينما طبقت الإسلام شبعت بعد جوع ،  وأنكست بعد عري وأطمأنت بعد خوف وهي تسير من نصر إلى نصر تحطم الوثنية والصليبية  .

 إن الذين يقاومون الصحوة الإسلامية اليوم يصبون في مصلحة بقاء إسرائيل دولة ،  لأن الذي يرفض بقاء إسرائيل دولة هو الإسلام مهما حاول علماء السلاطين والحكام المتمسحون بالإسلام أن يقولوا غير ذلك .  هيا إلى النظام العالمي الإسلامي الجديدوالقديم قدم الدهر والجديد ما دام الدهر ننقذ به أنفسنا وننقذ به البشرية ونقضي على دولة يهود  .

 وحسبي أني قصدت بهذا الكتاب وجه الله محاولا كشف الغشاوة عن العيون والرين عن القلوب ،  العيون التي أصابها العمى فلم تعد ترى النور وأختلط عليها الأمر وأضطربت السبل وأصبح صاحبهــا كحاطب ليــل ،  لا يهتدي إلى طريق ولا يعرف السبيل إلى الخلاص ،  الخلاص بين أيدينــا والهدايــة بين أظهرنا في كتاب لا يضل ولا ينسى  .

 لقد حاول المحاولون خلال هذا القرن والقرن الذي سبقه السير في كل الطرق التي يظنون بها الخلاص ووصلوا إلى باب مسدود فصدمتهم الحقيقة وبدأ يفيق كثير منهم على أن لا خلاص لهذه الأمة إلا بما إهتدت به أول مرة وهو الإسلام . . 

 والسلام على من اتبع الهدى  .

                                                                         المؤلف
   أسعد بيوض التميمي 

 

الغيب في المعركة والتغيير الكوني

 الغيب 

 هو ما لا يقع تحت الحواس الخمس ،  لا تراه بعينك ولا تسمعه بأذنك ،  ولا تحسه بيدك ،  ولا تشمه بأنفك ،  ولا تذوقه بلسانك ،  لكنه موجود ملموس بأثره ،  مرئي من خلال خلقه ،  مسموع من خلال كلامه ،  معروف من خلال مخلوقاته ،  متصل بخلقه من خلال كتبه وأنبيائه  . 

والغيب هنا هو الإيمان بوجود الله جل جلاله ،  الذي لا يؤمن الإنسان إلا إذا آمن به ( ألم * ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين * الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون ) [ البقرة :  1 - 3 ] ..  وإن كانت كلمة ( الغيب ) تشمل أكثر من ذلك من مخلوقات الله ، فالجنة غيب ،  والنار غيب ،  والبعث غيب ،  والحساب غيب ،  والصراط غيب ،  وخلود المؤمنين في الجنة غيب ،  وخلود الكفار في النار غيب ،  والملائكة غيب ،  والجن غيب وعذاب القبر غيب  .

 الـغيب الـذي نؤمـن به هـو مـا جـاء فـي الـقرآن أو الـحديث الصحيح ،  ولكن الغيب الذي نحن بصدده وليس هناك إيمان بدونه ،  هو الإيمان بوجود الله سبحانه وتعالى أو كما جاء في الحديث الصحيح ""  أن نؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر ،  والقدر خيره وشره من الله تعالى  ""  كما ورد في البخاري  .

 وتاريخ البشرية منذ خلق آدم وما جرى بينه وبين إبليس في الجنة ،  بعد أن أغواه إبليس فأنزله الله إلى الأرض عقوبة له على مخالفة أمره ،  والمعركة دائرة بين خط الله المتمثل بأنبياء الله ورسله وكتبه ،  وبين إبليس وأعوانه من شياطين الإنس والجن والذين يمثلون هذا الخط ( خط إبليس ) هم الذين لا يعبدون الله ولا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر  .

فالمعركة معركة النبوة مع أعداء الله ،  وهذا التاريخ الحقيقي لبني البشر وليس كما يقول الماديون والعلمانيون الذين كانوا يمثلهم الفكر الإلحادي الشيوعي ،  والذي إنهار قبل إنهيار الاتحاد السوفياتي والحزب الشيوعي ،  والذي كان يمثل أكبر فلسفة كاذبة خادعة في تاريخ البشرية  . والذي سيلحق به بإذن الله الفكر الرأسمالي العلماني ،  الذي يفصل الدين عن الحياة ،  ليعيش الإنسان في بهيميه حمقاء ،  وفي تفسخ ورذيلة وفي عناء وشقاء  .

 إن هذا الغيب الذي يعنينا في هذا الكتاب ،  والذي لا نريد به كتابا يضاف إلى المكتبة الإسلامية فقط ،  ولكن يراد به أن يأخذ من القرآن والسنة (الغيب) ،  ما يبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات بأن لهم نصرا موعودا ومجدا مأمولا ليضاف إلى مجدهم السالف ،  وليظهره الله على الدين كله ولو كره المشركون ولو كره الكافرون  .

فهذه الدنيـا لا تعيش هملا ولا تحيا انفلاتا ،  وإنما قعد الله لها القواعد في الكون والإنسان والحياة ،  فإذا سارت على هدى من اللـه أمنـت وعاشـت في ظـل رحمـة الله ،  تعبد الله بأمن وطمأنينة ( وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ) [ الذاريات : 56 ] ،  وإذا انحرفت عن خط سـيرها الإلهي اضطربت وأرتبكت وعاقبها الله بإحدى سننـه الموجـودة فـي الكون ،  وبأسـلحتـه التي لا تحصى ولا تعد ( الأمراض ، الأعاصير ، الحرائق ، الزلازل ، الفيضانات ، الحروب الأهلية . . . الخ )  .

 فنحن أمة أوجدها القرآن .  فيه كلام الله في الحياة والكون والإنسان ، وكذلك أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم التي هي جزء من الوحي تفصل وتبين وتوضح ما أجمل من أحكام القرآن ،  فالقرآن هو الوحي المتلو ،  والسنة هي الوحي الغير المتلو ،  في حديث مسلم ""  أن الرسول صلى الله عليه وسلم جلس على المنبر ذات يوم من الفجر حتى الظهر ومن الظهر حتى العصر ومن العصر حتى المغرب - قال راوي الحديث الحذيفة بن اليمان - وبدأ بنا يحدثنا صلى الله عليه وسلم كيف بدأ الله خلق الخلق ،  ثم سار بنا حتى أدخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار ، وما من فتنة حتى قيام الساعة إلا وحدثنا عنها ،  فحفظ من حفظ ونسي من نسي وأعلمنا أحفظنا ""  .

 ولذلك نجد في كتب السير والأحاديث وفي باب الفتن وفي علامات الساعة هذا الصحابي يروي هذه الحادثة عن علامات الساعة ،  وأخر يروي حادثة أخرى من علامات الساعة وهكذا كل صحابي يروي بما حفظ من علامات الساعة  .

 والذي يعنينا من الغيب الآن أمرين اثنين  :

   أولا  :   حتمية نصر الإسلام بعد هذه الإنتكاسة الكبرى التي لحقت بالمسلمين في هذا القرن والقرنين الذي قبله  .

   ثانيا  :   حتمية زوال دولة إسرائيل ،  التي هي القضية المركزية في حياة المسلمين الآن  . 

 الغيب في حياة الرسول الكريم
( صلى الله عليه وسلم)

-   الغيب في العهد المكي  :

 وحينما نتحدث عن الغيب ، نعني به ما جاء في القرآن والسنة الصحيحة ،  ونرفض ( الدجل ،  والكذب ، والتنجيم  والإستعانة بالشياطين ) ..  حيث أن هذا الدين من أول يوم بعث فيه الرسول صلى الله عليه وسلم إلى أن لقي ربه ،  كانت حياته معتمدة على الغيب ،  أي معتمدة على الله وحماية الله ونصر الله له  .

فحينما نزل عليه الوحي في مكة ( في غار حراء ) وجاءه جبريل ،  وكان قد فر بنفسه من حياة مكة الوثنية بكل ما تحويه من آثام وإنحرافات أشقت الإنسان ،  وقد كان الله سبحانه وتعالى قد هيــأه صلى الله عليه وسلم لحمل هذه الرسالـة ،  فلم يسجد لصـنم قط ،  لم ولم يرتكب محرما قط ،  وكان يفر بنفسه للغار للتفكر في خلق السماوات والأرض .  فينزل علي،ه جبريل ،  فيضمه إليـه ويقول له : " إقرأ " ،  وكان الرسول صلى الله عليه وسلم أميا لا يقــرأ ولا يكتب ،  قال : ""مـا أنا بقــارىء"" ، فيضمه إليـه مــرة أخــرى فيقول :" إقرأ " ،  فيقول :"" ما أنا بقارىْء ""،  فيضمه الثالثــة ويقــول له : " إقرأ " ،  فيقـول :""  ما أنا بقارىء ""،  ثم يقــول لــه :  ( إٌقــرأ باسم ربــك الذي خلق * خلق الإنسان من علق * إقــرأ وربـك الأكــرم * الـذي علــم بالقلم * علم الإنسـان مالـم يعلـم ) [ العلق : 1 - 5 ] ..  فيعود الرسول صلى الله عليه وسلم إلى بيته عند زوجته خديجة مضطربا خائفا ،  فيطمئنه عمها ورقة بن نوفل ،  وكان من أهل الكتاب ولم يكن وثنيا ،  فيقول له :  هذا الناموس الذي أنزل على موسى عليه السلام  .

 وهنــا يبرز الغيب في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم ،  يسير معه خطوة فخطوة ،  ويأمره ربه بأن ينذر عشيرته الأقربين بأنه رسول رب العالمين ( وأنذر عشيرتك الأقربين ) [ الشعراء : 214]  ..  فيقف على الصفا وينادي أفخاذ قريش من عبد مناف وعبد المطلب وبني هـاشم ،  وكان الرسول معروفـا لديهم بالأمـانة والصدق ،  فيقول لهم صلى الله عليه وسلم :"لو أخبرتكم بأن خيلا في بطن هذا الوادي تريد مكة أومصدقي أنتم ؟ قالوا : نعم ،  ما عهدنا عليك كذبا" ،  فقال صلى الله عليه وسلم :"إني رسول الله إليكم وإلى الناس كافة" ..  فيكذبه قومه  .

 وتستمر المعركة بين الرسول صلى الله عليه وسلم وبين أهل مكة ثلاث عشرة سنة ذاق الرسول والذين آمنوا معه الأمرين ،  عذاب وضرب وإهانة ،  ولكنه كان واثقا من النصر ،  لأنه رسول رب العالمين ،  وهذا العذاب الذي ذاقه في مكة هو وأصحابه درس للمؤمنين من بعده ،  والدعاة من خلفه ،  إنه إذا كان الرسول قد عذب ،  فما لكم لا تعذبون ؟ ،  وقد صبر فلماذا لا تصبرون ؟ ،  ولقد إنتصر فلماذا لا تنتصرون ؟ ،  فالذي نصر محمدا هو الله ،  والذي ينصركم هو الله  .

 وتغلق مكة أسماعها وتتجمد قلوبها إلا قليلا من السادة وكثيرا من العبيد والمستضعفين ،  الذين فروا من العذاب إلى الحبشة مرتين ،  ليعبدوا الله في هدوء وطمأنينة ،  ويخرج الرسول إلى الطائف لعل أهلها يسلمون ،  فيجتمع مع سادة ثقيف عبد ياليل وأخوانه ،  فيرفضون الإسلام ،  فيقول : "" اكتموا عني - أي لا تخبروا الناس - أني قد جئتكم "" ،  ولكنه الكفر دائما ، وأنى للكفر أن يصدق في عهد أو ميثاق  .  فيسلطون عليه صبيانهم ومجانينهم يلاحقونــه ويقذفونـه بالحجــارة فينزل الـدم من رجليه الشريفتين صلى الله عليــه وسلم حتى أوى إلى حائط عتبــة بن ربيعــة أحد سادة قريش  .

 فينــادي ربه بهذا الــنداء الجميــل :""  اللهم إني أشكـو إليك ضعف قوتي وقلة حيلتي وهواني على الناس ،  يا أرحم الراحمين ،  أنت رب المستضعفين ،  أنت ربي إلى من تكلني ،  إلى عدو يتجهمني أم إلى قريب ملكته أمري ،  أعوذ بنور وجهك الذي أضاءت به الظلمات وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة أن يحل بي غضبك أو أن ينزل علي سخطك ،  إن لم يكن بك علي غضب فلا أبالي ولكن عافيتك أوسع لي لك العتبى حتى ترضى ولا حول ولا قوة إلا بالله  ""  .

 وهنا يعمل الغيب ،  فينزل جبريل عليه السلام ومعه ملك الجبال فيقول له :  " لو أمرتني لأطبقت عليهم الاخشبين " - يعني جبلي مكة - ،  فيجيبه صلى الله عليه وسلم :"" أللهم إهد قومي فإنهم لا يعلمون ""  .

 وفي السنة العاشرة من البعثة ،  يقع الرسول صلى الله عليه وسلم في إمتحان عسير إذ يموت عمه "أبو طالب" الذي كان يحميه ،  وزوجته "خديجة" التي كان يركن إليها فيرى فيها السكون والهدوء والراحـة ،  فتخفف من آلامه ،  فيرحم الله نبيه فيسري عنه فتكون حادثة الإسراء من مكة إلى القدس ،  لتصبح القدس وفلسطين وبلاد الشام جزءا من عقيدة المسلمين ،  فيحيي الله له الأنبيـاء ويؤمهم في القدس ( المسجد الأقصى ) ،  وهذه بيعة منهم إليه بأن دينه هو خاتم الأديان التي سينقذ البشرية إلى يوم القيامة ،  ويعرج به من القدس إلى السماء ،  فيرى من آيات ربه الكبرى ،  ( ولقد رآه نزلة أخرى * عند سدرة المنتهى *  عندها جنة المأوى *  إذ يغشى السدرة ما يغشى * ما زاغ البصر وما طغى * لقد رأى من آيات ربه الكبرى ) [ النجم : 13 - 18 ]  .

 ويضطرب المجتمع في مكة ،  ويرتد بعض من آمن حديثا حينما أخبرهم الرسول بأنه ذهب إلى القدس ،  وأنه صعد إلى السماء في ليلته هذه ،  وها هو بينهم ،  ( وهؤلاء المرتدون من البشر ) والبشر غير المؤمنين لا يفكرون إلا تفكيرا ماديا يربطون الأسباب بالمسببات ،  ولكن لله في خلقه خطا آخر ،  فهو الذي أمر بربط الأسباب بالمسببات ،  فالنار تحرق ،  والسكين تقطع .  وفي دعوته لهداية البشر يرسل الرسل ويأتي على أيديهم بمعجزات لا يربط فيها الأسبـاب بالمسببات ،  فإبراهيم عليه السلام يلقى في النـار فلا يحـترق ،  والسكـين لا تقطع رقبة إسماعيل عليه السلام ،  وعصا موسى عليه السلام تلقف ما يأتي به سحرة فرعون ،  وعصا موسى عليه السلام تفلق البحر إلى إثني عشر طريقا ،  وعيسى عليه السلام يحي الموتى بإذن الله ،  ويبرىء الأكمه والأبرص بإذن الله . .  وهكذا كل الأنبياء لهم معجزات خاصة بهم تناسب أمتهم وزمانهم  . 

فالمعجزة بالنسبة للأنبياء أمر خارق للعادة يأتي على يدي نبي على سبيل التحدي لقومه ،  ليعجزهم أن يأتوا بمثلها ،  ومن هذه المعجزات معجــزة الإســراء والمعراج ، وبما أن محمدا صلى الله عليـه وسلم الرسول الأخير والخاتم ،  فمعجزته في الإسراء والمعراج كانت معجزة في عهدها ،  وهي الآن معجزة في عصر الصواريخ والسفن الفضائية ،  فمهما أكتشف العلماء من سنن الله في الكون في علم الفضاء والصواريخ ،  والمركبات الفضائية ،  فهي لا تصل ولن تصل إلى معجزة الله في نقل محمد صلى الله عليه وسلم إلى القدس وصعوده إلى السماوات العلى إلى سدرة المنتهى ..  فالبشر يستعملون الطاقة بأشكالها ،  ومحمد حمله البراق وصعد به المعراج بغير الطاقة  .

 وهنـاك الكرامة ،  وهي أمر خارق للعادة تأتي على يد ولي من أولياء الله لا على سبيل التحدي لقومة ،  ولكن على سبيل إكرام الله له ،  كما حصل مع أبي مسلم الخولاني ،  الذي ذهب إلى اليمن في عهد رسول الله صلى الله عليـه وسلم وكان الأسود العنسي في الـيمن قد إدعى الـنبوة مع من إدعى النبوة من المرتدين العرب ، فأستدعــاه الأسـود العنسي وقال له : " هل تشهد أن محمدا رسول الله ؟ " ،  قال أبو مسلم :" نعم " ، قال الأسود :" هل تشهد أني رسول الله ؟ " ، قال أبو مسلم :" لا أسمع " . فأمر الأسود العنسي بإيقاد نار فقذفه فيها ،  فلما خمدت النيران وجدوه يصلي في داخلها ..  كرامة له ومعجزة لمحمد صلى الله عليه وسلم ،  إذ لولا إيمانه بالله وبمحمـد رسـول الله صلى الله عليــه وسلم لمـا نجى من النار ،  فلما رجع أبو مسلم إلى المدينة وكان الرسول الله صلى الله عليه وسلم قد توفي وتولى الخلافة أبو بكر الصديق ،  فأجلسه عمر بن الخطاب بينه وبين أبي بكر وقال :" الحمد لله الذي جعل من أمة محمد صلى الله عليه وسلم من يقذف في النار فلا يحرق كإبراهيم عليه السلام "  .

الغيب في الهجرة  :

 ولما استعصت مكة على الهداية كان لا بد للدعوة من أن تنطلق ،  فأذن الله لنبيه بالهجرة ، بعد أن إستجابت المدينة إليه في موسمين من مواسم الحج ، وبعد أن هيأها مصعب بن عمير - رضي الله عنه - ،  وكان الرسول صلى الله عليه سلم قد أرسله معلما إلى المدينة ،  ولما رجع إليه قال :  " يا رسول الله ،  لم أتـرك بيتا في المدينة إلا وذكر فيه الإسلام " ،  فيأذن الرسول صلى الله عليه وسلم لأصحابه بالهجرة ،  وكانت قريش قد قررت إغتياله بشكل جماعي حتى يتفرق دمه بين القبائل فلا تستطيع بنو هاشم محاربة ومقاتلة قريش كلها  .

 ويبدأ الغيب يعمــل ،  فيخرج الرسول عليــه السلام من بيتــه وهـم نيــام فيضع الــتراب على رؤوسهـم وهو يتلـو قـول الله تعالى ( وجعلنا من بين أيديهم سدا ومن خلفهم سدا فأغشيناهم فهم لا يبصرون ) [ يس : 9 ] ..  وينــام علي بن أبي طالب - كرم الله وجهه - في فراشه تضليـلا لقريش ويختبىء هو وأبو بكر في غار ثور ،  وتعلن قريش مكافئة مائة من الإبل لمن يأتي بالرسول حيـا أو ميتا .  ويعمل الغيب مرة أخرى ،  فتصل قريش إلى باب الغار غار ثور فيضطرب أبو بكر خوفا على حياة الرسول صلى الله عليه وسلم فيقول :  يا رسول الله لو نظر أحدهم إلى موضع قدميه لرآنا ،  فيجيب الرســول صلى الله عليــه وسلم إجابة الواثــق بحمــاية الله لـه :"" يا أبا بكر ،  ما ظنك باثنين الله ثالثهما  "" ،  ( إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني إثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا فأنزل الله سكينته عليه وأيده بجنود لم تروها وجعل كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة الله هي العليا والله عزيز حكيم ) [ التوبة :  40 ] ..  ويسير الرسول صلى الله عليه وسلم وأبو بكر في رعاية الله ويمرون في الطريق على أم معبد ،  إمرأة من العرب تعيش ضنك العيش ،  وعندها شاة لا تقوى على القيام لهزلها وضعفها ،  فيقول لها الرسول صلى الله عليه وسلم :""  هل عندك من لبن تسقيه لنا  "" ،  فأخبرته أن زوجها يرعى الغنم بعيدا وأنه لا يوجد عندها غير هذه الشاة الضعيفة التي لا تقوى على الحراك ،  فيمسها الرسول صلى الله عليه وسلم بيده الشريفة ويمس ضرعها فتفيض حليبا فتحلب أم معبد لهم فيشرب ثلاثتهم الرسول صلى الله عليه وسلم وأبو بكر والدليل ،  فلما رجع زوجهـا إلى البيت وأخـبرته الخبر بأنه مر بنــا رجل مبــارك وقصت عليه قصتها معه .  فقال لها :  لعل هذا صاحب قريش الذي تبحث عنه  .

 ويلحق سراقة بن مالك بالرسول صلى الله عليه وسلم لعله يقبض على الرسول فيفوز بالمائة من الإبل التي أعلنتها قريش لمن يأتي بالرسول حيا أو ميتا ،  وهنا يظهر الغيب الذي لم يتخل عن رسول الله لحظة واحدة فتكبو في سراقة بن مالك فرسه مرة ومرة ومرة ، فيلتفت الرسول صلى الله عليه وسلم إليه ويقول :"" إرجع يا سراقة ولك سوارا كسرى  "" ، وأظنه عاد ولسان حاله يقول :" أي رجل هذا من قريش الذي سيأخذ سواري كسرى "  ،  ويرجع سراقة وهو متعجب من هذا الوعد ،  ولعله يقول في نفسه :" لعلها ضربة شمس أصابت الرجل "..  وتمضي الأيام فإذا سعد بن أبي وقاص في إيوان كسرى ،  وإذ هو يصلي ثمان ركعات بتسليمة واحدة ،  صلاة النصر ، لم يلتفت للقصر وما فيه من زخارف وأثاث ورياش تأخذ بألباب أي إنسان ، وكانت من بينها سجادة مرسوم عليها بلاد فارس بخيوط من الذهب والفضة وجبالها من الجواهر، ولما وصلت السجادة إلى عمر في المدينة قسمها بين الصحابة ،  فباع علي - كرم الله وجهه - حصتـه منهـا بعشرين ألـف دينـار ذهب ،  وليست حصته بأجودها .  لم يلتفت سعد وجنده إلى هذا كله ،  لأن الإيمان قد عمر قلـوبهم ،  لأنهم يعلمـون أن الـنصر من عند الله وإنما هم من جند الله ،  فلما وصلت الغنائم إلى عمر بن الخطاب في المدينة ومنها جواهر كسرى ومن ضمنها الأساور فينادي عمر سراقة بن مالك فيقول له : " خذ سواري كسرى صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم "  .

 وهكذا حينما كنا نخبر بأن الكرملين سينهار وتنهار معه الدولة الالحادية والحزب الشيوعي ، وقد كنا نبشر بهذا الإنهيار قبل وقوعه استنادا إلى الغيب والوحي في قوله تعالى (ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون) [التوبة : 33] وغيرها من الآيات والأحاديث ، وكان بعض الناس حينما يسمعون ذلك يسمعونه بإستخفاف وإزدراء ولا يتصورون دولة عظمى تملك من وسائل التدمير الكبير يمكن أن تنهار وأن يلحقها البوار ،  وهؤلاء الناس لا يؤمنون بالغيب وإنما تفكيرهم تفكير ترابي .  وهكذا حينما نقول اليوم بأن أمريكا سيلحقها البوار والإنهيار والتفسخ عقوبة من الله لها لا يقبلونه ولا يتصورونه أيضا ،  بالرغم من أن البوادر والإرهاصات لـهذا الأمر قــد بدأت تبشر بتفكك دولة أمريكا (العظمى) ،  وهؤلاء النـاس يفكرون تفكـيرا ترابيـا لا يؤمنـون بالغيب وصدق الله سبحانه وتعالى فيهم ( واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فأنسلخ منها فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين * ولو شئنا لرفعناه بها - ينظر إلى الأمور نظرة ربانية علوية - ولكنه أخلد إلى الأرض - فأخذ يبحث عن الأسباب والمسببات الدنيونيــة فقط - وأتبع هـواه فمثله كمثــل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث -يناقشون الأمور بصلف وتكبر وعمى- ذلك مثل القوم الذين كذبوا بآياتنا فأقصـص القصص لعلهم يتفكرون ) [ الأعراف : 175 - 176 ]  .

  الغيب في العهد المدني

 -   الغيب في غزوة بدر  :

 ويستمر الغيب في تحقيق النصر للمسلمين فتكون بدر الكبرى ،  حيث إلتقت قوى غير متكافئة لا عددا ولاعدة في ساحة المعركة ،  فجيش المشركين ما بين التسعمائة والألف ومعهم سبعون فرسا - والفرس في المعركة في ذلك الحين لها فعل عظيم - وبين جيش المسلمين البالغ ثلاثمائة ونيف ومعهم فرسان .  وقد خرجت قريش بأسلحتها الكاملــة لأنها أرادت أن تثبت موجوديتهــا في الحجاز ،  وتدافع عن زعامتها في العرب كلها ،  وفي المقابل خرج الرسول صلى الله عليه وسلم لا يريد المعركة ولا الحرب ،  وإنما يريد الأموال والغنيمة ،  ولكن القافلة التي أراد أن يتعرض لها فر بها أبو سفيان وأوصلها مكة سالمة ،  ومع هذا فقد أصرت قريش وخصوصا أبا جهل ( عمرو بن هشام ) على مواجهة التحدي والإستمرار في محاولة تثبيت الهيبة وتثبيت الزعامة ،  ولما فرضت المعركة على الرسول قبلها ،  فالتقى الجيشان على أرض بدر ،  وهي أرض تبعد عن المدينة حوالي مائة وخمسين كيلومترا ،  وبنى المسلمون لرسول الله صلى الله عليه وسلم عريشا ،  يشرف منه على المعركة ،  فلما بدأت المعركــة أخذ يناجي ربه ويقول :""ربي نصرك الذي وعدتني ، ربي أنجز لي ما وعدت ، ربي إن تهلك هذه العصابة لا تعبد"" ، ويرفع يديه مستغيثا حتى بان بياض أبطيه،  فأشفــق عليه أبو بكر - رضي الله عنه - وكان معه في العريش فقال :  يا رسول الله بعض مناجاتك لربك والله لن يخذلك أبدا ،  وتأخذ الرسول صلى الله عليه وسلم إغفاءة ،  فيرى مصارع القوم ،  فأخذ حفنــة من الحصى ورماها بوجوه القوم وقال :"" شاهت الوجوه "" فلم يبق مشرك من جيش قريش إلا ودخلت الحصى في عينيه (وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى) [الأنفال :17] ..  وتنزل الملائكة ويقول بعض الصحابة :  كنت أضرب المشرك فأرى رأسه يقع قبل أن يصل سيفي إلى رقبته  .

 ويروي شيخ المؤرخين الطبري عن رجل شهد المعركة ،  وكان مشركا قال كنت وأبن عم لي في ساحة المعركة ،  ولا إرب لنا فيها ،  فصعدنا إلى جبل ننتظر أن تنتهي المعركة فننتهب من الغنيمة أيا كان المنتصر ،  وبينما نحن على سفح الجبل إذ أقبلت غمامة سوداء في وسطها حمحمة - صوت الخيل - وإذا صوت فيها يقول أقدم حيزوم ،  فخلع قلب ابن عمي لساعته فمات ،  وتماسكت أنا فلمـا انتهت المعركة ،  نزلت فأخبرت الرسـول صلى الله عليـه وسلم  بذلك ، فقال :""  هذا جبريل وسط الملائكة ، وحيزوم فرسه التي كان يركبها  "" .

 وتنتهي المعركة بهزيمة لقريش وقتل سادتها وقادتها ،  ويسجل الله ذلك في كتابه ( إذ تستغيثون ربكم فأستجاب لكم أني ممدكم بألف من الملائكة مردفين * وما جعله الله إلا بشرى ولتطمئن به قلوبكـم وما النصر إلا من عند الله إن الله عزيز حكيم ) [ الأنفال : 9 - 10 ]  .

 ولـقد حارب الكون كله مع رسول الله ،  المطر ،  الأرض،  النعاس ليقوى الجند على المعركة،  وتمضي الآيات لتصف تدخل الغيب : ( إذ يغشيكم النعاس أمنة منه وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به ويذهب عنكم رجز الشيطان وليربط على قلوبكم ويثبت به الأقدام * إذ يوحي ربك إلى الملائكة أني معكم فثبتوا الذين آمنوا سألقي في قلوب الذين كفروا الرعب فأضربوا فوق الأعناق وأضربوا منهم كل بنان ) [ الأنفال : 11 - 12 ]  ..  وتنتهي معركة بدر الكبرى ،  والتي لو هزم المسلمون فيها لما بقي إسلام في الأرض ،  ولكن النصر فيها كان مفتاح النصر الكبير للإسلام عبر القرون ولأن يدخل الناس في دين الله أفواجا  .

-   الغيب في غزوة أحد  :

 ويستمر النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمون في المعركة مع الشرك ،  وتأتي بعد بدر أحد ،  ليعلم الله المسلمين أن مخالفة أوامر رسول الله صلى الله عليه وسلم معصية ،  وأن لا نصر مع المعصية ،  درس من الله يجب أن يستفيد المسلمون منه عبر التاريخ ..  وفي أيامنا هذه فما كان الله لينصر المسلمين بعقيدة البعث ،  أو الشيوعية ،  أو العلمانية ،  أو الاشتراكية ، أو الماسونية أو القومية المجردة عن الإسلام  .

 وكان رسول الله في أحد قد رتب الجيش ،  فوضع فئة من الجيش تحمي ظهر المسلمين ،  وأمرهم الرسول أن لا يغادروا أماكنهم سواء إنتصر المسلمون أو إنهزموا ،  وفي بدء المعركة كانت الغلبة للمسلمين ،  فطمعت بعض هذه الفئة في الغنيمة ،  فتركت مواقعهــا لتشــارك في جمع الغنيمــة ،  فأغتنم خالـد بن الولـيد - وكان حينئذ مشركا - الفرصة ،  فهجم على المسلمين في منطقة انكشــاف ظهرهم ،  وأضطرب جيش المسلمين ووقــع الرسول صلى الله عليــه وسلم في الحفرة ،  ودخل المغفر ( الحلقة ) في جبينــه ،  وأشيع أن رسول الله قد استشهد ،  وكانت هناك دروس وعبر ،  والنصف الأخير من سورة آل عمران يصف هذه المعركــة والنتـائــج المترتبــة عليها  ،  ويعلم الله المسلمين أن رسوله بشر ،  لا يموت الإسلام بموته ولا بذهابه ( وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل إنقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين ) [ آل عمران : 144 ]  .

 ويفصل الله ذلك في كتابه (ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة فاتقوا الله لعلكم تشكرون * إذ تقول للمؤمنين ألن يكفيكم أن يمدكم ربكم بثلاثة آلاف من الملائكة منزلين * بلى إن تصبروا وتتقوا ويأتوكم من فورهم هذا يمددكم ربكم بخمسة آلاف من الملائكة مسومين * وما جعله الله إلا بشرى لكم ولتطمئن قلوبكم به وما النصر إلا من عند الله العزيز الحكيم) [آل عمران : 123-126]  .

 وكان النبي صلى الله عليــه وسلم حينما وقـع في الحفرة ودخل المغفر في جبينه قال :"" كيـف يفلح قوم أسالوا دم نبيهم ؟ "" فيجيبه الله ( ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون ) [ آل عمران : 128 ] ،  ويقف أبو سفيان بعد انتهاء المعركة وقد إستشهد من المسلمين سبعون من بينهم أسد الله ورسوله حمزة عم النبي صلى الله عليه وسلم ، ومصعب بن عمير معلم الإسلام الأول في المدينة ، فيقول أبو سفيان : "يوم بيوم ،  يوم أحد بيوم بدر " ويقول :" إعل هبل "ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم لعمر بأن يجيبه :"" بل الله أعلى وأجل ، قتلاكم في النار وقتلانا في الجنة  ""  .

 وتكون أحد درسا لكل المسلمين عبر التاريخ ،   ودعوة للمقاتلين في سبيل الله ألا يخالفوا أمر الله ولا أمر رسوله ،  وأن يعتقدوا جازمين بأن النصر بيد الله (إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله أولئك هم الصادقون ) [ الحجرات : 15 ]  .

 وتستمر المناوشات بين قريش وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم ،  ولما حدثت معركة أحد وأصيب فيها المسلمون أطمع ذلك يهود ، وظنوا أن المسلمين ضعفوا ،  فتحرك شيطانهم الماكر في المدينة ، فقـرروا التحريض على رسـول الله ، فذهب وفد من يهود إلى مكة ، يحرضون على قتال رسول الله ، وتسألهم قريش بصفتكم أهل الكتاب الأول : أديننا خير أم دين محمد ؟ فيقولون لهم بخبث يهود ومكر يهود وغدر يهود وكذب يهود :  بل دينكم خير من دين محمد ،  ويسجل الله هذا الأمر في كتابه الكريم (ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت ويقولون للذين كفروا هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلا * أولئك الذين لعنهم الله ومن يلعن الله فلن تجد له نصيرا * أم لهم نصيب من الملك فإذا لا يؤتون الناس نقيرا ) [النساْء : 51-53 ]  .

 -   الغيب في غزوة الأحزاب  :

 وتتهيأ قريش بعد أن عقدت معاهدة مع يهود لغزو المدينة من جديد ،  وتتحرك قريش ب عشرة آلاف مقاتل ،  جيش لم تشهده الجزيرة العربية من قبل ،  وينضم إليهم ألاف من الأعراب في الطريق  .

 ويصل الخبر إلى الرسول صلى الله عليه وسلم ،  فيأخذ بالأسباب المادية التي لا بد منها لطمأنة النفس البشرية فقط لأن الـنصر من عند الله ،  فيشير عليه سلمان الفارسي - رضي الله عنه - بأن يحفر الخندق حول المدينة ،  وقال : " كنا في فارس إذا هوجمنا خندقنا " .. ثم بعد ذلك يبدأ الغيب في العمل ،  وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قسم حفر الخندق بين أصحابه ، فأعترضت صخرة في الخندق في القسم الذي كان يعمل به حذيفة بن اليمان وسلمان الفارسي - رضي الله عنهما -  ،  ولم يستطيعوا مع الصخرة عملا ،  فخرجوا إلى رسول الله يستشيرونه ماذا يفعلون ،  فنزل صلى الله عليه وسلم الخندق ،  وأخذ المعول بيده ،  فضرب الصخرة أول ضربة فخرج منهــا شرر أضــاء ما بين لابتي المدينة ( أطراف المدينة ) ،  فكبر الرسول وكبر أصحابه بتكبيره وأنفلق ثلث الصخرة ،  وضرب الصخرة الضربة الثانية ،  فخرج منها شرر أضاء ما بين لابتي المدينة ،  فكبر الرسول وكبر أصحابه بتكبيرة وأنفلق الثلث الثاني من الصخرة ،  وضرب الصخرة الضربة الثالثة فأنتهت الصخرة ،  وخرج منها شرر أضاء ما بين لابتي المدينة ،  فكبر الرسول وكبر أصحابه بتكبيره ،  ولما خرج الرسـول صلى الله عليـه وسلم من الخندق سأله حذيفة بن اليمـان عن الشرر الذي كان يخرج وعن التكبير الذي كان يكبره  .

 فقال صلى الله عليه وسلم :"أرأيتم ما رأى حذيفة ؟ " ، قالوا : "نعم"،  فقال رسول الله صلى عليه وسلم :""  أما الضربة الأولى فقد أضاءت لي منها قصور الحيرة بأرض فارس فأخبرني جبريل بأن أمتي ظاهرة عليها ، وأما الضربة الثانية فقد أضاءت لي منها قصور الحمر بأرض الروم فأخبرني جـبريـل بأن أمــتي ظاهـرة عليهـا ، وأما الضربة الثالثة فقد أضـاءت لي منها قصــور صنعاء اليمن ،  كأنها أنياب الكلاب ، فأخبرني جبريل بأن أمتي ظاهرة عليها ، فأبشروا يبلغهم الفتح وأبشروا يبلغهم الفتح وأبشروا يبلغهم الفتح "" . فقال المسلمون : يعدنا النصر بعد الحصر وأما المنافقون فقالوا (وإذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا) [ الأحزاب : 12 ]  .

 ويتخذ الرسول صلى الله عليه وسلم أسبابا مادية فيها الدهــاء ،  فيوقـع بين يهود وقريش ،  في مهمة قام بها نعيم بن مسعـود - رضي الله عنه - ،  وكان غير معروف الإسـلام حـتى ذلك الحين ،  فقــال لــه رســول الله صلى الله عليـه وسلم :"" ثبط عنا يا نعيم "" ،  فذهب إلى قريش يخبرهم بأن يهود قد ندموا على حرب محمد ويريدون أن يأخذوا منكم رهائن يقدمونها لمحمد كبادرة حسن نية ،  وذهب إلى يهود وقال لهم : قريش ستترككم وندمت على حرب محمد فأطلبوا من قريش رهائن حتى لا يتركوكم . وهكذا وقع الخلاف بين المشركين ويهود  .

 ويتدخل الغيب مرة أخرى ،  وهو لم ينقطع عن التدخل ،  ففي إحدى الليالي قال رسول الله صلى عليه وسلم :""  من يأتني بخبر القوم ويكون رفيقي في الجنة  "" ،  فلم يتحرك أحد من الصحابة ، لهول الموقف وشدته ،  عند ذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :""  قم يا حذيفة بن اليمان ،  فأتني بخبر القوم ولا تحدث أمرا حتى ترجع  "" فكان هذا تكليف من القائد ،  قال حذيفة :"  ذهبت وكانت الليلة شديدة البرودة ،  لكني كنت أتصبب عرقا ،  ووجدت أن الريــح قد بدأت تعمل عملها وتحارب إلى جانب المسلمين ،  فتكفت القدور ،  وتهدم الخيم وتزمجر ،  فقال أبو سفيان قائد الحملة ،  ليتعرف كل واحد منكم على صاحبه الذي بجانبه ،  وبدأت بصاحبي :  " من أنت ؟ " ،  خوفا من أن يسألني ،  وكنت أستطـيع أن أضرب أبا سفيــان بسهم ،  لكـني تذكرت قــول الـرسول صلى الله عليه وسلم " لا تحدث أمرا حتى ترجع " ،  وعند ذلك وقف أبو سفيان فوق ناقته وقال :" لم تعد الدار دار مقام ،  وإني راحل فأرحلوا "  وهكذا رد الله قريشا على أعقابها خاسرة ،  وأبطل مكيدة يهود  .

 وقد انتقم الرسول صلى الله عليه وسلم من يهود بعد ذلك ،  فقتل رجالهم ويسجل الله ذلك في كتابه ( يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ جاءتكم جنود - يهود وقريش والأعراب - فأرسلنا عليهم ريحا وجنودا لم تروها - الريح :  محسوسة ،  فما الجنود التي لم يرها الناس !؟ ، لعلهم الملائكة - وكان الله بما تعملون بصيرا * إذ جاءوكم من فوقكم ومن أسفل منكم وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنونا * هنالك ابتلي المؤمنون وزلزلوا زلزالا شديدا * وإذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا ) [ الأحزاب : 9 - 12 ]  .

 وتمضي الأيات في سرد القصة لتصف بعض المترددين والمنافقين ،  إلى أن تصل إلى وصف المؤمنين وماذا قالوا ( ولما رأى المؤمنون الأحــزاب قالــوا هذا ما وعـدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله وما زادهم إلا إيمانا وتسليما ) [ الأحزاب :  22 ] ..  وهكذا المؤمنون في كل وقت وفي أي وقت  .

 وما يجري الآن من محاولة لتثبيت إسرائيل دولة ،  يقوم بها الكفار جميعا ،  وأمريكا ،  وأوروبا ،  وروسيا ،  وحكام العرب والمسلمين إلا من رحم ربك وقليل ما هم ،  هي محاولة يائسة ،  تحاول أن تمنع قدر يهود في زوال دولتهم ،  بعد أن جاءوا إلى فلسطين عذابا من الله لهم ،  وسيفشل ذلك كله لأن ما كان من القدر لا يبطله البشر  .

 ولذلك حينما تخاطب المسلمين من خلال هذا الكتاب الذي يتبين فيه قدر الله بنصر المؤمنين والذين لا حول لهم ولا قوة إلا بالله ، محاولين أن نكشف الغطاء عن الأعين العمي وأن نسمع الأذان الصم وأن نفتح قلوب المؤمنين ليأخذوا من نور الله في كتابه وسنة نبيه وحياة الرسول الكريم والصحابة الميامين،  نفعل ذلك ونحن واثقون بنصر الله ولكنه نصر محدود بزمن معين وأيام لها تاريخ محدد ،  فمهما حاول المحاولون من كفار وأعوانهم والمتشككــون بنصر الله بأن يثبتــوا إسرائيـل دولـــة فلن يستطيعوا ،  فأمريكا بكل ما تملك من وسائل تدميرية وأسلحة فتاكة ويتبعها في ذلك أوروبا لا تساوي شيئا أمام إرادة الله وقدرة الله ،  فسيمزقها الله وسيفتك بإنسانها الأمراض وقد بدأت تفتك وتمزقها المسكرات والمخدرات وقد بدأت تمزق وتدمرها الزلازل وقد بدأت تدمر وتضربها الأعاصير التي لا تنفع أمامها التكنولوجيا الحديثة أو القديمة  .

 فما كان الله ليذر أمريكا لتفسد في الأرض وترعى الظلم وتحمي الكفر وتتمتع بقتل الإنسان المسلم هي وأبنتها اللقيط إسرائيل من هؤلاء حفدة القردة والخنازير الذين لعنهم الله في كتابه ( لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون * كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون ) [ المائدة :  78 - 79 ]  .

فهم اليوم في فلسطين يحتفلون بتوزيع الأوسمة على الجنود الذين قتلوا الشباب المجاهد في غزة غدرا بعد أن خرجوا من إجتماع مرخص به منهم ،  وما كان لهم أن يقتلوهم إلا بهذا الأسلوب لأنهم أحقر من أن يواجهوا في معركة..  لذلك فرح أحبارهم وحاخاماتهم ،  وأصدروا الفتاوي بجواز ذبح المسلمين والشعب الفلسطيني ،  وهم ليسوا أهلا بأن يوفوا بميثاق ولا بعهد ( فبما نقضهم ميثاقهم وكفرهم بأيات الله وقتلهم الأنبياء بغير حق وقولهم قلوبنا غلف بل طبع الله عليها بكفرهم فلا يؤمنون إلا قليلا ) [ النساء :  155 ] .. سيندم يهود في ذات يوم قريب بإذن الله ،  وسيندم حكام أمريكا وأعوانهم من حكام العرب ، حينما يفاجأوا بنصر الله للمسلمين ، ستكون الأرض المباركة مقبرتهم الجماعية عذابا لهم في الدنيا ، (ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب وما الله بغافل عن ما تعملون) [ البقرة :  85 ]  .

 وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم حين بايعه أهل المدينة في مكة ،  قد بايعوه على قتال الأحمر والأسود من الناس ،  ولما بايعوه على ذلك قالوا : " ما لنا مقابل ذلك " ،  فقال صلى الله عليه وسلم :"" الجنة  ""  .

 وتمضي الأيات في سرد قصة الأحزاب التي تبين عظمة الله وقـدرتـه وفي وصف المؤمنين ( من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهــدوا الله عليـه فمنهم من قضى نحبـه - نصيبه من الجهاد والاستشهاد - ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا ) [ الأحزاب :  23 ]  .

 -   الغيب في فتح خيبر :

 وتمضي معركة نشر الإسلام ، ويذهب رسول الله صلى عليه وسلم لفتح خيبر ، وهي المركز الرئيسي ليهود بعد المدينة في الحجاز ، وكان جنده ألفا وخمسمائة جندي ، وكان عدد جيش يهود خمسة عشر ألف جندي .  وخيبر فيها حصون كثيرة ، وأستمر الحصار الذي ضربه الرسول صلى الله عليه وسلم على خيبر شهرين ، وبدأت تسقط الحصون الواحدة تلو الأخر ، وأستعصى بعضها على الفتح ، ويأخذ الرسول صلى الله عليه وسلم في يده حفنة من الحصى فيضرب بها الحصن فيهتز ويرتج ويقول وهو يرمي الحصى :"" الله أكبر خربت خيبر "" وبقي الحصن الأخير ، سارت محاولة إثر أخرى لفتحه ولكن لم تفلح ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة لأصحابه :"" سأعطي الراية غدا لرجل يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله  "" ، وقال عمر :" ما تمنيت الإمــارة إلا ليلتها ، وكنت أتطاول حتى يراني رسـول اللـه صلى عليـه وسلـم " ، ثم نــادى الرسول صـلى الله عليـه وسلم عليــا - كرم الله وجهه - ،  وكانت عين علي رمداء ،  وهنا تحدث معجزة فيتفل الرسول صلى الله عليه وسلم في عين علي فتصبح أصح من صاحبتها ،  ويذهب علي - رضي الله عنه - ويتبارز مع مرحب قائد الحصن ،  وتحصن علي بباب الحصن حتى فتح الله عليه ،  وكان الباب من الثقل بحيث يصفه أحد الصحابة ،  حاولنا سبعة أن نقلب الباب على الوجه الأخر فأستعصى علينا ولم نستطع ،  بينما علي حمله بيده كرامة من الله له  .

 اليهود قوم لا يعقلون (ولو عقلوا لما جاءوا إلى فلسطين ، ولما جعلوا الشعوب تعذبهم وتضطهدهم عبر التاريخ) ، دخل عليهم في خيبر أحد حلفائهم من مشركي العرب ، ولعله عيينة بن حصن فقال لحيي بن الأخطب كبير يهود : "ما نتيجة المعركة ؟ " ، قال : "والله إننا لنعلم بأن محمدا سيذبحنا " ، قال : " فلم القتال ؟ " ،  قال : "ملحمة كتبت علينا يا بني إسرائيل"  .

وهكذا يسـاق يهود في التاريخ إلى حتفهم بعنادهم ، ويظنون أن الحصون مانعتهم ،  لكنهم يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين ،  والله يقول فيهم ( لا يقاتلونكم جميعا إلا في قرى محصنة أو من وراء جدر بأسهم بينهم شديد تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى ذلك بأنهم قوم لا يعقلون ) [ الحشر : 14 ] ..  وفي أول سورة الحشر (هو الذي أخرج الذين كفروا من أهل الكتاب من ديارهم لأول الحشر - الحشر إلى ديار الشام عامة ،  وفلسطين خاصة ،  ليقوم فسادهم الثاني - ما ظننتم أن يخرجوا وظنوا أنهم مانعتهم حصونهم من الله فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا وقــذف في قلوبهم الرعب يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين فأعتبروا يا أولي الأبصــار ) [ الحشر : 2 - 3 ] ،  وهكذا يأتيهم الله من حيث لم يحتسبوا  .

 وهكذا كان الأمر سنة 1973 ،  حينما إجتاز جند مصر المسلم قنــاة السويـس وهو يكبر ،  ويسير الجند حتى يحطموا (خط بارليف ) الــذي كان يفتخر به يهود ، وبارليف نفسه ويقول ليهود : " بنيت لكم حصنا لا يستطيع أحـد أن يجتــازه " .  ولكن جند الإسلام المكبرين إستطاعوا أن يهدموه في بضع ساعــات ،  لكن السادات - قاتله الله - كان متآمـرا على أمته وجنده ،  فأوقف الزحف ،  زحف جند مصر العظيمة ،  الذي - كبقية جند المسلمين - لم يعرف النصر إلا وهو في حالة التكبير ،  ولقد حطم هؤلاء الجند العظام والمستشهدين الكرام فرقة للدبابات - أي ما يزيد عن تسعين دبابة - في ثلاث دقائق  .

 ولو سار السادات بجيش مصر ،  لأنهى دولة يهود ،  ولكنه كان متآمرا مع المتآمرين ، مرتدا مع المرتدين ،  منافقا مع المنافقين الذين أضاعوا أمتهم وباعوا دينهم ووطنهم .  وتحضرني في هذه المناسبة ما قاله ( ناحوم غولد مان ) - رئيس الحركة الصهيونية العالمية من سنة 1936 إلى أول الثمانينات - إذ يقول في مذكراته عن اجتماع تم بينه وبين ( بن غوريون ) مؤسس دولة يهود :"" لا أنسى تلك الليلة من ليالي صيف 1956 حينما جلست مع بن غوريون في شرفة بيته في القدس ،  وكان القمر يرسل أشعته الفضية ،  وتحدثنا معا بقلب مفتوح وعقل مفتوح ،  فقال لي بن غوريون :  أنا واثق أني سأموت في ظل ( دولة إسرائيل ) ،  وأعطي أبني موسى 50% لأن يموت في ظل دولة إسرائيل ،  وأما حفيدي فلن يموت في ظل دولة إسرائيل ، وقــد حضر بن غوريـون حرب ( 73 ) ، فذهب لمقابلة (غولدا مائير) ،  وكانت رئيسة الوزراء في ذلك الحين ليطلع منها على الموقف العسكري ،  فأطلع على الحقيقة - إنهيار جيش دولة يهود - فنزل من عندها مهموما فأصابه الشلل ومات في يومه ،  وهو يظن أن دولة إسرائيل قد انتهت ""  .

 وكان موسى ديان وزير دفاع يهود في معركة (73) ،  ويقود المعركة ،  فأرسل إلى غولدا مائير أن الهيكل الثالث قد انهار - يعبر به عن دولة إسرائيل - وكان موسى ديان في حرب ( 67 ) أصبح أسطورة عالمية ،  وصوره في جميع أنحاء العالم ،  أنه القائد العسكري الذي هزم العرب في ساعات ،  وكان الذي يعرف الحقيقة موسى ديان نفسه والحكام العرب وجيوش العرب وكثير من شعوب العرب أن (موسى ديان) لم ينتصر ولم ينهزم العرب ، وإنما كانت الخيانة والتسليم ، فلما إنهزم في ( 73 ) ذهبت أسطورته ،  وعاد في التاريخ مخزيا ،  لأن الذي أنقذه من الهزيمة المحققة أمران :  خيانة السادات ،  وتدخل أمريكا المباشر في المعركة ،  لأنه لو بقي أسطورة فهذا نوع من العزة ،  والعزة محرمة على يهود ( وضربت عليهم الذلة والمسكنة وباءوا بغضب من الله ذلك بأنهم كانوا يكفرون بآيات الله ويقتلون النبيين بغير الحق ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون ) [ البقرة :  61] " وضربت " بمعنى ختمت ، فالذلة تلازمهم إلى يوم القيامة ، ولكن لله قدرا لا بد أن يتحقق في قيام دولة يهود ثم زوال دولتهم .  موسى ديان لم يعد قائدا تاريخيا في بني إسرائيل يمدهم بالمدد المعنوي ، كما في الأمم التي تفتخر بقادتهـا ليأخذوا منها مددا معنويا يغذي الأجيال عبر التاريخ ،  وليس لليهـود تاريخ عسكري ، ولا قادة تاريخيون ، فهم الرعب في قلوبهم ، والخوف حياتهم ، والذل معيشتهم .. فأنى ينصرون  .

 وإذا كان الأمر كما بينا ،  فاليهود ممنوعون من النصر ،  لا على المسلمين ولا على غير المسلمين ،  فكيف قامت إذن دولة يهود ؟‍‍!

 الجواب :  لم ينتصر يهود في أي معركة منذ ( 48 ) ولم تنهزم الجيوش العربية في أي معركة ،  لكنها الخيانة ،  وتنفيذ المخططات التي قام بها المسؤولون . ففي سنة (48) قطع المجاهدون المياه عن القدس ، وكانت القدس تشرب من رأس العين قرب اللد ، فأنقطع الماء كليا عن القدس ، فسار مائة ألف يهودي في مظاهرة بالقدس يطلبون التسليم ، لأنهم يريدون أن يشربوا،  وكان (الجيش العربي) موجودا في عين كارم ،  وهي قرية موجودة بجانب القدس ،  وهي مشهورة بآبارها وعيونها وكثرة المياه فيها ،  فأمر كلوب باشا قائد الجيش العربي في ذلك الحين بأن ينسحب الجيش من عين كارم ليشرب يهود ،  وهكذا لا تنسى الأمة ( الفضل الكبير !! ) لبريطانيا العظمى ،  عدوة المسلمين الأولى ،  والتي عملت عبر التاريخ بهدم الإسلام ودولة الإسلام  .

 دخل العرب ثلاث معارك حقيقية بعد (67) مع يهود ،  (معركة الكرامة) والتي ذاق فيها يهود الأمرين ،  لأنه كانت هناك إرادة للقتال ،  وحارب الجند بعقيدتهم ،  فأنهزم يهود شر هزيمة ،  والثانية في (حصار بيروت سنة 82 ) حيث إشترك الجيش اليهودي بمعاونة الأسطول الأمريكي ومعاونة الموارنة في حرب ضد الفدائيين ،  وصمد الفدائيون على قلة عددهم أمام أفتك الأسلحة ،  وتحت وابل القنابل ،  التي كانت تلقى جزافا من الطائرات ومدفعية الأسطول السادس الأمريكي ،  ولما لم تفلح الحرب في القضاء على الفدائيين وإخراجهم من لبنان ،  أخرجتهم السياسة والخيانة ،  والثالثة معركة (إجتياز قناة السويس سنة 73 ) والتي لولا خيانة السادات لكان في هذه المعركة القضاء على ما يسمى بدولة يهود،   ولقد سألني مسؤول أمني كبير سابق ،  أمام عزاء كبير ،  بعد أن شرحت الآيات التي تمنع إنتصار يهود في أي معركة وخصوصا مع المسلمين ،  فقال إذن :"  كيف ذهبت فلسطين ؟!! " قلت له :"  والله لا يعرف أحد مثلك كيف ذهبت ، فأشرح للناس الحقيقة " ، فسكت ،  بعد أن ضج العزاء بالضحك .!!! "  .

 والآية التي تحرم عـلى اليهود النصر في سورة آل عمران (لن يضروكم إلا أذى وإن يقاتلوكم يولوكم الأدبار ثم لا ينصرون) [آل عمران :111] ، "أذى" : نسف بيوت ، تقطيع أيدي ، تقطيع أرجل ، بقر بطون الحبالى ، قتل الأطفال وتجويع الناس . . إلى غير ذلك من أساليبهم التي تنم عن حقدهم الدفين ضد الإســلام والمسلمــين ،  بل ضد الخلق أجمعــين ،  لأن في التلمود - كتابهم المقدس الثاني - الذي يقدمونه على التوراة المحرفة ،  يقولون في هذا التلمود : "" إن البشر جميعا من نطفة الحصان ،  والذين من نطفة آدم هم اليهود فقط ،  وإنما جاء البشر على شكل آدمي حتى لا يشمئز اليهودي حينما يخدمه الناس ""  ويعتبر دم البشر مباح ،  وفي عيد الفطير عندهم ،  يبلغ ذروة قدسيته إذا إختلط العجين بدم المسلم أو النصراني ،  ويعتبرون مال غير يهود مباح ( ومن أهل الكتاب من إن تأمنه بقنطار يؤده إليك - والمقصود هنا بعض النصارى - ومن أهل الكتاب من إن تأمنه بدينار لا يؤده إليك إلا ما دمت عليه قائما ذلك بأنهم قالوا ليس علينا في الأميين سبيل ويقولون على الله الكذب وهم يفترون - وهؤلاء المقصود بهم اليهود - ) [ آل عمران :  75 ] .. و " الأميين " : هم غير اليهود من جميع الأمم ،  وهكذا ذهبت فلسطين بالخيانة والتسليم ولم تذهب بالهزيمة ،  ولكن كل ذلك إلى حين  .

 ولما كان زوال دولة إسرائيل قدرا من القدر ،  وحتمية قرآنية وبشرى نبوية ،  جاءت لتذهب ومنذ بدء تأسيس دولة يهود سنة 1918 وقد أسسوها سنة 1948 ،  وبالرغم من كل الوسائل المادية التي يملكونها وأسلحة التدمير ،  ومساعدة كل العالم لهم وعلى رأسهم الحكام العرب ،  مع هذا لم يذق يهود طعما للراحة والأمن ،  ولا تمتعوا بمتعة السيادة ،  حياتهم مضطربة ليل نهار ،  وخوفهم متصل لا ينقطع ،  وذلهم دائم لا يزول ،  فهم الشعب الوحيد في العالم الذي أصبعه على الزناد منذ ست وسبعين سنة لم يرفعه لحظة واحدة  .

 وهذه المرة كانت الإنتفاضة في فلسطين والتي شوهت وجه يهود ،  وكشفت جيش يهود ، وحقارة يهود ،  والتي هي أول الطريق لدولة يهود في الغريق ،  وأن تصبح من مخلفات التاريخ ،  يتبارى الكتاب والمؤرخون في بيان لماذا ذهبت دولة إسرائيل ؟ .

 والرسول صلى الله عليه وسلم قال قبل وفاته بخمسة أيام قال : " لا يجتمع دينان في جزيرة العرب ، أخرجوا اليهود والنصـارى " أما نصارى العرب وكانوا في اليمن فقد أسلموا ، وأما يهـود فأخرجهـم عمـر بن الخطاب ،  فـقد أرسـل عمر بن الخطـاب - رضي الله عنه - محمد بن مسلمـة من الأنصـار - رضي الله عنه - لإخراج يهود من خيبر والجزيرة تنفيذا لوصية الرسول صلى الله عليه وسلم قبل وفاته ، وكان محمد بن مسلمة على صداقة مع يهود أيام الجاهليــة ، فلمــا وصل محمد بن مسلمة خيبر قال كبير يهود أبن أبي الحقيق :"" ألم يجد عمر أحدا غـيرك كي يرسله إلينا - وذلك لما بينه وبين يهود من صداقة قديمة -"" فقال :"  هذا أمر أمير المؤمنين ولا بد أن تخرجوا " ،  فقال أبن أبي الحقيق :""  لا طالما تطاولتم علينا أيها الناس ، وظننتم أن الله قد تخلى عنا ، فوالله لنخرجنكم مثلها كفرا كفرا ،  حتى تدخل نسـاؤنا على نسائكم ،  فتبيت نسـاؤكم في شر ليلة ،  وتكون اللقمة في يد المسلم يريد أن يدنيها إلى فيه ، فيدخل عليه رجال أشداء من بني اسرائيل فيأخذونها منه ، وسيكون منكم رجال يأتمرون بأمرنا ،  ويعملون لمصلحتنا ،  يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدينا ، وإن هذا من أخبار أنبيائنا "" ،  فقال له محمد بن مسلمة :" والله لإن صدق أنبياؤكم فلكي يصدقوا نبينا محمدا صلى الله عليه وسلم الذي قال :"" لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون يهود ،  فيقتلهم المسلمون ، حتى يقول الحجر والشجر : يا مسلم يا عبدالله ورائي يهـودي تعـال فأقتله ، إلا الغرقد فإنه من شجر يهود  "" ، وسيكون استئصالكم واستئصال شأفتكم على أيدينا " . فلما رجع محمد بن مسلمة إلى المدينة أخبر بما حدث وما جرى من الحديث بينه وبين كبير يهود ، فقال عبدالله بن عمر :" أوكائن ذلــك يا أبا عبد الرحـمن ؟ " ، فقال له محمد بن مسلمة :" وما علمي بالغيب ، إنما هو حديث سمعته من الرسول صلى الله عليه وسلم " .. [ الرسالة وتصدر في مصر  ،  وكانت تصدر عددا هجريا كل عام ،  وهذا الحديث نشرته في عددها الصادر في عام 1946 / القاهرة لصاحبها أحمد حسن الزيات  . ]   .

 -   الغيب في فتح مكة  :

 ونعود إلى الرسول صلى الله عليه وسلم في حياته الجهادية المتصلة فيقــرر فــتح مكــة ،  التي وقــف ليلة هجرتـه منها على أبي قبيس مطلا على الكعبة وقال : " والله إني لأعلم أنك أحب أرض الله إلى الله ،  وأنك أحب أرض الله إلي ،  ولولا أن قــومك أخرجوني ما خرجت " فنزل عليه قوله تعالى ( إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد ) [ القصص :  85 ]  .

 وهكذا تهيأ الرسول صلى الله عليه وسلم لفتح مكة ،  وصدق الغيب ،  وصدق القرآن وتحقق وعد الله ،  ودخل مكة وطـاف حـول البيت يرمي بالأصنـام حــول الكعبة على وجوهها وهو يقــول : ( وقــل جاء الحق وزهــق الباطل إن الباطل كان زهوقا ) [ الإسراء : 81 ] ..  وكان قد رأى ذلك في المنام أنه سيدخل مكة ،  ورؤيا الأنبياء صلوات الله عليهم وحي ،  يصور ذلك الله سبحانه وتعالى في القرآن ( لقد صــدق الله رسوله الرؤيا بالحق ،  لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين محلقين رؤوسكم ومقصرين لا تخافون فعلم مالم تعلموا فجعل من دون ذلك فتحا قريبا * هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيدا ) [ الفتح :  27-28 ] ..  ويأمر الرسول صلى الله عليه وسلم بلالا أن يصعد على ظهر الكعبة ويؤذن ،  وكان بلال من العبيد المستضعفين الذين عذبـوا في الله ، وكان يقول وهو في أشد العذاب وقد أمره سيده ( أمية بن خلف ) بأن يعلن شركه :" أحد .. أحد .. " فهو بهــا يذكـر الله وبها يستغيث باللــه فاستجـاب له اللـه بعد حين (ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين * ونمكن لهم في الأرض ونري فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون) [ القصص :  5 - 6 ] ..  وهكذا نرجو الله سبحانه وتعالى أن يحقق وعده الآن على يد الشباب الذي يعذب في العالم الإسلامي لا لذنب أقترفوه إلا أن يقولوا ربنا الله ،  فسلط عليهم شياطين الإنس ( الكفر وأعوانه ) فراعنة هذا العصر الذين أمروا الشعوب أن تعبدهم من دون الله .  فنرجو الله أن يمكن لهؤلاء الشباب الموحد فيخرجون من سجونهم ومعتقلاتهم ومن عذابهم فيقفون في مساجد العالم الإسلامي في الأقصى ،  والكعبة ،  ومسجد الرسول ،  والأزهر والقيروان ..  وفي كل مساجد المسلمين الكبرى في العالم الإسلامي فيؤذنوا كما أذن بلال ،  ويكون الأمر لهم ويجعلهم الأئمة ويجعلهم الوارثين كما حدث لأسلافهم الذين مكن الله لهم في الأرض وجعلهم أئمة وجعلهم الوارثين .  فقد وقف ذات يوم أبو سفيان ( سيد قريش قبل الإسلام ) وبلال ( العبد قبل الإسلام ) على باب أمير المؤمنين عمر بن الخطاب - رضي الله عنهم أجمعين - يستأذنان في الدخــول عليه .  فأذن لبــلال قبل أبي سفيـان ،  فقيل له في ذلك :" كيف تأذن لبلال قبل سيد قريش " ، فقال :" لقد أعز الله بلالا فقدمه بالإسلام وأخر أبو سفيان " .  وكان عمر يقول :" أبو بكر سيدنا وأعتق سيدنا - يعني بلالا - "  .

 وهكذا تحققت الوعود الإلاهية وسيتحقق الوعد الرباني بزوال دولة إسرائيل لأن الواعد واحد والموعودون واحد ،  فالواعد هو الله والموعودون هم المسلمون منذ عهد الرسول صلى الله عليه وسلم وإلى قيام الساعة ،  والمتشككون في نصر الله هم المنافقــون من عهـد الرسول صلى الله عليـه وسلم وإلى قيـام الساعة .  فالذين يتشككون في نصر الله هم الذين لم يخامـر الإيمان شغاف قلوبهـم ،  فلا يتصورون أننا سننتصر على يهود ، ولا يصدقون ذلك ،  لأنهم عن الغيب معزولون ، ومن قراءة القرآن محرومون وعلى أحاديث رسول الله لا يطلعــون ،  حياتهم كفر في نفاق ،  وتضليل في الآفــاق ،  وكذب على الأمة ، نقول لهم سندخل القدس ، ندخله نحن جند محمد صلى الله عليه وسلم ،  وجند القرآن وجيش الإسلام ( وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون ) [ الشعراء : 227 ] ..  وهم لا يتصورون إلا القوى العظمى وما تملك من وسائل التدمير التي ترعب بهــا البشر ويخافون من الـمؤامرات التي تحاك ضد المسلمين ليل نهار ،  مؤامرات ضخمة فيها أموال ونساء وإنقلابات واغتيالات وإشاعات بحيث يتصور الإنسان أن هذه القوى لا تهزم وما عليه إلا أن يستسلم لها والله سبحانه وتعالى قد تحدث عن هذه المؤامرات والتخطيط الماكر للعدو الذي يحطم به الدول والأفراد والجماعـات ولكن هذا المكر وهذا الدهاء وهـذه المؤامرات لا تســاوي عند الله شيئــا عندما يقـرر الله تحطيم الكـفر ،  فالله يقول ( وقد مكروا مكرهم وعند الله مكرهم وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال ) [ إبراهيم : 46 ] ..  مؤامرات ضخمة لا يتصورها الخيال ،  والمكر هو التدبير الخفي ضد العدو ،  فالله يطلع على هذه المؤامرات أين تعقد !  وكيف تحاك !  في عواصم الكفر الكبرى وعواصم المنافقين وهم يتعاونون في ذلك التخطيط والتنفيذ ولكن الله لهم بالمرصاد فهو يطمئن المؤمنين الذين وعدهم بالنصر المبين وفتح الدنيا وظهور هذا الدين وزوال دول الكفر مهما عظمت ويكون ذلك بمقدار ما نتقرب إلى الله ونستغيث بالله يأتي الفــرج فيبشر المؤمنين ويقول بعد الآيات التي تحدث فيها عن المؤامـرات ( فلا تحسبن الله مخلف وعده رسله إن الله عزيز ذو انتقام ) [ إبراهيم : 47 ] ..  وها هو الآن قد مزق الإتحاد السوفياتي وأمريكا في طريقها إلى التمزيق وسينتقم بعزته وجبروته من الكفر والظالمين والقوى الكبرى ( إن الله عزيز ذو إنتقام )  .

-   الغيب في غزوة حنين  :

 ويخرج الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الطائف ليغزو ثقيفا ، وكانت قد خذلته قبل عدة سنوات  وخرج بجيش قوامه إثنا عشر ألفا ، عشرة ألاف جنود الفتح الذين جاءوا معه من المدينة والباقي من أهل مكة الذين أسلموا حديثا ،  والعرب لم تعرف هذا العدد من الجيوش في تاريخها ،  فأصاب الغرور بعض الصحابة فأغتر بكثرة العدد - ولعله أبو بكر - فقال :" لن نغلب اليوم من قلة " ، فدخل العجب إلى بعضهم ،  فنسوا نصر الله لهم وهم مستضعفون لا عدد ولا عدة ،  فأراد الله أن يؤدبهم ويعلمنا من بعدهم ،  ويعلم المسلمين عبر الأيام إلى قيام الساعة أن النصر للمسلمين ليس بكثرة عدد ولا عدة ،  إنما النصر من عند الله ،  فلما دخل المسلمون وادي حنين إنقضت عليهم ثقيف من جنبات الوادي ،  وكان ذلك مع عماية الصبح ، فأضطرب جيش المسلمين ، وولت الكثرة مدبرين،  ولــم يثبت إلا الــرسول صلى الله عليه وسلم وبعض أصحابه ،  وهنا يتدخل الغيب ،  فيقــاتل الرسول صلى الله عليــه وسلم بيديه وهو يقول :"" أنا الــنبي لا كذب ، أنا أبن عبد المطلب "" ..  إذن هي النبوة وهي الوحي وهــي الغـيب . وقــد أمـر عمـه العبـاس بن عبدالمطلب وكان جهوري الصوت أن ينادي في المسلمين :  أن هلموا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يا أصحاب بيعة الرضوان ، ويا أصحاب بيعة العقبة ،  ويا أهل بدر ،  ويفيق المسلمون من الصدمة التي صدموا بها ،  ويعودون إلى رسول الله والثابتين من حوله في المعركة  .

 ويتدخل الغيب ، وتتنزل جنود الله فتنقلب المعركة من هزيمة إلى نصر ، ويسجل ذلك الله في كتابـه ( لقد نصركم اللـه في مواطن كثيرة ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئا وضاقت عليكم الأرض بما رحبت ثم وليتم مدبرين * - وهنا يأتي الـغيب -  ثم أنزل الله سـكينتـه على رسولــه وعلى المؤمنين وأنزل جنــودا لم تروهــا وعــذب الذين كفــروا وذلك جزاء الكافرين ) [التوبة : 25 - 26 ]  .

 إذن أراد الله سبحانه وتعالى أن يعلم المسلمين ويؤدبهم أن النصر ليس بكثرة عددهم ولا بكثرة عدتهم ،  إنما النصر من عند الله ،  فينزل الجنود التي لا نراهــا حين يستغيث المسلمـون بالله ..  وهــذا المعنى الذي فقده المسلمون أيام هزائمهم ،  حين سيـطر الفكر المادي على قياداتهم وحكامهم فلم يلجأوا إلى الله ،  وأنى لهم أن يفعلوا ذلك ،  وجلهم لا يؤمن بالله ،  فلا يمكن أن يأتي النصر على أيديهم  .

 وهنا نريد أن نوضح قاعدة غائبة عن كثير من الناس حتى عن كثير من الدعاة الإسلاميين . أن النصر لا يكون بكثرة العدد والعدة ،  لأن الكثرة لا تنتصر إذا لم تعتمد على الله ، فقد شطب الله الكثرة وهو ينصر القلة المؤمنة ،  فلا يعتمد على الكم ، ولكن يعتمد على الكيف . ويقرر ذلك في آيات قرآنية كثيرة  : ( ويوم حنين إذ أعجبتكم كـثرتكم فلم تغن عنكم شيئا ) [ التوبة :  25 ] .. ( وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين ) [ يوسف : 103 ] ..  ويقول ( وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون ) [ يوسف : 106 ]  .

 إذن هذه الفئة الضالة أو المشركة - ولو كثرت - لا تنتصر ،  وفي كل المعارك التي خاضتها ( الجامعة العربية ) منذ سنة 1948 - هذا إذا فرضنا أنه حصلت هناك معارك حقيقية ولم يكن الأمر أمر مؤامرات تنفذ - كان العرب دومـا أكـثر عـددا وعـدة من يهـود ، لكن هـذه الجيوش لم تنــاد الله ،  ولم تستغث بالله ،  بل كان ممنوع عليها أن تستغيث بالله ،  فهي تستغيث بكل شيء إلا الله ،  وكان من ضمن شعارات معركة ( 67 ) ( الـميراج يتحدى القدر ) ومنها الأغنية المشهورة ( لأجل الربيع . .  لأجل الرضيع . .  لأجل الحياة إضرب ) ، وكان المشرفون إعلاميا في المعركــة يمعنون في تحد لله ، فيقولون ( يا أبناء الفراعنة ) فهم يشيدون بالكفار وآلهة البشر التي تحدت الله عبر التاريخ . . فأنى ينصرون .  وكان جنود مصر في معركة سنة ( 67 ) بدلا من أن يستغيثوا بالله ويكبروه ،  أمــرهم قـائدهـم (الملهم) أن يقولوا وهم في ساحة المعركة (بر ، بحر ، جو) بدلا من التكبير ،  لأن التكبير لا يتناسب مع ( التطور الحتمي ) الذي كان ينادي به ،  وكذلك تستغيث ( بالقائد ،  الزعيم ،  الفراعنة ،  جاهيلة أبي جهل ) .. 

 ولذلك كان لا بد أن يحدث الذي حدث ،  وأن يهزم الفكر والحكام والأحزاب التي كانت تسود المنطقة من أول الـقرن إلى أن قامت دولة إسرائيل ،  في مرحلتين أساسيتين : المرحلة الأولى : حيث نفذت ( الجامعة العربية ) الخطة التي قامت من أجلها وهي إقامة دولة يهود ،  بعد أن عجزت بريطانيا ويهود من أخذ فلسطين من أهلها ، إذ كان يهود يملكون حتى سنـة 1918 (2%) من أرض فلسطين ،  ولم يملكوا حتى سنة 1948 سوى ( 5.6 % ) من أرض فلسطين ،  أي أنهم إستطاعوا أن يملكوا خلال ثلاثين سنة ( 3.6 % ) فأعيا ذلك الإنجليز ويهود ،  فأنشأوا الجامعة العربية لتتولى هي تسليم فلسطين ليهود ،  فسلمت ثلثيها عام 48 في عهد الحكـام الرجعيين وتم تسليم الباقـي سنة 1967 ،  وذلك في عهد الحكام الثوريين جدا !! .

 وكان لا بد أن ينهزم هؤلاء الحكام ولو إنتصروا - لا سمح الله - لانهـارت قاعــدة الإسـلام الثابتــة ( إن تنصروا الله ينصركـم ويثبت أقدامكم ) [ محمد :  7 ] ..  وأنى هناك نصر يكون للمسلمين بغير إسلام !!؟  .

 وكنت في سنة (67) وقبلها بسنين أرى الأمة بعين المؤمن وهي تنهار ،  وأن زعاماتها في ذلك الحين تقودها إلى المسلخ وإلى الهزيمة وإلى العار ،  كان ميثاق عبد الناصر قد أحله محل القرآن ،  وأمر أئمة المساجد ووسائل الإعلام أن تستشهد به مكان القرآن ،  بالإضافة إلى تعذيب الإنسان وترويع الآمنين وقتل المؤمنين ،  فما كان اللـه لـينصره وأن ينصر حـزب البعث ،  الــذي قال أحد قادته قبل المعركة بثلاثة أشهر في مجلة خاصة بالجيش السوري : " إن الله من مخلفات التاريخ ،  وأنه يجب أن يوضع في متحف "   

كـبرت كلمـة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كفرا وإلحادا ،  فكانت الهزيمة التي لم ينتصر فيها يهود وإنما سلم العرب أوطانهم بغير حرب ،  لأن النصر ليهود ممنـوع لا على المسلمـين ولا على غير المسلمين ، لأن النصر عزة ، والعزة ممنوعة على يهود (ضربت عليهم الذلة والمسكنة) [البقرة : 61]  .

 والذي وضح هذا المعنى وهو عدم إنتصار ( يهود في أي حرب ) مع المسلمين أو غيرهم آية في سورة آل عمران ( لن يضروكم إلا أذى وإن يقاتلوكم يولوكم الأدبار ثم لا ينصرون * ضربت عليهم الذلة أين ما ثقفوا إلا بحبل من الله وحبل من الناس وباءوا بغضب من الله وضربت عليهم المسكنة ذلك بأنهم كانوا يكفرون بآيات الله ويقتلون الأنبياء بغير حق ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون ) [ آل عمران : 111-112 ] . والكثرة الضالة كما بينا سابقا لا تنتصر ولكن النصر يكون للفئـة المؤمنة ولو كانت قليـلة ، ويقرر الله ذلك في آياته فيقول (كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن اللـه واللـه مـع الصابريـن) [ البقرة : 249 ] ،  ( ثلة من الأولين * وقليل من الأخرين ) [ الواقعة : 13-14 ] ، (وثلة من الأولين * وثلة من الأخرين) [ الواقعة : 39-40 ] ..  والقلة قد تتقلص إلى رجل واحد مؤمن من أولياء الله ،  يدعو فيستجيب له الله ، ويهييء الله بسبب دعائه أسباب النصر .  ولذلك كان قادة الفتح الإسلامي الأول يحرصون على أن يكون في جيوشهم عدد من أصحاب معركة بدر ،  لأنهم مستجابو الدعاء ،  وقال فيهم الرسول صلى الله عليه وسلم :""  لعل الله تجلى على أهل بدر يوم بدر وقال إفعلوا ما شئتم فإني قد غفرت لكم  "" ،  والحديث ""  رب أشعث أغبر مدفوع بالأبواب لو أقسم على الله لأبره  ""  .

 المسلمون عبر تاريخهم كانت القلة هي التي تنتصر ،  لكن أي قلة ؟  قلة متصلة بربها ،  في صلاة ، وصيام ،  وزكاة وحج ،  وفي نوافــل يتقرب بها العبد إلى الله ،  وتلاوة قرآن في الليل والنهار ،  وفي ذكر وتسبيح والذي يكون أشد ما يكون إليه العبد وهو في المعركة حتى يأخذ المدد من الله ،  فيثبتــه ويقويه ( يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فأثبتوا وأذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون * وأطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم وأصبروا إن الله مع الصابرين ) [ الأنفال : 45 - 46 ] ..  وفي الحديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم ""  ما تقرب إلي عبدي بأفضل مما أفترضت عليه ، وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه ، فإذا أحببته كنت بصره الذي يبصر به ،  وسمعه الذي يسمع به ، ويده التي يبطش بها ، ورجله التي يمشي عليها ،  فبي يبصر ،  وبي يسمع ،  وبي يبطش ،  وبي يمشي ،  ولإن استعاذني ،  لأعيذنه ، ولأن استنصرني لأنصرنه  ""  .

 هذه النوعية من المؤمنين التي تنتصر ،  رهبان في الليل فرسان في النهار ،  وفي الحديث " أن الله ينزل إلى سمــاء الدنيا - والله أعلم كيف ينزل - في الثلث الأخير من الليل ،  فيقول :""  هل من مستغيث فأغيثه ،  وهل من داع فأستجيب له وهل من مستغفر فأغفر له  "" .

 جند المعركة الإسلامية المنتصرون عبر التاريخ ،  هم الذين يأكلون الحلال ،  ويشربون الحلال ،  ويلبسون الحلال ،  فتنموا أجسامهم من الحــلال ويتجنبون الحــرام ما أمكن ،  فـلا يدخل جوفهم مال من ربا أو غش أو قمار أو سرقة أو رشوة أو خيانة إلى غير ذلك من الحرام ،  وعند ذلك يصدق قوله تعالى ( إن تنصروا الله ينصركم ) فنصر الله هو تنفيذ لأحكامه يقوم بها المسلم والأمة منها ما يتعلق بعلاقة الفرد مع ربه من صلاة ، وصيام ، وزكاة ، وحج ، وتسبـيح وتهليل ( يا أيها الذين آمنوا إذكروا الله ذكرا كثيرا * وسبحوه بكرة وأصيلا ) [ الأحزاب  : 41 - 42 ]  . فما كان الله لينصر قوما لا يؤمنون به ،  ويرتكبون المعاصي ، ويتبجحون بعد ذلك بأنهم مسلمون ،  كتب عمر بن الخطاب رسالة إلى سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنهما - بعد أن ولاه العراق وقيادة معركة القادسية ،  يقول له :"" يا سعد سعد بني وهيب ، لا يغرنك أن قيل خال رسول الله - لكون سعد من بني زهرة أخوال النبي ،  وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يفتخر به :" هذا سعد خالي فليرني امرؤ خاله " - إن الله لا يمحو السيْء بالسيء ،  ولكن يمح السيء بالحسن ،  إياك أنت وجنودك من المعصية ،  فإنما تنتصرون على عدوكم بمعصيتهم لله ومخافتكم أنتم له ،  فإذا تساويتم مع عدوكم في المعصية لم يكن الله مع أحد الطرفين ،  وكانت الغلبة لمن هــو أكثر عددا وأكثر عـدة ،  ولا تقولوا إن عدونا شر منا فلا يسلط علينا ،  فربما سلط قوم على من هو شر منهم ،  كما سلط الله نبوخذ نصر على بني إسرائيل  ""  .

 ومنها ما يتعلق بعلاقة الفرد مع الدولة ،  من الأحكام التي لا تستطيع تطبيقها إلا الدولة من أحكام إدارة شؤون الناس والجهاد ، والقضاء ، والعقوبات إلى غير ذلك من الأحكام . كذلك ما يتعلق بعلاقة الفرد مع مجتمعه من الأخـلاق الحميدة التي دعا إليها الإسلام ، عند ذلك يأتي نصر الله ( إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد ) [ غافر :  51 ]  .

 -   الغيب في معركة مؤتة  :

 ويستمر الرسول صلى الله عليه وسلم في نشر دعوته إلى العالـم بعد أن دانت له الجزيرة العربيــة ( الحجــاز ،  نجـد ،  واليمن ) ،  فيقرر أن يخرج إلى تخوم بلاد الشام أرض مؤتة في الكرك ،  لطرق أبواب الدولة الرومانية ،  ليعلمهم أنه قد أرسل إلى الناس كافة ،  ويسير برعاية الله يرسل جيشـا قوامه ثلاثة ألاف رجل ،  ويعين لهذا الجيش ثلاثة من القادة لأول مرة في معركة من المعارك قال :""  الأمير القائد زيد بن حارثة ،  فإن أستشهد فالأمير جعفر بن أبي طالب ،  فإن إستشهد فالأمير عبدالله بن رواحة  "" - رضي الله عنهم جميعا - ويخرج الجيش ليلتقي بجيش الروم وعدده مائتا ألف ،  مائة ألف من الروم ومائة ألف من العرب المتنصرة ، لا تكافؤ في عدد ولا عدة ،  ولكنه تمرين عسكري لطرق أبواب الدولة الرومانية ،  وليعلمهم أن هذا الدين الذي جاء لإنقاذ العالمين قـادم عليكم لا محالة ،  ويستشهـد زيد بن حارثة - رضي الله عنه -، فيأخذ الراية جعفر بن أبي طالب بيمينه فتقطع ،  فيأخذها بيساره فتقطع ،  فيضعها بين عضديه حتى إستشهد ،  ويتردد عبدالله بن رواحة في أخذ الراية بعض التردد ، فيجزر نفسـه ويقـول لهـا : " يا نفس أمن الجنـة تفريـن " وكان الرسول صلى الله عليه وسلم على اتصال مباشر مع المعركة عبر الوحي فقال لهم :""  إستشهد زيد بن حارثة ،  فأخذ الراية جعفر وقطعت يداه ،  فأبدله الله بيديه جناحين يطير بهما في الجنة - ومن هنا سمي جعفر الطيار - واستشهد عبدالله بن رواحة ،  وقد رأيت الثلاثة على سرر من ذهب في الجنة ، وفي سرير عبدالله بن رواحة ازورار - أي انخفاض - عن صاحبيه لأنهم أقدموا وتردد  ""  .

 ويجمع المسلمون في المعركة على ( خالد بن الوليد ) ، فيعطونه الإمارة ، فيناور ويتكتك - كما يقولون - حتى إنسحب من المعركة بمهارة عسكرية فائقة ،  فلما وصل الجيش المدينة قابله المسلمـون بغير ترحاب وهم يقولـون لهم أنتم الـفرار ،  ولكن الرسول صلى الله عليـه وسلم دافـع عنهم وهـو يقول :" بل الكرار بإذن الله "".. وتؤدي هذه المعركة رسالتها في جرح معنويات الإمبراطورية الرومانية، فما كانت تتصور أن هؤلاء العرب ، يمكن أن يهاجموها في عرينها .

 -   الغيب في غزوة تبوك :

 فيقرر الرسول صلى الله عليه وسلم أن يخرج مرة أخرى إلى حدود بلاد الشام ،  وهذه المرة بنفسه قرر أن يخرج إلى تبوك في شدة الحر ( شهر آب ) ،  حيث لا ماء ولا ظل في أرض تلتهب حجارتها ،  والإنسان أحوج ما يكون إلى ظل ظليل ، أو إلى ماء بارد يمنع عنه شدة العطش ،  لكن الرسول صلى الله عليه وسلم يخـرج في هـذه الحالــة ،  لـيجري التمرين الأخــير للجيش الإسلامي الذي سيتولى تحطيم الإمبراطوريتين الفارسية والرومانية فيما بعد  .

 ويصل إلى تبوك بجيش قوامه ثلاثون ألفا ،  في شح من الماء ،  فلما شكا المسلمون من العطش وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم أصابعه في الرمل ،  فنبع الماء من بين أصابعه فشرب الجيش ،  وأخذ ما يحتاجه من الماء للغسيل أو الطهي ،  وأرسل وفدا إلى معان ،  وآخر إلى أيلة - العقبة - ويأتيه صاحب معان وصاحب أيلة ،  ويعطيهما الأمان ويكتب لهما كتبا بذلك مقابل دفع الجزية ، ويخبر الرسول صلى الله عليه وسلم عن تبوك أنها ستصبح جنـات وأنهــارا فيقول :""  كيف أنتم وقد عادت تبــوك جنات وأنهارا  "" وهي اليوم كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم . .  إنه الغيب  .

 وكانت سحابة قد مرت فأمطرت الجيش ،  فقال المسلمون معجزة لرسول الله من الله ،  وقال الذين في قلوبهم مرض سحابة صيف مارة .  وتخلف أقوام عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يلحقوا به في المعركة ،  فمنهم من كان مؤمنا لكنه آثر الدعة والراحة ،  فلما رجع رسول الله كانوا صادقــين معه فلـم يختلقــوا الأعذار ،  فأمر الرسول صلى الله عليه وسلم بمقاطعتهم حتى ينزل فيهم الوحي ،  وأستمرت المقاطعة خمسين ليلة ثم صدر العفو الرباني عنهم وقبول توبتهم ( وعلى الثلاثة الذين خلفوا حتى إذا ضاقــت عليهم الأرض بما رحبت وضاقت عليهم أنفسهم وظنوا أن لا ملجأ من الله إلا إليه ثم تاب عليهم ليتوبوا إنه هو التواب الرحــيم ) [ التوبه :  118 ]  .

 وأما المنافقــون الذين اعتذروا بأعذار واهيــة فلم تقبل توبتهم ،  لأنهم حاولوا خداع الله ورسوله . .  وأمثالهم اليوم الذين ينادون بالصلح مع يهود حرصا على حياة الدنيا ،  وخوفا من أن تدمر قصورهم وبيوتهم وأموالهم ،  فيدعون إلى ( العقلانيـة والواقعية ) ،  فيسجل الله الموقف لأولئك القوم ولكل متردد أو خائف أو منافق عبر التاريخ في هذه الأيام وفي كل يوم آت (فرح المخلفون بمقعدهم خلاف رسول الله وكرهوا أن يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله  وقالوا لا تنفروا في الحر قل نار جهنم أشد حرا لو كانوا يفقهون * فليضحكوا قليلا - في الدنيا - وليبكوا كثيرا جزاء بما كانوا يكسبون) [ التوبة : 81-82 ] .

 وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم

 ويرجع الرسول صلى الله عليه وسلم إلى المدينة يعيش بالغيب ومع الـغيب حتى دخــل الناس في دين الله أفواجـا ،  فأسلمـت اليمن بغير قتال ، أرسل إليها عليا بن أبي طالب ومعاذ بن جبل - رضي الله عنهما - فكان لا بد من الرحيل من هذه الدنيا إلى جنة عرضها السماوات الأرض ..

 لم ينتقل الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الرفيق الأعلى إلا بعد أن أسلمت الجزيرة العربية كلها،  هذا الذي خرج وحيدا من مكة إلا من صاحبه ودليله ،  تدين العرب كلها له اليوم ،  فينزل عليه قوله تعالى بسم الله الرحمن الرحيم ( إذا جاء نصر الله والفتح * ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا * فسبح بحمد ربك وأستغفره إنه كان توابا ) [ سورة النصر ] .  فلما سمع أبو بكر السورة بكى ،  فقيل له لم تبك يا أبا بكر ، والموقف موقف فرح ونصر، فقال : - ببصيرة المؤمن - والله ما تم امر إلا وبدأ بالنقصان ،  ففهم من السورة أن الله ينعى الرسول صلى الله عليه وسلم لنفســه وللمؤمنــين  ..  ويخرج الرســول صلى الله عليــه وسلم وكـان قــد مرض متكئـا على خادمــه ابي مويهبة ويقــول :" يا أبا مويهبة ،  أمرت أن أستــغفر لأهل البقيع - مقبرة المدينـة - وقال لــه :""  إن عبدا خـيره ربه بين الخلود في الدنيـا ثم ملاقاة وجه ربه والأخرة والجنــة وبين أن يلقى الله سريعـا ، فأختـار لقـاء الله  "" أو كما قال عليه الصلاة والسلام  .

 وينتقل الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الرفيق الأعلى ،  ويضطرب المسلمون بين مصدق ومكذب ، ويصدم الحدث العظيم عمر بن الخطاب فيقف في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم ويقول : " من يقول إن محمدا قد مات فسأقتله بسيفي ، إن محمدا قد ذهب يناجي ربه كما ذهب موسى يناجي ربه " إلى أن جاء أبو بكر الصديق وكان خارج المدينة ،  فدخل المسجد بنفسية الصديق وإيمان ثاني إثنين إذ هما في الغار ،  والذي يقول فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم :"" ما عرضت الإسلام على أحد إلا ووجدت منه ترددا إلا ما كان من أبي بكر فإنه آمن ولم يتردد  ""، فيقف أبو بكر في المسجد ويقول : " من كان يعبد محمدا ، فإن محمدا قد مات ،  ومن كان يعبد الله ،  فإن الله حي لا يموت " وتلى قول الله تعالى ( وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل إنقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين * وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله كتابا مؤجلا ومن يرد ثواب الدنيا نؤته منها ومن يرد ثواب الأخرة نؤته منها وسنجزي الشاكرين ) [ آل عمران : 144 - 145 ]   .

الغيب في عهد الصحابة

 وقبل أن يوارى الرسول صلى الله عليه وسلم في قبره ، اجتمع الأنصار في سقيفة بني ساعده ،  لينظروا أمر خلافة النبي ، فذهب إليهم أبو بكر وعمر وأبو عبيدة ، وصار نقاش وجدال ، أدلى كل برأيه وبحجته من الأنصار والمهاجرين ،  حتى أستقر الرأي على أبي بكر فكان الخليفة الأول  .

 وحتى يستمر الإسلام في دولة تطبقه ،  فالإسلام ليس دينا فرديا ،  فمن أحكامه ما هو مطلوب من الفرد ومن الاحكام مالا تستطيع تطبيقه إلا دولة ،  وعلى رأس ذلك الجهاد ،  وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد جهز جيشا لإرساله لهذه الديار ( أطراف بلاد الشام ) ،  وأسند قيادته إلى أسامة بن زيد ، وكان شابا صغير السن  .

 وفـور وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم بدأت الردة في العرب ،  مسيلمة وسجاح والأسود العنسي وغيرهم ، حتى إرتدت كل العرب ما عدا مكة ، والمدينة ،  والطائف والبحرين ،  فقرر أبو بكر أن يرسل جيش أسـامة ،  لكن الصحابة حاوروه في ذلك ، وأن الجيش يجب أن يبقى لحماية المدينـة خوفا من هجوم المرتدين عليها ،  فتمسك أبو بكر بالغيب ،  وقال : " كيف تريدون مني أن أبطل عملا عمله الرسول صلى الله عليه وسلم " - لم يقل عمله محمد بن عبدالله وإنما قال عمله رسول الله - إذن هي الرسالة والنبوة والغيب  .

 وكان في إرسال الجيش معنى كبير ، أثر في المرتدين ، إذ لو ظهر المسلمون في حالة ضعف لطمع فيهم المرتدون .  وهناك صورة أخرى للردة ،  بعض الذين إرتدوا من العرب رفضوا أن يدفعوا الزكاة ،  فارسل الصحابة عمر إلى أبي بكر ليطلب منـه عــدم مقاتلة الذين اعترفــوا بالإسلام ما عدا الزكاة ، فقال له : " ويلك يا ابن الخطاب أجبار في الجاهلية خـوار في الإسلام ،  والله لو منعوني عقال بعير كانوا يؤدونه لرسول الله لقاتلتهم عليـه " . .  إنه الإيمان بالله وبالغيب ،  ويدخل أبو بكر في معارك في طول الجزيرة العربية وعرضها ، يطارد المرتدين حتى إستقر الأمر للإسلام ، لا بكثرة عدد ولا عدة ،  ولكن بفيض من الإيمان وطلب الجنة والشهادة  .

 ويبدأ أبو بكر بعد أن استقر الأمر ،  وقضى على الردة في مهدها ، في تبلـيغ الرسالة ، وتأدية الأمـانة ،  فـيرسل الجيوش إلى الدولة الرومانية ،  ويعين أربعة من القادة : يزيد بن أبي سفيان : البلقاء ، وعمرو بن العاص : فلسطين ،  وشرحبيل بن حسنة : الأردن وأبو عبيدة عامر بن الجراح : قائدا عاما لجيوش الإسلام .  ويرسل إلى الدولة الفارسية جيوشا أخرى بقيادة المثنى بن الحارثة ومن ضمن قادته خالد بن الوليد .  فكان منطق السياسة والإعتماد على القوى المادية ، إن كانت هي المعتمـدة في المعركة ، أن لا يهاجم الدولتين العظميين في آن واحد ، وأن يبدأ بواحدة منهما حتى إذا ما إنتهى منها بدأ بالأخرى  .

 لكن الصحابة -رضي الله عنهم - وأبو بكر على رأسهم ، فهموا السر وعرفوا الحقيقة ، إنهم لم ينتصروا قط بكثرة جيوشهم ، وإنما النصر من عند الله (لقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة فأتقوا الله لعلكم تشكرون) [ آل عمران :123 ] ، وكان رسـول الله صلى الله عليه وسلم قال في حديثه " نصرت بالرعب من مسيرة شهر " فهذا للرسول صلى الله عليه وسلم وللمسلمين من بعده ،  ولكن أي مسلمـين ؟! ليسوا من هؤلاء الأعراب الذين يقول الله فيهم ( قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنـا ولما يدخل الإيمان في قلوبكم وإن تطيعوا الله ورسوله لا يلتكم من عملكم شيئا إن الله غفور رحيم ) [ الحجرات : 14 ] .. إذن من هم المؤمنون ؟!! هم الذين قال فيهم الله بعدها مباشرة ( إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله أولئك هم الصادقون ) [ الحجرات :  15 ]  .

 ليسوا بعثيين ، ولا شيوعيين ، ولا علمانيين ، ولا ماسونيين ، ولا متبطلين من هؤلاء الصوفيه الغلاة ، الذين لا يقولون بالجهاد ،  ولا من هذه الحركات المشبوهة التي تحرم الجهاد ،  ولا من هذه الحركات التي تنظر إلى الإسلام على أنه نظام اقتصادي أفضل من الأنظمة الأخرى يشبع المعدة ،  والذين لا يقولون بالجهاد إلا من وراء خليفة مخالفين قول الله تعالى ( فقاتل في سبيل الله لا تلكف إلا نفسك وحرض المؤمنين عسى الله أن يكف بأس الذين كفروا والله أشد بأسا وأشد تنكيلا ) [ النساء :  84 ] ،  ومخالفين حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ""  الجهاد ماض إلى يوم القيامة ،  لا يبطله عدل عادل ولا جور جائر ،  وإذا أستنفرتم فأنفروا  "" ، ولكن هذه الفئــات المختلفة ،  منها من يريد الـنصر بغـير الله وما كان لها أن تنتصر .. ولو انتصر العرب في معركة 1967 ما عـبد الله في الأرض ، ولنسب النصر إلى البشر والزعامات وحكام المعصية ، وأحزاب الإلحاد ، ولكن الله كان رؤوفا بعباده ودينه فهزمهم شر هزيمة ،  ولم يهزمهم يهود ،  لكون يهود ممنوعين من النصر لأن النصر عزة والعزة ممنوعة على يهود ليوم الدين فما كان لهم أن ينتصروا (لن يضروكم إلا اذى وإن يقاتلوكم يولوكم الأدبار ثم لا ينصرون) [ آل عمران :  111 ]  .

 والذي حدث في عام 1967 لم يحدث في تاريخ البشرية ، ثلاثة ملايين من البشر ( يغلبون ) (150) مليونا من العرب إنه لأمر يثير الدهشة والعجب ،  هنا أروي قصة :((  حدثت (الهزيمة) وأنا في بيروت في مهمة رسمية ،  حيث كنت مديرا لدار الأيتام في القدس ،  فذهبنا نشتري ورقا لمطبعة دار الأيتام من السوق الحرة في بيروت ،  وبعد ذلك حضرت إلى عمان ثالث يوم ( التسليم ) ،  وبينما أنا سائر في أحد شوارع عمان الرئيسة ،  التقيت بمدير المخابرات في ذلك الحين محمد رسول زيد الكيلاني فقال :" أنت قلت لأخي أبراهـيم في القدس قبـل أسبوع وأنـتم في الأقصى ، صل صـلاة مودع لهذا المسجد فإنك لن تعـود "، وكان الشيخ إبراهيم زيد الكيلاني قد زارني في القدس ، وكان مسؤولا عن الأحاديث الدينية في الإذاعــة ،  فأراد أن يسجـل لي حديثــا ،  وكانت أجــواء الـحرب تسيطر على المنطقة ،  وكان عبد الناصر قد سحب البوليس الدولي من سيناء ،  تمهيدا لما حدث لإحتــلال بقية فلسطين وسينــاء كلها والجــولان .  فلما بدأ الشيخ إبراهيم في تسجيل الحديث ،  قلت له :"  يا شيخ إبراهيم ،  والله لا تنتصر هذه الأمـة لا على أيدي الثوريــين ولا على أيدي الرجعيـين ،  هي مهزومة لا محالة ،  لإنها أمة لا تحارب بعقيدتها ،  وقد أعلنت الحرب على ربها " ،  فقـال :" هذا كلام لا يمكن أن يذاع " .  فقلت :" سجله للتاريخ " .  فنزلنا إلى الأقصى فصلينا الظهر ،  ووضعت يدي على كتفــه فقلـت :"  يا شـيخ إبراهــيم صل صلاة مودع لهذا المسجد فإنك لن تعود " .  يذكر الشيخ إبراهيم هذه الحادثة بين الحين والحين في دروسه .  وكان قد أستولى علي شعور بأني أودع الأقصى ،  فكنت أرسمه في ذهني ،  أتطلع إلى معالمه وإلى جدرانه ،  وأقول في نفسي : " غدا سأذكر هذه وهذه . . وهذه " ،  فلما قابلني محمد رسول في أحد شوارع عمان بعد الهزيمة قال :"  أنت قلت لأخي الشيخ إبراهـيم صـل صـلاة مودع لهذا المسجد فإنك لن تعـود : ، قال لي :" كيف علمت ذلك ؟! " .. فقلت له بإنفعال :" والله لو نصرتم لكان القرآن من عند غير الله ،  كيف تنتصرون ؟ ولم تنتصرون !!؟ .  الحكومات إهترأت ،  والشعوب اهـترأت على أيديهـا ،  والمقدمات أعطت النتـائج ، والذي صار كان لا يمكن إلا أن يصير ،  وكنت أعرف أنكم مهزومون لا محالـة ،  ولكن الذي لم يدر في خلـدي ولا سجل في دفتري هو أنكم (ستهزمون) في ساعتين إثنتين فقط ،  لا في ست سنوات ،  ولا ستة أشهر ،  ولا ستة أيام ،  إذن الأيام الستة التي سميت بها هذه الحرب ،  هي من باب التضليل أيضا " .  ثم قلت له :"  إني غير يائس ،  وسيخرج الجوهر قريبــا من هذه الأمة ،  فتقاتل في سبيل الله ، لا في سبيل قومية أو إشتراكية ،  ولا رأسمالية ولا شرق ولا غرب ،  وعند ذلك سيأتي النصر "  .

 وأشاع محمد رسول الكلمــة في الأوساط السياسيــة ، بأني قلت لو انتصر العرب في هذه الحرب لكان القرآن من عند غير الله ، وجــاء الأمير سلطـان بن عبد الـعزيـز ، ليتفقد القوات السعودية ( المظفرة ) (التي احتلت معان والكرك) وأقام له السفــير السعودي في ذلك الوقت أحمد الكحيمي حفل عشاء ،  وكنت حاضرا لذلك الحفل ،  وكان في مجلســه في تلك الحفلـة عدد من السياسيين من بينهم وصفي التــل ،  فقـال وصفي التــل :" إن هنــاك شيخــا عندنا في الأردن يدعـى الشـيخ أسعد الـتميمي يقــول :"  لو نصر العرب في هـذه الـحرب لكان الـقرآن من عند غـير الله " ،  فقــال له السفـير الكحيمي :"  إنه موجود في الحفلة "،  وجاء وأخذني إلى مجلس الأمــير ،  فقــام وسلم وقــال الأمــير :"  كيف لو انتصر الـعرب لكان الـقرآن من عـند غير الله ؟!! " .  فقلت له :"  يا سيـدي إن القرآن وضــع شروطـا معينــة للنصر ،  لا تنطبق عليكم " .  فقــال الأمير :"  المسؤول عبد الناصر ؟ " ،  فقلت له :"  والله إني لأعرف عبد الناصر حقيقة المعرفة ،  ولكن ليس هو وحده المسؤول ، وكلكم مشتركون في الجريمة ،  ولكنه كبيركم الذي علمكم السحر " .. وكان في مجلس الأمير أيضا المشير حابس المجالي (قائد الجيش العربي) ، فألتفت إليه ووضعت يدي على رأسه وقلت :"أسألك بالصـلاة على الرسول هل أنتم أهل للنصر ؟ " ، فقال :"لا"،  فألتفت إلى الأمير وقلت هذا قائدهم " ))  .

 وكنت في الأقصى أحذر من النكبة في درس أسبوعي ،  وأحذر الأمــة من الذي سيحدث ، وخصوصا تحدي الله كان في أوجه ،  ففي المؤتمر الأول لمنظمــة التحـرير الذي عقـد في القدس سنة 1964 ،  وهم يضعون بما يسمى بالميثاق الفلسطيني ، قالوا إن المسؤولين عن تحرير فلسطين هم الفلسطينيون والعرب ، فقام واحد من المؤتمر وقال " أضيفوا المسلمين أيضا " ، فقــامت أصوات الحمير تنهق :" هذه رجعية "  وبعد نقاش حاد عرضوا الأمر على التصويت ،  فالذين يريدون المسلمين حصلوا على (151) صوتا ،  والذين لا يريدون المسلمين حصلوا على (162) صوتا ،  (فسقط الإسلام) حسب زعمهم على جبل الزيتون .  وأصابتني رعدة وأثارت أعصابي ،  وتمنيت أن يكون غدا الجمعة لأقول كلمتي في الأقصى ،  وكنت أهاجم المؤتمر والمؤتمرين في كل لحظة ،  لأنني تصورت غضب الله على هؤلاء القوم وأنهم سيشردون بقية أهل فلسطين في هذا القرار الكافر الجائر  .

 وجاء يوم الجمعة ،  فوقفت بعد الصلاة ، وكان مندوبوا الملوك والرؤساء قد جاءوا إلى الأقصى ليصلوا الصلاة التقليدية ، والتي تكون غالبا بغير وضوء ،  إذ أن الصلاة لا تليق بهؤلاء الذين صنعوا الهزائم والسخائم لأمتهم ،  وكان عدد هؤلاء المندوبين ثلاثة عشر مندوبا لا أكثر الله من عددهم ،  فوقفت في الأقصى بعد الصلاة أقول :(( ربنا لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا ، يا أخوتنا في الباكستان ، يا أخوتنا في أفغانستان ، يا أخوتنا في تركيا ، يا أخوتنا في نيجيريا .. أيها المسلمون في كل الأرض .. لا تؤاخذونا بما فعـل السفهــاء منا ، يا صلاح الدين وأنت الكردي ،  أطل من وراء القـرون لتر ما فعل الصبية على جبـل الزيتون ، لقد رقـص البـابا طربا على قـرار الصبيـة ليلـة أمس ، وأبشركم بذهاب البقية من (فلسطين) بسبب غضب الله ،  والتي لولا الإسلام لما كانت فلسطين عربية .  لكنه العمى أصاب العيون وأصم الآذان وأغلق القلوب وكما قال الله تعالى (ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة ولهم عذاب عظيم ) [ البقرة :  7 ] )) .

 وكانت أيام فيها البلاء سيطر فيها الكفر ، ضلت الزعامة وضلت الشعوب إلا من رحـم ربك وقليـل ما هـم .. وكمـا قال الله تعالى ( ومن الناس من يقــول آمنــا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين * يخادعون الله والذيـن آمنوا وما يخدعون إلا أنفسـهم وما يشـعرون * في قلوبـهـم مرض فزادهم الله مرضا ولهم عذاب ألـيم بما كانوا يكذبون * وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون * ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون ) [ البقرة : 8-12 ]  .

 فإن قلت للحكــام وأعوانهم ،  وللأحزاب الكافرة وكوادرها من مختلف الأسماء والمسميات ، لا تفسدوا في الأرض قالوا (إنما نحن مصلحـون) أجاعوا الأمة وهم (مصلحون) ! ..  أذلوا الأمة وهم (مصلحون) ! .. سلموا فلسطين وهم (مصلحـون) ! .. مزقوا الأمة وهـم (مصلحون) ! .. وعبدوا كل شيء إلا الله وهـم (مصلحون) !!!  .

 وقد روي في تفســير الآية عن سلمــان الفارسي - رضي الله عنه - " لم تنزل هذه الآية في المنافقين في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لأنهم لم يكونوا يزعمون الإصلاح ، كانوا فقط يظهرون الإيمان ويبطنون الكفر ، ولكنها نزلت في أقــوام من هذه الأمة يبطنــون الكفر ويزعمون الإصلاح سيأتون فيما بعد !! " .  وكأن هـذه الآيـة تعني الحكــام ، والزعامات ،  والكتاب والصحفيين (المفكرين) الذين ضاعت هذه الأمة وفلسطين على أيديهم  .

 لا أنسى تلك الليلة من آخر رمضان قضيناه في القدس شهر (12/1966) وقد أحيينا ليلة القدر في الأقصى ، وجلست إلى الناس أتحدث إليهم بعد صلاة التراويح ،  تكلمت عن الحركات السياسية والفكرية في المنطقة من الشيوعيين والبعثيين والعلمانيين إلى أن أتيت إلى الماسونية فقلت :" هي حركة يهودية سرية اقامها يهود بعد السبي البابلي ، وأدخلوا فيها الملـوك والأمراء والرؤساء والأغنياء ،  حتى يعملوا بواستطهم على إقامة دولة يهود ،  وقد أقاموها ،  وحتى يبنوا الهيكل مكان هذا المسجد ،  وبما أن أكثر حكام العالم العربي من الماسونيين فسيسلمون الأقصى ليس خيانة فقط ، ولكن سيسلمونه لأن عقيدتهم الماسونية تأمرهم بذلك " .  وهذا الكلام كان قبل تسليم الأقصى بخمسة أشهر ،  وبالفعل حين أخذ يهود بقية القدس وبقية فلسطين ،  أرسل محفل ماسوني في أمريكا رسالة إلى الشيخ المرحوم حلمي المحتسب ، وكان رئيسا للهيئة الإسلامية في القدس ، يعرض عليه أن يسمح المسلمون للماسونيين في بناء اليهكل في ساحات الأقصى مقابل (150) مليون دولارا دفعة أولى ، ودخل (15) مليون دولارا سنويا للأوقاف ، وقال رئيس المحفل الماسوني :"  إني قادم على الطريق لأفاوضكم بهذا الأمر " ، وبالفعل حضر هذا الماسوني ، فأفهمه الشيخ حلمي أنه ليس لأحد الحق في التصرف بالأقصى ، فهو للمسلمين جميعا ، وقال رئيس المحفل الماسوني للشيخ حلمي :" إن أردت موافقة بعض الحكام (العرب) أتيت لك بها "  .

 ولقد رأيـت بأم عيـني قائد الضفة الغربية في محافظة القـدس بيـده خاتم وعليه الشعار الماسوني (الفرجار والمثلث) .. وهكذا كان ، سلم الماسونيون الأقصى  .

 ونعود إلى أول الطريق ،  إلى قرون النصر ، ولنرى كيف تغلغل الإيمان في صدور أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، هذا الإيمان الذي صنع المعجـزات والكرامات  .

  الغيب في معركة اليرمــــوك  :

 وهكذا سار الغيب مع المسلمين بعد رسول الله ، حتى كانت معركة اليرموك،  جمعت الدولة الرومانية ألف ألف جندي - أي مليون جندي - فيهم سبعة ملوك ،  ومن بينهم ملك الأرمن ،  وفيهم مائتا ألف من نصارى العرب - كما يقول الواقدي صاحب ( فتوح الشام ) - ،  وفي المقابل كان عدد جيش المسلمين ثلاثين ألفا من الموحدين ،  فأستنجد أبو عبيدة بالخليفة في المدينة ليرسل له مددا ،  فأرسل له الخليفة ستة ألاف من أهل اليمن  .

 ولا يستطيع أي عقــل مــادي أن يحـلل هــذه المعركــة بقياساته المادية البحتة ،  حيث أن عدد الجيوش وعدتها غير متكافئة ،  فجيش الإمبراطورية الرومانية ذات التاريخ العريق في الفنون العسكرية والتي هزمت قبل بضع سنين جيوش الإمبراطورية الفارسية ،  لا بد وأن لديهم من الأسلحة والتقنيات ما لا يعرفه العرب المسلمون الذين لا تاريخ عسكري عندهم ولا فنون ولا أسلحة إلا ما كان من السيف أو الرمح أو القوس أو النشاب  .

 ويقول أحد جنود المسلمين :" ما أكثر الروم وأقل المسلمين " ، فيجيبه خالد بن الوليد - رضي الله عنه - ( الذي جاء حديثا من العراق على رأس خمسمائة جندي ، إجتاز بهم بادية الشام برعاية الله ، حتى إذا ما وصلوا الأزرق وكان الماء قد نفد منهم ، فقال الدليـل إبحثوا عن أصل شجرة في هذا المكان ،  فإن الماء عندها ، فبحثوا طويلا حتى كادوا أن ييأسوا ،  وأخيرا وجدوها ووجدوا الماء عندها ، شربوا وشربت جمالهم ، وأنفكت أزمتهم ) .  قال خالد لهذا الجندي الذي رأى الروم على كثرتهم :" بل ما أقل الروم وما أكثر المسلمين ، إنما تقل الجند بالهزيمة وتكثر بالنصر " ، وأختار خالد ستين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بأسمائهم ، ممن حضروا بدرا وأحدا والغزوات والمواقع جميعها وممن ترضى الله عنهم بقرآنه وممن بشرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بجنة عرضها السماوات والأرض وممن لا يرد دعائهم ،  فيخوض بهؤلاء الستين المعركـة ، فيخترق جيـوش الروم . ويغيبون طويلا فيشفق أبو عبيدة - رضي الله عنه - عليهم ويقول :" أهلك خالد أصحاب رسول الله " ، ولكنه لا يلبث حتى يعود خالد والصحابة ، فماذا كانت النتيجة ؟؟ . .  قتل من الروم مائتا ألف ، وغرق في النهر مائة ألف أخرى . وفتحت هذه المعركة التي إنتهت بها الدولة الرومانية كدولة عسكرية عظمى الأبواب لفتح فلسطين وكل بلاد الشام ،  ومصر وشمال أفريقيا وحتى بلاد الأندلس  . 

وكان من نتائجها أن يجتاز طارق بن زياد الممر ( الذي سمي باسمه بين ضفتي أفريقيا وأوروبا ) إلى إسبانيــا بأربعـة ألاف جندي موحد ،  فيفتح إسبانيا ويستمر حكم المسلمين لها ثمانية قرون ،  حتى أهلك المسلمين الترف ،  وعادوا قبائل ، بعد أن وحدهم الإسلام ،  كان لا بد من سنة الله أن تأخذ فيهم مداها ، فنكصـوا على أعقابهم خاسرين ، بعد أن فتحوا عقول أوروبا وخلصوها من الخرافة ،  لأن سنن الله في الكون لا يخرقها الله إلا لعباده المؤمنين ،  فإذا تسـاووا مع عدوهم في المعصيـة ، كانت الغلبة لمن هو أكـثر عـددا وعدة وقوة ووحدة ولو كانوا غير مسلمين .  إذ بفرقتهم وإختلافهم وترفهم وفجورهم عصوا الله وخالفوا أمر الله ( وأعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا وأذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون ) [ آل عمران : 103 ] .. فلما خالفوا هذه القاعدة القرآنية ، غضب الله عليهم ، فخرجوا من الأندلس مذمومين مدحورين .. ولكن إلى حين  .

-   الغيب في فتح مصر  :

 ويقنع عمرو بن العاص ،  عمر بن الخطاب - رضي الله عنهما - بفتح مصر ،  فيأذن له عمر ،  فيسير بأربعـة ألاف جندي ،  فلما وصل مصر أبطــأ عليه الفتح ،  فأستنجـد بعمر ، فأمـده بأربعة ألاف ( تمام ثمانية ألاف ) على كل ألف رجل منهم رجل يعد بألف رجل ،  وكتب إليه : " إني أمددتك بأربعة ألاف رجل على كل ألف رجل رجل ، الرجل منهم بمقام ألف رجل  : الزبير بن العوام ، والمقداد بن عـمرو ، وعبادة بن الصامت ومسلمة بن مخلد ، وأعلم أن معـك إثني عشر ألفـا ولا تغلب اثنــا عشر ألفا من قلـة "  .

 ليست قوتهم في القوة الجسدية فقط ، إنهم بشر كالبشر ، وفي البشر من هو أقوى منهم ومن هو أضعف ، لكن قوتهم مستمدة من الغيب . فهم من كبار أصحاب رسول الله صلى عليه وسلم ، تتلمذوا في مدرسة الوحي وهم من أهل بدر الذين أنجدتهم الملائكة ، وحضروا معارك رسول الله صلى الله عليه وسلم ،  وقوتهم روحية بالإضافة إلى القوة الجسدية ،  إذا دعوا إستجاب لهم الله .  ولذلك كان قواد جيوش الفتح حريصيين على أن يكون بين صفوفهم رجال ممن حضروا معركة بدر ، والرسول صلى الله عليه وسلم قال في أهل بدر :"" لعــل الله تجلى على أهل بدر يوم بدر فقــال : افعلــوا ما شئتم فإني قد غفرت لكم "" . 

وكلما إرتقى القائد أو الجندي المسلم بأشواقه الروحية وقربه من الله في تـلاوة للقرآن وذكر دائم وإستغاثة مستمرة ،  لا يأخذه الــغرور من عـدد الجيش وعدتـه ،  وإنما يعلم أن الــنصر من عند الله ،  لذا هو يسجد بين يدي الله في الليل والنهار ،  ويستمطر رحمة الله ،  وكان هذا فعل النبي صلى الله عليه وسلم وفعل أصحابه معه ومن بعده  .

 فلما حاولت الأمة أو بعض قادة الأمة أن يعتمدوا على شعاراتهم وكذبهم وخداعهم ،  وعلى أن تستمد الأمة قوتها من حزبها الذي أسس من أول يوم على غير تقـوى من الله ،  دينه الإلحاد ،  وحقيقته الكذب والخداع ،  واعضاء الحزب يتربص بعضهم ببعض الدوائر،  كل يريد أن يطيح بصاحبه ليحل محله ،  كان لا بد أن يهزموا ( هذا إن هزموا )  فكيـف بهم وقد نفذوا مخططات عدوهم وهزموا أمتهم بغير هزيمة،  وسلموا الأرض لعدوهم بغير قتال ،  إلا في الإذاعــات وترديد الشعارات ،  هذا كله درس لنا ،  إننا إذا لم نلجأ إلى الله في المعركة ،  سنصاب بالهــلاك والبــوار ،  ولكن كل ذلك إلى حين .  وقد بدأت الأمة في الصعود بعد النزول إلى الحضيض ، لأنه يبدو من الإستقراء التاريخي أن الأرض المباركة لها (رسالة) ، تصل الأمة إلى الحضيض يوم سقوط فلسطين بما فيها القدس والأقصى في أيدي الكفار ،  فتكون الأمة في منتهى إنحطاطها متفرقة ، ممزقة الأوصال لا يجمعها الإسلام ، تكون فيها الإمارات والمشيخات والحارات فيطمع بها عدوها . عندها تبدأ الأمة في حركة الصعود ،  لأن سقوط القدس والأقـصى يهزها من أعماقهـا ، فتنقشع الغشاوة عن أعينها ،  ويتفتت الرين عن قلوبها ، وتأخذ في الصعود حتى تبلغ ذرى المجد مرة أخرى  . 

 وهكذا كان في الحروب الصليبية ، وفي حروب التتر وهو الآن في الحرب الصليبية اليهوديـة ، فبعد خيـانة (67) أصاب الأمـة جمود فكري وسياسي ،  وأصبحت تعيش في فراغ عقائدي ،  بعد أن إنكشفت عفونة الفكر الوافد (المستورد) ولكن بعد بضع سنين أخذت الأمة تتحرك ببطىء ،  والإسـلام يسري في عروقها وشبابها ،  بعد أن رأت أنها خدعت طويلا بالزعامة والزعيم وبالأحزاب وبحكام الهزيمة والسخيمة  .

 وبدأ في المجتمـع سريـان بطيء للصحوة الإسلامية ،  وكان لا يراها في عقد السبعينيات إلا من يهتم بها ، فالمساجد بدأ يرتادها الشباب بأعداد كبيرة ،  والجامعات والمدارس بدأ تحول فكري فيها ، وكنت أراقب بتتبع وأقـول لأصحابي وتلاميــذي :" إن أمـرا في الأرض يجـري ، هـو العودة إلى الله " ، وهكذا بدأ الإسلام ينتشر ، والصحوة تتصاعد في الطبقات المثقفة من المجتمع ، أساتذة الجامعات ، وخريجي الجامعات من مختلف التخصصات وخصوصا التخصصات العلمية من خريجي الغرب وأمريكا ، فأصدر كارتر رئيس الولايات المتحدة الأمريكية في ذلك الحين أمرا في أواخر السبعينيـات بعد الـثورة الإيرانيـة للمخابرات الأمريكية أن تدرس هذه الصحوة الإسلامية ولو على مستوى إمام مسجد في حي  .

 واليوم يتفجر العالم الإسلامي بالصحوة والخير قادم ودولة الإسلام آتية ،  والإسلام الذي فتح مصر يعود اليوم كأقوى ما يكون ،  فتوة وإنبعاثا واستشهادا وسيصل الأمر مـداه ويسقط عملاء أمريكا ويهـود للمكان اللائق بهم في مزبلة التاريخ  .

 ولما أبطأ عمرو بن العاص في فتح مصر ، استغرب عمر بن الخطاب،  لأن جيوش الإسلام منذ عهـد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عهد عمر والخلفــاء الراشدين والأمويين وفي كل عصور التاريخ ، لا تعرف الإبطاء في الفتح ،  لأنها لا تعتمد على قوتها المادية ، وهم جند الله يقاتلــون في سبيل الله ،  لرفـع كلمة الله ،  ولتطهير البشرية من عبادة غير الله ،  فلا يمكن أن يبطأ عليهم الفتح ،  إذن لا بد من سبب يؤخر الفـتح ،  فيكتب عمر هذه الرسالة إلى عمرو :( أما بعد ،  فقد عجبت لإبطائكم عن فتح مصر ،  تقاتلونهم منذ سنين ،  وما ذاك إلا لما أحدثتم وأحببتم من الدنيا ما أحب عدوكم ،  وإن الله تبارك وتعالى لا ينصر قوما إلا بصدق نياتهم ،  وقد كنت وجهت إليك أربعــة نفر وأعلمتـك أن الرجــل منهم مقام ألــف رجل على ما كنت أعرف ،  إلا أن يكون غيرهم ما غيرهم ،  فإذا أتاك كتابي فاخطب الناس وحضهم على قتال عدوهم ورغبهم في الصبر والنية ،  وقدم أولئك الأربعة في صدور الناس ،  مر الناس جميعا أن يكون لهم صدمة كصدمة رجل واحد ،  وليكن ذلــك عند الــزوال يــوم الجمعــة ، فإنهـا ساعــة تــنزل الرحمـة فيهـا ووقــت الإجابــة ، وليعج الناس إلى الله ويسألوه النصر على عدوهم  ) [ منتخب كنز العمال 2 : 183 ]  .

 ونفهم من الرسالة مقاصد عمر ،  أن النصر بيد الله ،  إن الله لا يخذل قوما خرجوا في سبيله إبتغاء مرضاته ،  فإذا تغيرت النية من خروج لأجل الدنيا بدلا من الآخرة عند ذلك يبطيء النصر ،  ونلاحظ هنــا أنه يتكلم عن الأربعــة الذين أرسلهم لنجـدة عمرو ،  وجعل الواحد منهم بألف ،  لأنهم جميعــا من أهل بدر .  فيخشى عليهم عمر أن يكونوا قد غيروا النوايا ،  وأصبح خروجهم لأجل الدنيا ،  وفي الرسالة يبين لنا عمر أن هنــاك ساعات يستجاب فيهـا الدعاء أكـثر من غيرها ومنها وقـت زوال الشمس يوم الجمعـة  .

 وبالفعـل نفذ عمرو وصيـة أمير المؤمنين ، وفتحت مصر لتكون حبة العقد في العالم العربي والإسلامي عبر التاريخ ،  وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد بشر بفتحها ،  وقال :"" ستفتح عليكم مصـر ، فأستوصوا بأهلها خيرا ، فإن لكم فهيا نسبا وصهرا "" إذ أن ( ماريا القبطية ) أم إبراهيم بن النبي صلى الله عليه وسلم من مصر ، وكذلك (هاجر) جدة النبي صلى الله عليه وسلم الأولى أم إسماعيل عليه السلام وزوجة إبراهيم الخليل عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام من مصر  .

 

وفي حديث آخر عن مصر يقول الرسول صلى الله عليه وسلم :""إذا فتحت عليكم مصر فأتخـذوا منها جندا كثيفا ، فإنهم خير جند الأرض "" . لذلك حينما ( كبر ) جند مصر يوم اقتحام قناة السويس وخط بارليف في معركة (1973) كانوا يمثلون روح الجندية الإسلامية ،  وإستبسال الجندي المصري ،  الذي وصفه الرسول صلى الله عليه وسلم بأنه خير جند الأرض  .

وها هي مصر مرة أخرى تعود لتحمل الإسلام وتقود المعركة في تحطيم الأصنام والعمل فيما أمر الله والإبتعاد عما نهى ،  يتغلغل الإســلام في كل شرائح المجتمع الـمصري ،  وكلما إرتفعت الشريحة ثقافة وعلما وفكرا كلما كان الإسلام فيها أوضح وأعمق  .

 لذلك فلننتظر دور مصر المأمول وجندها خير جند الأرض في أن تعود لتحرر فلسطين بعد أن تتحد مع الشام ،  لأن إتحاد مصر والشام دائما هو الذي يحرر الأقصى والقدس وفلسطين من الغزو الكافر  .

 -   الغيب في معركة القادسية  :

 وفي نفس الوقت يرسل أبو بكر الجيوش لفتح العراق وفارس ، ويعين المثنى بن الحارثة قائدا لهذه الجيوش ،  ويبدأ الفتح ،  ويستشهد المثنى ،  وينتقل أبو بكر - رضي الله عنه - إلى الرفيق الأعلى ،  ويتولى الأمر عمر ،  ويولي القيادة مكان المثنى إلى سعد بن أبي وقاص ( أحد العشرة المبشرين بالجنة ،  وخال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأول من رمى بسهم في الإسلام ،  وأول من فداه رسول الله صلى الله عليه وسلم بأبيه وأمه وهو يقول له يوم أحد : "" ارم سعد فداك أبي وأمي "" ، وهو الذي كان يفتخر به رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقول : "" هذا سعد خالي فليرني أمرؤ خاله "" وهو من أخواله وليس شقيقا لأمه ) .  ويسير سعد من نصر إلى نصر ،  حتى إذا كانت القادسية ،  وتتكرر العملية في القادسية كما كانت في اليرموك . 

ثلاثون ألفـا يقابلـون مائتي ألف ،  مع جيش إمبراطوري مدرب ،  وتاريخ عسكري عريق ،  سيطر فيه الفرس على نصف الدنيا .  ويجتاز جيش المسلمين نهر دجلة على الخيل ،  وكان سعد على فرس وبجانبه سلمان الفارسي على فــرس أخرى ،  فقـال سعد - رضي الله عنه - :" لقد ذلل الله لهـؤلاء البحر كما ذلل لهم البر "، فيجيبــه سلمان - رضي الله عنه - فاهما السر في النصر :" مالم يعصوا "!! .

 وقبل أن تبدأ القادسيـة بدأت الرسل بين سعد ورستم ، قائد جيـوش الفرس .  فيرسل إليه سعد القائد ربعي بن عامر ،  فيدخل على رستم ،  ورستم في أبهة الملك وزخرف الدنيا ،  وسجاده الذي لم يعرفه العرب ،  فلا يملأ ذلك عيني ربعي بن عامر ، ويدخل على مجلسه ويضرب السجاد برمحه ويبدأ بينهما حوار ،  وصورة العرب عند رستم أنهم جياع عراة صعاليك ،  لا بد أن الجوع جاء بهم ،  وأن اللباس الفاخر دفعهم لهذه المجازفة  .

 فيقول لربعي بن عامر :"  إن كانت بلادكم في قحط ،  فنحن على استعداد أن نعطي كل جندي عندكم ما يشبعه ،  ونحظي قائدكـم بالشيء الكثير ،  فلا يصيبنكم الغرور " ،  لأنكم تواجهون إمبراطورية لها تاريخ في العسكرية ،  وممارسة قهر الشعوب ،  لأننــا نعرفكم في جميع الأحوال ومنها حال جوعكم وعريكم ،  فأرجعوا خيرا لـكم  .

 فيجيبه ربعي بن عامر :"  كنا كما قلت وأسوأ ،  حتى جاءنا نبي منا ،  لنا وللبشرية كلها ،  أمرنا أن نخرج من عبادة العباد والأوثان إلى عبادة الله ،  وأن نخرج من ضيق الدنيا إلى سعة الآخرة ،  فإن أسلمتم فلكم ما لنا وعليكم ما علينــا ،  ونترك فيكم من يعلمكم الإسلام ،  وإلا فالحكم بيننا للسيف " . .  وهكذا كان ،  وتنهار الإمبراطورية الفارسية  .

 وكان رسـول الله صلى الله عليـه وسلم يوم أن ولد ، اهتز إيوان كسرى في المدائن ، وأطفئت نيران معابدهم (بعد أن بقيت مشتعلة لمدة ألف عام) وهذا إرهاص لهم بأن في الدنيا حدثا جديدا ، ستتغير الدنيا فيما بعد يوم رسالته ،  ويوم أن بعث صلى الله عليه وسلم الرسالة إلى كسرى ومزق كسرى الرسالة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :"" مزق الله ملكه ، لا كسرى بعد اليوم "" ..  وفتحت القادسية بلاد المشرق حتى الهند وأسوار الصين  .

 ويسير المسلمون من غلب إلى غلب ،  ومن فتح إلى فتح ،  ويدخل الناس في دين الله أفواجا ،  ولكن بعد فترة زمنية يتسرب إلى الإسلام فلسفات لا يعرفها ،  وأفكـار يرفضها نتيجة للخطأ الكبير الذي إرتكبه أبو عبدالله المأمون الخليفـة العباسي ، حين أمر بترجمة الفلسفات الغير إسلامية ، الفلسفات الهندية ، والفارسية ،  واليونانية ،  والرومانية ،  والنصرانية واليهودية ،  مما سبب انحرافا في الفكر الإسلامي  .

 وكانت الدولة العباسية قد أخذت موقـف الدفـاع عن الدولة الإسلاميـة الكبيرة ( إلا قليلا من الهجوم )  التي فتحها الصحابة والأمويـون ،  بــدلا من الجهاد ومبــادرة الهجوم في نشر الإسلام في العباد والبلاد ،  وهذا نتيجة للترف الفكري ، والترف المادي ،  الذي انغمست فيه الدولة العباسية ،  مما أضعف روح الجهاد وروح التحدي والإستشهاد .  فمن المعروف بداهة وتاريخيا ،  أن الفرد إذا فقد روح التحدي مات ،  وأن الجماعة إذا فقدت روح التحدي ماتت ،  وأن الدولة إذا فقدت روح التحـدي ماتت ،  ولو قبل الرسول صلى الله عليه وسلم نصيحة عمه ،  يوم أن جاءت قريش تشتكي النبي صلى الله عليه وسلم تتهــدد وتتوعــد ،  فيشفق عمه على نفسه وعلى ابن أخيـه ويقـول له : يا أبن أخي :" لا طاقة لنا بقتال العرب كلها ".. ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم يقبل التحدي فيقول  : ""والله يا عماه ، لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر ما تركته أو أهلك دونه "" .. ويمضي الرسول صلى الله عليه وسلم باكيا فيشفق عليه عمه ويقول له : " إرجع يا أبن أخي لن أسلمك أبدا " ، وكانت قريش قبل ذلك عرضت عليه الملك والمال والنساء ومغريات الدنيا كلها .  وكانت نتيجة هذا التحدي إنتشار الإسلام وهزيمة قريش وإقتلاع الإمبراطوريات وبقاء هذا الدين إلى يوم القيامة ،  يدخل أتباعه الجنة ويدخل أعداءه النــار  .

 - الغيب في الحروب الصليبية 

ويفقد المسلمون هذه الروح ( روح التحدي ) ،  يضعف الفكر الإسلامي الصافي في النصف الثاني من الدولة العباسية ،  ويغوص الناس في وحل الفلسفات التي لم يعرفها المسلمون الأوائل ( لا الصحابة ،  ولا التابعون ) وتبدأ الدولة الإسلامية ، بالتمزق ،  وتذهب الأندلس ،  وتنشأ شبه أقاليم مستقلة في الدولة الإسلامية الواحدة ،  ويفقد المسلمون الإبداع ( الرؤيا بنور الله ) ويأتي التتر بهمجيتهم وبداوتهم فيحتلون بغداد ،  ولأنهم ضد العلم وضد النور ،  فيدمرون مكتبات بغداد الكبرى ،  ويرمون الكتب في نهر دجلة ،  فيتحــول لــون النهر إلى لون الحبر ،  الذي نزل من الأحــرف التي كتبـت بهـا الكتـب .  في هذا الجـو جـاء الصليبيون ليخلصوا قـبر المســـيح - كمـا يزعمــون - من الوثنين يعنــون بذلـك المسلمـين - قاتلهم الله - ،  وهذا تناقـض في عقـيدتهـم ،  ( فربهم موضـوع في قــبر ؟!!!) أي رب هذا الذي يموت ويوضع في قبر ( كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذبا ) [ الكهف :  5 ] ،  ( قاتلهم الله أنى يؤفكون )  .

 ونتيجة للظلام الذي كانت تعيش به الأمة ،  والإنحراف الذي بدأ على حكامها وعامـة المسلمين ،  إستطاع الصليبيون أن يأخذوا كـل فلسطـين ولبنــان حتى الإسكندرونــة ،  وفي الجنوب امتدوا حتى الكرك والشوبك ،  وأصبح قسم كبير من ديار الشام تحت قبضة الصليبيين  .

 ولما دخل الصليبيون القدس ،  قتلوا سبعين ألف مسلم في يوم واحد ،  وغاصت خيولهم في دماء المسلمين إلى الركب .  وأستمر إحتلال الصليبيين للقدس ما يقرب من تسعين سنة ،  وأستمرت الحروب الصليبية مائتي سنة ،  ولقد حاول الصليبيون مرارا أن يحتلوا مصر ،  قلب العالم الإسلامي العربي النابض .  وكان يحكم مصر في أواخر الدولة الفاطميــة الباطنيـة وزير يسمى شاور،  الذي تحالف مع الصليبيين ضد صلاح الدين ،  كما فعل السادات ومبارك حذو النعل بالنعل ،  وأيضا كما تحالف فهد وحكام الخليج حينما تحالفوا مع الكفر بقيادة أمريكا الصليبية وأوروبا الصليبية الحاقدة ،  بالإضافة إلى الأسد ومبارك في حرب الخليج ضد الأمة ( قاتلهم الله أنى يؤفكون )  .

 ولكن الله كان رحيما بهذه الأمة وهو دوما بها رحيم ، فجاء نور الدين زنكي - رضي الله عنه - ، فبدأ يوحد الإمارات المتنافرة في سوريا والـعراق ، فلما وحدها توفاه الله ، وانتقلت الراية إلى صلاح الدين الأيوبي -رضي الله عنه-،  فأكمل توحيد أجزاء الأمة وخصوصا مصر والشام ، لأن مصر والشام قطبـا الرحا في بـلاد العرب والمسلمين ، وقضى صلاح الدين على بقية الدولة الفاطمية في مصر وقتل شاور ، بعد ذلك حدثت معركة حطين في شمال فلسطين ،  والتقـى جيش المسلمين بستة وعشرين جيشا للصليبيين ، فهزمهم الجيش الإسلامي ،  فسئل صلاح الدين :"  كيف هزمت ستا وعشرين جيشا ؟ " فأخرج القرآن وقال :" قاتلت من أجل رب هذا الكتاب ، فنصرني رب هذا الكتاب " .

 ويدخل صلاح الدين القدس في رجب ،  وعاد المسجد الأقصى إلى طهره وقدسيته ،  بعد أن دنسه الصليبيون ما يقرب من تسعين سنة .  ثم أتم تطهير فلسطين وبلاد الشام والمنطقة كلها من الصليبيين الظاهر بيبرس - رضي الله عنه - وعادت هذه الأرض عربية إسلامية قرآنية موحدة وأخذ الغيب يعمل عمله  .

 ولما عادت أوروبا منهزمة بعد حروب مريرة ،  إستمرت قرنين من الزمن كلفتها ملايين الرجال والنساء ومالا يحصى من الأمــوال ، عادت تفكر في الذي سبب لها الهزيمــة ، فعرفت أن السر في الإسلام ،  الذي يجعل الجهاد ذروة سنامه ، والـذي كـاد يحرم الجنة إلا على المجاهدين ( أم حسبتم أن تدخلوا الجنـة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنـوا معـه متى نصر الله ألا إن نصر الله قريـب ) [ البقرة : 214 ] .. (أم حسبتم أن تدخلـوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكــم ويعلـم الصابرين) [ آل عمران : 142 ] . . هذا الدين الذي يجعل الشهادة هي الحياة بعينها ،  ويرفض بل يحرم أن يقال للشهيد ميت ( ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أموات بل أحياء ولكـن لا تشعرون ) [ البقرة : 154 ] ،  ويقـول الرسول صلى الله عليه وسلم :"" جعل الله للشهداء في الجنة مائة درجة ،  بين الدرجة والدرجة كما بين السماء والأرض ،  وإن أوسطها الفردوس - أي خيرها وأحسنها - فاسألوا الله الفردوس "" ، وإن الله يعطي الشهيد خمسا لا يعطيها لغيره  :

 -     يغفر له مع أول قطرة تنزل من دمه  .

-     يأمن من عذاب القبر ،  ومن الفتن  .

-     يلبس تاج الفخار ،  الجوهرة فيه تساوي الدنيا وما فيها .

-     يزوج بسبعين من الحور العين  .

-     ويشفع في سبعين من أهله  .

-   الغيب في الدولة العثمانية

 وكان المسلمون قد دخلوا في ظل الدولة العثمانية ،  وحملت الدولة العثمانية الإسلام بغير لغته ،  وفتح محمد الفاتح القسطنطينية ،  وهنا يصدق الغيب مرة أخرى وتشمله دعوة النبي صلى الله عليه وسلم الذي قال :""  تفتح عليكم القسطنطينية ،  نعم الأمير أميرها ،  ونعم الجيش ذلك الجيش ""  .

 حينما هجم محمد الفاتح على القسطنطينية الهجوم الأخير ،  وكان قد هاجمها عدة مرات ،  ولم يفلح في اختراق حصونها ،  وكان معه أستــاذه ،  أحد العلمــاء الأفاضل ،  فأشار عليه أن يلجأ إلى الغيب ليرضي الله سبحانه وتعالى .  فيأمر الجيش أن يصوم ثلاثة أيام وأن يتلوا القرآن فيها ،  حتى إذا كان يوم الهجوم أمرهم بالاغتسال والتطهر .  بعد ذلك بدأ بالهجوم ، ففتحت القسطنطينية ، فسجد محمد الفاتح على الطين في شوارعها ، خوفا من أن يصيبه الغرور ، بعد أن أصابته بشرى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أنه نعم الأمـير ،  وجيشه نعم الجيش ، وتضطرب أوروبا ويضطرب العالم الكافـر ، فيرسل البابا رسولا إلى محمد الفاتـح ، ويعرض عليه أن يتنصر وهــو على استعـداد ليعطيــه كل أوروبــا ،  لكنـه - رضي الله عنه - لم يأبه لهذا وسارت جيوشه تفتح أوروبا حتى وقفت من بعده على أبواب فيينــا  .

 وقد صدق الغيب مع محمد الفاتح بعد خمسمائة سنة من الإسلام ،  فيصدق حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ..  وحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم مكتوب على قبره .  ولقد شعرت براحة نفسية عجيبة حين زرته  .

 ولأن الدولة العثمانية جعلت اللغة التركية هي لغة الدولة ،  ولم تجعل اللغة العربية التي هي لغة القرآن والإسلام بدلا منها ( إنا أنزلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون ) [ يوسف : 2 ] ..  والآيات كثيرة في هذا الموضوع ،  إذ أن الإسلام لا يفهم إلا بلغته ،  فلا يمكنك أن تستنبط الأحكام من القرآن والسنة إلا إذا كنت عالما باللغة العربية وأسرارها ،  والحقيقة والمجاز والناسخ والمنسوخ ،  ولذلك في العصر التركي على عظمة ما قامت به الدولة الإسلامية العثمانية جمد العقل المسلم ،  وأٌقفل باب الإجتهاد ،  وسيطر على المسلمين الخرافة والصراع المذهبي ،  حتى وصل الأمر عند بعض ( العلماء ) أن يقولوا هل يجوز الشافعية أن تتزوجع من الحنفي أو بالعكس !!! .

 فخططت أوروبا بصبر وطول أناة لتعمل على نزع المسلمين من الإسلام ،  أو نزع الإسلام من المسلمين .  لم تلجأ إلى الحروب ،  لأنها خسرت في الحروب مع المسلمين ، فلجأت إلى المدارس ،  والمعاهد ،  والجامعات ،  والنوادي والجمعيات  .

 في هذا الوقت كانت النهضة الأوروبية المادية ،  والتقدم الصناعي المذهل ،  فأثر ذلك في نفوس الشباب المتعلم ، الذي تخرج من جامعات الغرب ،  فعزوا هذا التأخر الصناعي في المسلمين إلى الإسلام ظلما وعدوانا ،  وكانت الدولة العثمانية (الرجل المريـض) ، ينهشها الغرب من كل ناحية ، وكان السلطـان عبد الحميـد - رحمه الله - يقاوم وحده بما أوتي من الدهاء والمراوغة حتى تغلبوا عليه فعزلوه ،  تعاون في عزله القوميون الأتراك ،  والقوميون العرب ،  والماسونيون ،  والعلمانيون ،  ويهود والنصارى .  وكان لا بد من عزل عبد الحميد - رحمه الله - حتى يصدق الغيب في إقامة دولة ليهود ،  لأن عزله كان اللبنة الأولى في إقامة دولة إسرائيل  .

 إذ أن يهود فاوضوه قبل ذلك بعدة سنوات ،  حتى يعطيهم امتيــازات في فلسطين ،  وقد عرضوا عليه في آخر الأمر أن يسددوا ديون الدولة العثمانية ،  وأن يصلحوا الأسطول العثماني وأن يدفعوا له شخصيا مائة وخمسين مليون دينارا ذهبا ،  وقد أرسل يهود له رجلا من زعمائهم يقال له (قارصو) ،  فلما عرض الأمر على السلطان عبد الحميد ،  طرده من مجلسه شر طردة ،  وقال لرئيس ديوانه من أدخل علي هذا الخنزير ،  وكان عبد الحميد قد أفهم اليهودي أن الأرض المباركة ليست ملكا له ،  وأنما هي ملك لكل المسلمين في الأرض ،  وأن حفنة تراب منها تساوي أموال يهود التي في العالم  .

فهـل سمعتم بهذا يامن تفاوضون يهود على فلسطين الآن ، وتريدون أن تتنازلوا عنها ليهـود (بئسما يأمركم به إيمانكم إن كنتم مؤمنين) [ البقرة : 93 ]  .

 وقامت الحرب العالميــة الأولى ،  وقضي على الدولة العثمانيـة ،  وكان يجب القضاء عليها حسب الشريعة الإسلامية إذ لم تعد دولة إسلامية بعد عزل السلطان عبد الحميد ،  استولى عليها العلمانيون والقوميون والطورانيون ،  فأرادوا تتريك الشعوب الإسلامية ،  وحاربوا كل من له علاقة بالحضارة الإسلامية أو اللغة العربية  .

وكانت هزيمة الدولة العثمانية أول الطريق لإقامة دولة يهود ،  وقد غاب الإسلام عن الساحة ،  فلم يبق منه إلا رسوم وذكريات باهتة ،  وأباطيل وخرافات نسبوها إلى الإسلام  .

 وقسمت بلاد المسلمين ، وقسمت بلاد الشام بين فرنسا وبريطانيا فيما يسمى بمعاهدة " سايكس بيكو "،  فأخذت بريطانيا فلسطين وشرق الأردن والعراق ،  وكانت مصر معها قبل ذلك ،  وأخذت فرنسا سوريا ولبنان ،  وسيطر الفكر الكافر في كل مناحي الحياة ،  وحورب الإسلام باسم التقدم واللحــاق بالغرب . . ومن العجيب أن الذين حملوا هذه الأفكار " فكر ترك الإسلام من أجل أن نلحق بالغرب " لا يزالون يستوردون الأحذية من الغرب ،  وأتفه الأشياء ،  فكيف بالصناعات الثقيلة ،  وهم أنفقوا جيمع أموال الأمة على شراء أسلحة الغرب ،  لا ليحاربوا !!؟ ولكـن ليسـاعدوا الغـرب في حـل أزمـاته الاقتصــادية ،  وكذلك فعلـوا مع الشــرق ( الاتحاد السوفياتي سابقا )  .

 

وأعطت عصبة الأمم المتحدة الإنتداب على فلسطين وشرق الأردن إلى بريطـانيـا ، وكانـت بريطانيا قد أصـدرت وعدا لليهـود (وعد بلفور) في (2/11/ 1917) بإقامة وطن قومي لهم على أرض فلسطين ، والحرب الكونية دائرة .  وقد كشفت روسيا هذا الوعد " وعد بلفور " للعالم حينمــا نجحت الثــورة البلشفيــة وأستولى الشيوعيون على الحكم عام  1917 ،  لكن العرب مضوا في تصديق الحلفاء والعمل لصالح الحلفاء مخالفين بذلك القرآن ( لا يتخذ المؤمنون الكافرين أوليـاء من دون المؤمنين ) [ آل عمران :  28 ]  .

 وأنتهت الحرب بانتصار الحلفاء .  فمزقوا الدولة العثمانية شر ممزق ،  وعينت بريطانيا أول مندوب سام لها في فلسطين يهودي ، أسمه ( هربرت صمائيول ) ،  ومكث مندوبا في فلسطين مدة ست سنوات ،  وضع فيها القوانـين والأنظمـة تمهيدا لقيام دولة إسرائيل ،  وكانت قوانينه كلها تعمل لهدم العرب في بـلادهم ،  وإنتزاع أرضهم منهم  .

 وثار الشعب الفلسطيني على قلة عدته عدة ثورات متلاحقـة عام (1921-1929-1933-1936 إلى 1939) ثم قامت الحرب الكونية الثانيـة ،  ولم تستطع بريطانيا ولا يهود أن يأخذوا فلسطين من أهلها ،  فخرجت بريطانيا (عـدوة المسلمين الأولى) على العرب بفكرة إنشاء (الجامعة العربية) عام 1945 لتتولى الجامعة العربية تسليم فلسطين ،  وتثبيت التجزئة بين العرب  .

وسلمت الجامعة العربية ثلثي فلسطين عام 1948 ،  وسلمت الباقي عام 1967 ،  ولكن هل إنتهى الأمر ؟  وكيف سينتهي ؟ والغيب يقـول قامت دولة إسرائيــل لفــترة محدودة ،  وقامت لتزول ،  لكنــه عذاب الله المفروض على يهـود إلى يوم الدين ( وإذ تأذن ربك ليبعثن عليهم إلى يوم القيـامة من يسومهم سـوء العــذاب ) [ الأعراف : 167 ] ..  فالبرغم من أن ليهود دولة أو شبه دولة ،  وقد أعطاها الكفر جميع أنواع الأسلحــة ،  حتى القنبلة النووية ،  فهل تعيش بأمن وطمأنينة ؟! إن واقعها يقول ،  آن آوان الأفول ،  ويستمر الغرب الصليبي في تثبيت دولة إسرائيل ،  فيصدر قرار الأمم المتحدة عام 1947 بتقسيم فلسطين إلى عربيــة ويهودية ،  ويقاوم الفلسطينيون ،  وتتدخل الجامعة العربية لتأدية رسالتها والتي من أجلها أسست .  وكانت تتألف من سبع دول عربية - لا بارك الله في عددهم ولا فيهم - وأقام الحكام التقليديون دولة يهود ، وكان الذي يسير الجامعة العربية في ذلك الحين رجل المخابرات البريطاني الـمشهور (كلايتون) ، وحينمـا دخلت الجامعة العربية فلسطين لتحررها بل قل لتسلمها منعت الفلسطينيين من الجهاد ، بحجة أن الجيوش ستحارب ، ولم يكن يهود في ذلك الحين يملكون أسلحة لا متطورة ولا تقليدية بكميات وافرة ، وكان من السهل القضاء عليها في مهدها ، ولكنها حب الدنيا وكراهية الموت ، وحب الألقاب الضخمة كانت تستولي على عقول هؤلاء الحكام .

 ألقاب مملكة في غير موضعها      كالقط يحكي إنتفاخا صولة الأسد

 ويقفـز إلى الحكم الثوريون في انقلاباتهم المتتالية في عالمنا العربي ،  وجميعهم أعلنوا في بيانهم رقـم (1) شتم الاستعمار والإمبريالية ،  ويتوعدون ويتهددون وأنهم جاءوا لتحرير فلسطين .  فظلموا الشعوب وعذبوا البشر ،  وقتلوا النفس ، وهتكوا العرض ، وأخافوا الأطفال والنساء والرجال ، وجوعوا الناس أجمعين كل ذلك باسم فلسطين . ولقد طبقت أمريكا على أيديهم الاشتراكية،  التي لا تعني في حقيقتهــا إلا التســاوي في الظلم ،  والتساوي في هدر الكرامة ،  وقتل كل كريم وقتل كل موحد وكل مفكر  .

 وأذكر في هذه المناسبة حينما حكم عبد الناصر على المرحوم (سيد قطب) بالإعدام ، وقفت في الأقصى بعد صلاة الجمعة كعادتي في ذلك الحين ،  قلت له لا تعدمه ، وحذرته من ذلك ،  لكن عبد الناصر كان ينفذ مخططا ،  ويعمل على تثبيت دولة إسرائيل بما أوتي من جبروت وطغيان وفساد ، هو وزمرته الذين يحرقـون الباخـور بين يديه ، ويؤلهونه كما لم يؤله بشر في التاريخ ،  ولما أعدمه وقفت في الأسبوع الذي يليه ،  وكنت لا أذكر عبد الناصر باسمه الصريح في خطبي ،  وإنما أشير إليه وإلى غيره من الحكام بصفاتهم ،  ولكني في هذه المرة ذكرته باسمه فقلت :" يا عبد الناصر ،  يا عدو الله أيها الفرعون الصغير ،  قتلت سيد قطب لتقتل كل داعية ،  وتخيف كل عالم ،  وتمنع كل مفكر ،  قتل قبلك الحجاج ( أحد ظلمة التاريخ في الأمة الإسلامية ) سعيد بن جبير - رضي الله عنه - من كبار التابعين ،  بعد أن صلى ركعتين محتسبا لله ،  فما ذاق الحجاج بعدها الراحة والطمأنينـة ، وكان سعيد بن جبير يأتيــه كل ليلة في منامه يقهقه في وجهه فيفيق مذعورا ويقول : ( قتلني سعيد ،  مالي ولسعيد ) .. والله يا عبد الناصر أيها الفرعون الصغير لترين ذل نفسك في الدنيا قبـل الآخرة ، أبشر بها يا عدو الله " ..  وقد كان  .

 فكانت (هزيمة سنة 1967) ،  بل قل (خيانة 1967) أخزى معركة في تاريخ البشرية لكل الأمم على مر العصور ، إذ ينتهي جيش عبدالناصر وفرعونيــة عبدالناصر في الربــع الساعة الأولى من المعركة ، إذ كان طيران يهود قد دمر طيران عبد الناصر من العريش حتى أسوان ، وكان طيارو يهود ينادون قـادة المطارات من خلال طائراتهم بأسمـائهم ورتبهم ويطلبون منهم التسليم  ،  وكان زهرة ضباط الطيران الذين رباهم عبد الناصر على فكره ،  فأباح لهم كل محرم ،  وكان يعاقــب كل من يظهر عليه التدين ،  كان هؤلاء الضباط يأتون في ناديهم المنــكر ليلة الهجوم في الإسماعيليــة .  وهجمت يهـود بطائراتهم وهؤلاء مخمـورون . .  فأنى لهم أن ينتصروا  .

 كانت معركة (1967) رحمـة من الله رب العالمين (وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خــير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون ) [ البقرة :  216 ] ..  إذ لو إنتصر القائمون على هذه المعركة ،  لنسب النصر إليهم ،  لا إلى الله رب العالمين ،  ولـما عبد الله في الأرض .  ولما كان دين الله أعز عليه من كل خلقـه ،  فوضع شرطا للنصر " بنصر خلقه له " ..  ( يا أيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم ) [ محمد : 7 ] ..  وصدق الله في هؤلاء الحكام والأحزاب وأمثالهم الذين أعرضوا عن ذكر الله ،  وحاربوا الله ورسوله في كل أعمالهم وأفكارهم ( أولئك الذين أشتروا الضلالة بالهدى فما ربحت تجارتهم وما كانوا مهتدين * مثلهم كمثل الذي أستوقد نارا فلما أضاءت ما حوله ذهب الله بنورهم وتركهم في ظلمات لا يبصرون * صم بكم عمي فهم لا يرجعون* أو كصيب من السماء فيه ظلمات ورعد وبرق يجعلون أصابعهـم في آذانهم من الصواعق حذر الموت والله محيط بالكافــرين * يكاد البرق يخطف أبصارهم كلما أضاء لهم مشوا فيه وإذا أظلم عليهم قاموا ولو شاء الله لذهب بسمعهم وأبصارهم إن الله على كل شيء قدير ) [ البقرة : 16-20 ]   .

فكيف ينصرون وقد أباحوا كل محرم ،  فأباحوا الزنا والخمر والميسر والغدر والخيانة ،  وقتلوا النفس المؤمنة ،  وكانوا لا يتورعون من قتل الطفل أمام والديه ،  ويهتكون عرض المسلمة أمام زوجها أو أخيها ،  وقبل ذلك وبعد ذلك ينفذون مخططات الكفر ،  فكان طبيعيا وشريعة ودينا أن يهزموا ،  هذا إن لم يكونوا متآمرين على أمتهم وعلى هذا الدين ،  يظنونه دينا عابــرا بتاريخ هـذه الأمة ، وكان ينافس عبد الناصر في ذلك الوقت ، وهو حزب أسس في الأربعينات من هذا القرن ،  إستطاع أن يستقطب كثيرا من شباب الأمة ،  هؤلاء الشباب كانوا لا يعرفون شيئا عن الإسلام ،  إلا ما يمثله بعض المتبطلين من أصحاب الطرق الصوفية الغلاة ،  أو بعض الذين يلبسون لباس أهل الدين وعقولهم وقلوبهم فارغة من هذا الدين إلا من خرافات وأباطيل ،  أو من بعض علماء السلاطين الذين باعوا دينهم بدنيا السلاطين ،  فحرموا وحللوا ،  فكان هواهم تبعا لهوى السلاطين ،  مخالفين بذلك قول الرسول  صلى الله عليه وسلم : "" لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به "" .  وكان حزب البعث في يده السلطــة في الشام والعراق ، وقد ذهبت فلسطين ( كل فلسطين ) في رعاية حزب البعث في سوريا ،  وتحت شعاراته ،  واليوم يقوم حزب البعث السوري بتقديم فلسطين هدية ليهود ،  وشعارات الحزب هي هي في سوريا ،  سب الإمبريالية وتوعد الإمبرياليين .

وليس المجال هنا في بيان جرائم الحزب في سوريا ،  فهذا الحزب سلم الجولان ،  وسلم لبنان ،  وهو يزمجر ،  وتحول الحزب إلى عبــادة قائده بدلا من عبـادة الله ،  ممنوع أن يعبد الله إلا في السر ،  ولا يزال الشـباب الذين يظهر عليهم التدين فيـترددون على المساجد عرضة للإتهام والتحقـيق ،  بحجة أنه قبض عليهم متلبسين بالتـدين .  أما في العراق وكما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :""  خياركم في الجاهلية خياركم في الإسلام  "" فلقد  أعلن في العراق عن إسلام ( مشيل عفلق ) وهذا بحد ذاته إعلان عن فشل أفكار حزب البعث ،  ولقد تغيرت مبادىء حزب البعث بالعراق وخاضت العراق معركتها مع الكفر كله متمثلا بأمريكا وحلفائها وأعوانها باسم الإسلام وتحت راية " الله أكبر " وبدأ صدام حسين بتطبيق أحكام الشريعة خطوة خطوة فمنع البارات والمراقص والخمور وبدأ بتطبيق الحدود وبقطع يد السارق ،  وأمر بتحفيظ القرآن الكريم في المدارس والجامعات وبهذا يكون حزب البعث في العراق قد إنتهى إلا من الإسم والإسم هنا ليس معضلة بحد ذاته  .

 وساهم العلمانيون التقليديون ممن تربوا في مدارس الغرب ،  بإقامة دولة يهود ،  وكانت الكلية العربية في القدس ( دار المعلمين ) لا يدخلها إلا خيرة شباب فلسطين العباقرة ،  مصنعا لتخريج الإلحاديين والعلمانيين ،  والذين لا يؤمنون بهذا الدين إلا من رحم ربك وقليل ما هم  .

 كما كانت الجامعة الأمريكية في بيروت تصنع وتؤدي نفس الوظيفــة ،  مع تغيير نمط حيــاة الشباب المسلم ،  يعيش عيشة الغرب ،  فيقلد الغرب في مأكله ومشربه وملبسه حتى في منامه ،  فخرجت هذه الجامعة وأختها الجامعة الأمريكية في القاهرة الكثير الكثير من الذين لا يؤمنون بتاريخ أمتهم ،  ولا برسالتها ،  ولم تقرأ كتاب ربها ،  فكان طبيعيــا أن يؤثر هؤلاء في تفكير شباب الأمة تمهيدا لضياع فلسطين ..  وقد ضاعت  . وكان الكفر قد جاء ببعض العائلات التي كانت تحكم باسمه في بعض البلاد ،  فكانت مساهمتها في إقامة دولة يهود بارزة للعيان ،  وهي لا تستحي وهي تفعل ذلك أن تتمسح بالإسلام  .

حتميـــة النصـــر
الصحوة الإسلامية قـدر

 في هذا الجو "جو الكفر" وتطبيق أنظمة الكفر وتحريم ما أحل الله وإباحة ما حرم ، وغياب الفكر الإسلامي عن الساحة ، كان لا بد من الذي حدث من ذهاب كل فلسطين ، وسينـاء من مصر ، والجولان من سوريا ، وجنوب لبنان ،  ومن هذه التجزئة اللعينة التي تحياها هذه الأمة ، حتى تمزقت فأصبحت على مستوى الحارات والمشيخات والإمارات والجمهوريات والمملكات ،  وكلها أعلام وجوازات سفر وسفارات وقنصليات وهكذا من مظاهر السيادة الكاذبة ،  وهم ليس لهم سيادة إلا على شعبهم يضربونه بأمر سيدهم ،  ويذلونه إذا أراد ،  وعدد شعوب هذه المشيخـات لا يساوي عدد موظفـي سفارات إحدى الدول الكبرى المنتشرين في العـالم  .

 ولذلك جن جنون الغرب أو الكفر حينما ضمت العراق إحدى هذه المشيخات ،  فأرجعت الفرع إلى الأصل ،  فحشدت أمريكا ما تملك من قوة ،  وجرت وراءها دول الغرب وحكام المشيخات وعملائها من حكام بعض أجزاء هذه الأمة ، كل ذلك لتمنع توحيد أي جزئـين من أجــزاء هذه الأمــة ، ولها سابقــة في ذلك ،  فأمريكـا هي التي ساعدت عبد الناصر على توحيد سوريا ومصر ،  وكانت سوريا قد انفصلت قبل الـتوحيد عن الغرب سنة 1957،  فأصبحت دولة مستقلة ،  قرارها السياسي بيدها ،  فأراد الغرب أن يعيد سوريا إلى حظيرته عن طريق التهديد فحشد الجيوش على حدودها من الأردن ،  ومن العراق وتركيا ولكن ذلك لم يؤثر في سوريا فقرر أن يعيدها عن طريق عميله الأول عبد الناصر ،  فلما حققت أمريكا ذلك وعادت سوريا إلى حظيرة الغرب ،  سرعان ما فصلت سوريا عن مصر سنة 1961 ،  فقبل عبد الناصر بذلك الأنفصال بعد أن أمر طيرانه لضرب الإنفصال ،  ولكن السفير الأمريكي أمره بأن يرجع قواته من البحر ويمنع الطيران من الضرب ،  وخرج علينا بفتوى قبلتها الشعوب المخدوعة ،  أن العربي لا يصح أن يسفك الدم العربي ،  وبعد ذلك بثلاث أو أربع سنوات ،  أرسل جيوشه لذبح شعب اليمن بحجة  تخليصه من الرجعية والتأخر ،  وليعلمه الرقص والفن ،  فأرسل إلى اليمن الراقصات وفتح السينما  .

 كل ذلك ،  وكأن الشعب اليمني ليس عربيا ، والرسول صلى الله عليه وسلم يصف الشعب اليمني بقوله : ""الإيمان يمان والحكمة يمانيــة"" . ويقبل الشعب العربي المضلل الـفتوى من عبد الناصر ، أن العربي لا يسفك الدم العربي في سوريا ، ولكن يجوز أن يسفكه في اليمن ؟!! وصدق الله (أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلا) [ الفرقان : 44 ]  .

 وكان لا بد لهذا الليل من آخر ،  ليل نبتت فيه القوميات المتخاصمة وقضي فيه على بقية الدولة الإسلامية التي كانت تمثلها السلطنة العثمانية ،  ليل تمزقت فيه هذه الأمة إلى قطع لا تقوى على الصمود ولا على الثبات ،  ليل أصبحت فيه الحدود بين ما يسمى بالدول العربية مقدسة أو شبه مقدسة ،  وكل واحد من هؤلاء الذين يحكمونهـا يدعي (العمل للوحدة) ، والحقيقة أن كل واحد منهم يعمل على تثبيت التجزئة ، ليل كثرت فيه الأعلام وتعددت الرايات وكثرت فيه جوازات السفر التي تعني أن هذا العربي المسلم ، ليس من أمة واحدة ، وليس من شعب واحد ، وإنما هو مصري ، سوري ، عراقي ، لبناني ، أردني ، فلسطيني ، سعودي ، جزائري ، مغربي ، تونسي ، ليبي ، سوداني ، موريتاني ، صومالي وأخيرا هو كويتي (تلك الإمبراطورية العظمى التي كفرت بعد حرب الخليج ، فأتخذت من دون الله آلهة : أمريكا وبريطانيا وفرنسا وكل دولة ساعدتها في الاعتداء على هذه الأمة وتحطيمها ، ولكن إلاههم الأكبر بوش يقدسونه أكثر من الله). وأخيرا في هذا الليل المظلم ذهبت فلسطين كل فلسطين ، وأجزاء من مصر ، وأجـزاء من سوريا وأجزاء من لبنان ، فكان لا بد لهذا الليل من آخر ، فكانت الصحوة الإسلامية ، وبدأت هذه الصحوة على غير توقع إلا من الفئة القليلة المؤمنة التي فهمت القرآن ، ودرست سنة الرسول صلى الله عليه وسلم وحياته ومبشراته التي بشر بها ، وتنبؤاته التي تنبأ بها وحيا  .

 -   التحول في الجزائر  :

 والأمة بعد خيانة 1967 ، عاشت في جمود فكري وسياسي ، وكان الناس حيارى لا يدرون . منهم من كان متعلقا بالزعيم ويرى فيه المسيح المخلص ،  فلما إنكشف أمر الزعيم وأنه كان ( كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا ووجد الله عنده فوفاه حسابه والله سريع الحساب ) [ النور :  39 ] .. أصيب بصدمة عنيفة أفقدته التفكير والقدرة على العمل ،  ومنهم من اتبع الأحــزاب الكافــرة التي سيطرت على أجــزاء كثيرة من هذه الأمة ، الأحزاب المأخوذ من الماركسية ، والمادية الديالاكتية ، التي قامت على أساس (التطور المادي الحتمي) للمجتمع والمادة والتاريخ ، وأن الآلة هي التي تطور المجتمع ، وأنه لا إله ولا يحزنون ، وإنما هي أرحام تدفع ، وبطون تشبع ، وقبور تبلع .. وأنه بعد الرأسمالية تأتي الإشتراكية ، وأن بعد الإشتراكية الشيوعية ، وبعد الشيوعية يعيش الإنسان بلا حكومة ، خيال مريض أنتجته عقلية يهودية سخيفة حاقدة ، عقلية ماركس ومن بعده لينين ، وكانت الأحزاب الكافرة في الوطن العربي والإسلامي أخذت هذا الفكر ، بإعتباره قضايا مسلم فيها لا تحتمل النقاش ، ولكن هذا الفكر سرعان ما إنهار ، وإنهارت الأحزاب التي تحمله ، سرعان ما إنهزم ، وإنهزمت الأحزاب التي تحمله ، وكان يستحيل على هذه الزعامات والأحزاب أن تنتصر لا شرعا ولا عقلا ، أما الشرع فلا يمكن لهذه الأمة أن تنتصر بغير الإسلام عبر التاريخ وإني أتحدى كل مؤرخ وكل مفكر وكل سياسي أن يعطيني معركة ولو واحدة انتصر المسلمون فيها بغير الإسلام . أما عقلا فالماركسية تلغي العقل في تسييره لأمور الدنيا وتجعل الآلة هي التي تتحكم في هذا التسيير  .

 وآخر معركة إنتصر فيها المسلمون في هذا العصر ، معركة الجزائر ، والذي إنتصر هو الشعب الجزائري المسلم ، الذي تربى في كتاتيب القرآن ، التي أقامتها جمعية العلماء بقيادة المرحوم الشيخ عبدالحميد بن باديس ، والمرحوم الشيخ بشير الإبراهيمي نائبه . كان الحزب الشيوعي الجزائري وهو فرع من الحزب الشيوعي الفرنسي يقاوم هذه الثورة ، ويدعو بالإندماج مع فرنسا ،  فلما إنتصرت الثورة ، جاء العلمانيون فسرقوها بقيادة أحمد بن بيلا ، ومن بعده هواري بو مدين ، وأقتسم قادة جبهة التحرير السلطة والسرقة ، وسرقوا من أموال هذا الشعب عبر هذه السنين (27) مليار دولارا ، مما أدى إلى إفقاره وتجويعـه ، ولقد اعـترف (أحمد بن بيلا) في إجتماع تم في لندن في بيته بيني وبينه ، أنهم حينما إستلموا الحكم في الجزائر ، كانوا مراهقين سياسيين ، وأنهم لبسوا حلة ليست لهم ، ضيقة قصيرة الأرجل والأكمام ، ومع هذا لبسوها فعذبتهم وعذبت الشعب الجزائري  .

 وهكذا ، أفلست جبهة التحرير ، وأفلس فكرها إن كان لها فكر ،  وأجاعت الشعب في الجزائر ، والبلد الوحيد في العالم -على ما أعلم - الذي تؤجر فيه الشقق السكنية لعائلتين بآن واحد ، عائلة بالليل وعائلة بالنهار هو الجزائر .

 لكن الله كان لهؤلاء الحكام بالمرصاد ، فأنتفض الشعب الجزائري إنتفاضته الكبرى ، قبل خمس سنوات ، وهيأ الله له قيادة مسلمة (الجبهة الإسلامية للإنقاذ) ففازت في الانتخابات على أساس من كتاب الله وسنة رسوله ،  فحصلت على (88%) من مجموع الأصوات في الجولة الأولى من الانتخابات ،  ولو جرت الجولة الثانية من الانتخابات لسيطر الإسلام على (95%) من مجموع أعضاء المجلس ، لكن الغرب تحرك ، وتحرك الصليبيون ، وتحركت أمريكا ،  وتحركت فرنسا ، وتحرك الماسونيـون وتحرك العلمانيـون ولا يزال الجيش تحت أيديهم ،  فصـادروا ( الديمقراطية ) في الجزائر ،  مصرين على تجويع الشعب الجزائري وإذلاله وسرقة أمواله .  لكن الغيب يتدخل ،  فأنتفض الشعب ولا يزال ،  وكان الحكام من جهلهم هم ومن معهم يظنون أن القوة ستقضي على إرادة الشعب المستمدة من إرادة الله .  فسرعان ما حركوا الجيش ليقضي على هذا ( التمرد ) لكن الأمر أستفحل ،  وكلما سقط شهيد في المعركة قام رجال أشداء ،  والآن تبحث الفئة الباغية في الجزائر عن حل يحفظ وجودها إن كان سيبقى لها وجود ،  ويحفظ ماء وجهها إن كان في وجوههم حياء  .

 وهم اليوم بدأوا يتراجعون ،  فبدأوا يغازلون ويريدون المفاوضة مع جبهة الإنقاذ الإسلامية ،  ونصر الإسلام في الجزائر حتمي بإذن الله ،  إذ أن الثورة في الجزائر ليست ثورة حزب ،  لكنها ثورة شعب .  وقد رأيت ذلك بأم عيني حينما زرت الجزائر ،  وحضرت مهرجانا ،  أنا والشيخان عباسي مدني وعلي بلحاج في الاستاد الرياضي الكبير في الجزائر ،  وخطبنا أمام عشرات الألوف التي كانت تزمجر وتعلن الجهاد والإستشهاد ،  وقد سجل هذا المهرجان على شريط فيديو ووزعت منه مئات الألوف من النسخ في جميع أنحاء العالم وخصوصا في الجزائر وفرنسا وأوروبا .  فإذا ما سقط الحكم في الجزائر بأيدي المسلمين وشع نوره فسيشمل المغرب العربي الكبير ،  ومن يدري فلعل دولة الإسلام في هذا العصر تبدأ من هناك ،  فتتوحد الجزائر وتونس وليبيا وموريتانيا والمغرب وتندفع هذه الدولة إلى المشرق ،  لترد لأهل المشرق الجميل لأحفاد الذين حملوا إلى المغرب هذا النور . .  نور الإسلام العظيم  .

 ولا بد للإسلام أن ينتصر ،  لأن هذه الأنظمة لا تقوى على الصمود ،  فهي غير مخلصة حتى في كفرها ، وستنهار عاجلا أم آجلا ، وسيرثها الإسلام ،  فوظيفة هؤلاء الحكام أن يأكلوا كما تأكل الأنعام ، ويشربوا كما تشرب الأنعام ،  حيـاتهم اللذة وعيشهم الفجور ، يبحث الواحد منهم عن اللذة في أطراف الدنيا ،  يشتريها بأموال هذه الأمة ،  فلم يعدوا العدة لشيء إلا ما كان من عدة كتم أنفاس الشعوب ، ومحاربة الإسلاميين ، وقتل المؤمنين ، والعمل على تثبيت يهود دولة يلعنونها بالنهار (هذا إن لعنوها ، وقد تابوا عن ذلك بعد المفاوضات)  ويتآمرون معها في الليل ، فجلهم صناعة يهودية وحياكة ماسونية ، ولا يزال أكثرهم يستوردون الأحذية وما صغر وما كبر من مستلزمات هذه الحياة الكمالية والضرورية منها . وقد قلت في محاضرة في لندن - وأنا أتكلم عن حتمية زوال دولة إسرائيل ، وأفسر آيات المائدة والإسراء - قلت عن الاستعداد الروحي وتقوية الصلة بالله حتى يتهيأ لنا التغيير ،  نعمل بتوفيقه ونسير على هداه ،  فوقف لي أستاذ جامعي من تونس وقال : "إنك لم تتكلم عن الاستعداد المادي" ،  فقلت : " أي استعداد سيكون في ظل هــؤلاء الحكام ، الذين لا يزالون يستوردون الأحذية ، فكيف بهم أن يصنعوا عابرات القارات ، وألات التدمير ، وأحدث الطائرات ، فلا يمكن لهؤلاء أن ينتصروا ، لأن انتصارهم يخالف سنن الله في الكون ( فلن تجد لسنة الله تبديلا ولن تجد لسنة الله تحويلا ) [ فاطر : 43 ] " .

 -   التحول في مصر  :

 ويبدأ التحول في مصر ،  مصر التي هي حبة العقد في بلاد العرب والمسلمين ،  والتي حافظت بأزهرها على الإسلام ،  الذي خرج العلماء خلال الألف عام .  وشعب مصر هو أعمق العرب إسلاما على ما فيه وأكثرهم إيمانا يستجيب لنداء الله ،  وفي أول القرن ظهر الزعيم المصري المسلم مصطفى كامل الذي كان ينادي بمصر الإسلام ،  وأن تعود مصر لدولة الخلافة ،  ولأمر أراده الله مات شابا قبل أن يستكمل رسالته ، وينفذ أفكاره ، فجاء من بعده العلمانيــون فــزوروا إرادة الـشعب ( سعد زغـلول وربعـه ) ،  إلى أن ظهرت حركة الإخوان المسلمين على يد الإمام حسن البنا - رحمه الله - ،  فعملت عملها في إيقاظ الشعور الإسلامي ،  والدعوة إلى توحيد المسلمين ، ولكن هذه الحركة إنتكست بمجيء ثورة ( 23 / يوليو ) بعد أن إستشهد مؤسسها رحمه الله  .

 هذه الثورة ( ثورة جمال عبد الناصر ) جاءت لأمرين إثنين :  لضرب الحركـة الإسلاميـة المتمثلة في حركـة الإخوان ،  والتي قاتلت في فلسطين سنة 1948 قتالا إيمانيـا ،  فحاسبها الغرب الحساب العسير ،  فجاء بعبد الناصر ليضربها حتى يثبت يهود دولة وهو الأمر الثاني . .  وهكذا كان ،  وأعدم عبد الناصر كل من ينادي بالجهاد والجنة والإستشهاد  .

 وعاش شعب مصر وحـال الناس يقول " أنج سعد فقد هلك سعيد " ،  لكن الله العزيز الجبار أخذ عبد الناصر أخذ عزيز مقتدر ،  فسقط وسقط فكره إن كان له فكر ،  وسقط ميثاقه ،  وعفـا عليه الزمن ،  ولم يعد أحد يذكره ،  وبدأت الصحوة الإسلامية من بعده تتململ من تحت الرماد  .

وهكذا بدأ التحول في مصر نحو الإسلام وبدأ الإسلام يفرض نفسه على المجتمع في الجامعات ،  في الأساتذة والطلاب ،  وفي النقابات وفي المثقفين ،  وبدأت الحملة المضادة لمحاولة إيقاف هذه الصحوة ،  فعادت ماكنات التعذيب والبطش والإرهاب لعلها توقف إرادة الله في التغيير ،  وقد أزكى شعلة التغيير نحو الإسلام أنـور السادات بخيانتـه وإعترافـه بدولة يهود وتسليمه فلسطين والقدس للكفـار ،  وقد زار القدس ليبارك ليهود في أخذها ،  وها هي مصر اليوم تعيش المعركة معركة التغيير وهي بين مد وجرز ،  وقد قررت حكومة مبارك عمل مؤتمر وطني إستثنت منه الإسلاميين لعلها تجد طريقا في الخروج من عنق الزجاجة التي هي محشورة فيه ،  وسيفاجىء العالم ذات ليلة بأن هذا النظام الخائن الذي يعيش حشرجت الموت قد انهار فجأة وعادت مصر إلى قيادة العالم العربي والإسلامي وإلى لعب دورها الإساسي في تحطيم دولة يهود وتحقيق وعد الله في ذلك  .

 وتتكرر مأساة الجزائر في مصر في الإسكان وعدم وجود البيوت ، فلا يستطيع الشباب والشابات أن يتزوجوا إلا ما ندر ، لأن إيجاد شقة في مصر يرتفع إلى مستوى المعجزة ، وهي إن وجدت فسعرها لا يطاق ، بل إيجاراتها ترهق ولا يتحملها الشباب ، سرعان ما إنتفض شباب مصر من عشاق الجنة ،  وأنطلقوا يضربون النظام في عمقه وفي رموزه وفي حراسه ، والنظام كاد أن يرضخ بمفاوضة الإسلاميين ، وألفت لجنة من كبار دعاة الإسلام لهذه المهمة ، ولكن النظام خاف على هيبته أن تنهار فعدل عن الفكرة ، فإزداد الأمر اشتعالا ،  فمصر اليوم على أبواب التغيير المنتظر . وقد صدرت أحكام الإعدام في (19/فــبرايـر/1994) على ثلاثة من العسكريين بتهمة محاولة إغتيال الـرأس الفـاسد للنظــام (حسني مبــارك) ، وهذا سيجعل الأمر بإذن الله يبلغ مداه فتحكم مصر بالإسلام ، ويكنس الإسلام الفساد والمفسدين ، ويكنس دولة يهود إلى مزابل التاريخ  .

-   أثر حرب الأفغان في التغيير  :

 وجاءت حرب الأفغان ،  فكانت فرصة لشباب الإسلام أن يذهبوا إلى هناك كي يتدربوا تدريبا عمليا ،  ويرجعون إلى بلادهم للعمل على قيام دولة الإسلام وكان للمرحوم الشيخ عبدالله عزام دوره في تدريب هؤلاء الشباب وإيقاظ روح التغيير والجهاد والإستشهاد فيهم مما دعى الكفر والخونة إلى قتله ،  فتعاونت المخابرات الأمريكية وبعض عملائها في أفغانستان في تنفيذ تلك الجريمة ،  فهم الذين يقودون القتال في كل مكان في مصر والجزائر وفي غير مصر والجزائر . 

 -   التحول في السودان  :

 وفي السودان ثورة ،  ولقد زرت السودان وأجتمعت مع المسؤولين ،  ولقد حدثني السيد عمر حسن البشير أنهم جاءوا للحكم ،  لأن ( جارنج ) ورفاقه من الصليبيين والوثنيين كادوا أن يصلوا إلى الخرطوم فأرسلت الحكومة آنذاك وفدا برئاسة المرغني يرجوهم أن لا يدخلوا الخرطوم ،  وإن دخلوها أن لا يسبوا المسلمات ،  ولما ذهب الوفد و( جارنج ) في أوغندا ،  وضع جارنج رجليه على الطاولـة في وجه المرغني وأخذ يملي عليه الشروط ،  وهنا تدخل الغيب فجـاء بعمر البشير ورفاقه من الضباط ،  وبدأوا يطبقون الإسلام .  وكان النميري قد سرق السودان أيضا كما فعلـوا في مصر والجزائر ،  وسرق ستة عشر مليـار دولار ،  وكان الشعب في حالة مجاعة أو يكاد ،  فلما جاء هؤلاء الشباب المسلم إلى الحكم ،  وأعلنوا تطبيق الإسلام ،  شبع الشعب بعد جوع ،  وأنكسا بعد عري ،  وأنتصر بعد هزيمة وأمن بعد خوف ،  وقبل حوالي سنتين حينما قابلت عمر البشير قال لي : "" لدينا مليون طن من الذرة ( إحتياط إستراتيجي ) لا نمسها ،  وعندنا سبعمائة وخمسين ألف طن من القمح ،  والآن يتبرع السودان للدول الأفريقيــة من حولــه بالحبـوب ،  ويصدر السكر "" .. 

 وقال لي البشير عن الكرامات التي تحدث في السودان فضرب أمثلة على ذلك فقال :"" كادت أن تنفذ الذخيرة من الجيش   وأمريكا مانعة أحد من أن يبيعنا الذخيرة ، فإذا حاكم بورسودان يرسل برقية يقول فيها : إن في الميناء باخرة صينية على ظهرها هدية أسلحة من الشعب الصيني إلى الشعب السوداني،  ولم يحدث قبل ذلك أن أتصلنا بالصين وطلبنا أسلحة " ، قال البشير :" ففرحنا بذلك فرحا شديدا ، وصدق الله تعالى (ومن يتق الله يجعل له مخرجا * ويرزقه من حيث لا يحتسب) " . ولما قرب الجيش السوداني أن يحتل (توريت) - وهي المركز الرئيس لجارنج زعيم الكفرة المتمردين - قال البشير :" تقدم الجيش على الجبهة يريد أن يجتـاز واديا ،  فإذا نحل كثيف يقف في وجه الجيش فيمنعه من التقدم ،  وبعد ذلك بقليل فإذا بسيل عرم يجتاز الوادي ، وإذا بقنابل تنفجر بجنبات الوادي،  هذه الألغام إنفجرت وقد زرعها جارنج في الوادي لتدمير الجيش القادم ،  وبعـد ذلك ، اجتـاز الوادي الجيش المسلم مكبرا مهللا حيث أن النحل من جنود الله ، فلما قرب من توريت ، ويعلو توريت جبل ، وجنود الكفر قد تمركزت فيه،  فلو تقدم الجيش الإسلامي  فسيكون مكشوفا لجيش الكفر - وهنا يتدخل الغيب مرة أخرى - فإذا غمامة بيضاء تلف الجبل وتفصل بين جنود الكفر وجنـود الإسلام ،  فلا يرى أحدهم الآخر ، ومن خلال الغيمة صعد جند الإسلام الجبل ، فقضوا على حامية جيش الكفر ، وحرروا توريت " . وكان تحريرها نقطة البداية لإنهاء حركة التمرد الكافرة ، والتي يحاول الكفر العالمي أن يثبتها ، ولكن هيهات .. هيهات ، فالسودان المسلم عرف الطريق إلى النصر عبر الإسلام والاستشهاد ،  عبر ولوج الجنة برؤوس الكفار  .

 وقد زرت السودان مرة أخرى ،  وأتيح لي أن أذهب إلى الكلية الحربية في الخرطوم وأحاضر فيها بحوالي ألفي تلميذ عسكري - ضباط على وشك التخرج - وحين وصلت إلى الكلية ،  وكان الوقت قبل الغروب بقليل ،  رأيت شبابا كل يفتح مصحفه ويتلوا كتاب الله ،  وحاضرت فيهم ساعة من الزمن ،  وقلت لهم :" إنكم ستكونون من جند الإسلام الذي سينطلق في العالم كله وفي أفريقيا بالذات،  لتحملوا الرسالة وتؤدوا الأمانة - وكانت ساعة من ساعات الله - " ، وكنت في السنة التي قبلها قد زرت معسكرا للتدريب الشعبي ، ممن يعدون للمحاربة في معركة تحرير الجنوب ، فقد رأيت العجب العجاب ، رأيت الطبيب والمهندس والنائب والمعلم والفلاح والعامل والعالم والشــيخ كلهم في ثياب بيض ، مكبرين مهللين ،  ذهبت أذكــرهم في القدس ،  فذكروني ،  وذهبت أذكرهم بفلسطين ،  فذكروني ،  فبكيت وبكوا ، بعد أن خاطبتهم خطاب المؤمن للمؤمنين ، وقلت لهم :" إن النصر قادم لا محالة ،  فأنتم حملة الرسالة الآن وأنتم جند الله " .. فلو تورطت أمريكا في السودان ، فستجد جندا لا كالجند ، ورجالا لا كالرجال ، جند يكبرون ويبغون الجنة ، أقوى من أمريكا بقوة الله  .

 وإذا كان جند الله في لبنان قد أرغموا المارينز على الرحيل ،  بعد أن أسرعوا بثلاثمائة جندي منهم إلى الجحيم ، وقد سأل التلفاز الأمريكي أحد جنود المارينز ممن نجوا :"  ما أغرب ما رأيت أثناء إنفجار المعسكر ؟ "،  قال :" أغرب ما رأيت هو أن الشاب الذي كان يقود السيارة الملغومة ،  كان يبتسم في ساعة الإنفجار " .  وبالطبع لا يعلم الكفار ومن تبعهم لماذا هذا الشاب كان يبتسم في أثناء الإنفجار ،  ولكن الإسلام فسر لنا هذا ،  فالإنسان حينما تصعد روحه يرى منزلته من الجنة أو من النار ( فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد ) [ ق : 2-3 ] .. (حديد) - أي حاد - ، يرى ما لا يراه في الدنيا ، يرى منزلته في الجنة ، يرى الحور العين المعدة لاستقباله "يرى مالا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر" كما ورد في الحديث الصحيح  .

 وفي مقابل هذه الصورة الإيمانية ،  نرى صورة أخرى ،  يرويها الناطق باسم السادات ، الصحفي الخائن لأمته ولله ولرسوله أنيس منصور ، فيقول بعد مقتل السادات مباشرة :" ما ندمت على قرار أتخذته في حياتي كما ندمت حينما دخلت غرفة العمليات ، إنني رأيت فيها السادات وهو مقتول ، فقد رأيت منظرا ، أرجو الله أن يعينني على نسيانه " .

 وبالفعل ، رأى السـادات منزلتـه من النار ، فتقلص كل جسمه ، وأسود كل بدنه على سواده ، وأضطربت كل شعيرة فيه ، وهو حينما قتل -لعنه الله- وهو يسقط تحت الأرجل ظهر صوته في الإذاعة وفي التلفاز وهو يقول :" مش معقول ده يا حسني " أما أن يخون الأمة فهذا معقول عنده ، وأن يبيع مصر وشعب مصر ، وأن يبيع القرآن فهذا حلال له ، وأن يظهر بمظهر فرعون العصر - لأنه كان يتمتع بالأبهة والسلطان - وفرعون من قبـل قال (أليس لي ملـك مصر وهـذه الأنهــار تجــري من تحـتـي) [ الزخرف :  51 ] .. وكذلك كان يقول السادات  .

وحين شيع جثمــان السادات ، شيعه يهود وأربع رؤوسـاء من الولايات المتحدة الأمريكية ، ولم يمش في جنازته مسلم موحد إلا بعض المأمورين ، ولما قربت الخيل من القبر ، رفضت أن تسير ، وكانت الخيل تجر المدفع الذي عليه الجثمان الخبيث ، فضربوها ودفعوها وحاولوا المستحيل معها وهي ترفض أن تتقدم ، أما لماذا هذا الأمر ؟  فيجيب عنه الرسول صلى الله عليه وسلم :"إن عذاب القبر تسمعه كل المخلوقـات إلا الثقلين " لإنها لو سمعته لهلكت ، وأن الحيوانات ترى ما لا يراه الإنسان .  ولذلك قال الرسول صلى الله عليه وسلم : "إذا سمعتم الحمار ينهق فأستعيذوا بالله ، فإنه قد رأى شيطانا ، وإن سمعتم الديك يصيح فهللوا ، فإنه قد رأى ملكا " ،  لذلك يكون صياح الديكة في الفجر حينما تنزل ملائكة النهار لتستلم من ملائكة الليل ، وعند العصر يتكرر ذلك تنزل ملائكة الليل تستلم من ملائكة النهار ، وقد رأت خيل السادات ملائكة العذاب فخافت أن تتقدم ، وخصوصا أن الجنازة لا يشيعها إلا الكفار والمنافقون  .

 -   التحول في تركيـا  :

 وفي تركيا (الكمالية ، العلمانية) والتي تتغنى حكومتها بالكفر منذ أتاتورك - لعنه الله - ظن أتاتورك أنه قضى على الإسلام بمجرد جرت قلم ،  فألغى الحروف العربية ، ففصل الشعب التركي عن ثقافته وحضارته وتاريخه وإنتصاراته المدونة بالحرف العربي ، وألغى الأذان باللغة العربية ، وكان يغيظه أن يسمع أن محمدا رسول الله من فوق المآذن ، وكان مأفونا وهو من يهود الدونمة ولا يعرف له أب ، لكن الإسلام بفضل الله أقوى من أتاتورك ، فذهب أتاتورك وذهب (عصمت إنينو) خليفته الذي فاوض الكفار في ( لوزان ) وعقد صفقة معهم على أن ينسحب الحلفاء من تركيا مقابل إلغاء الخلافة الإسلامية وإلغاء الحرف العربي وتحويل الدولة التركية الإسلامية إلى دولة علمانية كافرة .  وذهب من حوله من الكفار والماسونيين ،  فكان أول العودة للإسلام من جديد أن أعاد عدنان مندريس - رحمه الله - الآذان باللغة العربية ،  وحينما أعلن أول آذان باللغة العربية ،  كان الشعب التركي كله على أسطح المنازل ،  وبدأ البكاء الشديد من الفرح ،  فكانت أول صفعة لأتاتورك ومن معه من كفــار الدونمــة والماسونيين والعلمــانيين ولخطهم الكافر ،  وبدأ يفـتح المدارس والمعاهد لتعليم القرآن واللغة العربية ،  ففتح منها بالمئات ، فقتله جيش أتاتورك بأمر الغرب ،  وبالرغم من ذلك بدأ الإسـلام يعــود ، وفي أخـر إنتخـابات للبلديـات في تركيـا ،  نجـح حزب الرفاه (الحزب الإسلامي) بغالبية البلديات ، وكان أبرز هذا النجاح والذي رج كثيرا من الأوسـاط الفكرية والسياسية في العالم بأسره هو نجاحه في اسطنبول وأنقرة وقونيا ، وخصوصا اسطنبول (عاصمة السلطنة الإسلامية لمدة أربعمائة عام) مما يبشر بعودة مباركة للإسلام في تركيا ليتولى سدة الحكم فيها ،  وقد طالب بعد المتنفذين في تركيا بإلغاء إنتخابات البلديات التي نجح فيها الإسلاميون ،  فنصحهم الدكتور نجم الدين أربكان زعيم حزب الرفاه أنه إن حدث ذلك وتدخل الجيش لإلغاء الإنتخابات فستتحول تركيا إلى جزائر أخرى ،  وقد أدت هذه النتيجة إلى إستقالة بعض الوزراء وعلى رأسهم وزير الداخلية .  وسيسير الأمر حسب خط الغيب بإذن الله حتى يبلغ الأمر مداه  .

 -   التحول في الكرة الأرضية  :

 والإسلام بدأ يتفاعل مع الكرة الأرضية كلها ،  ويقبل عليه الناس ويدخلون في دين الله أفواجا ،  وقد دخل في هذا الدين عقلاء القوم في أوروبا وأمريكا ،  وكان دخولهم ضربة للفكر المادي ، فرجل على مستوى جارودي ،  وكان أحد أعلام الفكر الشيوعي ،  وسكرتيرا للحزب الشيوعي الفرنسي لمدة عشرين سنة ،  فيعلن ردته عن الشيوعية ،  ويدخل الإسلام على بصيرة ،  مما أحدث هزة بين صفوف المفكرين الأوروبيين والأمريكيين  .

 وكان الجراح الدكتور ( موريس بوكاي ) الفرنسي المشهور ،  قد أعلن إسلامه ،  وألف كتابا أسمه " الإنجيل والقرآن في ضوء المعرفـة الحديثة " ..  فأثبت أن ( التوراة والإنجيل ) لا يشيران ولا إلى حقيقــة علميـة واحدة ،  لأنها كتب محرفة ،  والقرآن لا يصطدم ولا مع حقيقة علمية واحدة ،  لأنه من عند الله عالــم الغيب والشهادة ( ولا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد ) [ فصلت : 42 ] ..  قال تعالى ( إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون ) [ الحج :  5 ] ..  وفي أمريكا أسلم الكثيرون من العلماء والمفكرين والعاديين  .

 أما العلماء فحينما قرأوا القرآن ،  أذهلهم بما يحويه من حقائق ترسم الطريق لحياة إنسانية كريمة ، لا عوج فيها ، فكل خير في هـذه الحيـاة دعـا إليه الإسلام ، وكل شر في هذه الحياة حرمه الإسلام .. الأخوة بين بني البشر في القرآن حقيقة ، وليس لأحد فضل على أحد بجنس أو عرق أو لون لأن كل البشر لأدم وآدم من تراب ، وإنما إختلف البشر في ألوانهم وأعراقهم لأن الأب آدم عليه السلام ، أخذت طينته التي صنع منها من جميع تراب الأرض ، فالأرض ترابهـا الأبيض ،  والأحمر والأسمر ،  وفيــه الحزن والسهل ،  وفيه اللين والصلب .  فكان لا بد للبشر أن يأتوا على أصل التكوين الذي تكون منه أبوهم الأول ،  وأمهم حواء جاءت من آدم ،  فخلقت من ضلعه ،  وبهذه المناسبة خلق الله أربعة أنواع من الـبشر : خلـق آدم من غـير أب ولا أم ، وخلق حواء من آدم بلا أم ، وخلق عيسى عليه السلام من أم بلا أب ، وخلق باقي البشر من أب وأم  .

 وأخذ الإسلام يتفـاعل بقوة ،  وحينما حضر عالم في علم الأجنة ،  رئيس قسم التشريح في جامعة ( تورنتو - كندا ) مؤتمرا علميــا في هذا الموضوع أقامتــه جامعــة الرياض  ، وفسرت لـه آية تكوين الاجنة كما وردت في القرآن الكريم (ولقد خلقنا الإنسان من سـلالة من طين * ثم جعلناه نطفـة في قرار مكـين * ثم خلقنا النطفة علقـة فخلقنـا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاما ثم كسونا العظام لحما ثم أنشأناه خلقا آخر فتبارك الله أحسن الخالقين) [المؤمنون : 12-14] ،  فقال :"إن هذا الكلام ليس من كلام البشر ، لأننا لم نصل إلى هذه الحقائق العلمية إلا قبـل ثلاثين سنة حينما تم اكتشاف المجهر الالكتروني" ..  فأسلم هذا العالم الجليل ،  وقال : " لا أريد أن أعلن إسلامي في الرياض ، وإنما في الجامعة كي أحدث الطلاب والأساتذة عن سبب إسلامي "  .

 وهكـذا ،  أخذ الإسـلام يتفاعــل في الدنيا كلها ،  حتى أصبح الديانة الثانية في إنجلـترا ،  وفرنســا وايطاليــا وفي الطريق ليصبـح كذلـك في أمريكــا ..  وهكذا ينصر الله دينــه بغـير حرب ولا قتــال ( ليظهره على الدين كله ولو كره المشركـون ) [ التوبة : 33 ]  .

 زوال الإمبراطوريات التي ساهمت
بقيام دولة إسرائيل

وما يجري في الكرة الأرضية ، بسبب قضية الأرض المباركة ، إذ هي محور السياسة الدولية ، ومحور التغير السياسي ، ومحور الصراع بين الكفر والإيمان .  وهذا القرن الذي نعيشه والتي برزت فيه قضية فلسطين ( الأرض المباركة ) لتكون الشغل الشاغل للدنيا كلها ،  جرت فيه أحداث عظام لا تشبهها أحداث إلا أحداث القرن الأول للهجرة السادس الميلادي ، والتي أنطلقت فيها جيوش المسلمين ،  فهدمت الأمبراطوريات الظالمة ،  وحررت الإنسان من عبودية غير الله ،  وفتحت أبـواب الجنـة لآلاف من الشهداء الموحدين ،  الذين وصلوا إلى أسـوار الصين شرقا ،  وتخـوم فرنسـا غربا ،  وحـدود سبيريا شمالا وأدغال أفريقيا جنـوبا .  وهذه الصحوة الإسلامية في العالم الإسلامي والعالم كله تمهد الطريق لسيطرة الإسلام على الأرض وزوال إمبراطوريات الكفر التي شقي بها الإنسان ولا يزال  .

 -   زوال الإمبراطورية البريطانية  : 

وفي هذا القرن زالت الإمبراطورية البريطانية كقوة عظمى في التاريخ ،  نتيجة لمعاداتها للإسلام والمسلمين ولظلمها المتراكم في ظلم الشعوب ، ونهبها لخيرات البشرية ،  وبلغ ظلم بريطانيا مداه حينما أعطت وعد بلفور سنة 1917 ليهود بإنشاء وطن قومي لهم في فلسطين ، وأضطهدت الشعب المبارك فقتلت وخربت وعذبت وسنت القوانين والأنظمة مما أدى إلى إقامة دولة يهود ، فكان الله لها بالمرصـاد ، فدخلت الحرب العالميـة الثانية ، ودمر الله بريطاينا على رؤوس أهلها ، وخسرت الملايين من البشر في الحرب ، وخرجت منها محطمة،  وإن كان في ظاهر الأمر منتصرة ، إذ هي لم تنتصر حقيقة ، وإنما الذي انتصر هي أمريكا والاتحاد السوفياتي سابقا وورثت أمريكا امبراطورية بريطانيا .. ولا تزال بريطانيا في تدهور مستمر  .

 وكما قلت للتلفزيون البريطاني الرسمي محطة   B.B.C  إن هناك في بريطانيــا عدة ملايين من البشر يعيشون تحت خط الفقر حسب التقديرات الرسمية المعلنة ..  وهكذا كل من يمد يده للأرض المباركة وأهلها بسوء تحرقه ولو بعـد حين  "  .

 -   زوال الإمبراطورية الفرنسية  :

 وأيضا في هذا القرن زالت الإمبراطورية الفرنسية ،  والتي كانت تنافس الإمبراطوية البريطانية في إذلال المسلمين ،  ونهب خيراتهم ،  ولقد أذلها الله ،  وبلغت ذروة إذلالها يوم أن قام الشعب الإسلامي الجزائري بثورته التي أطاحت بهيبة فرنسا وإمبراطوريتها،  والذي قام بذلك هم جند القرآن ،  الذين تربوا في المساجد وتعلموا القرآن فيه ،  ففتح الله عليهم وأثابهم نصرا كبيرا ،  وكان الإستعمار الفرنسي بشعا ،  لا تقيم للنفس الإنسانية أي إعتبار ،  وتحمل مع استعمارها الإنحلال والتفسخ الخلقي المشهورة بها الحضارة الغربية عامة ،  والفرنسية خاصة  .

 -   زوال الإمبراطورية الألمانية  :

 وفي هذا القرن ، ذهبت إمبراطورية هتلر ،  فقامت في هذا القرن وزالت به ،  وكان لا بد أن تذهب لأمرين  :

 الأول  :   لأنها تنادي بما يخالف الفطرة ، وهو تفوق العنصر الآري (الأوروبي) عامة ، والألماني خاصة ، وهذا يرفضه الله رب العالمين  .

 الثاني :   أنه لو إنتصر هتلر لما قامت دولة يهود وقيامها وعد من الله ،  وها هي قد قامت بالفعل وهي الآن بطريقها إلى الزوال على أيدي المسلمين بإذن الله تنفيذا لكامل الوعد الآلهي بقيامها وزوالها  .

 -   زوال السلطنة العثمانية  :

 وحتى تقوم دولة يهود كان لا بد من زوال الدولة العثمانية بوصفها دولة إسلامية ،  ولأنه لا يمكن أن تقوم دولة يهود ويتحقق وعد الله في ذلك في قيامها وزوالها وللإسلام دولة في الأرض ،  فصار الانقــلاب العثمـاني سنة 1909 وتم عزل السلطان عبدالحميد - رحمه الله - واستولى على الحكم (الماسونيون ، والعلمانيون ، والقوميون الأتراك ، ويهود الدونمة والصليبيون)  .

 فكان لا بد من زوالها ثم جاء أتاتورك محاولا إخراج الشعب التركي من الإسلام أو نزع الإسلام منه فألغى السلطنة الإسلامية سنة 1924 وأعلنها دولة علمانية .  وظن العالم أن الإسلام قد إنتهى في تركيا ولكن أحداث السنين الأخيرة أجمعت أن الإسلام في تركيا أقوى من أن ينزع ،  فعادت الأحزاب الإسلامية والجمعيات الإسلامية تحمل الإسلام وتعمل على عودة الخلافة .  فالصحوة الإسلامية في تركيا هي مكملة للصحوة الإسلامية عند العرب وفي العالم كله  .

 -   زوال إمبراطورية الاتحاد السوفياتي  :

 وفي هذا القرن ،  زالت الإمبراطورية الإلحادية الأولى في التاريخ الاتحاد السوفياتي سابقا وكان زوالها مذهلا للبشرية ، إذ أنها تملك من الوسائل المادية والأسلحة التدميرية ما تستطيع أن تدمر به الكرة الأرضية (270) مرة ،  ومساحتها سدس الكرة الأرضية ومن أغنى دول العالم في الثروات الطبيعية  .

 وحـين اجـتمع كــنيدي مـع خروتشـوف عـام 1962 في النمسـا وأغلقا الباب على نفسيهما ست ساعات ، وأقتسما النفوذ في العالم فيما بين أمريكا والاتحاد السوفيــاتي ، قال كنيـدي لخروتشوف : إن لدى أمريكا ما تستطيع به أن تـدمر الاتحاد السوفياتي 220 مرة - في ذلك الوقت -  فرد عليه خرتشوف :" إن لدى الاتحاد السوفياتي ما يستطيع به أن يدمر أمريكا مرة واحدة وهذا يكفي " .

 وكان لا بد لهذه الإمبراطورية ( السوفياتية ) أن تزول لأن فكرها ينافي الفطرة البشرية ، وفعلا زالت بين يوم وليلة بعد أن قتلت وشردت الملايين ،  ولقد طردت الشعب الشيشاني المسلم من أرضه في القوقاز إلى سبيريا ، وكانت الأطفـال تبكي والنساء تتضرع والرجال تستغيث برب العالمين ، وكان الله للإتحاد السوفياتي بالمرصاد ، فأذن الله بزوال هذه الإمبراطورية الكافرة الملحدة الظالمة بعد حين ، والتي ساهمت في إقامة دولة إسرائيل وإيذاء الشعب المبارك،  فهي الدولة الثانية التي إعترفت بقيام دولة إسرائيل بعد ثلاث دقائق من إعتراف الولايات المتحدة الأمريكية بهذه الدولة ،  وهي بهذا الإعتراف خالفت النظرية الشيوعية التي يزعمون أنها لا تعترف بالقوميات ولا بالأديان ،  وكانت تمد إسرائيل بالأسلحة هي والدول التي تـدور بفلكها وخصوصا (تشكوسلوفاكيا) ( قبل أن يمزقها الله إلى دولتين ويقضي عليها كدولة واحدة ) وذلك لمساندتهـا ودعمهـا لما يسمى بدولة يهود ، وكان هذا من الله جزاء وفاقا ، كما عاقب الله "نيكولاي تشاوسيسكو" زعيم رومانيا وعراب دولة إسرائيل ، فانهار وهو في أوج قوته وقتـل كما تقتـل الكلاب .. وهكذا كل دولة أو زعيم ساهم في تثبيت إسرائيل دولة أو اقامتها نال وسينال وبال أمره ، لأن الله لا يرد دعوة المظلوم ، فالرسول صلى الله عليه وسلم يقول :"اتقوا دعـوة المظلوم ، فإنه ليس بينها وبــين الله حجاب" ، وفي حديث آخر يخاطب الله المظلومين الذين يدعونه :"وعزتي وجلالي لأنصرنك ولو بعد حين" [ حديث قدسي ]  .

 وهكذا استجاب الله دعاء المسلمين الضعفاء ، وذهبت إمبراطورية القيصر ولينين وستالـين .. وعادت المساجد تفتح أبوابها ، والمآذن ترسل نداء "الله أكبر"  كل ذلك حدث بعد يأس  . 

ولقد زرت الاتحاد السوفياتي سابقا عام 1977 ، وكنت أتحدث إلى بعض العلماء في التغيير ، فيقولون بيأس :"ماذا نفعل؟ "، ولكن الله هو الذي فعل، وهو المنتقم الجبار ، وخاضت صاغرة مهزومة ، لكن الأفغان - سامحهم الله - انقسموا  فذهبت الأمال التي كانت تعلق عليهم ، وهذا وضع مؤلم وحزين  . 

-   الزوال القادم للإمبراطورية الأمريكية  :

 ولما كانت سنن الله في الكون لا تتغير ( ولن تجد لسنة الله تبديلا ) فإن الأمر سيتم بزوال الإمبراطورية الأمريكية ،  حيث أن أمريكا كدولة في التاريخ لا يتجاوز عمرها أربعمائة سنة ،  وقامت أول ما قامت على إبادة سكان أمريكا الأصليين (الهنود الحمر) والتي لا تزال بقية منهم الذين نجوا من الموت ،  يعيشون عيشة بدائية ، وفي تمييز عنصري ، إن الذي دفع الأوروبي ليأتي لأمريكـا حب المال ، ومحاولة الثراء السريع ، بغير اعتماد على ما قررته الأديان من سلوك إنساني راق ، لا ظلم فيه ولا طغيان ، وبغير إهتمام بالقيم الربانية ، فذبح الإنسان كذبح الشاة عندهم ، وهذا لا يزال في أحفادهم ، فالقتل هواية الآن في أمريكا  .

 ولقد قرأت اليوم (24/1/1994) أن العاصفة الثلجيـة التي تجتاح أمريكا الآن ، أوقفت سيدة أمريكية سيارتها في الشارع بسببها ، وذهبت تطرق الأبواب لتأوي نفسها من العاصفة الثلجية حتى تهدأ العاصفة ، ولم يفتح لها أحد بعد أن طرقت عدة أبواب ، وبعد ذلك وجدت في الغابة جثة متجمدة  .

 وظلم آخر قامت عليه الحضارة الأمريكية ، لما بدأ الأمريكان الأوروبيون يعمرون أرض الولايات المتحدة الأمريكية ، احتاجوا إلى أيد عاملة كي تزرع وتقلع ، فبدأوا يغزون شواطيء أفريقيا ويخطفون السود (الزنوج) من بيوتهم ويكتفونهم ويذيقونهم أشد أنواع العذاب ، وبعد ذلك يستعبدونهم ، فنشأت مشكلة العبيد في أمريكا ، وهذه المشكلة الآن ستكون بإذن الله من الأسباب في تفسخ الولايات المتحدة ، وهم يكونون الربع أو يزيد من عدد سكان الولايات المتحدة ،  وتضخمت الولايات المتحدة وأنتفخت كمـا تضخمت الدول الأوروبية الكبرى (بريطانيا ، وفرنسا ، وروسيا وألمانيا .. الخ) من قبلها وأنتفخت ، وإن الأسباب التي أدت إلى زوال تلك الإمبراطوريات هي الأسباب التي ستفسخ الولايات المتحدة الأمريكيــة  .

  قـواعد زوال الإمبراطوريات

 إن هناك قواعد ربانية لا تتخلف تتسبب في زوال الإمبراطوريات منها:

 -   القاعدة الأولى (الـترف) :

 الترف الذي حطم الإمبراطوريات الأوروبية ، تعيش فيه أمريكا الآن ،  والترف من أسباب زوال الإمبراطوريات العظمى في التاريخ ، وحتى الدولة الإسلامية كان من أسباب تفسخها الترف ، والذي تمثل في العصر الأول من الدولـة العباسيـة ومن بعض خلفاء بني أميـة والسلاطين العثمانيين ، والذي يفسخ وفسخ دويـلات الخلـيج  .

 فالإنسان المترف لا يستطيع أن يصمد أمام الأحداث ، ويفقد روح التحدي ، فيتفسخ في نفسـه ، وتتفسخ روحه وتمزق الأمراض جسده ، وهذه قاعدة ربانية قال تعالى ( وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناهـا تدميرا ) [ الإسراء : 16 ] ..  وقد قلت في بيان لي بعد حرب الخليج ،  وكان الكويتيــون قد إتهموا الفلسطينيين والعرب أنهم وراء ما حدث لهم ، فقلت إن الذي أهلك الكويت ومن فيها هم الكويتيون أنفسهم ،  الحكام وترفهم ، والأغنياء وترفهم ، والله يقـول (وضرب الله مثــلا قرية كانت آمنة مطمئنــة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان فكفـرت بأنعم الله فأذاقها الله لبـاس الجوع والخوف بما كان يصنعــون ) [ النحل :  112 ]  .

 ولقد مررت بالكويت سنة 1981 في طريقي للهند لحضور مؤتمر إسلامي ، فخطبت بعد صلاة الجمعة في أحد مساجدها الرئيسة (مسجد العثمان) ،  وكانت الحرب الأهلية في لبنان على أشدها ،  وقد دمرت بيروت ،  فأعدت عليهم الأية السابقة ،  وقلت إن الذي حدث في بيروت سيحدث في الخليج والكويت ، أما متى وكيف لا أدري ،  لأن القاعدة الربانية لا تتخلف سواء للمسلمين أو غير المسلمين ، والحضارة الغربية تحتضر  .

-   القاعدة الثانية (الربــا)  :

 الربا ما دخـل بلدا إلا وأهلكه ،  وأمريكا أفقرت العالم الثالث بقروضها الربويـة ،  وأجاعته ،  وقلت ذلك للسيد أحمد بن بيلا ،  أول رئيس للجزائر بعد الإستقلال ،  فصدق كلامي وقال : " والله ما أفقرنا إلا القروض الأمريكية والربا الأمريكي ،  فوالله لو أكلنا من قمحنا وعدسنا وبصلنا ومن خيرات بلادنا لما أصابنا هذا الفقر الذي نعيش الآن  "  .

 وعودة إلى الكويت والخليج والعراق ،  فالربا كان من أهم العوامل في تدمير الكويت والخليج والعراق ،  فالإنسان في الكويت ربوي ،  والسيارات ربوية ،  والطائرات ربوية ،  والأكل ربوي والحياة كل ما جل منهــا ودق ربوية ،  فلمـاذا تتخلـف القاعـدة القرآنيــة من تدمـير الكويت والخلـيج والعراق بسبب الربـا ؟ .

 والله يقول (يمحق الله الربا ويربي الصدقات) [ البقرة : 276 ] ..  وقاعدة تخريب الربا للاقتصاد والحياة تنطبق على المسلمين وعلى غـير المسلمـين أيضا . فقد أخذ الربــا شكله الـبنكي في الـقرن السابع عشر ، ونتيجة لذلك كان في القرن الثامن والتاسع عشر حروب دموية ، بين الدول الأوروبية ،  فلما إستفحل أمر الربا كانت الحرب العالمية الأولى في بداية القرن العشرين ،  فأكلت الأخضر واليابس ، ودمرت كل ما عمله الربا في أوروبا ، وانتعش الاقتصاد العالمي بعد الحرب الكونية الأولى إلى أن كانت سنة 1929 ،  فانهارت (80%) من بنـوك وشركات أمريكا ، وأعلنت إفلاسها ، وتبعها العالم كله ، فحدثت أزمة اقتصادية عالمية خانقة ، فجاءت الحرب الكونية الثانية ،  تهدم كل شيء بناه الربا (الإنسان ، المدن ، الحيوان) . وجاءت الاشتراكية في البلاد العربية ، وصادر عملاء أمريكا (الاشتراكيون) أموال الناس ، وأراضيهم ،  والبنوك والشركات ، وهكذا استمر محق الربا  .

 وتضخم الربا في أمريكا ،  وبدأت تفلس شركات عملاقة ،  وتغلق كثيرا من مصانعها مثل (جنرال موتورز ، وفورد ومصانع الحديد) مما أدى إلى بطالة مرتفعة ،  وبدأت الحرب الإقتصادية الخفية والعلنية بين السوق الأوروبية المشتركة وأمريكا ،  وكذلك بين أمريكا واليابان التي تعاني أيضا من أزمة إقتصادية خانقة بعد الإزدهار الإقتصادي الذي عاشته منذ هزيمتها في الحرب العالمية الثانية  .

 -   القاعدة الثالثة (الظـلم)  :

 الحضارة الغربية قائمة على تفوق الجنس الأبيض ، وبذلك هي تحتقر بني البشر الذين ليسوا من هذا الجنس . وتجد ظلم الشعوب الملونة لا يكون خروجا عن عقيدتها ورسالتها ،  فهي تفتعل الثورات التي تريدها لتنقض بها على كثير من بني البشر . وهي تسرق خيرات الشعوب ،  فالمواد الأولية في العالم الثالث كله ، هي التي تغذي مصانع الغرب ، وتتولى إدارة ( انتاج وتسويق ) المواد الخام شركات غربية ،  فتأخذها بأبخس الأثمان وتبيعها مصنعة بأثمان مرتفعة  .

 وبعد ذلك تخرج على العالم في التلفاز ،  وتأتي بصور عن المجاعات ،  وتبرز بوجه حضاري على أنها تقدم المعونات .  فهي وراء المجاعة ،  فتأكل أموال الشعوب بالباطل ،  ثم تذرف عليهم دموع التماسيح  .

 كل شعـوب العالـم الإسلامي ذاق الأمرين من الـغرب وأهله من أمريكا وحضارتهـا ، والغرب على رأسه أمريكا يحقد على المسلمين لا لسبب إلا لأنهم مسلمون فقط ، فهو حقد على الله ورسوله والقرآن ، ولذلك ترفض أمريكـا بالذات والدول الغربيـة تبـعا لها يرفضـون كل قـرار يصدر عن مجلس الأمن فيه إدانة ليهـود ، فاليهـود لهم الحق بأن يقتلوا الأطفـال والنساء والرجـال ، فإذا ما قتل المسلمون يهوديا اضطرب البيت الأبيض ، وأضطرب البنتاغون ،  وزمجرت وزارة الخارجية أن (الهمج) من المسلمين قتـلوا يهوديا (يهـودي دمه زكي) لا يصـح أن يسفـك ، أما المسلم فدمه حلال .. لأن الغرب بقتــل هذا المسـلم يريـد أن يعلمه الحضارة ، فها هي أمريكا لا تريد أن يصـدر قــرار من مجلس الأمن لإدانة دولة يهود بعد مجزرة (الحرم الإبراهيمي الشريف) يوم الجمعــة (15/رمضان/1414 هـ) ، والتي خططت سلطات العدو ونفذها جيش يهود في فجر يوم جمعة ، فقتلوا العشرات وجرحوا المئات من المصلين وهم ساجدون بين يدي الله فخرجت أرواحهم ،  تشكوا ظلم الكفار ، وتآمر الحكام الذين خانوا الأمانة ، والذين يشاركون في تنفيذ مخططات عدو ، حتى إذا وقعت الكارثة نددوا بها بأسلوب شاعري ، على أن لا تمس مشاعر يهود لئلا يغضبوا أمريكا والغرب لأنهم من الماسونيين العقلانيين ، ومن المتآمرين على أمتهم وعلى هذا الدين  .

 وأمريكا ترفض الحماية الدولية للشعب في فلسطين ، لأن من حق يهود أن يقتلوا ما شاءوا ويذبحوا ما شاءوا من هؤلاء المسلمين ، ولكن كل ذلك إلى حين،  ستكون النهاية ليهود ،  نهاية لم يعرفها التاريخ ، حينما يمكن الله لنا في الأرض ،  لأن يهود بحقدهم على المسلمين ،  وقتلهم وتعذيبهم الأطفال والنساء والرجال لم يتركوا بابا للرحمة عليهم ،  ولا للصفح عنهم  .

 وأمـا (أمريكا) راعية الظلـم فـي العالـم فـأوكـلنـا الأمـر للـه لتدميرها ،  وقـد بدأ ذلـك كمـا أشـرنا إليــه ولا مجال لإعـادتـه ( ويقولون متى هو قل عسى أن يكون قريبــا ) [ الإسراء :  51 ]  .

 إن الظلم والفساد والإنحلال الذي مارسته الكويت (من حارات الخليج) من أسباب النكبة التي أصابتهم ، فقصم الله الكويت ، ولن تبقى كويت بعد اليوم ،  إسمع إلى قول الله تعالى (وكم قصمنا من قرية كانت ظالمة وأنشأنا بعدها قوما آخرين * فلما أحسوا بأسنا إذا هم منها يركضون * لا تركضوا وأرجعوا إلى ما أترفتم فيه ومساكنكم لعلكم تسألون * قالوا يا ويلنا إنا كنا ظالمين * فما زالت تلك دعواهـم حتى جعلنــاهم حصيدا خامـدين ) [ الأنبيــاء :  11-14 ] .. 

 وهذه الآيات تشمل الكويت وستشمل بقية حارات الخليج وستشمل أمريكا وأوروبا ..  فلتنتظر أمريكا الدمار وكذلك أوروبا (وإن من قرية إلا نحن مهلكوهـا قبل يوم القيامة أو معذبوهـا عذابا شديدا كان ذلك في الكتاب مسطورا) [ الإسراء :  58 ]  .

 وهكذا ،  يصدق الغيب ،  ولا يفلت أحد من قبضة الله والقواعد التي جاء بها القرآن الكريم لتنظيم شؤون الحياة لا تتخلف منها قاعدة ،  والعوامل الأخرى التي تنخر في جسم الولايات المتحدة الأمريكيــة ،  تبشر بزوالها عن قريب كدولة عظمى ، فهناك المخدرات التي وصلت إلى أطفال المدارس ، والتي تقتل الإنسان قتلا بطيئا ، بالرغم من أن أمريكا تشن حربا لا هوادة فيها على مهربي المخدرات ، لكنها لم تنجح في القضاء عليهم ، ويزدادون يوما بعد يوم  وهذا مما يدل على تفسخ الجهاز الأمني الأمريكي ، وأنهم شركاء مع المهربين ، وكذلك المسكرات ، وبعد ذلك تأتي الأمراض ، وكانت نتيجة طبيعية للشذوذ الجنسي والزنا ، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ يقول :"ما فشت الفاحشة في قوم إلا وسلط الله عليهم أمراضا لم تكن في الذين سبقوهم" ،  وبدأ الأيـدز يعمل عمله وهو أخطر من القنبلـة الذرية ، خصوصا إذا علمنا أن كاليفورنيا وهي من أكبر الولايات المتحدة الأمريكية نسبة الإيدز فيها  (20%)  كما نشر عالميا ، هذا بالإضافة إلى أمراض أخرى وعلى رأسها السرطان وغيرها من الأمراض الفتاكة . وهكذا بدأ يعاقب الله الشعب الأمريكي بإنحرافه عن الفطرة التي فطر الله الناس عليها ، ويأتي بعد ذلك الجريمة المنظمة (المافيا) التي تجعل حياة الإنسان في الولايات المتحدة في إضطراب دائم وخوف وقلق ،  مما يسبب الأمراض النفسية والتي لم تعد المستشفيات قادرة على استيعاب المرضى النفسيين ، لأن هؤلاء أعرضوا عن ذكر الله (ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى) [طه : 124]  لأن الذي يجعل القلوب تهـدأ والنفوس تطمئن ذكر الله (ألا بذكــر الله تطمئن القـلـوب) [ الرعد : 28 ]  .

 

نعم لقد كسبت أمريكا العلم ، وتفوقت فيه وأستعملته لتدمير النفس البشرية ، ولكنها خسرت الإنسان ،  والمفروض أن العلم يجيء لخدمة الإنسان وسعادته ،  لا لتدميره وإرهابه ،  ويقول الذين عاشوا في أمريكا إنه من الصعب أن يسير الإنسان في شوارع المدن الأمريكية الكبرى بعد الساعة الثامنة ليلا ،  وخصوصا إذا كان مظهره يدل على أنه يحمل مالا ،  فسرعان ما سينقض عليه رجال المافيا والجريمة ويسلبونه كل ما يملك أو يقتلوه أو الإثنين معا  .

 فأصبح المجتمع الأمريكي مجتمع القسوة الذي لا يعرف الرحمة ،  إلا في خدمة الجشع والطمع والمال الأمريكي ، والأمريكان الذين جاءوا بالسود (الأفارقة) إلى أمريكا فأستعبدوهم وأذلوهم وأحتقـروهم ،  الآن بدأ العنصر الأسود في أمريكا يهدد أمريكا بالخطر ، والأسود في أمريكا ليس له إلا طريقان : إما أن يسلم فيعيش بأخلاق وطهارة ورحمة وأخوة الإسلام ،  وإما أن ينحرف فيعمل في المجتمع تدميرا وتخريبا ،  وكلا الأمرين أحلاهم مر بالنسبة لأمريكا ،  فالأمريكي الأبيض سليل القتلة والمجرمين من قتلة السكان الأصليين ،  لا يريد الإسلام ،  بل قل لا يريد الإطلاع على الإسلام ،  ومن جهل شيئا عاداه . . إلا من رحم ربك ممن إصطفاهم ربك للهداية  .

 لذلك هناك كثير منهم الآن ممن أراد الله لهم الهداية فأطلعوا على الإسلام ،  أهتدوا ورأوا في الإسلام الخلاص .  وهناك تململ بين ولايات الشمال الغنية والولايات الجنوبية الفقيرة نسبيا ،  فولايات الشمال تقول :" لماذا نطعم الفقراء في الولايات الجنوبية ؟ " . وقد جاءتني صحفية أمريكية من مجلة نيويورك تايمز وهي بنفس الوقت باحثة اجتماعية ،  فلما شرحت لها العوامل التي ستدمر أمريكا صفنت ثم قالت : " إنا نعالج ذلك بالديمقراطية " ،  ولما شرحت لها ظلم الأمريكان قالت : " ما دمتم تعتقدون أن أمريكا هي كل شيء بالنسبة لإسرائيل ،  فلماذا لا تشتغلون بالأمن الأمريكي ؟ - وهي تريد بهذا السؤال أن تصل لشيء ما في نفسها - فقلت : " إننا أضعف من أن نشتغل في أمن أمريكــا التي تملك السلاح الفتاك ،  ولكننــا تركنا الأمر لله يدمر أمريكا حسب القواعد الربانية التي جاءت بها الكتب المقدسة وخصوصا القـرآن " . .  فسكتت  .

 وفي خلال عام من الزمن ، داعب الله الولايات المتحدة فأعطـاها إنـذرات أوليــة ، تمهيدا لتدمـيرها وهلاكها بإذن الله ، فأثار إعصار (أندروز) ووصل إلى بيت الرئيس بوش في تكساس فدمـره - وهو بيت العائلة - ثم جاءت فيضانات المسيسبي التي جرفت تربة الملايين من الأفدنة على ضفتي النهر إلى المحيط ،  والتي لم تعد صالحة للزراعة للأبد ، ثم الحرائق في غابات كاليفورنيا والتي دمرت الملايين من الأشجار ووصلت إلى المكسيك ، وعجز العلم والسلاح الأمريكي من إطفائها ، وكلما أطفأوها من ناحيــة جاءت الريح وهي من جند الله وأشعلتها من الجانب الأخر ، ثم جاء الزلزال في (لوس أنجلوس/كاليفورنيا) ،  فدمر وزمجـر وشرد الألوف من سكانها ،  وكما قال الرئيس كلينتون إن الجسور التي دمرها الزلزال دمرها كما يدمر الإنسان حبة البسكويت  .

 وأخيرا وليس آخرا جاء الصقيع والعواصف الثلجية فجمدت الإنسان والحياة والكهرباء والماء ،  وهكذا تمضي أمريكا نحو نهايتها بقوة العزيز الجبار كدولة عظمى  .

  التغـيير الكوني في الـقرآن

 الله جعل قضية فلسطين فتنة للعالمين ، يهلك بها دولا ، ويهلك بها جماعات ويهلك بها أفرادا ، ويدخل بها أقواما النار وأقواما الجنة . وهذا الذي حدث للإمبراطوريات السابقة في هذا القرن (قرن العشرين) ويحدث للإمبراطورية الأمريكيـة ، هو ما تحدثت عنه آيات القرآن وقواعد الإسلام ولنبدأ ببيانهـا  : 

-   الآية الأولى  :

 ) فأما عاد فاستكبروا في الأرض بغير الحق وقالوا من أشد منا قوة أولم يروا أن الله الذي خلقهم هو أشد منهم قوة وكانوا بآياتنا يجحدون * فأرسلنا عليهم ريحا صرصرا في أيام نحسات لنذيقهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا ولعذاب الآخرة أخزى وهم لا ينصرون ) [ فصلت : 15-16 ]  .

 هناك قاعدة عند علماء أصول الفقه تقول : " العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب " أي حينما تنزل آية لسبب من الأسباب ، فإن حكمها لا ينحصر في هذا السبب ، وإنما يشمل كل ما يشابهه إلى يوم الدين لإشتراكهما في العلة  .

 ومن هنا كان باب الاجتهاد ، والذي أثرى الفقه الإسلامي عبر التاريخ ،  فالأمبراطوريات التي زالت وستزول في هذا القرن وعبر التاريخ ، شاركت الله في الوهيته وجبروته ، فأصابها الغرور ، فحللت وحرمت ، ومنعت وأباحت ،  وعذبت وأضطهدت ، والتحليـل والتحريـم هو عمـل اللـه ، ولـذلك لما نـزل قـول الله تعالى (اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله والمسيح ابن مريم وما أمروا إلا ليعبدوا إلها واحدا لا إله إلا هو سبحانه عن ما يشركون) [ التوبة :  31 ] ..  قال عدي بن حاتم الطائي - وكان نصرانيا فأسلم - :" لم يتخذوهم يا رسول الله أربابا -يعني الأحبار والرهبان-  قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم :" ألم يحلـوا لهم ويحرمـوا عليهم ؟ قال : بلى ، قـال : هذا هو عمل الله " ،  أو كما قال عليه الصلاة والسلام  .

 وأمريكا اليوم تمثل الإستكبار العالمي ، كما إستكبرت عاد في التاريخ ،  ولقد سمعت بوش بأذني يقول في حرب الخليج كما قال قوم عاد بالنص :" قال : نحن أمريكا من أقوى منا ! " وكأنه يريد أن يقول علينا أن نأمر فيكون السمع والطاعة على جمـيع الناس ، فقلت وكان من حولي قوم :"أهلك بوش قوم " ..  لأنه نسي أن الله أقوى من أمريكا ، بل أقوى من الكرة الأرضية ، بل أقوى من السمـاوات والأرض .. لأنه خالقها والخالق لا يعجزه شيء ، وما هي أمريكا ؟!! وما هي الكرة الأرضية ؟!! . والحديث الذي رواه أبو ذر عن الرسول صلى الله عليه وسلم :"ما السموات السبع مع الكرسي إلا كحلقة ملقاة في فلاة وفضل العرش على الكرسي كفضل الفلاة على الحلقة " [ القرطبي 2 - 278 ٍ]  .وكان هــلاك أمريكا أوله هـلاك بوش ،  إذ سقط في الانتخابات ،  فبدأ الله به فأذله ،  مع أنه خاض الإنتخابات بعد حرب الخليج ،  وكان المفروض أن يصبح بطلا تاريخيا في أمريكا ،  وبدأ الله بعدها يفعل الأعاجيب في أمريكا ،  وهاهم الجنود والضباط الذين شاركوا في حرب الخليج يصابون بأمراض جسدية ونفسية لا يجدون لها علاجا - بالرغم من التقدم الطبي في أمريكا -  .

 إن كل ما أهلك الله به الأمم السابقـة (أقـوام الأنبيـاء) موجـود الآن في الحضارة الغربية وفي أمريكا بالذات ، فكان الله يهلك القوم لذنب من الذنوب ، الشرك والالحاد ، أهلك الله به فرعون وحزبه ، وقد أهلك الله به الاتحاد السوفياتي في هذا القرن ، (اللواط) أهلك به الله قـوم لوط ، واللواط مرخص به في الغرب وأمريكا ، حتى وصل بهم الاستهتار بالله وقوانينه ، ومخالفة الفطرة التي فطر الله الناس عليها ، أن أباحوا زواج الرجل بالرجل ، والمرأة بالمرأة ،  ووصل الاستهتار ذروته حتى أنشأوا محاكم -في مدينة سان فرانسيسكو- لفض المنازعات بين الزوجـين من الذكـور ..  وهكذا كل ما أرتكبتـه الشعـوب عـبر التاريخ الآن يجتمع في الحضارة الغربية بشكل عام وأوروبا وأمريكا بشكل خاص ( وأنتظروا إنا معكم منتظرون ) [ هود :  122 ]  .

-   الآية الثانية  :

 وتمضي الآيات ويمضي الغيب ليحدثنا عن حتمية هزيمة الحضارة المادية ( إن الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيـل الله فسـينفقـونهـا ثم تكـون عليهم حسـرة ثم يغلبــون والـذين كفروا إلى جهنم يحشرون ) [ الأنفال : 36 ] ..  والمتتبع لهذه الآية التي ترسم ما قام به الكفار عبر القرون الأخيرة ،  بعد هزيمتهم في الحروب الصليبية ،  وخروجهم من المنطقة أذلاء مقهـورين ،  عرفوا سر النصر في المسلمـين وأنه يكمن في الإسلام ،  فخططـوا لإخراج الإسلام من المسلمـين أو إخراج المسلمين من الإسلام ، فقاموا بنشر الخرافات والتشكيك في أحكام الله ،  وإثارة قضايا جانبية بإشغال المسلمين عن الجوهر وتشجيع الانحرافات الفكرية ، وتشجيع الغلاة من الصوفية الذين لا يقولون بمحاربة الكفار ، وأن محاربتهم إعتداء على (قدر الله) ، لذا هم يتعاونون مع الكفر ويرضخون له ،  وقد قلت لهم مرة في أحد الأحاديث الإذاعية :" إن قولهم لا يجوز مقاومة الكفــار والإستعمار لأن مقاومته إعتداء على ( قدر الله ) هو جهل فاضـح ،  لأن الجاهليــة كانت قدر الله ،  فكان على الله أن لا يرسل الأنبيــاء لتغيير هذه الجاهليــة " !!  .

 وقد حدثني أحد الصوفيين ممن طمس الله على قلوبهم وأبصارهم ،  أنه لما أحتلت فرنسا المغرب ودخلت بلدا مدفون فيها رجل يزعمون أنه ولي ،  فتسائل أحدهم أمام شيخ الطريقة :" كيف يدخل الكفار بلدا فيها هذا الـولي المدفـون ؟ " ، فزجـره شيخه وقال له :" لقد رأيت هذا الولي يقود فرس القائد الفرنسي بنفسه ويدخل به البلدة ".. وهكذا انتشرت الخرافة والجهل والكفر ،  وهم يجهلون أن تغيير قدر الله يكون بقدر الله في إرسال الرسل واتباعهم إلى يوم الدين  .

 وبعد ذلك أخذ الغرب ينحوا منحا أخر في مقاومة الإسلام ،  فأنشأوا المدارس التبشيرية والتي تجعل المتخرج منها ليس له إنتماء ،  فهو ليس مسلما وليس نصرانيا وليس يهوديا ، وإنما هو مهزوز الشخصية مضطرب في كل حياته (إلا من رحم ربك) ،  وبلغ الأمر ذروته بإنشاء الجامعة الأمريكية في بيروت ،  هذه الجامعة التي خرجت الأفواج التي ساهمت في (اسقاط السلطنة العثمانية) وإقامة دولة يهود ، ويحضرني هنا أن مسؤولا أمريكيا جاء إلى المنطقة ،  فلما زار لبنان وأجتمع بخريجي الجامعة الأمريكية قال :" لو لم تكن الجامعة الأمريكية موجودة في المنطقة ،  لكان وضعنا أسوأ بكثير " ، وهكذا أدت هذه الجامعة رسالتها في تغريب فكر كثير من الشباب ، وإيجاد نمط الحيـاة الأمريكيـة في العيش في فئة من  المجتمع الإسلامي ،  وتتابعت الجامعــات التي تعتمد على الحضارة الغربية في مناهجها ، وقد حاول الغرب أن يقضي على جامـع الأزهر بحجة تطويـره ،  فأنشـأ مدرستين على المستوى الجامعي لتحل محل الأزهر ،  واحدة للغــة العربيــة وآدابها وهي دار العلـوم ،  والثانيــة للقضاء الشرعي ( مدرسة القضاء الشرعي ) ،  ولكن المدرستين لم تنجحا باداء الرسالة التي أنشأت من أجلها ،  فأندمجت دار العلوم في جامعة القاهرة ،  وأغلقت الثانية .  ولقد حاولت المخابرات الأمريكية مرة أخرى تطوير جامع الأزهر بعد ثورة (23/يوليو) ،  فأرسل عبدالناصر أحد وكلاء وزارة التربية والتعليم إلى أمريكا ،  كي تدربه المخابرات الأمريكية هناك على كيفية تخريب جامع الأزهر بحجة تطويره ،  ولقد أصبح الأزهر جامعة من الجامعــات الكثـيرة الموجودة في مصر ،  وقد فقد مركزه كحصن حصين للإسلام وروحــه اللغة العربيـة ،  وأخذ يخرج أفواجـا من الجهلة ،  وقد رأيت بأم عيني وكنت عضوا في إحدى لجان التعيين بوزارة الأوقاف ( الأردن ) ،  كيف أن بعض حديثي التخرج من الأزهر وقد قدموا طلبات التعيين من كليــات الشريعة والقانون على جهل عظيم بكل شيء ،  حتى أن أحدهم لا يحفظ قصار السور ،  وكانت الخطة أن يأخذ هؤلاء الشباب في الصيف إلى المصايف المصرية ليتأقلموا مع الحياة العصرية .

 

لكن الله كان بهذا الدين رؤوف رحيم ،  فأنشأت كليات للشريعة وأصول الدين في كثير من الدول العربية والإسلامية ،  وحلت محل الأزهر في تأدية رسالته ،  وكذلك أنشأ الغرب النوادي بدلا من المساجد لينصرف إليهـا الناس وخصوصـا الشبـاب ليعيشوا حياة ليس لها رسالة ،  وليقضوا أوقاتهم في اللهو واللعب ،  وأخيرا أنشأوا النوادي الرياضية وخصوصا نوادي كرة القدم التي حلت محل الأحزاب ،  فبدلا من أن يفكر الشاب في كيفية خلاص أمته ويحمل هم قومه ،  تراه قد تعصب لناديه تعصبا لا مثيل له ،  وكأنه في إنتصار ناديه بكرة القدم تنتصر أمتـه ،  ولقـد مات بعضهم من شدة التـأثر حينمـا إنتصر ناديـه أو إنهـزم ،  فذهـب ( شهيد الكرة ) بدلا من أن يكون ( شهيد المعركة )  .

 وأستخدم الغرب ( النواحي الإنسانية ) لمحاربة الإسلام ،  فأنشأ المستشفيات ،  والمستوصفات ،  ودور الأيتام ،  وتقديم المساعدات للمحتاجين ،  كل ذلك القصد منه محاربة للإسلام والمسلمين ،  وهذا الذي يقوم به الغرب من أعمال إنسانية والإغاثة البشرية وديمقراطية غربية ،  حدث به رسول الله صلى الله عليه وسلم ،   ففي صحيح مسلم - باب علامات الساعة - عن المستورد القرشي أنه قال في مجلس كان فيه عمرو بن العاص : " تقوم الساعة والـروم أكــثر الناس " ، فقـال له عمـرو :" أبصر ما تقـول " ،  فقـال المستورد :" حديث سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم " ،  فقال عمرو :" أما وقد قلت :"  فإن فيهم خصالا أربع ،  أحلم الناس عند فتنة ،  وأسرعهم كرة بعد فرة ،  وأسرعهم إفاقة بعد مصيبة ،  وخيرهم لمسكين ويتيم وأسير وخامسة حسنة جميلة وأمنعهم من ظلم الملوك " أو كما قال صلى الله عليه وسلم .  وكانت النوادي في بادىء الأمر مقتصرة على أبناء الطائفة النصرانية من أبناء المنطقة ،  ولكنها لم تؤدي الرسالة المطلوبة ففتحوا أبوابها لإبناء المسلمين كي تؤدي رسالتها فيهم ،  لأنها من أجلهم أنشأت ،  فقد أنفق الغرب الملايين بل قل المليارات على هذه الأغراض المتقدم ذكرها ،  حتى ظن الغرب وأبناء المنطقة ممن آمنوا بثقافته وحضارته أن الإسلام قد إنتهى أو كاد ،  وأنه دين المتخلفــين عقليــا أو المتبطلـين .  ولا أزال أذكر أني بعد تخرجي من الأزهر عام (1949) وقد عينت معلما في مدينة الخليل بفلسطين ، وكنت أسير أنا وأحد مفتشي التربية ومدير مدرسة مخضرم ،  فذكرت لهما حرمة الربا أثناء الحديث ،  فما كان منهما إلا أن نصحاني بما يشبه الزجر أن هذا الأمر لا يصح بحثه الآن ،  وأن الربا من ضروريات الحياة ،  وأن العالم إستقر في معاملاته على الربا ،  وكأنهم يستهزؤن بكل حكم شرعي ( يا أيها الذين آمنــوا لا تتخــذوا الذين أتخــذوا دينكم هـزوا ولعبــا من الذين أوتـوا الكتـاب من قبلكم والكفـار أوليـاء وأتقــوا الله إن كنتم مؤمنين * وإذا ناديـتم إلى الصـلاة أتخذوهــا هزوا ولعبــا ذلك بأنهم قـوم لا يعقلون ) [ المائدة :  57-58 ]  .. مع أن الأحداث في الدنيا الآن تبين لنا كيف عذب الربا ويعذب الإنسانية التي تعاني من أزمات إقتصادية متلاحقة ، وكيف أن الإنسان في ظل الربا يعيش مهموما متوتر الأعصاب لا يهنأ بعيش ولا يتلذذ بطعام ، ويوم القيامة يقوم من قبره مذعورا كالذي يتخبطه الشيطان من المس ، وهو في الدنيا كذلك مذعور دائما ، نزلت الأسهم فينزل ضغطه معها ، ارتفعت الأسهم فيرتفع الضغط معها ، ارتفعت الأسهم فترتفع نبضات قلبه معها ، حان موعد الكمبيالة ، السوق واقف فيذهب إلى بيته مهموما مغموما كيف سيدبر الأمر فيصفن ، فتقول له زوجته مالك يا رجل ، فيجيب جاءت ساعة الكمبيالة ، ولا أدري من أين سأسددها ، هاتي ذهبك وذهب أختك وذهب بناتك وهكذا المرابي يقترض بالربا أو من يقرض بالربا في إضطراب لا يهدأ ، والبورصات العالمية الآن بين فترة وأخرى يصيبها الكساد ، فتخسر المليارات في لحظات ، ويخسر كثير من المرابين حياتهم مع خسارة البورصات ،  فتصيبهم السكته ، أوالشلل أو إلى غير ذلك من الأمراض ، ويصدق القرآن في الـمرابـين ( الذين يأكلــون الربا لا يقومـون إلا كمــا يقــوم الـذي يتخبطه الشيطان من المس ذلك بأنهم قالوا إنما البيع مثل الربا وأحل الله البيع وحرم الربا فمن جاءه موعظة من ربه فأنتهى فله ما سلف وأمره إلى الله ومن عاد فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون ) [ البقرة :  275 ]  .

 وتبدأ التفليسات ،  ويمحق الله الربا في الأزمات الإقتصادية وبالحريق والغريق ،  والحروب ،  والزلازل ،  وتصادم الطائرات ،  والسيارات وغرق البواخر وحاملات النفط ،  ويصدق الغيب ،  والغيب دائما صادق ،  لأن الغيب من الله وما أخبر به الله يتحقق  .

 والذين كفروا أنفقـوا أموالهم وينفقونها لإقامـة وتثبيت دولـة يهود ،  فهل تبقى دولة يهود ؟ إنها لن تبقى ،  لأن الآية تتكلم عن المستقبل ، فتقول ( إن الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله ) ،  وقد بينت كيف أنفقوا أموالهم في كل وجه وسبيل ،   ليصدوا عن سبيل الله واطفاء نوره سبحانه وتعالى . وبعد ذلك تمضي الآية فتقول :" فسينفقونها " أي مستقبلا وليس حين نزول الآية ،  لأن الـسين هنا سين الاستقبال ،  وبعد أن ظنوا أنهم بهذا الإنفــاق أطفـئوا نـور الله يجيبهم الله فيقول : ( فسينفقونهــا ثم تكون عليهم حسرة ) . .  وهكذا كان ،  فإذا الصحوة الإسلامية تقلب الموازين رأسا على عقب ،  وإذا الشباب المتعلم في مدارس الغرب ومناهجه دعاة إلى الله ،  حفظة للقرآن ، يقومون الليل ويصومون النهار ويترفعون عن الدنيا والدنايا ، وكثير من الشباب في بلاد المسلمين يذهبون لإكمال تعليمهم في الغرب ، ويذهبون غير متدينين أو مقصرين في عباداتهم ويرجع الواحد منهم فإذا هو داعية إلى الله وقد أطلق لحيته ويبدأ في هداية أهله إن كانوا مقصرين . ويفاجأ الغرب كيف حدث هذا الأمر ؟!!  وكيف يعالجون هذه الظاهرة ؟. وكأن النفس الإنسانية بأيديهم ، والغواية والضلالة في الإنسان تحت أمرهم ، ويأمرون عملاءهم من المفكرين والسياسيين ،  أن يعالجوا هذا الأمر الخطـير ،  ولم يعلموا أن الرسول صلى الله عليـه وسلم قال :""  قلوب العباد بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء  ""  .

 ولقد أتيح لي في عمان أن أجتمع إلى نخبة من الأطباء الذين تخصصوا في الغرب ،  لأحدثهم عن الحل الإسلامي لمشاكل الأمة .  فقلت لهم :" أنتم الذين رأيتم الغرب بأم أعينكم وإنهيار حضارته ، وتعذيب إنسانه ، وشقاء الأنثى فيه التي أصبحت سلعة تباع وتشترى للأفلام السينمائية والمســارح والمواخير وإلى غير ذلك ، مما أشقى الإنسانية وأشقاها" ،  وقلت : " إن اجتماعي بكم هذا ،  هو علامة من علامـات التغيير في المجتمـع ورجـوع المجتمع إلى أصوله والأمة إلى عقيدتهـا "  .

 وفي مجال الصحوة الإسلامية والتي ليست في مكان بعينه وإنما تكاد تشمل العالم كله حدثت هذه الصحوة في فلسطين القسم المحتل سنة 1948 وكان من ضمن مظاهرها إطلاق اللحى والتنادي بالفكر الإسلامي ،  مما جعل يهود يستغربون هذا الأمر وكانوا يظنون أنهم قضوا على بذرة الإسلام في قلوب الشباب ،  فألفوا لجنة من أساتذة جامعـة (تل أبيب) من علماء النفس والتاريخ والإجتماع لدراسة هذه الظاهـرة ،  فقلت لهم في حينها بمقال نشرته الصحف :" يا معشر يهود ، إن هذه الصحوة لا يمكن أن تدخل ضمن تحليلاتكم ولا مختبراتكم ،  إنها قـدر من القـدر الذي سيعصف بكم على أيدي هؤلاء الشباب الذين عادوا إلى الله ،  وسيأخذ الله بيدهم لأنهم جنده وجند الله لا يغلب ،  فلن تستطيعـوا أن تفهمـوا ما يجري ،  لأن ما يجري من الغيب ،  وأنتم قوم لا تعقلون "  .

 والفكر المادي خدع الإنسانية بفكرة التطور وجعلها تشمل كل شيء الإنسان والحيوان والأديان والمادة ،  وهذا خطأ فاحش ،  فوسائل المواصـلات مثلا كانت في بداية التاريخ وإلى وقتنا الحاضر الجمل ،  والحصان ،  والبغل والحمار ،  وهذه لم يلحقها التطور ولا التغيير ،  فالجمل لم يصبح سفينة ، والحصان  لم يصبح سيارة ،  وهكذا بقي الحصان حصانا ،  والجمل جملا والحمار حمارا ،  ولكن الإنسان اخـترع أشياء جديدة لحله وترحالـه من الدراجة وحتى الطائرة ،  وهي موجودة هذه المخترعات بجانب هذه الحيوانات . .  ولذلك إطلاق كلمة التطور على الأحكام الشرعية خطأ فادح ،  لأنه لا اجتهاد في مورد النص ،  فالربا حرمته قائمة إلى يوم القيامة ،  ولكن وظيفة المجتهدين من العلماء أن يبحثوا مدى إنطباق حرمة الربا على العقود الجديدة التي تنشأ إلى يوم الدين ،  فإن كان فيها علة الربا فهي حرام حرمة الربا وإلا فلا .  والزنا حرام إلى يوم القيامة ولا يقول بإباحته إلا كافر .  والخمر حرام إلى يوم القيامة ،  وفروض الإسلام الخمسة مستمرة إلى يوم القيامة ،  والجهاد مستمر إلى يوم القيامة لا يبطله عدل عادل ولا جور جائر ،  وهكذا بقية الأحكام الشرعية ،  لا يلحقها تبديل ولا تغيير ولا تطور ،  لأن التطور محال في الأحكام الشرعية التي علمت من الدين بالضرورة  .

 وهناك في المجتمع بقية من مخلفات الحضارة الغربية ، الذين (يزعمون التقدم ويقولون بالتطور) ، والذين كانوا يقولون ولا يزالون (لا جنة ولا نار ،  ولا بعث ولا نشور ، وإنما هي أرحام تدفع ، وقبور تبلع ، وأن الإنسان تطـور عن الحيوان وأن الحيوان تطور عن الخليـة الأولى) وهم يعجزون وعاجزون عن الإجابة عمن أعطى الخلية الأولى الحياة ؟ . ولقد قرأت عن عالم روسي عام (1959) قال : " لنا ثلاثون عاما نحاول أن نعطي الحياة للخلية الأولى والتي عرفنا مكوناتها ، ونعلن الآن عن عجـزنـا عن معرفــة سر الحياة فيها " فصـدق اللـه وصـدق الغيب ( ويسألـونك عن الــروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا ) [ الإسراء : 85 ] ..  وكلمة التطور توسع الناس في استعمالها فجعلوها تشمل أشياء لا يمكن أن تتطور ،  والتطور الحقيقي هو في الجنين في رحم أمه ويصفه القرآن ( ولقد خلقنــا الإنسان من سلالة من طين * ثم جعلنــاه نطفة في قرار مكين * ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنــا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاما ثم كسونا العظــام لحما ثم أنشأناه خلقا آخر فتبارك الله أحسن الخالقـين ) [ المؤمنون : 12-14 ] .

 ونعود إلى آية الإنفاق من سورة الأنفال ،  فبعد أن بين الله أن الكفار سينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله ، قال ( فسينفقونها ) وبعدها مباشرة إستعمل ( ثم ) أي بعد بفترة وقد تطول ، وستكون الحسرة ، لأن " ثم " للعطف مع التراخي ، وبعد هذه الحسرة التي ستشمل العالم الغربي بل قل العالم الكافر كله ، وتشمل منافقي العرب أو قل المنافقين من الحكام وأعوانهم من وزراء ،  وسفراء ، وكتاب وصحفيين وساسة ومتنفذين وخونة ومنتفعين ، استعمل الله (ثم) مرة أخرى ثم يكون بعد الحسرة الغلبة عليهم  .

 وهاهي الغلبة بدأت للمسلمين ،  هذه الصحوة الإسلامية ،  التي تشمل العالم الإسلامي ،  بل تشمل العالم كله ،  والتي جعلت الرئيس الأسبق للولايات المتحـدة الأمريكيــة ( نيكسون ) يقول في كتاب لـه :" إن المعركة القادمة هي بين الإسلام والحضارة الغربية ،  وخصوصا بعد إنهيار الشيوعية "  .

ولذلك يتسابق الغرب وحكام الدويلات في بلاد العرب والمسلمين ،  في محاولة لتثبيت يهود دولة ،  إن حكام العرب والمسلمين وأعوانهم يخافون من النصر كما تخاف إسرائيل من الهزيمة  .

 وها هي الثورة في الجزائر ، والثورة  في مصر ، والثورة في السودان ،  وفي غير مصر والـسودان تبشر المسلمين بنصر من الله قريب ، وغلبة الإسلام حتمية .. ويصدق الله في الكفار ( ثم يغلبون )  .

 والغلبة على الكفار كما تكون بسبب الحرب ، تكون بسبب ارتكاب المعاصي ،  كانتشـار الزنـا والـخمر والميسر واللـواط وأكل مـال الربـا ،  وأكل مـال اليتـيم ،  وهذا يصدق ما قالـه الرسـول صلى الله عليه وسلم :"اجتنبوا السبع الموبقات" - اي المهلكات - قالوا :"وما هن يا رسول الله ؟ " ، قال :"الشرك بالله ، والسحر ، وأكل مال الربا ، وأكل مال اليتيم ، وقذف المؤمنات المحصنات الغافلات ، والتولي يوم الزحف وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق" أو كما قال عليه الصلاة والسلام  .

 ولذلك أهلك الله الشعوب بهذه الذنوب ،  وبدأت الحضارة الغربية الأمريكية والأوروبية تنهار ،  نتيجة الشرك والموبقات الأخـرى .  وهاهي أول دولة الحـادية في التاريخ قد عفى عليها الزمن ،  فقد أصبحت مزقا وأشلائا ،  ذلك أن الغلبة ستكون للحضارة الإسلامية ( ليظهره على الدين كله ) ثم قال الله ( والذين كفروا إلى جهنم يحشرون ) كفروا بالله ورسوله وبالإسلام ،  لأن بكفرهم هذا سيدخلون النار ،  لأن الله سبحانه وتعالى خلق أقواما للنار وأقواما للجنة ،  ولذلك يقول صلى الله عليه وسلم :" كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى ، قالوا :  ومن يأبى يا رسول الله ؟ قال : من أطاعني دخل الجنة ومن عصاني فقد أبى"  .

 ومعركتنا مع الكفار شاملة ،  هي بيننا وبين يهود ونصارى الغرب ،  ويحاول كثير من الساسة والصحفيين العرب بتشجيع من المخابرات الأمريكية ،  أن يبينوا أن الإدارة الأمريكية مغلوبة على أمرها وأنها دمية في يد يهود ،  وأن أمريكا تأتمر بأمرهم ولا تستطيع أن تخرج عما يريدون ،  وهذا جهل وتغيير للحقيقة ،  حيث أن كثيرا من الساسة والحكـام تغلب عليهم الأميـة في التعليم والأميـة في السياسة ،  لذلك فإن مستشارالحاكم من هؤلاء الحكام ،  الأمريكي أو الأوروبي أو الغربي عموما هو الذي يفكر له ،  فإذا سمع خبرا أو فوجأ بشيء فغر فـاه كالأبله ،  إذ هو عليه أن يأكل ويشرب وينكح الحلال والحرام ،  ويلعب القمــار ويتسلى بالخيــول والكـلاب والقطط والصقــور ( والذين كفروا يتمتعـون ويأكلون كما تأكل الأنعـام والنار مثــوى لهم ) [ محمد : 12 ]  .. أو أن هذا الذي يروج لفكرة سيطرة يهـود على أمريكـا هو عميـل للمخابرات الأمريكية المركزيـة (C.I.A) ، فلا يريدون منا أن نحقـد على الأمريكان لأنهـم (مغلوبـون على أمرهم مساكين) وهذا ( المفكر ) خائن لأمته ، فاليهود عند أمريكا أقلية متنفذة في بعض مجالات الحياة ،  لكنها لا تؤثر في القرار السياسي للولايات المتحدة ،  إذا كان الأمر يتعلق بمصلحة أمريكا أولا .  ولكن تبني أمريكا لدولة يهود والدفاع عنها وحمايتها ،  هو داخل في الأمر الإلهي بموالاة اليهود والنصارى في هذا القرن ،  كي يتحقق الوعد الإلهي بإقامة دولة يهود تمهيدا لزوالها وزوالهم  .

 فممنوع أن يكون ليهود سيادة على النصارى ، لأن السيادة عزة ،  والعزة ممنـوعـة على يهود (ضربت عليهم الذلة والمسكنة ) [ البقرة : 61 ] أي ختمت ، ويقرر القرآن أنه لا يصح أن يكون ليهود سلطان على النصارى إذ يقول سبحانه وتعالى (إذ قال الله يا عيسى إني متوفيك ورافعك إلي ومطهرك من الذين كفروا وجاعـل الذين اتبعــوك -النصارى- فوق الذين كفروا -اليهود - إلى يـوم القيـامـة ثم إلـي مرجعكـم فأحكـم بينكـم فـي ما كنتم فيه تختلفــون) [آل عمران :  55 ] ..  وهذا نص قطعي الثبــوت ،  قطعي الدلالة ،  لا يحتمل التأويل في أن النصـارى هم أسياد يهود إلى يوم القيامة .  وعبر التاريخ كله تولى النصارى تعذيب يهود في أوروبا ، فمـا من دولـة نصرانيــة إلا وعذبت يهـود ، إنجلترا ، فرنسا ، ألمانيا ، إيطاليا ، روسيا ، إسبانيا ، النمسا ، المجر وأخر من تولى تعذيبهم في هذا القرن هتلر ، وها هي النـازية بدأت تطل برأسها في ألمانيا من جديد  .

 ولقد عشنا في هذا القرن أحداثا تدل على أن أمريكا حين تريد أن تنفذ أمرا يتعلق بيهود ،  لا تلتفت إلى يهود ولا إلى اللوبي الصهيوني كما يقولون ، ففي أثناء الغزو الثلاثي عام ( 1956 ) لمصر ،  وكان يهود قد إحتلوا قطاع غزة ،  فقرر يهود أن لا ينسحبوا من القطاع ،  ولقد نشر بن غوريون مؤسس دولة يهود في مذكراته أنه دخل الكنيسـت أول يوم فقــال : " إن غزة أصبحت جزءا من دولة يهود كتل أبيب ،  ولن ننسحب منهــا " وفي اليــوم التــالي جـاءه كتــاب من الرئيس الأمريكــي في ذلك الوقــت ( أيزنهاور ) يأمره بالإنسحاب ،  فقال بن غوريون : " فدخلت الكنيست في اليـوم التالي أشد شعري وأقـول غدا سننسحب من غـزة " وهو يبكي ،  وبالفعــل أعلنت إسرائيل منع التجول في اليوم التالي وأنسحبت ذليلة مقهـورة ،  لأن العزة لها ممنوعة  . 

) وإذ تأذن ربك ليبعثن عليهم إلى يوم القيـامـة من يسومهم سوء العـذاب ) [ الأعراف :  167 ] ..  والذي أذن الله بعذابه إلى يوم القيامة لا يمكن إلا أن يكون ذليلا ،  ولا تكون له سيادة أبدا  .

 وقصة أخرى للرئيس الأمريكي بوش في انتخابات رئاسته الأولى ،  كان منافسه على الرئاسة دوكاكس ،  ودوكاكس هذا متزوج من يهودية ،  فأختار يهود أن ينتخبوه دون بوش ،  لأنه صهرهم العزيز حيث سيقع تحت تأثير زوجته إذا ما تولى الرئاسة ،  ولكن دوكاكس سقط ونجح بوش ،  ومع كل هذا استمر بوش بتأييد ودعم ما يسمى بدولة يهود حينما تولى الرئاسة ،  لأن السياسة في أمريكا لا يرسمها فرد وإنما ترسمها مؤسسات .  ومصلحة أمريكا اليوم مع يهود وذلك لتمزيق العالم العربي والإسلامي ،  كي تكون رأس الحربة في ذلك .  فهذه فترة زمنية تحدث عنها القرآن حين نزوله ،  إنها ستقـوم في المستقبـل دولة ليهود في الأرض المباركة ،  وهذه الدولة جزء من العقاب المفروض عليهم إلى يوم القيامة ،  وقد بينت ذلك تفصيليا في كتابي " زوال إسرائيل حتمية قرآنية " حينما فسرت آيات الإسراء ، والتي تنص على فسادين وعلو واحد سيكون ليهود بعد نـزول الـقرآن ،  وبينت أن الفسـاد الأول كان في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ،  حينما خانوا وغدروا وتحالفوا مع قريش ضد المسلمين ،  ولقد تم تدمير هذا الفساد والرسول صلى الله عليه وسلم حي ، والقرآن ينزل ( وكان وعدا مفعولا ) ثم جاء الفساد الثاني الذي يصاحبه العلو الكبير ، وذلك في إقامة دولة يهود في هذا الزمان ،  ولما كان لا يمكن أن تقوم دولة يهود ،  بقوة يهود ،  فإذن لا بد من تعاون اليهود والنصارى على إقامتها ،  فبدأ التعاون بينهم لأول مرة في التاريخ في نهاية القرن التاسع عشر ، حيث أحتضنت بريطانيا العظمى فكرة إقامـة دولـة يهود في فلسطين ، فنفذتها خــلال ثلاثين سنة ،  فأصبح يهود والنصارى بعضهم أولياء بعض ،  والمولاة هي التعاضد والتحابب والتناصر وهذا يحدث لأول مرة في تاريخ اليهودية والنصرانية .  لكن هذه الدولة التي احتضنتها أمريكا فيما بعد لا تملك من أمرها شيئا ،  فأكلها أمريكي وسلاحها أمريكي وكل أمرها أمريكي وكذلك أوروبي ،  والأحزاب اليهودية تعرف هذه الحقيقة ،  وأن بقاء واستمرار دولتهم مرهون برضا أمريكا أولا وأوروبا ثانيا ..  ولذلك حينما تريد أمريكا أن تضغط على يهـود تنفذ ما تريد سواء أكان في الحكم في حزب الليكود أو العمل أو المتدينين أو العلمانيين ..  فالـذي ( أرجـع ) سينــاء كلهــا لـمصر هـو حـزب الليكــود وعلى رأسهم أشد الناس عـداوة للذين آمنـوا ،  الذي هـو ذروة العداء والحقد والضغينة ( ميناحيم بيغن ) ، وقد قتلتـه قضيـة فلسطين ولحقتـه لعنة الأرض المباركـة ، وذلك حينمـا غزا لبنان وخسر الجيش الإسرائيلي (29000) مقاتل سنة 1982 ( حسب ما نشرته مجلة الجيش الإسرائيلي ) ..  فأستقـال وعاش في هوس وفي مرض وفي شقـاء لا يعلمـه إلا اللـه ،  هذا عذابـه في الدنيـا فمـا عذابـه في الآخـرة ؟!!  . 

ولذلك فإن المقولة السياسية التي تقول بأن يهود يسيطرون على أمريكا وهم وخيال ، لأن النصارى يجب أن يكونوا مسيطرين على يهود وتحت رحمتهم إلى يوم القيامة تنفيذا لما جاء في سورة آل عمران التي أشرنا إليها سابقا .  ولذلك عدونا الأساسي هي الصليبية الحاقدة . وأمريكا هي وريثة الحقـد الصليبي الأوروبي ،  هذا الحقد الذي بلغ ذروته في الحروب الصليبية ،  والتي كانت نتيجتها هزيمة أوروبا هزيمة منكرة ،  لكن الحقد لم يذهب بل إزداد .  وتلعب الكنيسـة في أوروبا دورا كبيرا في تأجـيج هذا الحقد ،  فتكذب وتفتري ،  فهم في مواعظهم يقولون لأتباعهم : " إن محمدا كان بطركا ثم صبأ ،  وأنه سكر ذات يوم فنام على المزبلة ،  فجاء الخنزير فنهــش مـن لـحمه ،  فلما أفاق من سكـره حــرم الخمر والخنزير " - والعيـاذ بالله - كما ورد في كتاب ( مفترق الطرق ) لمؤلفه لوبايد فايس ( نمساوي وقد أسلم ) وأصبح إسمه محمد اسد  .

 وأمريكا بروتستانتية ، والبروتستانت يعتمدون على التوراة أكثر من الأنجيل ، وقد قال تشرشل - وقد كان له ( فضل كبير ) في تأسيس دولة يهود في فلسطين ،  حيث كان وزيرا للمستعمرات ،  ثم  رئيسا للوزراء في بريطانيا - قال عن نفسه : " إنه صهيوني لأنه بروتستانتي يؤمن بالعهد القديم " فهو ينفذ ما جاء بالتوراة  .

 والذين يحكمون بريطانيا هم البروتستانت ،  فهم يساندون يهـود في إقامة دولتهم وحمايتها ، ليس مصلحة فقط ،  وإنما هي عقيدة  .

 وها هو (البابا) ، زعيم الكاثوليك في العالم يسير في ركاب البروتستانت ،  والبروتستــانت أشد الناس عداء للكاثوليكية ،  ويتمثـل هذا الـعداء في الـثورة الأيرلـندية التي هي حرب بين الكاثوليك والبروتستانت ،  وها هو البابا يرضخ لأمريكا فيعـترف بدولة إسرائيل ، مع أن يهـود لا يعترفـون بالمسيح ويعتبرونه (ابن زنا) - والعيــاذ بالله - ولا يزالون ينتظرونه . فمسيحهم هـو المسـيح الدجال ،  والأنجيـل يقـول بصلب المسيح ، مع أنه لم يصلب . ويلعن الأنجيل الذين (صلبوا المسيح) اليهود وذراريهم إلى يوم القيامة ،  وقد برأ مؤتمر البطاركة الكاثوليك الذي عقد في روما سنة 1964 ( برئاسة البابا يوحنا الثالث والعشرين ) يهود من دم المسيح ،  وهكذا حرفوا الإنجيل أمام أعين العالم وبصره ،  فلا يستطيع أحد أن يقول إن الإنجيل غير محرف .  وها هم يعترفون بدولة يهود خلافا لكل معتقداتهم ،  وصدق الله إذ يقول ( ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم ) [ البقرة :  120 ]  .

 وكسب يهود باعــتراف البابا والكنيسـة الكاثوليكيــة بدولتهم ، وبقي يهـود على موقفهـم من المسيح عليـه السلام ، وأنـه (ولد زنا) - والعياذ بالله - أبوه يوسف النجــار (كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولــون إلا كذبا) [ الكهف : 5]  .

 وأمريكا اليوم تقود المعركة ضد الإسلام في العالم كله ،  فأمرت عملاءها بمحـاربة الصحـوة الإسلامية في كل مكان ، وأصبحت أمريكـا تصور الإسلام بأنه ( البعبع ) الذي يريد أن يبتلع حضـارة الغرب ،  فهي تخشى من هـذا الإسـلام ، لأنه يعني الطهـارة في كل أمور الحياة ،  يعني الطهارة في الفرد والأسرة وفي المجتمع وفي الإنسانية كلها  .

 لكن أمريكا لا تريد الطهر ،  وأوروبا لا تريد الطهر ،  والوثنية لا تريد الطهر ،  فهم يريدون الإنسان أن يعيش في شقاء ،  يريدون أن يمتصوا دماء الشعوب ،  وخيرات الشعوب ،  حضارتهم أوصلت الإنسان إلى الحضيض ،  فهو إنسان المخدرات ،  إنسان المسكرات ، شقي برباهم ،  يسرقون قوته وطعامـه ،  فالمرأة في غير حضارة الإسلام أشقى خلق الله ،  فهي لا تعرف معنى الحياة الزوجية الطاهرة ،  فهي سلعة تباع وتشترى ،  وحضارة الغرب هي حضارة الأيدز والأمراض ،  وهي حضارة المافيا ،  وهي حضارة التمييز العنصري ،  فشقيت الإنسانية بهذه الحضارة ،  ولا بد لها أن تشقى ،  فهم في الغرب الآن يخشون أن تقوم دولة الإسلام فتطبق الإسلام في داخلها ، و تحمله رسالة للعالم كله خارجها  .

 كما حدث في أول الرسـالة ،  طبقـوه فحملوه فرأت الإنسانيـة فيه خيرها فدخل الناس في دين الله أفواجا ،  وحينما تخلي أمريكا والغرب بين شعوبها وبين الإسلام ،  فسيرون فيه حلمهم المنشود ،  وأملهم المرتجى ، وبعد ذلك سيدخلون في دين الله أفواجا  .

 ويصـدق حديث رسـول اللـه صلى الله عليــه وسلم الذي يقول :" زويت لي الأرض - أي رأيت جميع زواياها - وسيبلغ هذا الدين ما زوي لي منها ،  وسيدخل هذا الدين كل بيت بعز عزيز أو ذل ذليل" ..  أو كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم  .

فأمريكا تقـود المعركة ضد الإسلام والمسلمين في ( مصر ،  والجزائر ،  والـمغرب ،  وتونس ،  وليبيا ،  والسودان ،  والصومال ،  والجزيرة العربية ،  والعراق ، والبوسنة والهرسك ،  وتركيا ،  وكشمير ،  وأفغانستان ،  والهند ،  واليمن وفلسطين ) ..  لكن كل ذلك إلى حين ،  فشباب الإسلام بدأوا يلجون الجنة يطرقون أبوابها برؤوس الكفــار والمنافقين ،  فإسرائيل إلى زوال والإسلام إلى نصر ،  ودولة الإسلام على الأبواب ،  غضب من غضب ،  ورضي من رضي  .

 -   الآية الثالثة  :

 هناك آيتان في سورة الأنفال تبشران بالنصر ،  الآية التي شرحناهــا آنفــا ( إن الذين كفروا ينفقون أموالهـم ليصدوا عن سبيل الله فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة ثم يغلبون والذين كفروا إلى جهنم يحشرون ) [ الأنفال : 36 ] ..  والآية الأخرى ( ولا يحسبن الذين كفروا سبقوا إنهم لا يعجزون ) [ الأنفال :  59 ] ..  لقد أصيب العقل المسلم بالتبلد والجمود بعد القرن السادس للهجرة ،  فأغلق باب الاجتهاد ، وانصرف العلماء إلى المذاهب الضيقة ، كل يدافع عن مذهبه ، وينافح عن شيخه ، وصحب ذلك خروج اللغة العربية من الحكم ، فلم تعد لغة الدولة ولا لغة الحكام ، وهذا الدين لا يفهم إلا بهذه اللغة ، ولا يستطيع أحد أن يستنبط الأحكام إلا باللغة العربية (إنا أنزلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون ) [ يوسف : 2 ] .. (وكذلك أنزلناه حكما عربيا) [ الرعد : 37 ] .. إلى غير ذلك من الآيات  .

 فبدأ الإســلام يمشي بغير لغته ،  يدفع عن نفسه الأذى ،  وفي هذا الوقت بدأت أوروبا نهضتها العلميـة ،  التي إنطلق فيها العقل الأوروبي يكشف سنن الله في الكون التي سخرها الله للإنسان فأمره أن يتفكر فيها ،  فيكتشف منها الكثير ،  فكان ما يسمى بعهد النهضة في أوروبا . وهذه النهضة هي نهضة علمية مادية ،  تبعتها نهضة سياسية ،  تبعتها نهضة اقتصادية ،  فتقدم الغرب وسبق ،  وبقي المسلمون في جمودهم  .

 وحسب سنن الله في الكون ،  أن المسلمين ينتصرون حينما يكون الإسلام حياتهــم ويرسم لهم طريق كل شيء ،  ومنها أن يكونوا أقوياء فيستجيبوا لأمر الله ( وأعدوا لهم ما أستطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم وما تنفقوا من شيء في سبيل الله يوف إليكم وأنتم لا تظلمــون ) [ الأنفال :  60 ] ..  والرسول صلى الله عليه وسلم يقـول : "" إن القوة هي الرمي "" والرمي أعم من أن يكون بسهم أو بندقية أو رميا بقنبلة ،  أو رميا بطائرة أو رميا بصاروخ أو إلى غير ذلك من أنواع الرمي  .

فكما يأمر الإسلام أن يكون المسلم نظيفا في بدنه ،  نظيفــا في ثيابه ،  يأمره بأن يكون نظيفا في فكره ،  نظيفا في تصوراته فلا يحشوها بالخرافات ،  يعبد الله في الصلاة ،  ويعبد الله في المختبر .  فهو حين يعبد الله في ركوعه وسجوده ، كذلك يعبد الله في صناعة يرفع بها شأن المسلمين ينصر بها الأمة والإسلام . تقدم الغرب في جميع شؤون الحياة المادية ،  وتأخر في العلاقات الإنسانية ، والناحية الخلقية ، وتأخرنا نحن في شؤون الحياة المادية ،  وأضطربنا في العلاقات الإنسانية . وساد كثير منا رجالا ونساء خرافـات وبعدنا عن جوهر الدين وحقيقة الإسلام ، ولكن كان ذلك إلى حــين ، فها هو الإسلام يفرض نفسه من جديد في المجتمع ، وخصوصا هذه الآية تطرح سؤالا كبيرا يتداوله العلماء وبعض دعـاة الإسلام وهو أن الغرب قد سبقنا في كل شيء ،  فمــاذا نحن فاعلون أمــام جبروتــه وقوتـه ؟ .. فيطرح الله هذا السؤال في كلمة ( ولا يحسبن الذين كفروا سبقوا ) ويجيب الله عليه في كلمة (إنهم لا يعجزون) وهذا جواب مسكت للمتشككين في قدرة الله وجبروته ،  سبحانه وتعالى لا يعجزه أمر في الأرض ولا في السماء .  فكان سبب تأخر المسلمين الذين تعلموا في الحضارة الغربية فرأوها بأم أعينهم ،  فيعيش الإنسان فيها مع الطائرة والكمبيوتر والصواريخ والأدوات الكهربائية كلها ،  يعيش ممزق النفس تنهشه المخدرات ،  وتقتله المسكرات ،  فيلجأ إلى علب الليل يريد أن ينجوا بنفسه ،  فيكون كمن فر من النــار إلى الجحيم ،  فتصيبه هذه الحضارة بأمراض مختلفة النفسية منها والعضوية القاتلة كالأيدز .  عرف هؤلاء الشباب المتعلم في الغرب أن لا خلاص له ولأمتـه إلا بالإســلام ولا خلاص للإنسانية كلها إلا بالإســلام  . 

فـبدأوا يحملونه عقيدة ،  ويسيرون به رسالة ،  حتى إذا فاجأوا الدنيا بذلك اضطربت الدنيا ،  وأضطرب المخططون بمخابرات الكفار بذلك ، وصاح العمـلاء ، وصرخ المضبوعـون بالثقافة الغربية ، ما الذي حدث ؟. كيف حدث ؟ وكيف عاد الإسلام إلى الحياة ؟ وكيف أن رجالا من حملة أرقى الشهـادات العلميــة من الغرب عـادوا يحملــون الإسلام ؟.. فمنهم من يكابر الآن ، ومنهم من بدأ يستسلم . .  والنصر آت  .

 لكن هذا السبق الذي وصل إليه الغرب في الأسلحة وآلات التدمير ،  يقول الله فيه أنه لا يعني شيئا مقارنة مع قدرته وعظمته وجبروته ، فهو خالق الكون ، وخالق الإنسان وخالق الحياة ، وبالتالي هو يستدرج الكفار الذين لا يستجيبون لهدايته ، ولا يؤمنون بكتبه ولا برسله .  هم يستطيعون تدمير العالم ولكن الله لهم بالمرصاد .  والغيب يفاجأهم بما لا يستطيعون دفعه ،  حيث تتعطل التكنولوجيا أمام كثير من جند الله ،  فتتعطل في الزلازل ،  أو تتعطل في الأعاصير ،  أو تتعطل في العواصف الثلجية التي تـنزل فيها الحرارة إلى مستوى  (40 أو 50)  تحت الصفر ، فتتجمد الحياة ، وتتجمد الزروع والثمار ،  ويتجمد الغاز والبترول ويقف الإنسان عاجزا أمامها  .

 فإذا أراد الله أن ينفذ مشيئته فيما رسم من خطط لسير الحياة ومنها عودة الإسلام إلى الحكم ،  وعودة الإسلام إلى تنظيم الحياة ،  وإنقاذ البشر من عبادة غير الله ،  وإنقاذهم من حياة الرذيلة وحياة المحرمـات التي تهلكهم ،  وهيأ لذلك الأسباب ،  وأمر جنده من الملائكة وما وضعه في الكون من أسلحة لا يعرفها البشر إلا حين تفاجئهم فتدمر مدنهم ،  وتقتل إنسانهم ،  وتهلك حضارتهم بريح صرصر عاتية تقتلع كل شيء ( وأما عاد فأهلكوا بريح صرصر عاتية * سخرها عليهم سبع ليال وثمانية أيام حسوما فترى القوم فيها صرعى كأنهم أعجاز نخل خاوية ) [ الحاقة :  6-7 ] ..  فما يمنع الله أن يسلط على أمريكا وأوروبا ريحه الصرصر التي لا تبقي ولا تذر ،  أو أن يخسف بهم الأرض بزلزال فتصبح عماراتهم الشاهقة ومصانعهم الجبارة بمستوى التراب .  فيلحقون بالشعوب التي بغت فضلت وهلكت ،  وتصـبح حضــارة الغرب أثرا بعد عين ،  ورواية تاريخ ، ومحاضرات في جامعات ،  وتحليلات في كتب . إن المبهورين بحضارة الغرب والمأخوذين بجـبروت المـادة ،  لا يتصورون عظمـة الله ،  ولا جـبروت الخالـق (فلا أقسم بمواقـع النجـوم *  وإنه لقسم لو تعلمون عظيم) [الواقعة :  75-76]  .. ولـقد توصل علمــاء الفلك ، فأكتشفوا جزءا  يسـيرا من هذا الكـون ،  فوقفوا أمامه مشدوهين ،  وكثير منهم عاد مؤمنا . وخالق هذه قوته ، ورب هذه عظمته ، كرسيه لا يحيط به عقل ، وعرشه لا يتصوره خيال ،  ماذا عليه لو خسف الكرة الأرضية كلها ، ماذا عليه لو خسف أمريكا ، ماذا عليه لو خسف أوروبا ( أو ليس الذي خلـق السمـاوات والأرض بقادر على أن يخلق مثلهم بلى وهو الخلاق العليم * إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقـول له كن فيكـون * فسبحـان الذي بيـده ملكوت كل شيء وإليه ترجعون ) [ يس : 81-83 ]  . 

فإلى هؤلاء الخائفين من عصا أمريكا ،  وقنابلها الذرية ،  نقول لهم ،  لا تخافوا فمهما بلغت قوة أمريكا فالله أقوى ، ومهما بغلت عظمت أمريكا فالله أعظم ،  وستلحق أمريكا بمن سبقها من إمبراطوريات الكفر والظلم والجبروت في التاريخ ،  ستلحق بالاتحاد السوفياتي ،  الذي أصبح أثرا بعد عين وهو قرينها فيما تملك من وسائل الدمار والطغيان والجبروت ،  ففككه الله دولة إتحادية ،  وفككه حزبا شيوعيا ودولة الحادية ، وأنهى فكره الذي كان يقوم عليه ، ونظريته المادية التي كانت دينه الذي يعتقد ( نظرية التطور الحتمي للمادة والمجتمعات وتفسيره للتاريخ تفسيرا ماديا لا أثر لله ولا للنبوة فيه ) ، فأصبح الآن في حاجة إلى من يلطم عليه ويرثيه ، وها هم الكتاب في الأرض والصحفيون يتبارون في بيان الأسباب التي أنهت الاتحاد السوفياتي السابق  ..  وكل يغني على ليلاه  .

 لكنهم يغفلون الحقيقة ،  وهي أن فكرة الالحاد تناقض الفطرة الإنسانية ،  فلا يمكن أن تستمر ،  وبالرغم من ذلك فإن الملاحدة العرب من بقايا الفكر الشيوعي والأحزاب الشيوعية على مختلف مسمياتها لا يزال كثير منهم لا يريد أن يعترف بالحقيقة بإنتهاء الفكر الالحادي الذي تربى على أساسه ،  وهم يقولون إن ما حدث للإتحاد السوفياتي السابق ما كان يجب أن يحدث ،  ولو كانوا نزيهين لرجعوا إلى الله تائبين مستغفرين ،  وإلى الإسلام دعاة مهديين ،  فعجلوا بنصر الله القـادم بإذن الله ولكن كما قال الله فيهم (أم تحسب أن أكثرهم يسمعــون أو يعقلــون إن هم إلا كالأنعام بل هم أضـل سبيلا) [ الفرقان :  44 ] ..  وأيضا (إن شر الدواب عند الله الصم البكم الذين لا يعقلون * ولو علم الله فيهم خيرا لأسمعهم ولو أسمعهم لتولوا وهم معرضون) [ الأنفال : 23-24 ] .

 ما زال في بلاد المسلمين بقايا أحزاب شيوعية ، صدأت نفوسهم وأغلقــت قلوبهم وعميت أبصارهم ،  فهم لا يرون ولا يعقلون ولا يسمعون ،  كبر عليهم أن يظهر الحق ، وأن يتضح الأمر ، وأن يصدق القرآن ،  وأن يصدق حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ،  فهم تعلموا في مدارس الكفر الفكرية ، التي ترفض الطهر والإيمان ، وتتغنى بالكفر والإلحاد ، ولكن نحن نشفــق عليهم أن يموتــوا على غير هدى ،  وأن يكونوا في جهنم التي وقودهــا الناس والحجارة ( يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون ) [ التحريم :  6 ] ..  فإلى هؤلاء وغيرهم ندعوهم خوفا عليهم أن تعالوا إلى كلمة سواء ،  تعالوا إلى الطهر ،  تعالوا إلى النور ،  أخرجوا من الظلام ،  تعالوا إلى ذكر الله ،  تعالوا إلى الشهادة في سبيل الله لتدخلوا جنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين تعالوا إلى النصر ،  نحن لا نحقد عليكم ،  ولكن نحن مشفقون عليكم بعد أن إتضح الأمر ،  وبآن الغي من الضلال ،  والظلمات من النور ،  ودولة يهود أو ما يسمى بدولة إسرائيل قامت ودولة الإسلام غائبة عن الأرض . وكان لا بد لدولة يهود أن تقوم في العصر الرديء ،  فدولة يهود نجسة ولا تقوم إلا في وضع نجس سبخ ، وضع القوميات الملحدة ،  والإشتراكية المجرمة ،  والشيوعية الكافرة ،  والرأسمالية العلمانية الظالمة ،  ووطن المسلمين ممزق إلى حارات وإلى دول ودويلات ،  وحكامها إما جهلة أو عملاء أو ماسونيين يهود  . 

ولكـن دولة يهـود قامت لتزول ،  فقيامهــا جزء من عـذاب الله على يهـود المفروض عليهـم إلى يـوم القيامة (وإذ تأذن ربـك لـيبعثن عليهم إلى يوم القيامة من يسومهم سوء العذاب) [ الأعراف :  167 ] .. فالكفر والإيمان لا يجتمعان ، والطهر والنجاسة لا يلتقيان ، أقامتها النجاسة وعاون في إقامتها الكفر كله ، وكل ملحد وخائن من حكام المسلمين ومنافق عتل بعد ذلك زنيم . ولقد انبثق النور وسيطرد الظلام كله من أرض المسلمين ، ولن يبقى في فلسطين أثر لدولة يهود ، وستعود كلها وستطهر أرضها ، وتصفو سماؤها ويطهر كل شبر فيها  .

 لأن الإســلام قد بـدأ ،  وبدأ جنـد الله على الطريق ،  ولقد قلـت في خطــاب لي في الجزائر فيما قلـت : "يا أمي في فلسطين ، يا أختي في فلسطين ،  يا إبنتي في فلسطين ، لا تخافي بعد اليوم ، ولا تحزني ، إن جند الإسلام آتون من الجزائر بعد أن يعيدوا الإسلام إلى حكمهـا .. ومن غــير الجزائر قادمون " ،  وهـا هـو الحكم اليوم في الجزائر يترنح ، ينتظر الضربة القاضية ، وسيتحقق هذا بـإذن الله  .

 إن أكثر الحكام اليوم في المنطقة يضعون رؤوسهم في الرمال ، فيتعامون عن الحقيقة ، ويستنجدون بأمريكا وهي تخطط لهم كيف يعملون ، محاولين ضرب الصحوة الإسلامية ، ولكن هيهات .. هيهات .. فالصحوة الإسلامية قدر، ودولة الإسلام قدر ، وذهاب دولة يهود (إسرائيل) قـدر ، وتوحيد المسلمين قدر .. وما كان من القدر لا يبطله البشر  ، ولو كانت أمريكا وأوروبا ، ولو كانت معهما اليابان وروسيا ( والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون ) [ يوسف : 21 ]  .

  

تدمــير الحضـارة الغربيــة
)فلسفتهم ووجهة نظرهم في الحياة )
والآيات القرآنية في ذلك

 -   الآية الأولى في تدمير الحضارة المادية  :

 ) فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون * فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين ) [ الأنعام :  44 - 45 ] .

 انطلـق العقــل البشري يعمـل وينقـب ويكتشـف من سـنن الله فـي الكون كل يوم جديد ،  لكنه مهما وصل لا يصل إلا إلى حد محـدود ،  فهو لا يمكن أن يعــرف سر الحيــاة ،  ولقد حاول كثير من الملاحدة وعلماؤهم أن يعطوا الحياة للخلية الأولى ففشلوا وسيفشلون ( ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أتيتم من العلم إلا قليلا ) [ الإسراء :  85 ]  . 

ولو اجتمع علماء الأرض ، ومختبرات الأرض ، وجامعات الأرض ، أن يعطوا حياة لذبابة ، فلن يستطيعوا . ولما أراد الله أن يتحدى العلماء والبشرية كلها ليثبت عجزهم ،  لم يتحداهم بالعلوم والمعارف ،  فهذه الله دعا إلى بحثها ،  ودعا إلى التفكر في خلق السماوات والأرض ،  وإنما تحداهم بسر الحياة  .

 ) يا أيها الناس ضرب مثل فاستمعوا له إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذبابا ولو إجتمعوا له وإن يسلبهم الذباب شيئا لا يستنقذوه منه ضعف الطالب والمطلوب * ما قدروا الله حق قدره إن الله لقوي عزيز ) [ الحج : 73-74 ] ..  ولاحظ هنا في الآية أن التحدي كان عاما شاملا للعقل البشري ،  وللألهة من البشر ،  وللمختبرات وللجامعات في أن يعطوا حياة لذبابة وهي من أصغر وأحقر مخلوقات الله  .

 ولم يكتف بذلك ،  بل تحداهم أن يستخلصوا الغذاء التي تأكله الذبابة من جسمها ،  فلن يستطيعوا ،  لأنه تبين أن الذبابة مع حشرات قليلة من خلق الله ليس لها معدة ،  وإنما يذوب الطعام حينما يلامس فمها ،  فيدخل إلى جسمها وخلايا جسدها  .

 فلم يكن ضرب الله لذبابة مثلا عشوائيا ،  بل هو تقدير الخبير العليم الذي أحسن كل شيء خلقه ، خالق السماوات والأرض ومن فيهن ومن عليهن ، ولو كان للذبابة معدة ، لاستطاعت المختبرات الحديثة المتطورة جدا أن تخرج من معدتها الطعام مهما دقت معدتها ، لكنه تحد من الله الخالق القدير الخبير  .

 فالكـون يسير في نظـام دقيق عجيب ،  فصول أربعـة لا تتخلف ،  وأشهر معلومة ،  وأيام معدودة مدتها الزمنية كل يوم في هذا الشهر من هذه السنة يقابله في السنة القادمة في نفس الشهر يوم يتطابـق معه في عدد ساعـات الليـل والنهـار منـذ بـدء الخليقـة وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها ( يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل ) [ فاطر :  13 ]  .. ولذلك حينما ناقش النمرود إبراهيم الخليل عليه السلام في أنه يحيي ويميت كما أن الله يحيي ويميت ، فأجابه إبراهيم بالتحدي المسكت المعجز فقال له : (فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب فبهت الذي كـفر) [ البقرة :  258 ]  .

 ولقد أصاب الغرور كثـيرا من العلماء والمفكرين نتيجة للاكتشافات الهائلة التي توصل إليها العقل البشري ، فأتخذوا من العقل إلاها ، ومن العلم إلاها ، وفاتهم أن هذا العقل وهذا العلم وما اكتشفه الإنسان ويكتشف يوميا ، هي سنن كونية خلقها الله في الكون تنتظر الاكتشاف . لأن الله قد سخر هذا الكون للإنسان ليستفيد منه ولقد ذلله له (ألم تروا أن الله سخر لكم ما في السماوات وما في الأرض وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير) [ لقمان :  20 ]  .

 ولقد رسم الله الكون بحكمة ومشيئة منه ، ودعا الإنسان لتدبر هذه الحكمة ، قال تعالى (إن في خلق السماوات والأرض وإختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب * الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السماوات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك فقنا عذاب النار) [آل عمران :190-191]  .

 ولو كان العقل البشري إلاها لما مات صاحبه ، ولقد (أله) ستالين نفسه في روسيا ، وكان (إلاها) يعبد بالفعل . ولو كنت تقرأ منشورات الحزب الشيوعي في أي بقعة من العالم في عهد ستالين والصفـات التي تطلق على ستالين والتي لا يوصف بها إلا الله جل جلاله . ولقد كان الإتحاد السوفياتي السابق يجري تجارب علمية لإطالــة الأعمار ، حتى إذا ما نجح في ذلك ( وهو لم ولن ينجح ) أعطى هذا الدواء لستالين حتى لا يموت ، فلما جاء أجل ستالين ،  فجر الله شريانا له في دماغه فقضى نحبه ، وذهب إلى حيث ينتظره مصيره الأسود ، مع آلهة البشر الذين سبقوه والذين جاءوا من خلفه .. وسيلحقون به  . 

ولو كان الأمر أمر مادة فقط لعالجوا هذا الشريان بمادة لاصقة (مثلا ) حتى يعود كما كان .  وهذا الذي كان يعمله الإتحاد السوفياتي السابق من محاولة لإطالة عمر ستالين ،  يدل على التناقض في النفس البشرية ،  إذ لو كان ستالين إلاها لما إحتاج لأحد كي يطيل عمره !!!

 ومن سنن الله في الكون أنه سبحانه يعاقب الشعوب إذا انحرفت عن الجادة التي رسمها لها ،  فهو سبحانه وتعالى يمهل ولا يهمل .  وفي المدنية الغربية ،  فتح الله عليها أبواب كل شيء ،  وكل يوم في المخترعات جديد ( في المواصلات البرية والبحرية والجوية ،  وفي المواصلات السلكيــة واللاسلكيـة ،  وفي الكمبيوتر ،  وفي السيارات ،  وفي الطائرات ) حتى لا يكاد الإنسان أن يلاحق هذا التقدم الجديد المذهل ،  وبدلا من أن يكون ذلك التقدم حافزا للإيمان وداعيا إلى معرفة الله تجعل الإنسان يقر بقدرة الله ،  وأن هذه السنن أودعها الله في الكون ،  فالإنسان يكتشف الموجود ولا يوجد المعدوم !!

 فلو لم يكن التركيب الكوني قابلا لنقل الأصوات والصور لما استطاع الإنسان أن ينقلها عبر الأقمار الصناعية ،  ولو لم يكن التركيب الكوني قابلا لسير السيارات ،  ولطيران الطائرات ،  وإنطلاق الصاروخ لعجز الإنسان على أن يفعل ذلك  .

 ونلاحظ هنا أن الله لم يهد الإنسان لإكتشاف الطاقة بأنواعها البترول ومشتقاته ،  والطاقة المستمدة من الشمس الرياح ومساقط المياه . . . الخ ،  إلا حينما إكتشف العقل الطائرات والسيارات والصواريخ والقاذفات ،  هداه الله إلى إكتشافها فأكتشف ( ذلك عالم الغيب والشهادة العزيز الرحيم * الذي أحسن كل شيء خلقه وبدأ خلق الإنسان من طين ) [ السجدة :  6-7 ]  .

 وفي نواحي الحياة الأخرى من طعام وشراب ولباس ، تفنن الإنسان في تحضيرها وتصنيعها حتى إن الإنسان ليحتار ما يأكل وما يترك ، وما يلبس وما يترك ، وما يشرب وما لا يشرب ، حتى إذا ما دخلت المحلات الكبيرة في عواصم العالم ذهلت مما ترى  .

 وتفنن الإنسـان في البناء ، فالمفروض في الإنسان أن يبني ما يقيه الحر والبرد وما يأوي إليه عند النوم ، لا إسراف ولا تبذير ، لكن الإنسان يبني (للخلود) ( وتتخذون مصانع لعلكم تخلدون ) [ الشعراء :  129 ]  .

 بل من سخف العقل البشري عبر التاريخ أن يبني الفراعنة لأنفسهم أهرامات ،  ظنا وجهلا منهم وتحديا لله أنهم باقون ( ألم تر كيف فعل ربك بعاد * إرم ذات العماد * التي لم يخلق مثلها في البـلاد * وثمود الذين جابوا - أي قطعوا - الصخر بالواد * وفرعون ذي الأوتـاد - أي الأهرامات - * الذين طغــوا في البلاد * فأكثروا فيها الفســاد * فصـب عليهم ربك سوط عـذاب * إن ربك لبالمرصـاد ) [ الفجر :  6 - 14 ]  .

 وفي هذا العصر ،  بنيت القصور ، وناطحات السحاب في أنحاء الدنيا .  وبعض القصور في الجزيرة العربية ، يكلف الواحد منها مليارات الريالات والدولارات ، فيها ما يذهل ، ويحضرني الآن صاحب القصر الذي بناه في الطائف ، وهو صاحب السلطان ، وقد ذهب ليتفرج عليه قبل أن يسكنه ، فلما اطمأن ورأى ما يذهله ويذهـل الناس ، كان ملك الموت على البـاب فقضى لساعته ،  وذهب إلى ربه ( كم تركوا من جنات وعيون * وزروع ومقام كريم * ونعمة كانوا فيها فاكهين * كذلك وأورثناها قوما آخرين * فما بكت عليهم السماء والأرض وما كانوا منظرين ) [ الدخان : 25-29 ]  .

 فهل يتعظ فراعنة قرن العشرين . . وما كان لهم أن يتعظوا ،  وهناك قصور في المغرب والمشرق ،  وأصحاب هذه القصور يظنون أنهم ينافسون بها قصور الجنة ،  لأن جلهم لا يؤمنون بالله ولا بالغيب ،  أو هم يستعجلون بنعيمهم في الحياة الدنيا ،  لأنهم والله أعلم سيكونون محرومين منها عند الله .  وهذه بنيت كلها في الغرب وفي الشرق لتذهب في الدنيا قبل الآخرة ،  وإن كانوا يتفاخرون بها في مجالسهم ، أرأيت القصر الفلاني ما به من عجائب ، أرأيت البيت الفـلاني (الفيلا) ما بها من غرائـب ،  أرأيت الزخـرف الذي يعجز الإنسان عن وصفه ،  أرأيت بركة السباحة ،  أرأيت الثريا والفن في الإضاءة ،  أرأيت آخر موديل السيارات وما بها من عجائب وتحف ، أرأيت الفن في الطائرات وما بها من وسائل الرفاهية ، والتي كانت مضرب المثل في ذلك طائرة شاه إيران في ذلك الزمان ، والتي جهزت وزخرفت من داخلها ب (45) مليون دولار ،  لقد رأيت بأم عيني من قصور الشاه ،  قصرا يسمى قصر (اللذة) ، حوائطه من البلور الكريستال المطعم بالفضة ، تكلفة المتر المربع الواحد من هذا البلور (11000) دولار بسعر الدولار في ذلك الحين كما أخبرنا الدليل ،  فماذا كانت النتيجة ؟..  خلف الشاه وراءه القصور كلها ، وأخذ يتنقل من بلد إلـى بلـد طريـدا شريـدا ، وأسـتـقر به المقـام في منتجـع سياحي في بنما سيء التأثيث ، سيء الخدمة ، وكانت (الإمبراطورة) تقوم بكي الملابس ، وتنظيف الغرف ،  فهل يتعظ فراعنة اليوم ؟؟!!

 استمع إلى قول الله تعالى ، وهو يخبر بأن هذه الأمور لم تغن شيئا وهي معرضة للزوال الحتمي ، فبدلا من أن يعاقب الله الناس الذين إنحرفوا بسرعة ،  يمهلهم لعلهم يعودون ، ولكن إذا استمر إعراضهم عن ذكر الله تكون النتيجة (فلما نسوا ما ذكروا به فتحنــا عليهم أبواب كل شيء حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون * فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين ) [ الأنعام :  44 - 45 ] ..

 أرأيت أخي القارىء الكريم كيف فتح الله أبواب كل شيء في هذا العصر ، والذي عددنا جزءا منه آنفا ؛ حيث لم يكن وقت نزول الآية شيء مفتوح ، إلا الشيء اليسير اليسير مما يحتاجه الإنسان من وسائل عيش بدائية ،  فهذه نزلت - والله أعلم - لنا نحن ،  أبناء القرن العشرين الميلادي ،  الرابع والخامس عشر الهجري ،  وإن الله يستدرجنا بذلك الفتح ليرى ماذا نفعل وهو الأعلم ،  فالإنسانية أعرضت عن ذكر الله ،  وعما جاءت به الأديان السابقة قبل أن تحرف ، وعما جاء به القرآن الكريم ، الذي هو رسالة الله الخاتمة إلى الناس أجمعين إلى يوم القيامة ، وواجبهم أن يحلوا ما أحل ، ويحرموا ما حرم ،  لكنهم لم يفعلوا ،  وبدأ الله يرسل الإنذارات لبني البشر من أمراض لا تشفى ، ومن مخدرات تشقي الإنسان ،  ومن زلازل تدمره ،  ومن فياضانات وأعاصير ومن صقيع ،  لعل الإنسان يرتدع . . وأنى للكفار والظالمين والمعرضين ذلك    .

وستتفاجأ الدنيا - بإذن الله - بأمر يذهلها ، ويجعلهـا في حالة يأس ( أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون - يائسون - فقطع دابر الذين ظلموا ) ممن ملأوا الدنيا إلحادا وفسادا وظلما وطغيانا وكفرا ونفاقا ، ( ويقولون متى هو قل عسى أن يكون قريبا ) [ الإسراء :  51 ]  . 

نحن على أبواب تغيير في مسار الحضارات ،  حيث الحضارة الغربية تحتضر ،  وهي في طريقها إلى الزوال والإنحلال ،  لأنها أشقت الإنسان ولم يعرف في ظلها إلا الشقاء والبلاء ،  نعم إنه يتمتع بألات حديثة ،  وسفر سريع ،  ولكنه شقي يحمل في جيوبه وفي حقائبه أدوية مختلفة ،  وعقاقير متضادة ،  هذا الدواء لينام ،  وآخر ليستيقظ ،  وثالث لضغط الدم ،  ورابع للسكري وخامس وسادس وهكذا ،  حتى إذا جاء أجله قالوا مات بسكتة قلبية ،  لم تنفعه ولم تسعفه السيـارة ولا الطيـارة ،  ولا كل ما توصلت إليه المدنيـة الحديثة ،  إنه يموت ببطىء ويعيش في شقاء   .

 والحضارة الإسلامية بدأت تتململ لتعود بطهارتها لتطهير الإنسان ،  وإرجاع الطمأنينة إلى قلبه بالذكر والعبادة وقيام الليل وتلاوة القرآن ( ألا بذكر الله تطمئن القلوب ) [ الرعد :  28 ] .. والشيطان يحرض أتباعه على مقاومة كل ما يـؤدي بالإنسان إلى الخير وكل ما يعطيه السعادة ،  فيغريه بأن يلجأ إلى المخدرات لعلها تغنيه عن ذكر الله ،  وإلى المسكرات لعله يهرب بها من نفسه ، لكنها لا تغنيـه شـيئـا ويـزداد شـقـاء وتشقى أسرته معه ويشقى مجتمعه به  .

 وعودة الإسلام لتنظيم الحياة قدر (ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون) [ التوبة :  33 ] ..  فالإسلام قادم ، وذهاب دولة يهود قادم ، وحينما ينزل عيسى عليه السلام إلى الأرض ،  يكون الناس على إمام ، ويكون الإمام مركــزه القدس ، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول :" كيف أنتم إذا نزل فيكم إبن مريم وإمامكم منكم "  .

 والإمام حين يطلق - يراد به الإمامة الكبرى " الخلافة " وليست إمامة الصلاة فقط  - لذلك أسرع الكفر يريد تثبيت إسرائيل دولة ،  وأجرى المفاوضات بين الأقوياء والأذلاء ،  بين السادة والعبيد ، وبين الأتباع والمتبوعين ، وبين من لا يؤمنون بهذا الدين من أطراف المتفاوضين ، من يتكلم باسم الفلسطينيين (زورا وبهتانا) ،  حيث اختارهم يهود والأمريكان ليتكلمـوا بإسمنا ، وليضيعوا أرضنا وعقيدتنا وكل فلسطين - وهذا إن استطاعوا - لكن الله لهم بالمرصاد ،  فكل من تآمر على هذه القضية من أول القرن ذاق وبال أمره ولحقه الخزي في الدنيا قبل الآخرة ولهم عذاب عظيم ،  وصدق الله عن هؤلاء الذين يبيعون دينهم بدنياهم ،  وهم كأحبار بني إسرائيل الذين حرفوا وغيروا وبدلوا ( فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلا فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون ) [ البقرة :  79 ] ..

والذين يفاوضون يهود الآن تتشوق نفوسهم وقلوبهم إلى مراكز الحكم الذاتي المحدود ،  والحقيقة أنهم سيكونون نواطير يحمون دولة يهود من غضب شعبهم ومن المجاهدين ،  ما أحقر مناصبهم وما أحقر ما ينتظرون ،  فهم يريدون منا أن نكون عقلانيين واقعيين ( حضاريين ) ،  نعرف كيف نتعامل مع الأكل والشرب الحرام والجنس الحرام ،  وكيف نفرط في عرضنا ،  كيف نبيع أرضنا ،  كيف نستجدي الإبتسامة من يهود ،  وكيف نستجدي لقاء مع مسؤول أمريكي ولو كان سكرتيرا في سفارة أو بوابا في تلك السفارة ،  فمن باع أرضه للكفار ليس مسلما ،  ومن يتآمر على دينه وأهل بلده ليس مسلما ولا مؤمنا ،  لأن أعظم الموالاة للكفار أن تسلمهم ديار الإسلام ،  وأن تتنازل لهم عن القبلة الأولى ،  والأرض المباركة ( ومن يتولهم منكم فإنه منهم ) [ المائدة :  51 ]  .

 ولذلك فإن قدر الله آت بتحطيم قــوة الغرب وعلى رأسها أمريكا ،  وعندها ستذوب دولة يهود من الوجود ( كما بدأنا أول خلق نعيده ) [ الأنبياء :  104 ]  فيعود يهود في الأرض مشردين لصوصا متآمرين ،  تضربهم الشعوب ،  ويحتقرهم الناس ،  لأن شقاء الإنسانية سببه يهود ،  ولأمر ما كان ثلث القرآن عن بني إسرائيل ،  فالذي لا يقرأ القرآن لا يعرف من هم بنو إسرائيل قتلة الأنبياء ،  أصحاب الغدر والخيانة ،  والذين يعتبرون الناس كل الناس حلالا دمهم ،  حلالا أموالهم ،  حلالا عرضهم .  وبعد وصف القرآن لهم وبيان تمردهم وتآمرهم وكذبهم وخداعهم يقوم واحد من عملائهم كأنور السادات (الذي والاهم فأصبح منهم وهو المعذب في قبره بإذن الله) ،  فيكذب القرآن ويقول إن يهود أهل عهد ووفاء - لكن الله كان له بالمرصاد - فقتل يوم زينته والله يقول ( ومن يتولهم منكم فإنه منهم ) ، والقرآن قد قرر أن يهود لا يوفون بعهد ( أو كلما عاهدوا عهدا نبذه فريق منهم بل أكثرهم لا يؤمنون ) [ البقرة :  100 ]  .

وكان السادات قبل أن يرحل إلى حيث أراد الله (بجانب فرعون وهامان وأبي جهل وكل من خان هذه الأمة بإذن الله) ،إنه بإتفاقه مع يهود "كامب ديفيد" قد أزال الحاجز النفسي بيننا وبين يهود ، الذي لـه ثلاثـون سنـة في زعمه فدلل بذلك على جهله بالتاريخ ، بالإضافة إلى جهله في الدين ، بالإضافة إلى جهله بالقرآن لأن الحاجز النفسي بيننا وبين يهود أقامه الإسلام منذ أن وصل الرسول صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ، ونقض يهود العهد الذي عاهدهم به رسول الله عليه الصلاة والسلام ، وقد حاولوا قتل الرسول عدة مرات ، فلعنهم الله في قرآنه ( لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون * كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون ) [ المائدة :  78-79 ]  .

 وثبت الله عدواة يهود للمسلمين في القرآن إلى يوم الدين لا يزيحها مفاوض خسيس ،  ولا مسؤول بئيس ،  ولا حاكم دسيس ، فالله يقول ( لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا ) [ المائدة :  82 ] ،  فإلى هؤلاء الحالمين بتثبيت إسرائيل دولة سواء كانوا من أصل يهودي كما يقال في كثير منهم ،  أو لم يكونوا ،  فالعبرة في العقيدة وليس بالنسب ،  النسب الشريف يزيد صاحبه شرفا إن كان على الطريق القويم والصراط المستقيم ،  وإلا فلا ينفعه نسبـه في شيء ( ونادى نــوح ربه فقــال رب إن ابني من أهلي وإن وعدك الحق وأنت أحكم الحاكمين * قال يا نوح إنه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح فلا تسألني ما ليس لك به علم إني أعظك أن تكون من الجاهلين  ) [ هود :  45-46 ] .  ولأمر ما أنزل الله سورة في القرآن يلعن بها عم الرسول أبا لهب إلى يوم الدين : بسم الله الرحمن الرحيم  ( تبت يدا أبا لهب وتب * ما أغنى عنه ماله وما كسب *  سيصلى نارا ذات لهب * وأمرأته حمالة الحطب * في جيدها حبل من مسد ) [ سورة المسد ]  .

 ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم :"يا فاطمة بنت محمد ، اعملي فإني لا أغن عنك من الله شيئا ، يا عباس ، يا عم النبي ، اعمــل فإني لا أغن عنك من الله شيئا" ويقول صلى الله عليه وسلم :"لا يأتيني الناس بأعمالهم ، وتأتوني بأنسابكم"  .

-   الآية الثانية في تدمير الحضارة المادية  :

 وتمضي الآيات التي تشير إلى التغيير الكوني أو إلى تدمير الحضارة المادية ، والتي نحن على أبوابها الآن ، وبدأت الإرهاصات فيه ، فيقول سبحانه وتعالى ( إنما مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فأختلط به نبات الأرض مما يأكل الناس والأنعام حتى إذا أخذت الأرض زخرفها وازينت وظن أهلها أنهم قادرون عليها أتاها أمرنا ليلا أو نهارا فجعلناها حصيدا كأن لم تغن بالأمس كذلك نفصل الآيات لقوم يتفكرون ) [ يونس :  24 ] ،  والإنسان الآن بما فتح الله عليه من أبواب العلم ومن إكتشاف السنن الكونية التي أدخلت الغرور إلى قلوب كثير من العلماء ،  وأضلت كثـيرا من عامـة الناس ، فنسبـوا قــدرة الله إلى الطبيعــة ،  وهـا هم ( العلماء ) يريدون أن يتحكموا في الرياح وفي مساراتها ،  وفي الأوزون ،  فيريدون أن يغيروا من خلق الله ،  ويولولون أنما في الكرة الأرضية من غذاء لم يعد يكفي للبشرية ،  وإن البشرية على أبواب المجاعة ،  وبدأوا يستعملون السموم لإنبات الزرع وتكثير الفاكهة ،  ولتسمين الحيوانات والطيور ،  فوقعت الإنسانية في المحظور ،  فصارت السموم بعض طعامها اليومي ،  فكثرت الأمراض وعلى رأسها السرطان  .

 وأزينت الكرة  الأرضية بزينة لم يعرفها التاريخ ،  ففي العواصم والمدن الكبرى زينة وزخرف ، وترف ونعيم ، إنك تمشي في بعض شوارع العواصم ،  فترى العجب العجاب من ذلك ، أنوار خافتة ، وأخرى ساطعة ، وأخرى تلمع ،  وثالثة تضيء لتنطفىء ، وتنطفىء لتضيء ، كل ذلك في زخرف عجيب ،  وحدائق ذات بهجة ،  ومياه ونوافير ،  وقصور وقلاع وفلل وناطحات سحاب ، وجسور وأبراج كل هذا مع إعراض عن ذكر الله ،  وعدم التفكر في الموت ،  وكأنما أمر الإنسان في الدنيا إلى خلود ، ويلهث الإنسان وراء الزينة حتى إذا أعياه الجري ،  سقط صريع حبه للدنيا ،  فيخسر الدنيا والآخرة ( ذلك هو الخسران المبين ) [ الحج :  11 ] ،  كل هذا الزخرف سينتهي إلى زوال ،  حتى إذا إستيقظ الإنسان ذات يوم ،  ورأى الأرض قد دمرت ،  والبنيان قد إنهار ،  وأن الزخرف أصبح أثرا بعد عين ،  فجاء الأمر لهذه الأرض (أمر التدمير) هدم البنيان ليلا أو نهارا بذرة تدمرها ، أو إنفجار يمزقها ،  أو ضربة بطرف مذنب يحملها على طرف ذنبه - وأغلب الظن أنه لا يشعر بها لحقارتها وصغر حجمها بالنسبة لأفلاك السماوات - إن عطاء الله الدنيا للكفار يتمتعون بها وللمترفين ليتمتعـوا بترفهم ، ليس ذلك دليــلا على حـب أو رضـاء الله عنهم .. والله يقول ( لـولا أن يكون الناس أمة واحدة لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفا من فضة ومعارج عليها يظهرون  -مصاعد كهربائية وسلالم إلكترونية .. الخ - * ولبيوتهم أبوابا وسررا عليها يتكئون * وزخرفا إن كل ذلك لما متاع الحياة الدنيا والأخرة عند ربك للمتقين ) [ الزخرف :  33 - 35 ] ..  ( كلا نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك وما كان عطاء ربك محظورا ) [ الإسراء :  20 ] ..  وجاء في الحديث : " إن الله يعطي الدنيا لمن يحب ومن لا يحب ، ولا يعطي الآخرة إلا لمن يحب " ، وحينما دخلت قافلة تحمل التجارة من الشام إلى المدينة ، وكان صاحبها عبد الرحمن بن عوف - رضي الله عنه - وكانت القافلة من خمسمائة جمل ، سمعت عائشة -رضي الله عنها- صوت القافلة فسألت عن ذلك ، فأخبروها أنها قافلة لعبد الرحمن بن عوف ،  قالت :  سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :" كل أصحابي يدخلون الجنة مسرعين إلا عبد الرحمن بن عوف يدخل الجنة حبوا ولما يكد  " فقال عبد الرحمن بن عوف : الجمال وما عليها في سبيل الله ..

 الآيات التي شرحناها آنفا هي في أمر الدنيا ،  لأن يوم القيامة يتغير التكوين الكوني كله ( يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات وبرزوا لله الواحد القهار ) [ إبراهيم :  48 ]  . ولذلك فإن الصحوة الإسلامية التي تحدثنا عنها هي قدر الله في خلقــه ،  ومن سننـه في كونه ،  فالمسلمـون بدأوا يعودون إلى ربهم ( أو كثير منهم ) ،  فبدأ الله يستجيب لهم ليكون على أيديهم إنقاذ البشرية ،  وقصة يهود مرسومة في الغيب كما بيناها ،  وإنا نوجزها اليوم بعد أن فصلناهـا في كتابي السابق " زوال إسرائيل حتمية قرآنية " - وقد طبع طبعات كثيرة ،  في بيروت ،  ومصر ،  والجزائر ،  ولندن ،  والأردن وتركيا بعد أن ترجم إلى اللغة التركية -  .

 فإسرائيل جاءت لتزول ،  عذابا من الله ليهود ،  وربنا يقول في سورة الإسراء ( وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب لتفسدن في الأرض مرتين ولتعلن علوا كبيرا * فإذا جاء وعد أولاهما بعثنا عليكم عبادا لنا أولي بأس شديد فجاسوا خلال الديار وكان وعدا مفعولا * ثم رددنا لكم الكرة عليهم وأمددناكم بأموال وبنين وجعلناكم أكثر نفيرا * إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم وإن أسأتم فلها فإذا جاء وعد الآخرة ليسوءوا وجوهكم وليدخلوا المسجد كما دخلـوه أول مـرة وليتبروا ما علوا تتبيرا ) [الإســراء : 4-7] .. "وقضينا" أي حكمنا ، "الكتاب" أي القرآن أو اللوح المحفوظ -سمه ما شئت فهو كلام الله- ، "لتفسدن" اللام : لام الإستقبال ،  " ولتعلن " اللام : لام الإستقبال ،  ( فإذا جاء وعد أولاهما بعثنا ) " فإذا جاء " :  إذا شرطية لما يستقبل من الزمان ،  لا علاقة لما بعدها بما قبلها ،  وعلى هذا فلا يمكن أن يكون الفسادان اللذان جاءت بهما الآية قبل نزول القرآن . 

فالفساد الأول كان في المدينة ،  فسلط الله عليهم أصحاب رسول الله ،  تحركوا خلال ديار يهود ،  وقضوا على فسادهم في المدينة وخيبر والحجاز كله ( وكان وعدا مفعولا ) تم والقرآن ينزل ،  والله قد أعلن في الآية بأنهم سيفسدون مرتين بعد نزول القرآن ،  لكنه وصف الفساد الثاني بالعلو الكبير الذي هو الآن في القرن العشرين - والله أعلم - .  ويهود الآن أصحاب نفوذ كبير في أكثر دول العالم ، وقد دعمها الكفر الصليبي فجعلها في مصاف الدول العظمى لأنه ملكها الذرة ، ثم يقول الله مخاطبا يهود ( ثم رددنا لكم الكرة عليهم ) على من ؟ ، على أبناء من ( جاسوا خلال الديار ) ، نحن العرب المسلمـين ، أحفاد الصحابة رضــوان الله عليهم ، وقد أخطأ خطأ كبيرا الذي قال : إن الذين جاسوا خلال الديار ، هم المقصود بهم الآشوريون أو الكلدانيون أو الرومان ،  لأننا لم نقرأ في التاريخ ولم يحدث أن جعل الله سلطة ليهود على هؤلاء الأقوام وهو مستحيل الآن ،  فهذه الشعوب والحضارات قد إنقرضت ولم يبق منها إلا شرذمة هنا وهناك لا يصلحون لتكوين أمة ،  إذن تعين بجعل الكرة ليهود علينا نحن العرب المسلمين  .

 وتمضي الآيات فتصف دولة يهود كما هي الآن ( وأمددناكم بأموال وبنين وجعلناكم أكثر نفيرا ) وهذه دولة يهود قائمة على التبرعات من أنحاء الدنيا ،  وأوروبا وأمريكا بالخصوص ،  وعلى المهاجرين الذين يأتون من أول القرن العشرين ،  ويهود اليوم أقوى عسكريا إذ ملكهم الصليبيون الذرة ،  وتحميهم أساطيل أمريكا والغرب . . لكن إلى حين  .

 ثم تمضي الآيات (إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم) يخاطب الله يهود (بني إسرائيل) وهم لا يحسنون ،  ويستحيل أن يحسنوا ،  ولكن هذا من قبيل إقامة الحجة عليهم ،  كما يقول المعلم في صفه للتلميذ الفاشل ،  إني إعطيك أخر فرصة لتقرأ وتنجح ،  وهو يعلم أن التلميذ لا يسمع له . . وتعالى الله عن التشبيه  .

 وتمضي الآيات ( وإن أسأتم فلها ) وقد أساء يهود بعد أن أعطاهم الله السلطة ، فقتلوا الرجال والأطفال والنساء ، وبقروا بطون الحبالى ، وعذبوا وشوهوا ، ونشروا الفساد بأنواعه ، وحرقوا المسجد الأقصى ، والمسجد الأقصى عند الله عظيم مبارك ،  ودنسوا مسجد الخليل عليه السلام ، والخليل عند الله هو الخليل . وهاهم اليوم الجمعة  (15/رمضان/1414هـ)  يقدمون على جريمة التاريخ في الخليل فيقتلون المصلين بين يدي الله وهم سجود ،  لا يرقبون في مؤمن إلا ولا ذمة .  وتخطط ما يسمى بدولة يهود لهذه الجريمة كل دوائر الأمن بما فيها رئيس الوزراء والمستوطنون ،  وقد منعوا أن يسعف الجرحى وقتلوا الشباب والرجال والنساء الذين ذهبوا للمستشفى الأهلي في الخليل ليتبرعوا بدمائهم لإنقاذ الجرحى فقتلهم أحفاد القردة والخنازير على درج المستشفى ،  مما ألهب المشاعر في كل فلسطين ، ولولا أن الحكام العرب تكبت شعور شعوبها وتمنعهم من التعبير عن غضبهم لثارت الدنيا ولكن كل ذلك إلى حين  .

مراحل تدمير دولة يهود

 وتمضي الآيات لتبين حكم الله في يهود بعد هذا كله ( فإذا جاء وعد الآخرة ) المرة الثانية لذهاب دولتكم بعد فسادكم وعلوكم ،  فتسير دولة يهود في ثلاث مراحل حتى تنتهي  : -   المرحلة الأولى  : 

إساءة الوجه ، وهذه تكفلت بها الإنتفاضة ، فظهر يهود على حقيقتهم ،  قتلة مجرمون ، فاسدون مفسدون ، ( لا يرقبون في مؤمن إلا ولا ذمة وأولئك هم المعتدون ) [ التوبة :  10 ]  .

 -   المرحلة الثانية  :

 دخول المسجد الأقصى ،  كأول مرة في دخوله ،  وربما أرغم العالم يهود على ترك المسجد الأقصى ليدخله المسلمون ،  لأن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - لما دخل المسجد أول مرة دخله بمفاوضات وليس بحرب  .

 -   المرحلة الثالثة  :

 تدمـير يهود ( إسرائيـل ) ( وليتبروا ما علوا تتبيرا ) " والتتبير " : جعل الشيء على مستوى التراب ،  وفي هذا إشارة إلى الأسلحة المتطورة ،  إذ هي فقط قادرة على جعل ما بناه يهود على مستوى التراب  . 

وفي آخر سورة الإسراء ،  آية تتعلق بالموضوع ( وقلنا من بعده لبني إسرائيل أسكنوا الأرض - أي تفرقوا أشتاتا في الكرة الأرضية كما هم الآن - فإذا جاء وعد الآخرة - أي المرة الثانية لعلوكم وفسادكم - جئنا بكم لفيفا - أي جماعات جماعات ،  وهذا ما يحدث ليهود ،  حيث أنهم يأتون جماعات جماعات - * وبالحق أنزلناه وبالحق نزل وما أرسلناك إلا مبشرا ونذيرا ) [ الإسراء :  104-105] .. فيه بشرى لنا ونذير لهم ، وهم من أول القرن يأتون جماعات جماعات ملتفين حول بعضهم البعض ،  فإذا قرنا هذه الآيات بحديث البخاري ومسلم " لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون يهود فيقتلهم المسلمون حتى يقول الحجر والشجر : يا مسلم ، يا عبد الله هذا يهودي ورائي تعال فاقتله إلا الغرقـد فانه من شجر يهـود " ..  وها هو الحجر والشجر يشتغل منذ ست سنوات ،  فهذا شيء لم يحدث في التاريخ قط ،  إلا على أيدي هذا الشعب المبــارك ،  وكلما ظن يهود أن الأمر قد ضعف ،  إنتفض هذا الشعب الجبار .. فأشعلها نارا تلظى . ويهود لا يغمض لهم جفن ، ولا تهدأ لهم نفس ، ولا تسكن لهم أعصاب ، زادهم الله ذلا على الذل الذي كتب عليهم ، وزادهم مسكنة على مسكنتهم المضروبة عليهم ، لكنهم قوم يكابرون حتى يأتوا إلى قدرهم المحتوم ، والقضـاء على دولتهم المرسوم ،  وتصبح دولتهم حديث تاريخ  .

 هذا في آيات الإسراء التي تتعلق بزوال دولة يهود ،  أما آيات المائدة الآية (53 فما فوقها) .. فهي تتحدث عن دولة إسرائيل كيف هي الآن ، وكيف تعـاون يهود والنصـارى في هذا الـقرن على اقامتها ،  يساعدهم في ذلك منافقوا الحكام من العرب والمسلمين ،  ممن نزلـوا عن صهوة الإسلام العظـيم ،  وأنغمسوا في الوسخ والطين ،  وأخذوا يلعقون مما يفرز لهم يهود والصليبيون يتمتعون بأكـل هذا الإفـراز ،  كما تتمتع الحشرات والمكروبات بأكل القاذورات ،  يقول الله سبحانه وتعالى ( يا أيها الذين آمنوا لا تتخــذوا اليهود والنصـارى أوليـاء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين * فترى الذين في قلوبهم مرض يسارعون فيهم يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة فعسى الله أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده فيصبحوا على ما أسروا في أنفسهم نادمين ) [ المائدة :  51 - 52 ]  .

 فالآيات تتحدث عن بدء الموالاة بين يهود والنصارى ،  التي لم تكن في التاريخ قط ،  وكان العكس هو الموجود ،  فقد سلط الله النصارى على يهود لتعذيبهم وذبحهم منذ أن اتهم النصارى يهود بصلب المسيح ،  مع أنهم لم يصلبوه ولكن شبه لهم ، فلم تبق دولة نصرانية إلا وعذبت يهود ، وكانت تصدر قوانين ضد اليهود ، إنجلترا ، ألمانيا ، النمسا ، روسيا ، فرنسا ، المجر ، إسبانيا وغيرها من الدول - وقد بينت ذلك بالتفصيل في كتابي زوال دولة إسرائيل حتمية قرآنية - .  وفي أواخر القرن التاسع عشر ، بدأت الموالاة بين يهود والنصارى ، واستمرت حتى أقامت الدول الصليبية دولة يهود على أرض فلسطين المباركة ،  وهم الآن يدعمونها ، فتعيش على التبرعات التي تأتي من الغرب ، وخصوصا من أمريكا، ويعاونهم وعاونهم في ذلك حكام العرب إلا من رحم ربك وقليل ما هم ،  وهؤلاء الحكام تشير إليهم الآية على أنهم كانوا مسلمين ، فأنتقلوا من الإسلام إلى الكفر (ومن يتولهم منكم فإنه منهم) ، والذي يدل على مراد هذه الآية أنهم هـم الحكام، الآية التي جاءت بعدها (إن الله لا يهدي القوم الظالمين) ،  فإن الذي يوصف بالظلم والعدل هو الحاكم ..  وهذا هو الغالب  .

 ) فترى الذين في قلوبهم مرض - شك في الله وشك في أمتهم - يسارعون فيهم ) ، والمسارعة عملية ميكانيكية ، كانت تمثلها الباخرة في أول القرن العشرين ، والآن تمثلها الطائرة النفاثة ، فالطائرات لا تهدأ في حمل الحكام وأعوانهم من وإلى لندن ، من وإلى واشنطن ، من وإلى موسكو ، من وإلى باريس ، من وإلى جنيف ومن وإلى تل أبيب ( سرا)  ثم أصبحت (علنا)  . 

وتسأل الحكام وأعوانهم لم هذه المسارعة في السفر ؟ ، فيجيبونك في مجالسهم الخاصة (نخشى أن تصيبنا دائرة) إذن فهو حرصهم على الحياة ،  وعلى المناصب ، وعلى السلطان الذي ليس لهم منه إلا تعذيب وتجويع الشعوب وحماية دولة يهود ، وحينما يصل الأمر الذي نحن فيه ،  فيصبح الحكام أدوات لتنفيذ مخططات يهـود في إذلال الأمـة ، يتدخـل الله (الغيب) برحمتـه فتـقـول الآيـة (فعسى الله أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده) ،"فعسى" : للترجي إلا في حـق الله فهي لليقين ، " الفتح " هنا هو الفصل والحكم - أي يحكم الله بين الشعوب وحكامها ويفصل في الأمر - ، و"أو"  هنا ليست للتخيير ، وإنما لمجرد العطف ،  وبدأ الأمر يأتي والحكم ينفذ ، فبدأ الله بشاه إيران - وكان حينها الحاكم الأقوى والأبطش والأكفر والأغنى  - وكان العمود الفقري لإسرائيل وشرطي المنطقة ،  وثنى الله بالسادات ، فأخذه الله يوم زينته ، وثلث بالنميري والبقية على الصفحات القادمة في القريب العاجل إن شاء الله . (فيصبحوا على ما أسروا في أنفسهم نادمين) وهذا ما حدث للحكام السابقين وسيحدث للآخرين ،  يندمون على ما أرتكبوا من جريمة وخيانة ،  وبيع للأوطان - ولا تزال الصورة في الذهن لشاه إيران وهو يمشي في العالم طريدا لا تقبله الدول ولا شك أنه كان في حالة ندم - وكذلك السادات حينما سقط تحت الأرجل يوم إغتياله وهو يقول : "مش معقول ده يا حسني" ، يريد نائبه الذي سيلحق به قريبا إن شاء الله ، لأنه كان يعتقد أن الحماية التي تحميه المخابرات الإسرائيلية ، والأمريكية ، وحرسه الخاص الذي تدرب في أمريكا ،  كل ذلك يجعله لا يتصور أنه يمكن لأحد أن يخترقه وكأنه لم يقرأ قول الله (أين ما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة) [النساء :  78 ]  .

 وتمضي الآيات فيقول الله سبحانه وتعالى ( ويقول الذين آمنوا أهؤلاء الذين أقسموا بالله جهد أيمانهم إنهم لمعكم حبطت أعمالهم فأصبحوا خاسرين ) [ المائدة :  53 ] ..  أي أنهم كانوا يتظاهرون بالإخلاص لهذه الأمة ،  يفلسفون الهزيمة والخزي والسخيمة ،  فلما تبين الحق ،  تبين أن هؤلاء كانوا دمى في أيدي أسيادهم لا يجرأون على مجرد الطلب إليهم أن يقيموا دولة فلسطينية ،  ولو على جزء من فلسطين ،  وقد قال كيسنجر بعد حرب ( 73 ) :" والمنع للنفط العربي عن الغرب وأمريكا قائم ، إنه لم يطلب حاكم عربي من الإدارة الأمريكية إقامة دولة فلسطينية ،  ولو طلبوا مني في ذلك الحين فلسطين لأجبتهم "  . 

وتمضي الآيات هنا ويأتي الغيب مبشرا بالنصر بقول الله تعالى (يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه - فيوالي يهود والنصارى - فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على الـمؤمنين أعــزة على الكافـرين يجاهــدون في سبيل الله ولا يخافـون لومة لائم ذلك فضـل الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم) [ المائدة :  54 ] .. ولاحظ "سوف" مستقبلا ، وأصبح هذا حقيقة الآن ، هؤلاء هـم الشبـاب المؤمـن في جمـيع أنحاء العالـم الإسلامي وحتى في الغرب ، هؤلاء صفاتهم أنهم يحبون الله ورسوله وبالتالي يحبهم الله ورسوله ،  فيمهد لهم الطريق إلى الجنة ،  وإلى العزة في الدنيا ، لأن الجنة لا يدخلها ذليل ، وصفات هؤلاء المؤمنين أنهم أذلة على المؤمنين لا يتعالون على المسلمين ،  لكنهم أعزة على الكفار - اليهود والنصارى وغيرهم - محميون بحماية الله لهم ،  ومن صفاتهم أنهم مجاهدون ، ألا تراهم في السودان وفي مصر والجزائر وفي لبنان وتركيا وغيرها ،  إنهم قادمون على الدرب ،  وقد وصلوا إلى أول الطريق وستتغير الدنيا على أيديهم بإذن الله ،  وسترتفع راية الإسلام على سواعدهم ،  وهم يلجون الآن أبواب الجنة يطرقونها برؤوس الكفار والمنافقين وبرأس يهود في فلسطين ولبنان ،  وبرأس الصليبيين والوثنيين في السودان ،  وبرأس الصليبيين في البوسنة والهرسك التي تقاتلهم الصليبية الأوروبية الأمريكية والصليبية الروسية ، لا لذنب إلا أنهم مسلمون ، وأمريكا صاحبة (النظام العالمي الجديد) تتغنى بحقوق الإنسان في كل مكان إلا على المسلمين في البوسنة والهرسـك ، والمسلمين في فلسطين ، والمسلمين في كشمير ، والمسلمين في الهند ،  والمسلمين في السودان ، والمسلمين في الفلبين ، والمسلمين في تايلاند ،  والمسلمـين فــي مـصر والـجزائر وتونس ، والمسلمين في العراق أطفالا ونساءا ورجالا ، والمسلمين في المغرب وليبيا والمسلمين أين ما كانوا  .

لأنه كما يبدوا فإن يهود والصليبيين لا يعتبرون المسلمين من البشر ،  ولقد عين بطرس غالي الأمين العام للأمم المتحدة مساعدا له لحقوق الإنسان ، وكأنه لم يسمع بمأساة البوسنة والهرسك ، وقتل النساء والأطفال والشيوخ ،  وكأنه لم يسمع في تعذيب يهود لأهل فلسطين ،  وماذا يعنيه هؤلاء - إنه مسؤول عن البشر - وأغلب الظن أنه يحمل في نفسه حقدا ، يصور له أن هؤلاء لا يرتقون ولا يرتفعون لمستوى البشر ، وذلك كله لأنهم يعبدون الله ولا يشركون به شيئا ، ولأنهم يحرمون كل ما يضر ويؤذي الإنسان ، ولأن خليفتهم أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ، حينما دخل القدس أمن النصارى فيها على كنائسهم وأموالهم وما يعتقدون ، ورفض أن يصلي في كنيسة القيامة حرصا منه على الوفاء بالعهد والعقد ، والله يقول ( يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود ) [ المائدة :  1 ]  .

 كل الذي نشاهده الآن من إجماع يهودي ونصراني ووثني على محاربة المسلمين في كل بقــاع الأرض ، وبالرغـم من ذلك كله ينتشر الإسلام وهو مضطهد ، ويمتد وهو مقاوم ،  ويقوى وأهله ضعفاء ،  وينتشر وكثير من أهله نيام ،  لكن القلة المؤمنة التي أنار الله قلبها بالإيمان ،  حملت الرسالة وسط الأشواك والألغام وهي منتصرة بإذن الله ،  كما شرحت في أول كتابي أن النصر ليس بقوة السلاح بالنسبة للمسلمين ،  وإنما يكون بهذا الدين ،  وسيرى الناس العجب العجاب  .. وهنا يرد سؤال :  هل معنى هذا أننا يجب أن ننتظر الغيب لا نعمل ؟

 هذا فهم خاطىء يـورده أعـداء الإسلام أو الجهلة بالإسلام ،  إن الإسلام فرض العمل وطلب العدة والاستعداد ( وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون ) [ التوبة :  105 ] ..  وأيضا ( وأعدوا لهم ما أستطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم ) [ الأنفال :  60 ]  .

 فالمطلوب منا أن نعد ولا نتحجج بأننا يجب أن نكون على مستـوى عدونا عددا وعـدة ، فهذا مستحيل ، نحن مأمورون أن نعد القوة التي نستطيعها وندعو الله والتوكل عليه وننصر بتطبيق الإسلام -وقد أخذ الله بعد ذلك الأمر له - ولذلك يقول الرسول صلى الله عليه وسلم :"نصرت بالرعب من مسيرة شهر" ،  فهو صلى الله عليه وسلم أعد الذي يستطيع وترك الباقي لله .

 وها هم اليوم أهل فلسطين ،  يقاتلون يهود بحجارتهم وسكاكينهم يرهبون عدو الله وعدوهم ،  وها هم السودان يقاتلون السلاح الأمريكي والسلاح السعودي والسلاح الكويتي بكلمة نداء " الله أكبر " فقد طهروا السودان أو كادوا من رجس الوثنية والصليبية ، وأهل أفغانستان حينما قاتلوا الالحاد الشيوعي بعقيدة الإيمان وقليل من السلاح وحينما تم لهم النصر أو كاد ،  دخل الشيطان بينهم وخاصة الأمريكي ، فأفسد عليهم نصرهم ، فتقاتلوا وهما فئتان مؤمنتان (ونحسبهم كذلك) وأخشى أن يكون القاتل والمقتول منهم في النار ،  إلا أن تكون هناك فئة مظلومة لا تقاتل لدنيا أو لمنصب وأرجو أن يكون ذلك ونرجو الله أن يهديهم سواء السبيل  . 

الـتوكل والـتواكل

 إن التوكل على الله لا يعني التواكل ، فالتوكل إيمان وقوة ، والتواكل كسل وهزيمة والرضى بالذل والسخيمة ، وهذه يمثلها بعض أصحاب الطرق الصوفية الذين شوهوا الإسلام وأفرغوه من مضمونه ، فأصبح الإسلام في مذهبهم دين الكسالى ، والمتبطلين .. فلذلك إن التـوكل على الله هو عقيـدة الإسلام ، قال تعالى (ومن يتوكل على الله فهو حسبه إن الله بالغ أمره) [الطلاق : 3] ،  فالتوكل إعداد إيماني ، وإعداد نفسي ، وإعداد مادي (بقدر الاستطاعة) والباقي على الله ، ولذلك يقول الله ( ولو يشاء الله لأنتصر منهم ولكن ليبلو بعضكم ببعض والذين قتلوا في سبيل الله فلن يضل أعمالهم ) [ محمد :  4 ] ..  قال تعالى ( يا أيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم * والذين كفروا فتعسا لهم وأضل أعمالهم ) [ محمد :  7-8 ] ،  أما التواكل فهو بلادة في الحس والروح والفهم ، كان الله يستطيع أن ينصر نبيه بكلمة (كن) لكنه أمره بالعدة والإستعداد والحرب والجهاد  .

 ( أذن للذين يقاتلـون بأنهم ظلمـوا وإن الله على نصرهم لقدير * الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامـع وبيع وصلـوات ومساجـد يذكر فيهـا اسم الله كثيرا ولينصرن الله من ينصره إن الله لقـوي عزيز * الذين إن مكناهـم في الأرض أقاموا الصلاة وآتـوا الزكاة وأمـروا بالمعروف ونهـوا عن المنكر ولله عاقبة الأمـور ) [ الحج :  39-41 ]  .

وهنا لا بد من الإشارة ،  أن الموالاة التي حدثت بين يهود والنصارى ،  هي موالاة مؤقته حتى تقوم دولة يهود ثم تزول ،  فما كان ليهود أن يقيموا الدولة بأنفسهم لأن الذل مفروض عليهم ،  والذليل ما كان له أن يقيم دولة ،  إذ أنهم أذل وأحقر من أن يقوموا بهذه المهمة إذ هم أحفاد القردة والخنازير ،  فهي دولة مسخ لا تقوى على الصمود ،  خرجت من رحم الصليبية الحاقدة ،  والعنصرية البغيضة ،  والماسونية بأنواعها والتي هي حركة يهودية ،  أدخل فيها يهود أصحاب النفوذ في العالم من ملوك ورؤساء وأغنياء .

فهي دولة لا تقوى على الصمود ، وما كان لها أن تصمد ، يعطيها الغرب الصليبي كل أسباب الحياة من مأكل وملبس وسلاح حتى السلاح الذري ،  ولولا هذا الدعم الغربي ما صمدت إسرائيـل شهرا واحدا ، ويأتي بعد ذلك دور الأنظمة العربيـة أو الحكام العرب في حماية دولة يهود ، فهم يطوقونهـا حماية لها ،  ويمنعون كل من يريد أن يمسها بسوء ،  فالجيوش العربية وظيفتها أن تحمي هذه الدولة ،  وكذلك أجهزة الأمن العربية  . 

هذا التعاون اليهودي الصليبي إلى حين فهو مرهون في الفترة التي ستبقى فيها دولة يهود ، وكان هذا التعاون فقط في هذا القرن في تاريخ اليهودية والنصرانية عبر القرون ، لأن العداوة بين يهود والنصارى هي الأصل ،  والشاذ هو الموالاة والمحبة ، ولذلك فإن كثيرا من علماء التفسير لم يتصوروا أن تكون هناك موالاة بين يهود والنصارى ففسروا آيات الموالاة على أنها بين النصارى أنفسهم وليس بين يهود والنصارى ، فقالوا إن النصارى بعضهم أولياء بعض ، وهذا مرفوض قرآنيا وتاريخيا ، إذ أن العداوة بين النصارى أنفسهم ممتدة من القرن الأول الميلادي إلى هذا الوقت ،  فالحرب بين الدول النصرانية لم تنقطع ، والحرب في إيرلندا بين الكاثوليك والبروتستانت ، والحرب في يوغسلافيا بين الأرثوذكس والكاثوليك ، والقرآن يقول (ومن الذين قالوا إنا نصارى أخذنا ميثاقهم فنسوا حظا مما ذكروا به فأغرينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة وسوف ينبئهم الله ما كانوا يصنعون) [ المائدة : 14 ]  .

 وكذلك قال بعض المفسرين إن الموالاة بين اليهود أنفسهم ،  وليس بين يهود ونصارى وهذا يرفضه القرآن ويرفضه الواقع أيضا ،  فالله يقول ( وقالت اليهود يد الله مغلولة غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء وليزيدن كثيرا منهم ما أنزل إليك من ربك طغيانا وكفرا وألقينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله ويسعون في الأرض فسادا والله لا يحب المفسدين ) [ المائدة : 64 ] ..  فالخلاف بين اليهود الشرقيين واليهود الغربيين "الشكناز والسفرديم" هو خلاف وعداء حقيقي ، ولذلك لكل فئة من هذه  الفئتين حاخام أكبر ، وكذلك الخلاف بين العلمانيين والمتدينين ، والخلاف بين اليسار واليمين هو خلاف حقيقي . وهكذا يتعين أن الموالاة في الآية هي بين يهود والنصارى .  حتى ينفذ أمر الله في إقامـة دولة يهود قبل قيـام الساعة ، فتقوم بمساعدة النصارى ، ويقضي الله عليها بقوة المسلمين الموحدين بإذنه سبحانه  . 

وهكذا يتبين لنا أن دولة يهود إلى زوال بنص القرآن ، وبنص حديث رسول الله ، ومن فهم الواقع الذي تعيشه دولة يهود والمحاولة اليائسـة التي تقـوم بها أمريكـا وأوروبا ويهـود مع حكـام العرب ومع (منظمة التحرير) لتثبيت يهود دولة في الأرض المباركة ستبوء بالفشل  .

 واليوم يجري على الساحة أمر عجيب ، فكلما وصلت (منظمة التحريـر) إلى اتفاق على مسألة جزئية ، أخرج لهم سحرة يهود الاعيب والأفانين ،  يبطلون به ما أتفقوا عليه بحجة أن المعارضة لا تقبل ، وضبـاط الجيش لا يرضون ، وصدق الله فيهم (أو كلما عاهــدوا عهدا نبذه فريق منهم بل أكثرهم لا يؤمنون) [ البقرة :  100 ]  .

 وستمضي هذه الحقبة التاريخية التي نعيشها بوجهين مختلفين ، وجه الذلة والمهانة والاستكانة والخيانة وتقوم بها (منظمة التحرير) وكثير من حكام العرب وكثير من الذين يزعمون أنهم مفكرون ممن يدعون إلى (العقلانية والواقعية) وإلى الإستسلام والذل والهوان هذا وجه للفترة نعيشها . أما الوجه الآخر ، فهو الوجه المشرق والمتلألىء بأنوار الإيمان المندفع بجند الرحمن ، شباب الصحوة الإسلامية يتسابقون إلى الجنة يطرقون أبوابها برؤوس الكفار والمنافقين . ويحاول سدنة الظلم والظلام والخيـانة والاستسلام أن ينعتوهم بجميع النعوت ، لكنهم إلى ربهم ماضون ، وإلى النصر سائرون ، لا تستطيع أن تقف في وجوههم أمريكا (ولا النظام العالمي الجديد) ، ولا هــؤلاء الدمى ممن فرغ الإيمان من قلوبهم فأستسلموا لنزواتهم ولشياطينهـم ، وصـدق قول الله فيهم (ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين * يخادعــون الله والذين آمنوا وما يخدعـون إلا أنفسهم وما يشعرون * في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا ولهم عذاب ألـيم بما كانوا يكذبـون * وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون ) [ البقرة : 8-12 ]  .

 قال سلمان الفارسي - رضي الله عنه - : (لم تنزل هذه الآيات في المنافقين في عهد رسول الله ، إذ كان المنافقون في عهد رسول الله لا يزعمون الإصلاح،  بل يبطنــون الكفر ويظهرون الإيمان فقـط ، وإنما نزلت في أقوام من هذه الأمة ستأتي فيما بعد تبطن الكفر ، وتظهر الإيمان في بعض الأحيان ، وتزعم الإصلاح) . وهذه الأحزاب التي أشقتنا من علمانيين وماسونيين وشيوعيين ومن أحزاب الكـفر التي أذلتنا ، والـتي أضاعـت فلسطين كل فلسطـين تحت شعاراتها ، ولا تزال تتمسك بهذه الشعارات أو بقايا هذه الشعارات ،  وهؤلاء المنافقون من حكام وأعوانهم ،  ومن صحفيين وسياسيين ،  ومن أدباء وشعراء ( وإذا قيل لهم آمنوا كما آمن الناس قالوا أنؤمن كما آمن السفهاء ألا إنهم هم السفهاء ولكن لا يعلمون ) [ البقرة : 13 ] ..  وقد قلت لواحد منهم يوما ، لم لا تصل الجمعة ؟ ، فقال :"  تريد مني أن أضع جبهتي في الموضع الذي يضع فيه الناس أقدامهم " ،  وقد ذهب إلى مصيره عند ربه  .

 وهؤلاء المنافقون من الحكام وأعوانهم يسايرون (المسلمين) في احتفالات (دينية) لم يرد فيها نص ،  وتكون عيون أسيادهم مفتوحة عليهم فيسألونهم :" ما هذا ،  أأسلمتم ؟!! " ، فيقولون : "بل نحن مستهزؤون" ، وأغلب الظن أنهم ينزلون إلى هذه الإحتفالات ويقيمون (الصلوات) بغير وضوء ( وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا وإذا خلوا إلى شياطينهم - السفراء ورؤوساء الدول الكافرة - قالوا إنا معكم - في كفركم - إنما نحن مستهزئون * الله يستهزىء بهم ويمدهم في طغيانهم يعمهون ) [ البقرة :14-15 ] .. لهذا ، ما جعل الله على أيديهم خيرا قط ، فلم يذوقوا طعما للمجد ، ولا انتصروا في معركة ، وما كان لهم أن ينتصروا لإن الله ينصر المؤمنين ولا ينصر المنافقين  .

 أيها المسلمون ،  أيها العرب ،  أيها الفلسطينيون ،  معركتنا مع يهود والكفار طويلة ومريرة ،  أعرضنا عن الله منذ هذا القرن والذي قبله فعاقبنا الله بما نستحق ،  عاقبنا بعقاب يهود ،  والآن بدأت أنوار النصر تلوح ،  وأنوار الإسلام تنتشر والرجوع إلى الله ،  فما كان الله ليخذل من يستغيث به ،  ستمضي دولة يهود إلى زوالها المحتوم وقضائها المبرم ،  وقد جعل الله زوالها مربوطا بمعجزة من معجزات محمد صلى الله عليه وسلم ، وهي أن المؤمنين سيقاتلون يهود قبل قيام الساعة ، فما كان لهم أن يقاتلوهم وهم متفرقون في الأرض ، فجاء الله بهم بقدر ، لينطق الحجر والشجر ويقول :"يا مسلم يا عبدالله ورائي يهودي تعال فأقتله إلا الغرقد فإنه من شجر يهود " وصدق رسول الله  .

 أيها المسلمون ، أيها العرب ، أيها الفلسطينيون في القدس ، في نابلس ،  في غزة ، في الجليل ، في الخليل ، في يافـا ، في حيفا ، في النقب ، في الناصرة ، في عكا ، في بيت لحم .. الخ : أرضكم أرض الله ، باركها الله ،  وقد اختاركم لسكناها ، ولولا أنكم أهـل لهذا الحمل العظـيم ما أختاركم ، وكذلك أنتم أحفاد الصحابة ، وأحفاد جند صلاح الدين هازم الصليبيين ،وأنتم من كرام قبائل العرب الميامين ، والمسلمين الموحدين ، مزيدا من القرب إلى الله ، مزيدا من التضرع والبكاء ، مزيدا من الصلاة والصوم ، مزيدا من الذكر والتسبيح (يا أيها الذين آمنوا إذكروا الله ذكرا كثيرا * وسبحوه بكرة وأصيلا) [الأحزاب :41-42] ..  (يا أيها الذين آمنــوا إذا لقيتم فئة فأثبتوا وإذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحـون) [ الأنفال :  45 ]  .

 الدنيا إلى زوال ، وبعدها خلود إما في الجنة أو النار -وقانا الله وإياكم منها- ، جاء الله بيهود إلى فلسطين ليذبحوا بأيديكم .. هذا قدرهم ، وهذا المكتوب عليهم ، ودائما عبر التاريخ يأتي يهود إلى مصارعهم على أرجلهم ، فما كان ليهود أن يثبتوا في هذه الأرض المباركة ، وقد بينت لكم من الآيات والأحاديث التي في هذا الكتاب عن حتمية النصر ،  وكيف بدا في الأفق ،  وأما هؤلاء الذين يفاوضون يهود ، فيخدعون أمتهم ( يخادعون الله والذين آمنوا وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون ) [ البقرة :  9 ] ..  وكثير من هؤلاء الذين يفاوضون يهود مجهولون في نسبهم مصطنعون في إنتمائهم لعلهم ممن دسهم يهود في قومنـا ، وأقاموهم ليكونوا قـادة فينا ، لكنهم سيبؤون بالفشـل ، وستعود فلسطـين كل فلسطـين لتكون جزءا من ديار بلاد الشام بإذن الله مركز الخلافة الراشدة القادمة ، وسنعود إلى الأقصى نعفر جباهنا بترابه الطهور ، ونتقرب إلى الله في محرابه الوقور ، نصلي لله خاشعين ، ونكون قد طهرنا كل أرض فلسطين ، وستعود مآذن فلسطين شامخة عالية ، ينطلق منها نداء "الله أكبر" فيفرح قلوب المؤمنين ،  ويصم آذان الكافرين  .

 سنعود إلى مسجد الجزار في عكا ، ومسجد الاستقلال في حيفا ، ومسجد حسن بيك في يافا ،والمسجد الأبيض في الرملة ومسجد السبع الذي حوله اليهود ، سنعود إلى مساجدنا في كل مدننا وقرانا ، مرفوعة هاماتنا ،  منتصرة أعلامنا (ويقولون متى هو قل عسى أن يكون قريبا) [ الإسراء : 51 ] .

 الحركات الإسلامية العاملة في الساحة

 اندفع المسلمون في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي عهد الخلفاء الراشدين وفي عهد الدولة الأموية وسنوات من الدولة العباسية ، ينشرون الإسلام ويطاردون الشيطان وينيرون الدنيا بنور الله ويطاردون الظلم والظلام ، حملوا الإسلام بلغته اللغة العربية ، فآمنت شعوب الأرض وسرعان ما أندمجت في هذا الدين وأصبحت من أهله فتعمقت فيه وفهمته حتى كاد أن يكون جل علماء التابعين وتابعيهم الذين أثروا هذا الدين بعقولهم وفهمهم لكتاب الله وسنة رسوله من غير العرق العربي ، لكنهم أصبحوا بإسلامهم وتكلمهم للعربية أصبحوا من العرب ، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول : "ليست العربية بأب أحدكم أو أمه إنما العربية اللسان فمن تكلم العربية فهو عربي" . ولذلك فإن الإسلام لا يدانيه أحد في التعصب للعربية والعروبة بمعناها (الثقافي والحضاري) وهو لا يفهم إلا بها وهي أشرف اللغات وكما جاء في الحديث النبوي الشريف :"أحب العرب لثلاث : لأني عربي ، ولأن القرآن عربي ولأن لغة أهل الجنة العربية"  .

 فالإسـلام يرفض العروبة بمعنـاهـا الجاهـلي (وهي التعصب للجنس ) ،  فيرفض التعصب للجنس العربي ، وللجنس (الآري الأوروبي) ، وللجنس السامي وللجنس الحامي ، فالإسلام يحارب الشعوبية بكل معانيها .  ولما بدأت ما يسمونه بالنهضة العربية الحديثة والتي حاولت أن تنهض بالأمة بالقومية المجردة عن الإسلام فلم تنجح هذه المحاولة ،  ففشلت ببلاد العرب ، وفشلت المحاولة ذاتها كذلـك عند الأتراك (الطورانيين) وكذلك عند الفرس (الكسرويين) .

 ويذكر الناس الإحتفال الكبير الذي أقامه شاه إيران (محمد رضا بهلـوي) بمناسبـة مرور أربعــة ألاف سنـة على كورش -أول كسرى في التاريخ- ودعا إليه زعماء وأثرياء العالم ،  وقد ألبس الحرس لباس جند كورش ،  ووقف في الإحتفال متحديا لله وخاطب كورش بقوله : "لقد أحييتك ولن تموت بعد اليوم" ..  وكان الله له بالمرصاد ،  فخرج على وجهه هائما ومات طريدا شريدا يلعنه الله والملائكة والمسلمون أجمعون .

 وكذلك فشلت الأحزاب التي نادت بالعروبة بمعناها العرقي سواء التقليدين منها أو الثوريين فتمزقت الأمة في عهدهم وفي ظل شعاراتهم ،  ولا يزالون يعملون في الأمة تجزئة وتقطيعا ويمزقونها مزقا مبعثرة  .

 فالإسلام روحـه العروبة ووعاؤه العربيـة ،  ولذلك فإنه يرفض التعصب للعربية دون الإسلام وبالتالي يرفض العصبية للإسلام دون العربية  .

 فلما أستولى على الحكم في بلاد المسلمين الأعاجم الذين لا يتكلمون العربية ،  بدأ الفكر يجمد ،  فأغلق باب الإجتهاد ظلما وعدوانا وتعصب العلماء للمذاهب التي نشأت في بلاد المسلمين ،  وأخذوا يشرحون أقوال الفقهاء بدلا من أن يشرحوا كتاب الله وسنة رسوله ،  ويجمد الفكر الإسلامي على المذاهب الأربعة عند أهل السنة ،  والمذهب الأباضي عند الخوارج ،  والجعفرية والزيدية عند الشيعة الغير الغلاة ،  أما الغلاة فقد خرجوا من هذا الدين ولم يعودوا مسلمين  .

 وانتكست الأمة وكان لا بد أن تنتكس ،  فحكمها حكام ظلمة يسودهم الجهل ،  وأصابهم العمى فلم يعودوا يرون بنور الله ،  وجاءت الحروب الصليبية ،  فجاءتنا أوروبا بخيلها ورجلها ،  واستمرت الحرب بيننا وبينهم مائتي عام وسقطت القدس بأيديهم تسعين سنة أو ما يقرب من ذلك ،  وكان سقوط القدس إيذانا بصحوة إسلامية جديدة في ذلك الحين (كما أن الصحوة الإسلامية الآن لم تتفجر إلا بعد سقوط القدس في أيدي الكفار)  .

 وكان لا بد لأوروبا أن تنهزم ،  لأن المسلمين عادوا يقاتلون بعقيدتهم ومن قاتل بعقيدة الإسلام فلن يهزم ، لأنه بقتاله بعقيدة الإسلام نصر الله  ..  والله ينصر من ينصره (إن تنصروا الله ينصركم ويثبت اقدامكم) [محمد : 7 ] .

 وبعد هزيمة أوروبا ، ركن المسلمون إلى الجمود الفكري مرة أخرى ،  وأخذوا يبحثون في أقوال الفقهاء ، وينشأون الشروح والحواشي ، وحواشي الحواشي . وأخذ الإسلام يعمل وحده بغير لغته ، حملته تركيا المسلمة إلى أوروبا ففتحت القسطنطينية وأنطلقت عبر أوروبا حتى أخذت البلقان كله ،  ووقفت على أبواب فيينا ، ومرة أخرى حكم المسلمين حكام جهلة بغير اللغة العربية ، وبذلك هم لم يفقهوا الإسلام ، لأن الإسلام لا يفقه ولا يفهم إلا بلغته (حم * تنزيل من الرحمن الرحيم * كتاب فصلت آياته قرآنا عربيا لقوم يعلمون) [فصلت : 1-3] .. وأيضا قوله تعالى (ولو جعلناه قرآنا أعجميا لقالوا لولا فصلت آياته ءأعجمي وعربي قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء) [ فصلت :  44 ]  .

الحركــات الإصلاحيــة

 أولا :  الحركات الصوفية  : 

وفي خلال هذا المد والجزر ، نشأت حركات وفلسفات ، حركات اصلاحية تريد أن ترجع بالإسلام إلى صفائه المتمثل بالكتاب والسنة الصحيحة .  ونشأت حركات صوفية منها المعتدل ، الذي يرى في الصوفية أنها الزهد والذكر وقيام الليل وتلاوة القرآن والابتعاد عن المحارم والابتعاد عن الترف ، بالإضافة إلى الصلاة المفروضـة والمسنونـة والصـوم والزكاة والحج والرباط في سبيـل الله ، وهذا الأمر هو لب الإسلام ، ونشأت حركات أخرى فلسفت الصوفية بعد أن اقتبست فكرها من الفلسفة الهندية والفارسية والإغريقية والنصرانية واليهودية. وخصوصا بعد أن شجع الخليفة المأمون ترجمة هذه الفلسفات وكان يعطي المترجم وزن الكتاب المترجم ذهبا ، فأختلط الأمر عـلى كثير من الصـوفية وأتبـاعهم حـتى وصل الأمر بالقـول (بوحدة الوجود وأن الله هو هذا الكون بما فيه ومن فيه) ، وكان يمثل هذه الفئـة أبي منصور الحلاج الذي كان يقـول ليس في الجنة إلا الله -والعياذ بالله - فأفتى العلماء بقتله ردة ، فقتلته الدولة العباسية وقال لأتبـاعه وهو يساق إلى القتل سأرجع لكم بعد ثلاثـين يوما ( وهو حتى الآن لم يرجع ) لأنه في قبره يرى منزلته من النار صباح مساء بإذن الله  .

 وسار على طريقه ومنهجه الفكري إبن عربي الذي ألف كتابا في مذهبه هذا (فصوص الحكم) ،  و(الفتوحات المكية) والتي يقول فيها عن نفسه إنه خاتم الأولياء ،  ومحمد صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء ،  وخاتم الأولياء أفضل من خاتم الأنبياء - والعياذ بالله - أغواه الشيطان فضل وأضل ،  ويقول خضنا بحرا وقفت الأنبياء على شواطئه ما أستطاعت أن تخوضه ،  ولا زال فكره الشيطاني يعمل في كثير من الطرق الصوفية  . 

وفي زمن ظهور ابن عربي ،  ظهرت الحركة المضادة لفكره وفكر الحلاج ، الحركة السلفية التي تدعوا إلى الرجوع إلى كتاب الله وسنة رسوله وما كان عليه السلف الصالح ، ظهر ابن تيمية وتلميذه ابن قيم الجوزية ، فصدوا هذه الهجمة عن الإسلام التي كانت تهدف إلى القضاء عليه .  فجاهد بقلمه وبسيفه ، أما قلمه فقد حارب فيه الصوفية المنحرفة والغلاة والدهريين من الفلاسفة والحركات الباطنية جميعا . كما بين الرأي الصحيح في دين المسيح ، وأما سيفه فقد حارب به التتر ودخل في صراع مع الصوفيـة فدسوا عليه عند الحكام ،  فحبسوه في الإسكندرية ، ثم حبسوه في دمشق ومات في السجن -رحمه الله- بعد أن أثرى المكتبة الإسلامية بكتب كثيرة وأهمها فتاوي ابن تيمية ،  وأستمرت المعركة بين الصوفية والسلفية منذ ذلك الحين إلى يومنا هذا ،  إلى أن جاءت الصحوة الإسلامية أخيرا ، وهذه الصحوة جذورها ممتدة من القرن الثامن والتاسع عشر ، ممثلة بالحركات الصوفيــة الجهادية المتمثلة بالحركة السنوسية في الجزائر وليبيا ، وكان تأثـيرها على المغرب العربي كله ،  والتي أفرزت أبطالا تاريخيين وعلى رأسهم إمام المجاهدين عمر المختار - رحمه الله - الذي قاوم إيطاليا عشرين سنة ولم تستقر إيطاليا في حكم ليبيا إلا بعد استشهاده ،  وهي حركة كانت تعتمد على تعليم القرآن الكريم وإنشاء الزوايا لهذا الغرض .  وكذلك حركة المهدي في السودان والذي استطاع أن يهزم بريطانيا في السودان ،  ولم تتغلب عليه بريطانيا إلا بعد أن استعانت بالجيش المصري في هذا الأمر ،  ولكن ابناء المهدي من بعده انحرفوا عن طريقه .  وبرز أيضا جمال الدين الأفغاني وتلميذه محمد عبده اللذان أثرا في فكر الأمة ،  واللذان قيل حولهما الكثير وخصوصا ما نسب إليهما أنهما دخلا في المحفل الماسوني في الإسكندرية - والله أعلم بالحقيقة -  ..   وكانا يريدان بعد أن يئسا من الأمة أو الحكام أو منهما جميعا ،  فشطح بهما الخيال بأن يختارا جزيرة في إحدى البحار ويأتوا بعدد من أبناء المسلمين في هذه الجزيرة يربونهم على أيديهم فيتخرجون دعاة ، لكنها فكرة لا تقبل الحياة فماتت في مهدها  .

 ثانيا :  حركة الإخوان المسلمين  : 

وجاء بعد ذلك المرحوم ( حسن البنا ) والذي إستطاع بما أوتي من الخطابة والتأثير على الجماهير أن يجلب كثيرا من شباب مصر الإسلام ،  ثم إمتد إلى العالم العربي والإسلامي فكانت حركة الإخوان المسلمين ،  التي كان لها الفضل الكبير في إيقاظ الشعور بضرورة عودة الإسلام إلى الحياة ،  وكانت قضية فلسطين وقيام دولة يهود قد برزت في هذا الوقت ،  فجند حسن البنا - رحمه الله - شبابا مسلما للدفاع عن فلسطين وأبدى هذا الشباب كثيرا من الشجاعة والفروسية ،  فتنبه الغرب الكافر لهذا الأمر فخافوا أن يستفحل فكر الجهاد ،  فقتلوا حسن البنا - رحمه الله - فذهب شهيدا إلى ربه بإذن الله  ،  فخلف وراءه حركــة ضخمــة ممـتدة في العالـم كلـه ،  فـقرر الكفر الصليبي أمريكا ويهود القضاء على حركة الإخوان ،  فجاءت بحركة الضباط الأحرار وعلى رأسها جمال عبد الناصر للقيام بهذه المهمة ،  وكان الغرب ماهرا في اللعب ،  فجعل عبد الناصر يتحالف مع الإخوان في بادىء الأمر حتى إذا ثبتوا له سلطانه ،  وكانت قيادتهم على غفلة كبيرة فلم يعرفوا عبد الناصر على حقيقته ومن وراءه وكان أي إنسان عنده إلمام في السياسة ولو بسيط يعلم أن عبد الناصر كان عميلا أمريكيا .  وكنا نقدم لهم النصائح ونبين لهم ذلك الأمر ولكن شباب الإخوان وأغلب الظن قيادتهم كانت تظن أن حركة الضباط هي حركة إخوانية .

 وشنق عبد الناصر علماء الأخوان سنة 1954 بحجة أنهم كانوا يتآمرون عليه ،  ثم شنق سيد قطب - رحمه الله - في صفقة مع الإتحاد السوفياتي وكان وقتها هناك ( جمال عبد الناصر ) بعد أن ألف المرحوم سيد قطب كتابه ( معالم في الطريق ) وهذا الكتاب يمثل انقلابا فكريا في طريق الدعوة عند الإخوان المسلمين ، وهذا الكتاب أقرب ما يكون إلى فكر حزب التحرير ،  فهو كتاب انقلابي وليس إصلاحيا . والذي كان يمثل فكر هذا الكتاب فيما بعد هو المرحوم عبدالله عزام وإخوانه من المجاهدين .  ولذلك جمد الأخوان المسلمون الدكتور عبدالله عزام لأنه سبب إحراجا كبيرا لقيادة الأخوان مع كثير من الأنظمة والحكام ، وقد قلت في حفل تأبينه يوم إستشهاده -رحمه الله- (أحرجوه فأخرجوه) .  وبالرغم من شنق المرحوم سيد قطب واخوانه السابقين واللاحقين فإن حركة الأخوان بقيت لأن معينها الفكري لا ينفد وهو الإسلام لأنه باق ما بقيت الدنيا .  وأما عبد الناصر فذهب وذهب ميثاقه وأندثر فكره إن كان له فكر فهو أفشل زعيم عرفه التاريخ  .

 وحركة الإخوان يبدوا من ظاهرها أنها ليست حركة إنقلابية وإنما هي حركة إصلاحية ،  فالبرغم من المؤلفات الكثيرة في النواحي الفكرية وفقه المعاملات في هذا العصر فإن حركة الإخوان لم تتبن حتى الآن دستورا تنظم به شؤون الدولة إذا ما فوجئت بإستلام الحكم في إحدى البلاد العربية أو الإسلامية .  كيف تعمل في الإقتصاد ؟ في الإجتماع ؟ في العلاقات الدولية وفي كل مناح الحياة .  ما هو البديل للبنوك الربوية ؟  وما وهو البديل لشركات التأمين ؟  وما هو البديل لأوراق البنكنوت ( التي أوجدها يهود لتخريب إقتصاد العالم ) ؟ كيف يمكن إستغلال التلفاز والإذاعة والسينما ؟ كيف نوحد العرب والمسلمين ؟ ..  إلى غير ذلك  .

 الرعيل الأول من الأخوان المسلمين أكرم الله قسما كبيرا منهم بالشهادة وبقي قسم آخر وقد أتعبهم المشوار وأرجو الله أن لا يكونوا من الذين ركنوا إلى الحياة الدنيا والظالمين من الحكام .  ولذلك تمرد شباب الأخوان في كثير من البلدان العربية والإسلامية على قياداتهم التقليدية فكانت ثورة في مصر - نرجو الله أن تؤتي أكلها قريبا -  فيطيح هذا الشباب بالنظام المهترىء الذي باع مصر ليهود والأمريكان ،  وأن يكون هذا الشباب قد حضر فكرا لتنظيم شؤون الدولة أو يقوم بذلك علماء الأخوان المسلمين وهم بحمد الله كثر وفيهم من أنار الله قلبه وعقله ولم تلحقه الغشاوة  .

 وقبـل ذلـك وبعـد ذلـك فإن الأخوان المسلمـين حركــة رائدة في العمل الإسلامي ،  هي المؤهلة إن أراد قادتها أن يستأنفوا حمل الرسالــة وقيــادة الحركة الإسلامية للتغيير في العالم العربي والإسلامي ،  ولا يكونون كبعض من ينتسبون للأخوان المسلمين فيكونون عونا للظلمة من الحكام كما حدث ذلك في الجزائر مثلا أو كما حدث ويحدث في الخليج .  إن حركة الاخوان تملك إمكانات فكرية وعددية وشبابا مستشهدا لا تلين له قناة وأوضح مثال على ذلك شباب حماس في فلسطين الذين يقدمون الشهداء تلـو الشهداء ،  باعـوا أنفسهم في سبيل الله ،  ومن رحمة الله بالقضية الفلسطينية أن قامت (حركة المقاومة الإسلامية) استجابة لأمر الله في الجهاد وطلب الشهادة  .

 لا أدعو أن يتولى الأخوان المسلمون قيادة الحركة الإسلامية بشكل عاطفي غير مدروس ،  ولكن بتغيير كثير من السلوكيات والعلاقات وخصوصا مع بعض الأنظمة ، وأن ينظروا إلى بقية الحركات الإسلامية ليس بعين عدائية ولكن بنظرة الأب لابنه ، ليكون الجميع صفا إسلاميا واحدا حتى يكون الجميع من أحباب رسول الله الذي قال :"طوبى لأحبابي" ،  قال الصحابة :"نحن أحبابك يا رسول الله" ، فقال الرسول :"بل أنتم أصحابي" ، فقالوا :"من أحبابك يا رسول الله ؟ " ، قال صلى الله عليه وسلم :"المصحلون إذا فسد الناس للواحد منهم أجر خمسين منكم" ، قالوا :"بل منهم" ، قال صلى الله عليه وسلم :"بل منكم لأنكم تجدون على الحق أعوانا وهم لا يجدون" أو كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم  .

 وإذا لم ينتبـه الأخوان المسلمون فيستوعبـوا الصحوة الإسلامية في العالم كله ، فإن لم يستوعبوها إستوعبها غيرهم من الحركات الإسلامية التي على وشك أن تطيح بالحكم في مصر والجزائر وفي غير مصر والجزائر ، في تركيا مثلا التي بدأ الإسلام فيها يعود من جديد بقيادة حزب الرفاة الإسلامي  . 

والأخوان المسلمون يتبنون في طريقهم لإستئناف الحياة الإسلامية طريقة ما يسمونه بطريق التربية . ولا يدري الإنسان كيف تبدأ هذه التربية وكيف تنتهي وإلى متى ، فكلما ربى الأخوان جيلا تسلط عليه الحكام ، فقتلوهم وعذبوهم وسجنوهم وشردوهم ،  وهذا كله لغياب التخطيط المدروس ، وغياب الطريق الواضح للعمل وبيان للهدف المنشود ، فصار إضطراب في سلوك الجماعة ،  احتجوا بأن الرسول صلى الله عليه وسلم ربى أصحابه وهذا صحيح .. ولكن كيف ؟، كان يربيهم صلى الله عليه وسلم تحت ظلال السيوف وفي المعركة .  وهذه خير تربيـه إذ جعل الرسول صلى الله عليه وسلم الجنة تحت ظلال السيوف ،  وقصة الصحابي الذي دخل الجنة وهو لم يصل لله ركعة ،  إذ أنه بعد أن أسلم دخل المعركة مباشرة فأستشهد فقــال الرسول صلى الله عليه وسلم فيه :"أجر كبير وعمل قليل" أو كما قال عليه الصلاة والسلام .. ففي بلد الأخـوان يضطهدون ،  وفي بلد يكونون فيها وزراء فيستغلهم الحاكم ويفعل بإسمهم ما يريد .  لا ينكر إنسان عنده عقل فضل الأخوان المسلمين كحركة في إيقاظ الصحوة الإسلامية التي تتفجر الآن في كل مكان  .

ثالثا :  حزب التحرير  : 

ومن الحركات الإسلامية البارزة حزب التحرير ، الذي أسس في أول الخمسينات (1952) ، وهو حزب كان له الفضل في نشر فكرة الدعوة إلى (الخلافة) وعودتها إلى الحياة لتتولى قيادة المسلمين وإنقاذ العالم الإسلامي ،  ولكن حزب التحرير أخطأ في كثير من الأمور مما جعله لا ينجح فيما يريد ..  وهذه الأخطاء هي :

 -   أولا  :  قسم الدعوة إلى فترتين ،  الفترة المكية والفترة المدنية ،  وهذا خطأ فاحش وقع فيه الحزب إذ أن هاتين الفترتين هما من خواص الرسول صلى الله عليه وسلم ولا يصح لأحد من بعده أن يدعيهما ، فبعد أن نزل قول الله تعالى (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا) [المائدة : 3] ..  لا يصح أن نعود بالمسلمين إلى العهد المكي ، إذ أن الرسول صلى الله عليه وسلم جاء إلى مشركين وكفار ليوجد منهم المسلمين ويقيم من هؤلاء المسلمين الدولة الإسلامية ، وبالفعل هذا الذي حدث ، أسلمت المدينة وأنطلق الإسلام بعد ذلك  .

 أما اليوم فالناس ليسوا كفارا ولا مشركين ،  وإنما منهم المؤمن التقي النقي ومنهم المنحرف الذي يرتكب المعاصي ولكنه لا يكفر بمعصية . وقد انحـرف المسلمون بذهاب الخلافــة ، فأي أسلوب يرجع الخلافة ؟ ولا يتناقض مع قواعـد الإسلام والحلال والحرام ، يجب على المسلمين أن يستعملوه ،  فلو قام ضباط الجيش العثماني مثلا فأقالوا أتاتورك -لعنه الله- وأعادوا السلطنة العثمانية ، فلا يصح أن نقول لهم عليكم الانتظار حتى تمروا بالفترة المكية . وتقسيم الدعــوة إلى فترة مكيـة وفترة مدنيـة فصلت الحزب عن الجماهير فهم لا يؤمنون بدخول البلديات ولا الغرف التجارية ولا النوادي ولا الجمعيات الخيرية فيقولون كل ذلك من عمل الدولة ، وكانوا لا يشاركون الجماهير في المظاهرات،  والأخطر من ذلك كانوا يقولون لا جهاد إلا وراء خليفة جاهلين قوله تعالى (فقاتل في سبيل الله لا تكلف إلا نفسك وحرض المؤمنين عسى الله أن يكف بأس الذين كفروا والله أشد بأسا وأشد تنكيلا ) [ النساء :  84 ]  .

 ويقول المفسرون إن هذه الآية نزلت للرسول صلى الله عليه وسلم وللمؤمنين من بعده ومتجاهلين قول الرسول صلى الله عليه وسلم :"الجهاد ماض إلى يوم القيامة لا يبطله عدل عادل ولا جور جائر وإذا أستنفرتم فانفروا " .  وهم الآن كما أخبروني لا يقولون بعدم الجهاد إلا من وراء الخليفة ،  فمن يريد أن يجاهد فليجاهد أما الحزب فلا يفعل ذلك متمسكا برأيه الأول  .

 -   ثانيا  :  ومن الأخطاء التي وقع فيها الحزب ،  طلب النصرة ،  فهم ينتظرون منذ تأسيس الحزب من يقوم بعملية انقلابية ثم يسلمهم الحكم ،  ثم يرجع إلى ثكناته إذا كان من العسكر ،  وهذا الكلام أقرب إلى خيال الشعراء منه إلى أقوال العقلاء .  ولذلك انتظروا طويلا وسينتظرون مدة أطول حتى يتولى غيرهم إقامة دولة إسلام وعند ذلك سيفرحون بنصر الله  .

 -   ثالثا  :  وفي الناحية السياسية :  لا تعني السياسة الدولية عندهم إلا الصراع بين الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا ، فكل ما يجري في الأرض خاضع لهذا الصراع ، ولا يزالون يعتبرون بريطانيا قوة مؤثرة فـي الأحداث العالمية وخصوصا في الـشرق الأوسط أو العالم الإسلامي ،  ولا أدري ماذا يستفيد المسلمون من هذا الإصرار على تصور الصراع بين بريطانيا وأمريكا وأن هذا الحاكم أو ذاك عميل إنجليزي والأخر عميل أمريكي ..  وأي إنسان يوالي أمريكا أو بريطانيـا هو خـارج عن ملة المسلمــين ( ومن يتولهم منكم فإنه منهم ) [ المائدة :  51 ] ..  الكفر حزب واحد سواء كانوا إنجليز أو أمريكان أو روس أو وثنيين أو من المسلمين الذين باعوا دينهم ،  فكلهم أعــداء لله رب العالمين ،  والله يقول ( والـذين كـفروا بعضهـم أوليــاء بعض إلا تفعلــوه تكـن فتنــة في الأرض وفسـاد كبير ) [ الأنفال :  73 ]  .

 -   رابعا  :  والحزب في عمله لإقامة الدولة الإسلامية يرجح القوى المادية والإعداد لها على الروحانيات والقرب من الله ،  وهذا خطأ كبير يتنافى مع حياة الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه ،  فهم لا يركزون على قيام الليل والذكر وتلاوة القرآن والدعاء والبكاء حتى أصبحوا مشهورين بالجدل العقلي ولا يعتنون كثيرا بالنوافل من صلاة وصيام ،  فهم يركزون على الناحية الإقتصادية في الإسلام ،  وأن الإسلام يشبع البطون وهو خير من الرأسمالية وخير من الشيـوعيــة في ذلـك الأمر ، وكأن الإسلام جاء لهذه الغاية ولـم يجيء ليجعل الإنسان يعبد الله في كل نواحي الحياة ،  فالإسلام يحارب الجوع ولكنه يرفض التخمة ، ويحارب العري ولكنه يرفض عبادة الثياب ويدعوا إلى الزهد وكما قال الرسول صلى الله عليه وسلم :"تعس عبد الدينار ، تعس عبد الدرهم ، تعس عبد القطيفة والخميصة ، تعس وأنتكس وإذا شيك فلا أنتقش"  .

 ومنذ أن أسس الحزب وشبابه -أكرمهم الله- في السجون يقضون فيها أعواما لتوزيع منشورات تكون في بعض الأحيان أي تعليق سياسي في جريدة سيارة أعمق وأشمل من هذا المنشور الذي سجن الشباب من أجله ،  أعانهم الله وخفف عنهم بلواه ،  وإذا لم يعمل الحزب على تغيير كثير من المفاهيم لإقامة الدولة الإسلامية بقي حيث هو وتقدم غيره .  ولذلك يجب على الحزب أن يوجه شبابه إلى تلاوة القرآن وحفظ وفهم القرآن وإلى قيام الليل وإلى الذكر والدعاء والبكاء حتى يكونوا قريبين من الله ،  وكما قال الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث القدسي :"ما تقرب إلى عبدي بأفضل مما أفترضت عليه ، ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه ، فإذا أحببته كنت بصره الذي يبصر به ،  وسمعه الذي يسمع به ، ويــده التي يبطش بها ، ورجله التي يمشي عليها ،  فبي يبصر ، وبي يسمع ، وبي يبطش وبي يمشي ، ولإن أستعاذني لأعيذنه ،  ولإن أستنصرني لأنصرنه"  .

 ويجب على الحزب أن يخوض المعركة ضد يهود وأعوان يهود وأن يشارك في الانتفاضة ، إذ أن الجهاد الطريق الوحيد لإقامة الخلافة ودولة الإسلام والتي لا تقوم بغير الشهداء والمستشهدين (والله غالب على أمره ولكن أكـثر الناس لا يشكرون) [ يوسف : 21 ]  .

رابعا :  الدعوة السلفية  :

 وهناك الدعوة السلفية وكان لها الفضل الكبير عبر التاريخ في صد مذاهب الفرق الباطنية وكشفها وكشف خطرها على الإسلام ،  وفي صد هجمات الغلاة من أصحاب الفكر الصوفي الذين يقولون بوحدة الوجود وأن الله هو الكون بما فيه ومن فيه ،  ويقولون بالإتحاد والحلول ،  وأن الله يحل في بعض عبيده  .

 ورأس هـؤلاء السلفيين وقمتهم هو الإمام ابن تيميــة - رحمه الله - حارب بفكره وبلسانه وقلمه الكفر والفكر المنحرف وحارب بالسيف فقاد المسلمين لمحاربة التتر حين غزوهم للشام حينما فر الحكام من الشام خوفا من التتر ،  وكان يمثل العالم المسلم الذي علم فعمل ،  فهو يقتدي برسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه الذين علموا فعملوا  .

 واليوم تنقسم السلفية إلى فئات  :

 -   فئة عكفت على تخريج الأحاديث وبيان الضعيف والقوي منها ،  فأشبعوه بحثا حتى كادوا أن لا يتركوا فيه ثغرة ،  وبالتالي هم لا يلتفتون إلى ما تعانيه الأمة في صراعها مع الكفار ،  ولا تعنيهم قضية فلسطين في قليل أو كثير ولا تهزهم الأحداث وإنما يشغلون أنفسهم والناس بالنوافل والسنن ، وعلى سبيل المثال يصطنعون معارك في السنة القبلية من يوم الجمعة هل وردت أم لم ترد ،  وفي تحريك الأصبع في التشهد ، وبتقصير الثوب ، وتطويل اللحى ، والصــلاة على الـنبي صلى الله عليه وسلـم بعد الآذان ، والشرب والإنسان واقف ،  والقيام للقادم ،  وتحضرني هنا قصة أقرب إلى الفكاهة إذ كان عدد من الأصدقاء مدعويين عند صديق لهم في رمضان ،  فلما أذن المغرب قال واحد من المدعويين حينما بدأ الأكل "بسم الله الرحمن الرحيم" وكان في المجلس (سلفي) قال :" يا أخي لم ترد هكذا وإنما ورد بسم الله فقط " ،  فقال الذي سمى بسم الله الرحمن الرحيم :"والله لا أفطر اليوم ما دمت أذنبت حينما قلت بسم الله الرحمن الرحيم" .. وهكذا يشغلون الناس في معارك جانيبة  .. والسلـفيون هؤلاء يخلطون الأحكام الشرعية ، فيرفعون المندوب (السنة) إلى مرتبة الواجب أو الفرض ، واللمم إلى مرتبة الكبيرة ، والله يقول (الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم) [النجم : 32] ، والكبيرة هي ما فرض الله لها عقوبة في الدنيا أو الآخرة أو فيهما ،  واللمم كل ما نهى عنه الإسلام ولم يفرض له عقوبة في الدنيا ويمحوه الله في الآخرة إذا أستغفر ولم يصر على فعله ، ويمحوه الوضوء إلى الوضوء ، والصلاة إلى الصلاة ، ورمضان إلى رمضان ، والحج إلى الحج والعمرة .  لذلك حينما يرفعون السنة والمندوب إلى مرتبة الواجب ، ويرفعون اللمم والصغائر إلى مرتبة الكبائر فهم بذلك يشددون بغير دليل شرعي ،  ويعسرون بغير برهان . والرسول صلى الله عليه وسلم حينما أرسل عليا ومعاذ بن جبـل - رضي الله عنهما - إلى اليمن كان فيما أوصاهما :"يسرا ولا تعسرا وبشرا ولا تنفرا " ولكن إخواننا السلفيين فات على كثير منهم هذا الأمر ،  فأصبح التشدد في النوافل والسنن طريق الكثير منهم ، وبعضهم الآن يأخذون بالحديث الضعيف أو الحسن أو الصحيح ويقدمونه على الآية فوقعوا في أخطاء كثيرة ، منها على سبيل المثال ، القول بعذاب أب النبي وأمه ، اعتمادا على حديثين مرويين عن رســول الله صلى الله عليه وسلم  :

 أما الحديث الأول :

 الذي يستند إليه بعض السلفيين في عذاب أم النبي قال الرسول صلى الله عليه وسلم :"أستأذنت ربي أن أسـتغفر لأمي فلم يأذن لي ، وأستأذنت أن أزور قبرها فأذن لي" .  وهذا الحديث إن لم نؤوله نرفضه . فأمه ليست في حاجة لإستغفار ،  لأن الإستغفار لمسلم إرتكب ذنوبا ،  وأمه ماتت من أهل الفترة ،  فذنوبها مغفورة ولو كانت أم النبي كافرة معذبة كما يقول هؤلاء ،  لما أذن الله له بزيارة قبرها .  ( ولا تصل على أحد منهم مات أبدا ولا تقم على قبره ) [ التوبة : 84 ] ..  فأم النبي وأبوه لا يعذبان بنص القرآن  .

 الحديث الثاني  :

 أن إمــرأة جـاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم قالت :" أدعو لأبي أن يدخل الجنـة " ، فقــال لها :"أبــوك في النار" فولت تبكي ،  فأرجعها النبي صلى الله عليـه وسلم وقال :"أبي وأبوك في النــار " .. وهـذا الحـديث إن صح يؤول بأن الــنبي كان يـريـد عمه أبا لهب ، والعم أب بنص القرآن (أم كنتم شهداء إذ حضر يعقــوب المـوت إذ قال لبنيـه ما تعبدون من بعدي قالـوا نعبد إلهك وإلــه أبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحق إلها واحدا ونحن له مسلمون) [ البقرة : 133 ]  وإسماعيل عم يعقوب . وإن لم نؤول الحديث نرده دراية لأنه يناقض قواعد قرآنية وهي  :

 -   القاعدة الأولى  :  العذاب ليس إلا بعد رسول ( وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا ) [ الإسراء :  15 ]  .

 -   القاعدة الثانية  :  إن أهل الفترة ناجون ( يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم على فترة من الرسل أن تقولوا ما جاءنا من بشير ولا نذير فقد جاءكم بشير ونذير والله على كل شيء قدير ) [ المائدة :  19 ]  .

 وأبو النبي وأمه ماتـا قبل الرسالــة ،  فهما من أهل الفترة والله يقول في هذا الأمر (وما آتيناهم من كتب يدرسونها وما أرسلنا إليهم قبلك من نذيــر) [سبأ :  44] .. لــذلك أبا النبي وأمه ناجــون بنص القرآن ،  فإن لم نؤول الحديث كما قلت نرفضه ولا نبالي ، لأنه يخالف قطعي الثبوت قطعي الدلالة (القرآن) ، والحديث ظني الثبوت ظني الدلالة .. ومالنا أن نشغل المسلمين بهذه الأمور والتي هي إختصاص الله سبحانه وتعالى .

 -   وفئة أخرى من السلفيين من لا يقول في الجهاد ولا يدرسون أحكامه ولا أحاديث الجهاد ولا حتى آيات الجهاد . فتحريك الأصبع أولى من تحريك المدفع عندهم .  والجهاد لا يعدله شيء في الإسلام ،  قال في الحديث الذي رواه البخاري :" دلني يا رسول الله على عمل يعدل الجهاد" ،  فقال صلى الله عليه وسلم :"لا أجد" ،  فأعاد عليه فقال صلى الله عليه وسلم :"لا أجد" ، فأعاد عليه  الثالثة ،  فقال صلى الله عليـه وسلم :"أرأيت لو صمت الـدهر لا تفطر ، وقمت الليل لا تفتر أو مستطيع أنت ذلك" قال :"لا" ، فقال صلى الله عليه وسلم :"فإنك لا تبلغ أجر المجاهد حتى يرجع"  .. وآيات الجهاد في القرآن تكاد لا تخلو منها سورة مدنية بالمال أو بالنفس أو بهما أو بالكلمة كمـا قـال رسول الله صلى الله عليـه وسلم :"أفضل الجهــاد كلمة حق عند سلطــان جائر" . وقال سيد الشهداء حمزة :"ورجل قام إلى إمام جائر فأمره ونهاه فقتله" .. فما بال هؤلاء الأخوة من السلف هدانا الله وإياهم يشتغلون في كل شيء بالإسلام إلا بالجهاد  . 

فئة ثالثة  : ولكن هناك فئات الآن من السلفية عرفت الطريق ،  فحملت الإسلام كلمة وعقيدة ومنهاجا وجهادا كما كان أبن تيمية ، وهؤلاء يمثلهم جبهة الإنقاذ الإسلامية في الجزائر بقيادة الدكتور عباسي مدني وعلي بلحاج ،  عجل الله بالنصر في الجزائر ، وفي مصر اليوم حركة جهادية سلفية توشك أن تطيح الحكم الظالم في مصر ، وفي السودان نصر للإسلام سلفي ، وكذلك كان في أفغانستان وهو في تركيا الآن ، فالحركة السلفية الآن تأخذ طريقها لقيادة المسلمين وإنتزاع الراية من المتشككين أو المتخاذلين أو المتاجرين بهذا الدين .  وحتمـا إن الله سيرعى هذه الحركة حتى تأخذ مداهــا في عـودة الإسلام إلى الحكم  . 

خامسا :  حركة الدعوة والتبليغ  :

وهناك على الساحة حركة التبليغ المسمون بالأحباب ،  وهذه الحركة أتباعها فيهم صفاء واقبال على الله ،  وقد انتشروا في العالم الإسلامي بل في العالم كله ، ولهم جهد مشكور في إرجاع كثير من المسلمين عن الغواية والضلاله ويصلون إلى أماكن نائية فينشرون كلمه الله ،  ولكن يؤخذ عليهم  :

 أولا  :  عدم تثقيف أتباعهم ، فهم يلتزمون بكتاب واحد كتاب "حياة الصحابة" وهذا لا يكفي ، فكثير منهم جهلة ولا أدري كيف يعلمون الناس .

 -  ثانيا :  هم لا يقولون في التدخل بالسياسة ،  وهم بهذا يفصلون الدين عن السياسة ،  أي يفصلون الروح عن الجسم في الإسلام ،  فالإسلام دين جاء لهداية البشرية وسياسة شؤونها ،  فإذا إعتقدوا هذه العقيدة - ونرجو الله أن لا يكونوا معتنقينها - خرج بهم هذا الاعتقاد عن الملة والعياذ بالله . وبالتالي هم لا يقولون بالجهاد ،  وهذا خطأ كبير خصوصا وأن أتباعهم في الأرض يعدون بالملايين ، فلو نظموا أنفسهم على أساس جهادي لكان الخير على أيديهم  .

 وأقدم نصيحة لأخواني أهل التبليغ أن يفهموا الإسلام كما هو ،  فلا يأخذوا بعض الأحكام ويتركون البعض إذ أن الرسول صلى الله عليه وسلم تركنا على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك ،  ونعوذ بالله أن يكونوا مثل أحبار بني إسرائيل الذين يقول الله فيهم ( أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزي في الحياة الدنيا ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب وما الله بغافل عن ما تعملون ) [ البقرة :  85 ] ..  والجهاد لا يعدله حكم من أحكام الإسلام ،  فهو ذروة سنام هذا الدين ،  وتكاد الجنــة تكون محرمة على غير المجاهدين في آيات كثيرة من كتاب الله ومنها قول الله تعالى ( أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب ) [ البقرة :  214 ] ..  والجنة لا يدخلها الأذلاء الذين رضوا بالذل والمهانة والله يقــول ( إن الذين توفاهم الملائكــة ظالمي أنفسهم قالوا فيما كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها فأولئك مآواهم جهنم وساءت مصــيرا ) [ النساء :  97 ] ..  وقد سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم :" أين نهاجر ؟ " ،  فقال صلى الله عليه وسلم :"لا هجرة بعد الفتح - أي فتح مكة - ولكن جهاد ونية وإذا أستنفرتم فأنفروا"  ..  هدانا الله وإياهم سواء السبيل  .

سادسا :  حركات مختلفة  :

 وهناك حركات إسلامية كثيرة متفرقة ويجب أن تلتقي جميعها في تيار إسلامي واحد لا تخوض في التفاصيل ولا في الخلافات المذهبية ولا الخلافات الشكلية ،  فالمرحلة التي نمر بها هي مرحلة عودة الخلافة على نهج النبوة التي بشر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديثه الذي رواه الإمام أحمد في مسنده حينما قال :"تكون الــنبوة فيكم ما شـاء الله أن تكون ثم يرفعها إذا شاء الله أن يرفعها ،  ثم تكون فيكم خلافة راشدة فتكون ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها ،  ثم تكون ملكا عاضا فتكون ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها ،  ثم تكون ملكا جبريا فتكون ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها ثم تكون خلافة على منهاج النبوة ..  ثم سكت" ، وقد جعل الله فلسطين هي المحور التي تلتقي عندها الحركات الإسلاميـة لتعمل على تخليصها من أيدي الكفار ،  وأي خلاف هو مضيعة للوقت ، وضعف للأمة ، وكل الحركات لا تختلف على كتاب الله وآيات الجهاد والأحاديث الصحيحة في ذلك ، ولا نريد أن نجعل حب الذات والتمسك بالشكليات يضعف أمتنا ، ويشتت الجهد كما يحدث الآن في أفغانستان ،  ومن العجيب أنهم هناك كل ينادي بالإسلام ، فما لهم يقتتلون على دنيا زائلة ،  ويقتلون الشعب معهم وإن الذي يحدث هناك يحير أصحاب الألبــاب ، فإذا إحتجوا بقتال علي - كرم الله وجهه - ومعاوية ،  فقد انتهى الخلاف بينهما في معركتين (معركة الجمل ومعركة صفين) ، ثم وحد الله المسلمين ببركة الحسن بن علي - رضي الله عنهما - حينما تنازل عن الخلافة لمعاوية عام الجماعة الذي بشر به الرسول صلى الله عليه وسلم حينما قال عن الحسن بن علي -رضي الله عنهما- :"إن إبني هذا سيد وسيصلح الله به فئتين عظيمتين من المسلمين"،  وأنتهت الحروب وعاد المسلمون وحدة واحدة ،  وتجاوز المسلمون الفتنة التي كادت تطل برأسها بعد مقتل الحسين -رضي الله عنه- ولعن الله قاتله ، مرة أخرى أصبح المسلمون وحدة واحدة وأنطلقوا يفتحون الأرض من جديد وينشرون دين الله ، فما بال هؤلاء الأفغان قد أستحوذ عليهم الشيطـان فأنساهم ذكر الله فأقتتلـوا لغير هـدف ؟!! ،  فدمروا كابل حيث لم يدمرها الروس .  فندعوهم باسم الله أن يعودوا إلى رشدهم وأن يحكموا القرآن في خلافاتهم لتعود الأفغان نجمة تضيء بعض الطريق بالرجوع إلى الله وقيام دولة الإسلام .  وبهذه المناسبة فإن زمام المبادرة في توحيد . الحركات الإسلامية يجب أن تقوم بها الحركة الأم (الأخوان المسلمون) فهي مسؤوليتهم الأولى بما يملكون من حركة دولية وقوى ونفوذ في جميع أنحاء العالم الإسلامي بل والعالم كله  .

 وهي كذلك مسؤوليــة الحركات الإسلاميــة لأن تتجاوب مع هذه الدعوة لتلتقي روافد الإسلام فتكون النهر العظيم الذي يجرف أمامه كل أسباب الخلاف والفرقة لتقوم دولة الإسلام الموعودة وينتصر المسلمون في الأرض وتتحرر الأرض المباركة .. وإني أبدأ بنفسي وبمن يتــأثر بقولي فأمد يدي لكـل من يمـد يده حتى نتعاون جميعا (وأعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا وأذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا) [ آل عمران : 103]  .. وخصوصا أن بوادر النصر الإسلامي قد بدأت تلوح بالأفق بسقوط أنظمة ، فالحكم في مصر يـترنح وهـو آيل للسقـوط ، والحكم في الجزائر يلفظ أنفاسـه الأخـيرة وهو لا يقوى على المقاومة ، وفي السودان نصر للإسلام .  وهو في تركيا بدأت تظهر الشعلة من تحت الرماد الذي حاول أتاتورك وخلفاؤه من بعده - لعنهم الله جميعا - أن يرجعوا الأتراك كفارا ،  فإذا هم في الانتخابات البلدية الأخيرة يصفعون الكفر كله والعلمانية خاصة وأتاتورك وخلفاءه وسيأتي اليوم القريب - بإذن الله - الذي ستداس أصنام أتاتورك المبثوثة في تركيا كما فعل في أصنام لينين وستالين من قبل ( ويومئذ يفرح المؤمنون *  بنصر الله ينصر من يشاء وهو العزيز الرحيم  ) [ الروم :  4 - 5 ]  .

 ويجب أن يتجاوز قادة الحركات الإسلامية في لقائهم وتوحيدهم عن الكثير مما لا يؤثر في الجوهر ولا في العقيدة ولا فيما علم من الدين بالضرورة .. النصر قادم والإسلام قادم ..  والفرقة إلى زوال ومقاومة الخلافة أو الدولة الإسلاميـة أصبح من المحال ، قال تعالى (ويقولون متى هو قل عسى أن يكون قريبا) [ الإسراء :  51 ]  .

 أسلوب الدعوة

 وإني إذ أتقدم إلى الحركات الإسلامية العاملة في الدعوة إلى الله وإقامة حكم الله في الأرض ،  أوجه لهم نصيحة وأبدأها بنفسي أن تكون الدعوة إلى الله بين الناس بالحكمة والموعظة الحسنة ،  والحكمة أن نضع الحكم الشرعي في موضعه فلا نرفع السنة المندوبة إلى مرتبة الواجب أو الفرض ،  فالله قد شرع أحكاما وحد حدودا فهو الذي شرع السنة ( النافلة ) شرعها بأن يثاب فاعلها ولا يعاقب تاركها ، وشرع الفرض بأن يثاب فاعله ويعاقب تاركه . ولذلك لما جاء الأعرابي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وسأله عن أركان الإسلام فقال له :"أن تشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله ، وإقــام خمس صلوات في الـيوم والليلة" ، قال : "هل علي غيرها ؟" ، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم :"لا إلا أن تتطوع ، وصوم شهر رمضان" ، فقال الأعرابي :"وهل علي غيره ؟" ،  قال رسول الله :"لا إلا أن تتطـوع وإيتــاء الزكـاة" ، قال الأعرابي :"وهل علي غيرها ؟ " ،  فقال الرسول :"لا إلا أن تتطوع" ،  فقال الأعرابي :" والله لا أزيد على هذا أو أنقص" فقال الرسول :"أفلح الأعرابي إن صدق" أو كما قال عليه الصلاة والسلام  .

 ولذلك لا يصح للدعوة الإسلاميــة أن تشغل نفسها بالتشدد في الدعوة إلى النوافل وأن تترك الفروض والواجبات ، وأخص بالذكر سلفي الجزائر وأعني "جبهــة الإنقاذ الإسلامية" ، وهم على أبواب إستلام الحكم بإذن الله ،  فيجب أن يأخذوا الشعب الجزائري بالرفق والمحبة والموعظة الحسنة وأن لا يلوحوا بالعصا الغليظة ، وأن يكونوا في لين مع المسلمين لا إرهاب ولا تخويـف والله يقول لنبيه (فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لأنفضوا من حولك فأعف عنهم وأستغفر لهم وشاورهم في الأمر) [ آل عمران : 159 ] .

 والعفو لا يكون إلا مع الخطأ فإذا لم يكن هناك خطأ فلا معنى للعفو ،  والإستغفار يكون للخطيئة وإذا لم تكن هناك خطيئة لم يكن هناك معنى للإستغفار ويكون ذلك إذا لم تكن هناك إشهار بالمعصية وتحد لله ،  فعند ذلك يأتي قول عثمان - رضي الله عنه - إن الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن ،  والآن الإقبال من الرجال والنساء على الله يشكل التيار الأكبر في المجتمع ،  ولا يصح أن نأمر المرأة أن تضع الحجاب على وجهها وخصوصا أن الصحوة الإسلامية ستشمــل الأرض ، فإذا قلنا للمـرأة في الـغرب ضـعي الغطاء على وجهك وهي لم تعرف هذا ولا هي ولا أمها ولا جدتها خصوصا وأن المرأة في الغرب قد خرجت من جميع ملابسها ، فإذا أرغمناها على تغطية الوجه أبعدناها عن هذا الدين والهداية وبذلك نكون قد إرتكبنا إثما ، ويجب أن لا تخاف المرأة المسلمة الآن من الإسلام القادم للحكم ،  فإن الإسلام يعطيها الحياة الكريمة والطهارة النقية ،  ولذلك بدأت النسوة يشعرن بحلاوة الإسلام وطهارته ، وشعرت أنه يجعل من إسرتها أسرة متراحمة متعاطفة مترابطة لا مكان للنجاسة فيها .. ولذلك الآن الإقبال من النساء المثقفات على الحجاب كبير في جميع شرائح المجتمع فمنهن أستـاذات الجامعات ومفكرات حتى وصل الأمر إلى الفنــانات ،  فتبن عما أرتكـبن وأقبلن على الله وصدق فيهن قولـه تعالى ( إنمــا التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالـة ثم يتوبون من قريب فأولئك يتوب الله عليهم وكان الله عليما حكيمـا ) [ النساء :  17 ]  . 

ولذلك مهمة الدعاة والحركات الإسلامية أن لا تنفر النساء ولا الرجال وأن تبشر .  وإني أتوجه إلى الثورة الإسلامية في مصر بالذي قلت وبشيء آخر وهو ألا يتعرضوا للأقباط بسوء ،  لأن الأقباط من أهــل الذمــة وقد أوصى بهم الرسول صلى الله عليه وسلم فقال :"إذا فتحت عليكم مصر فأستوصــوا بأقباطهــا خيرا فإن لكم فيهم نسبا وصهرا " ، وقال الرسول صلى الله عليه وسلم أيضا :"من عادى ذميـا فقد عاداني ومن عادى ذميا فأنا خصمه يوم القيامة " أو كما قال عليه الصلاة والسلام  .

 فنحن مكلفون بأن نحمي أهل الذمة أعراضهم ودماءهم وأموالهم ،  ومن قتل منا دون ذلك فهو شهيد إلا أن تثبت على هذا الذمي أو القبطي خيانة للعهد وموالاه لأعداء الأمة ،  فإنه يجري عليه عندئذ الحكم الذي يجري على المسلم إذا فعل ذلك  . 

فلا يصح لنا كدعاة أن نتصور المجتمع مجتمع ملائكة لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون ،  فخير المجتمعات عبر التاريخ مجتمع رسول الله صلى الله عليه وسلم ومع هذا كان فيه المخطئون والآثمون لأن هذا من طبيعة البشر ، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول فيما يرويه أبو بكر -رضي الله عنه- :"إن لم تخطئوا وتتوبوا يذهب الله بكم ويأتي بقوم يخطئون ويتوبون"  ، وفي حديث آخر :"كل أبن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون" .. والدعوة الإسلامية وهي مقبلة إلى إقامة الدولة الإسلامية يجب أن تقبل على الناس بوجه سمح ، قال تعالى  (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين) [ الأنبياء : 107] ، ويمثلها قول الرسول صلى الله عليه وسلم :"إذهبوا فأنتم الطلقاء"  .

 وهكذا فعلت الرحمة فعلتها والتسامح فعله والعفو فعله فأقبل الناس يدخلون في دين الله أفواجا ،  وكذلك نحن اليوم حينما يستلم الإسلام الحكم نعطي المخطيء الفرصة لأن يتوب ويرجع إلى الله ففي رحمة الله سعة للجميع  .

 

الهجرة من الأرض المبـاركة

 خرج علينا أحد العلماء ممن لهم تأثير في كثير من الناس ويحمل أقواله تلاميذ منتشرون في العالم العربي والإسلامي ، خرج علينا بفتوى :"أن أهل فلسطين يجب عليهم أن يهاجروا ، ولا يبقوا تحت حكم يهـود ، وأن هذا واجب شـرعي" .

 وقد أحدثت الفتوى ضجة كبيرة عند المسلمين ، وهذه الفتوى تخالف الشرع إذ أن الإسلام في مثل حالة فلسطين يحرم الهجرة وإليكم البيان  :

 -   أولا : أذن الله لنبيه صلى الله عليه وسلم بالهجرة بعد أن استعصت مكة فلم تعد تسمع الخير ولا تلين منها القلوب للإيمان ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد أمر أصحابه بالهجرة إلى الحبشة مرتين في خلال ثلاث عشر سنة التي قام بها في الدعوة بمكة رحمة بأصحابه ، وإنقاذا لهم من التعذيب ، لأن أكثر الذين أسلمـوا في مكة في بدء الدعـوة كانوا من العبيد والمستضعفين والذين لا سند لهم ولا قــوة عشـائريـة تحميهم ، وكذلك أسلم قليـل من السـادة . فلما أذن الله لنبيـه بالهجـرة وكان ذلك قبـل فرض الجهـاد ، نزل عليه وهو في الطريق بين مكة والمدينـة قـول الله تعــالى (أذن للذين يقاتلــون بانهم ظلمــوا وإن الله على نصرهم لقدير * الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله) [ الحج : 39-40] .. 

 فكان ذلك إيذانا بالجهاد وبدء المعركة بين الكفر والإيمان ،  بين الرسول وأصحابه من جانب وبين المشركين والكفار من جانب آخر . وهذه المعركة لم تنقطع من ذلك الحين حتى يومنا هذا ،  فهي مستمرة في فلسطين والبوسنة والهرسك وفي كشمير والهند وفي الفلبين وتايلاند وفي السودان وفي الجزائر وفي مصر وفي لبنان وفي الجزيرة العربية في السعودية وحارات الخليج وهي الآن في اليمن وفي غيرها  .

 -   ثانيا : نزل على الرسول صلى الله عليه وسلم الأذن بالهجرة وحرمت القعود تحت راية الكفـار والرضـوخ لهم ، وأن يعيشوا مستضعفـين وأن الذي يموت على هذه الحالة مآواه جهنم وبئس المصير ، في قوله تعالى (إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيما كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها فأولئك مآواهم جهنم وساءت مصيرا * إلا المستضعفين من الرجـال والنساء والولدان لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا  * فأولئك عسى الله أن يعفو عنهم وكان الله عفوا غفورا ) [ النساء :  97 - 99 ] ..  ولقد خصص الحديث الصحيح هذه الآية حينما سأل الصحابة الرسول صلى الله عليه وسلم :" أين نهاجر ؟ " ،  فقال صلى الله عليه وسلم :"لا هجرة بعد الفتح -فتح مكة- ولكن جهاد ونية ، وإذا أستنفرتم فأنفروا"  .

 ولقد فرض الله الجهــاد على النبي والمسلمين في حياته ومن بعده ،  ولو لم يبق من المسلمين إلا الرسول صلى الله عليه وسلم أو مسلم واحد في الأرض لقوله سبحانه وتعالى ( فقاتل في سبيل الله لا تكلـف إلا نفسـك وحرض المؤمنين عسى الله أن يكف بأس الذين كـفـروا والله أشد بأسا وأشد تنكيلا ) [ النساء :  84 ]  .

 -   ثالثــا : في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم :"الجهاد ماض إلى يوم القيامة لا يبطله عدل عادل ولا جور جائر وإذا إستنفرتم فأنفروا" .  فنحن مكلفون بنص هذا الحديث أن نقاتل وراء كل حاكم من حكام المسلمين سواء كان عادلا أو ظالما ،  فلا يشترط في المعركة عدل الحاكم  . 

-   رابعا : المعركة بيننا وبين يهود ليست معركة استعمارية ، ولكنها معركة بقاء أو عدمه وهي تهدف إلى إخراج المسلمين من الأرض المباركة وإستيطان يهـود محلهم ، وأي خروج للمسلمين من الأرض المباركة برضاهم هو خدمة للكفار ومن يدعو إليه يخدم يهود بعلم أو بغير علم  .

 -   خامسا : إن الهجرة تكون إلى بلد يقام فيه الإسلام وتطبق فيه حدوده وأحكامه ، وديار الإسلام أصبحت الآن ديار كفر ، تطبق فيها الأحكام الكافرة ،  لأن العالم شرعا ينقسم إلى قسمين ديار كفر وديار إسلام .  وقد عرف الفقهاء دار الكفر بأنها الأرض التي تطبق فيها أحكام الكفر ولو كان جل أهلها من المسلمين،  ودار الإسلام هي التي تطبق فيها أحكام الإسلام ولو كان جل أهلها من الكفار  .

 فإلى أين يهاجر أهل فلسطين يا فضيلة الشيخ ؟!! وأين هي الأرض التي يطبق فيها الإسلام الآن ؟! أليست هذه دعوة للإنتقال من دار كفر إلى دار كفر؟.  فإن قلتم يهاجرون إلى بلد تقام فيه الصلاة ففي فلسطين لم يمنع اليهود المسلمين الصلاة فيها ورفع الآذان  .

 وواجب العلماء والدعاة أن يحرضوا على المعركة ، وأن يدعوا الناس للجهاد والاستشهاد كما يفعل أهل فلسطين وأهل البوسنة والهرسك وأهل كشمير وأهل الجزائر ومصر وغير الجزائر وغير مصر  .

 إن أهل فلسطين منذ ست وسبعين سنة لم يتوقفوا عن تقديم الشهداء والجرحى والمعوقين ،  مما جعل رابين قبل أسبوعين يقول :"منذ ست وسبعين سنة لم نذق طعما للسلام" وذلك بفضل جهاد أهلها وقتالهم في سبيل الله  .

 وبهذه المناسبـة فإن يهـود محاربون تباح دمائهم وأموالهم ولا حرمة مطلقة لهـا .  فكل مـال يهـود يدخل في باب الغنـائم وكذلك مال كل من يعاونهم من الكفـار والله يقول (لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكـم من دياركم ولم يظاهروا على إخراجكم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسـطين * إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركـم وظاهروا على إخراجكم أن تولـوهـم ومن يتولهم فأولئـك هم الظالمـون) [ الممتحنة :  8 - 9 ]  .

 واليهـودي في فلسطين مغتصب ولا حرمة للمال المغتصب ، فالمسلم حينما يأخذ من مال يهـود فهو يأخذ بعض ماله الذي أغتصب منه ، ففلسطين لأهلها ، وأهلها حتى سنة (48) كانوا يملكون  (95.4 %)  منها . ولذلك البيارة في فلسطين ليست ليهود فأغتنامها حلال ، والمصنع ليس ليهود فتخريبه واغتنامه حلال ،  والمتجر ليس ليهود فأخذ ماله غنيمة . وهذه الغنيمة من أطيب رزق الله لعبـاده ،  وكل من يخالـف هذه الفتــوى من العلمـاء أو ممن يحسبـون على العلم يخالفـون القرآن ويخالفون قول الرسول صلى الله عليه وسلم حينما قال :"أحلت لي خمس لم تحل لنبي قبلي -ومنها- الغنـائم"  .

 ولقد سمى القرآن الكريم سورة باسم الأنفال (الغنائم) ،  قال تعالى (يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول فأتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم وأطيعوا الله ورسوله إن كنتم مؤمنين) .. وفي نفس السورة يقسم الله الأنفال (الغنائم) (وأعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل إن كنتم آمنتم بالله وما أنزلنا على عبدنا يوم الفرقان يوم إلتقى الجمعان والله على كل شيء قدير) [ الأنفال : 41 ]  .

 وهكذا مال الكفار يقسمه الإمام أو قائد المعركة ،  والقول بغير ذلك هو خروج عن فقــه الإسـلام وفقـه المعركة وتحريم ما أباح الله بل ما أوجبه الله ،  والله يقول بأوضح بيان ( فكلوا مما غنمتم حلالا طيبا وأتقوا الله إن الله غفور رحـيم ) [ الأنفال :  69 ]  . 

فمن الجهل الفاضح ، والغفلة الكبيرة ، وفي كثير من الأحيان مسايرة حكام الهزيمة الذين يسعون لبقاء دولة إسرائيل ، يقول بعض الذين ينتسبون للعلم ذلك زورا وبهتانا يقولون :"إن لمال يهود في فلسطين وخارجها حرمة" مسايرة وتبعا لهوى الحكام . والرسول صلى الله عليه وسلم يقول :"لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به"  .

 

فـادع أهـل فلسطين في الداخـل أن يأخذوا مال يهود بكل وسيلة مستطاعة ، خفية أو جهرة ، وأن ياخذوا من مال يهود في الخارج ممن يثبت أنه يدعم يهود في داخل فلسطين ، وكذلك مال كل من يساعد يهود (طوعا وأختيارا) فماله حلال. وهذا الحكم عام للمسلمـين في جمـيع أنحاء الأرض الذين يقاتلهم الكفار والله يقول (لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين * إنما ينهـاكم الله عن الذين قاتلـوكـم في الدين وأخرجـوكم من دياركـم وظاهروا على إخراجكم أن تولوهم ومن يتولهم فأولئك هم الظالمـون) [ الممتحنة :  8 - 9 ]  .

 ونرجو من الشيخ الجليـل أن يراجع فتـواه وكمـا قـال عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- في رسالته المشهورة إلى أبي موسى الأشعري -رضي الله عنه- :"ولا يمنعك قضاء قضيته ثم تبين لك أن الحق في غيره أن ترجع إلى الحق فإن الحق قديم"  .

 والله المستعان ،،

انتهى