الصفحة الرئيسية > المؤلفات > الغيب في المعركة والتغيير الكوني > 2

( 2 )

الغيب في المعركة والتغيير الكوني

 الغيب 

 هو ما لا يقع تحت الحواس الخمس ،  لا تراه بعينك ولا تسمعه بأذنك ،  ولا تحسه بيدك ،  ولا تشمه بأنفك ،  ولا تذوقه بلسانك ،  لكنه موجود ملموس بأثره ،  مرئي من خلال خلقه ،  مسموع من خلال كلامه ،  معروف من خلال مخلوقاته ،  متصل بخلقه من خلال كتبه وأنبيائه  . 

والغيب هنا هو الإيمان بوجود الله جل جلاله ،  الذي لا يؤمن الإنسان إلا إذا آمن به ( ألم * ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين * الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون ) [ البقرة :  1 - 3 ] ..  وإن كانت كلمة ( الغيب ) تشمل أكثر من ذلك من مخلوقات الله ، فالجنة غيب ،  والنار غيب ،  والبعث غيب ،  والحساب غيب ،  والصراط غيب ،  وخلود المؤمنين في الجنة غيب ،  وخلود الكفار في النار غيب ،  والملائكة غيب ،  والجن غيب وعذاب القبر غيب  .

 الـغيب الـذي نؤمـن به هـو مـا جـاء فـي الـقرآن أو الـحديث الصحيح ،  ولكن الغيب الذي نحن بصدده وليس هناك إيمان بدونه ،  هو الإيمان بوجود الله سبحانه وتعالى أو كما جاء في الحديث الصحيح ""  أن نؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر ،  والقدر خيره وشره من الله تعالى  ""  كما ورد في البخاري  .

 وتاريخ البشرية منذ خلق آدم وما جرى بينه وبين إبليس في الجنة ،  بعد أن أغواه إبليس فأنزله الله إلى الأرض عقوبة له على مخالفة أمره ،  والمعركة دائرة بين خط الله المتمثل بأنبياء الله ورسله وكتبه ،  وبين إبليس وأعوانه من شياطين الإنس والجن والذين يمثلون هذا الخط ( خط إبليس ) هم الذين لا يعبدون الله ولا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر  .

فالمعركة معركة النبوة مع أعداء الله ،  وهذا التاريخ الحقيقي لبني البشر وليس كما يقول الماديون والعلمانيون الذين كانوا يمثلهم الفكر الإلحادي الشيوعي ،  والذي إنهار قبل إنهيار الاتحاد السوفياتي والحزب الشيوعي ،  والذي كان يمثل أكبر فلسفة كاذبة خادعة في تاريخ البشرية  . والذي سيلحق به بإذن الله الفكر الرأسمالي العلماني ،  الذي يفصل الدين عن الحياة ،  ليعيش الإنسان في بهيميه حمقاء ،  وفي تفسخ ورذيلة وفي عناء وشقاء  .

 إن هذا الغيب الذي يعنينا في هذا الكتاب ،  والذي لا نريد به كتابا يضاف إلى المكتبة الإسلامية فقط ،  ولكن يراد به أن يأخذ من القرآن والسنة (الغيب) ،  ما يبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات بأن لهم نصرا موعودا ومجدا مأمولا ليضاف إلى مجدهم السالف ،  وليظهره الله على الدين كله ولو كره المشركون ولو كره الكافرون  .

فهذه الدنيـا لا تعيش هملا ولا تحيا انفلاتا ،  وإنما قعد الله لها القواعد في الكون والإنسان والحياة ،  فإذا سارت على هدى من اللـه أمنـت وعاشـت في ظـل رحمـة الله ،  تعبد الله بأمن وطمأنينة ( وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ) [ الذاريات : 56 ] ،  وإذا انحرفت عن خط سـيرها الإلهي اضطربت وأرتبكت وعاقبها الله بإحدى سننـه الموجـودة فـي الكون ،  وبأسـلحتـه التي لا تحصى ولا تعد ( الأمراض ، الأعاصير ، الحرائق ، الزلازل ، الفيضانات ، الحروب الأهلية . . . الخ )  .

 فنحن أمة أوجدها القرآن .  فيه كلام الله في الحياة والكون والإنسان ، وكذلك أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم التي هي جزء من الوحي تفصل وتبين وتوضح ما أجمل من أحكام القرآن ،  فالقرآن هو الوحي المتلو ،  والسنة هي الوحي الغير المتلو ،  في حديث مسلم ""  أن الرسول صلى الله عليه وسلم جلس على المنبر ذات يوم من الفجر حتى الظهر ومن الظهر حتى العصر ومن العصر حتى المغرب - قال راوي الحديث الحذيفة بن اليمان - وبدأ بنا يحدثنا صلى الله عليه وسلم كيف بدأ الله خلق الخلق ،  ثم سار بنا حتى أدخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار ، وما من فتنة حتى قيام الساعة إلا وحدثنا عنها ،  فحفظ من حفظ ونسي من نسي وأعلمنا أحفظنا ""  .

 ولذلك نجد في كتب السير والأحاديث وفي باب الفتن وفي علامات الساعة هذا الصحابي يروي هذه الحادثة عن علامات الساعة ،  وأخر يروي حادثة أخرى من علامات الساعة وهكذا كل صحابي يروي بما حفظ من علامات الساعة  .

 والذي يعنينا من الغيب الآن أمرين اثنين  :

   أولا  :   حتمية نصر الإسلام بعد هذه الإنتكاسة الكبرى التي لحقت بالمسلمين في هذا القرن والقرنين الذي قبله  .

   ثانيا  :   حتمية زوال دولة إسرائيل ،  التي هي القضية المركزية في حياة المسلمين الآن  . 

 الغيب في حياة الرسول الكريم
( صلى الله عليه وسلم)

-   الغيب في العهد المكي  :

 وحينما نتحدث عن الغيب ، نعني به ما جاء في القرآن والسنة الصحيحة ،  ونرفض ( الدجل ،  والكذب ، والتنجيم  والإستعانة بالشياطين ) ..  حيث أن هذا الدين من أول يوم بعث فيه الرسول صلى الله عليه وسلم إلى أن لقي ربه ،  كانت حياته معتمدة على الغيب ،  أي معتمدة على الله وحماية الله ونصر الله له  .

فحينما نزل عليه الوحي في مكة ( في غار حراء ) وجاءه جبريل ،  وكان قد فر بنفسه من حياة مكة الوثنية بكل ما تحويه من آثام وإنحرافات أشقت الإنسان ،  وقد كان الله سبحانه وتعالى قد هيــأه صلى الله عليه وسلم لحمل هذه الرسالـة ،  فلم يسجد لصـنم قط ،  لم ولم يرتكب محرما قط ،  وكان يفر بنفسه للغار للتفكر في خلق السماوات والأرض .  فينزل علي،ه جبريل ،  فيضمه إليـه ويقول له : " إقرأ " ،  وكان الرسول صلى الله عليه وسلم أميا لا يقــرأ ولا يكتب ،  قال : ""مـا أنا بقــارىء"" ، فيضمه إليـه مــرة أخــرى فيقول :" إقرأ " ،  فيقول :"" ما أنا بقارىْء ""،  فيضمه الثالثــة ويقــول له : " إقرأ " ،  فيقـول :""  ما أنا بقارىء ""،  ثم يقــول لــه :  ( إٌقــرأ باسم ربــك الذي خلق * خلق الإنسان من علق * إقــرأ وربـك الأكــرم * الـذي علــم بالقلم * علم الإنسـان مالـم يعلـم ) [ العلق : 1 - 5 ] ..  فيعود الرسول صلى الله عليه وسلم إلى بيته عند زوجته خديجة مضطربا خائفا ،  فيطمئنه عمها ورقة بن نوفل ،  وكان من أهل الكتاب ولم يكن وثنيا ،  فيقول له :  هذا الناموس الذي أنزل على موسى عليه السلام  .

 وهنــا يبرز الغيب في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم ،  يسير معه خطوة فخطوة ،  ويأمره ربه بأن ينذر عشيرته الأقربين بأنه رسول رب العالمين ( وأنذر عشيرتك الأقربين ) [ الشعراء : 214]  ..  فيقف على الصفا وينادي أفخاذ قريش من عبد مناف وعبد المطلب وبني هـاشم ،  وكان الرسول معروفـا لديهم بالأمـانة والصدق ،  فيقول لهم صلى الله عليه وسلم :"لو أخبرتكم بأن خيلا في بطن هذا الوادي تريد مكة أومصدقي أنتم ؟ قالوا : نعم ،  ما عهدنا عليك كذبا" ،  فقال صلى الله عليه وسلم :"إني رسول الله إليكم وإلى الناس كافة" ..  فيكذبه قومه  .

 وتستمر المعركة بين الرسول صلى الله عليه وسلم وبين أهل مكة ثلاث عشرة سنة ذاق الرسول والذين آمنوا معه الأمرين ،  عذاب وضرب وإهانة ،  ولكنه كان واثقا من النصر ،  لأنه رسول رب العالمين ،  وهذا العذاب الذي ذاقه في مكة هو وأصحابه درس للمؤمنين من بعده ،  والدعاة من خلفه ،  إنه إذا كان الرسول قد عذب ،  فما لكم لا تعذبون ؟ ،  وقد صبر فلماذا لا تصبرون ؟ ،  ولقد إنتصر فلماذا لا تنتصرون ؟ ،  فالذي نصر محمدا هو الله ،  والذي ينصركم هو الله  .

 وتغلق مكة أسماعها وتتجمد قلوبها إلا قليلا من السادة وكثيرا من العبيد والمستضعفين ،  الذين فروا من العذاب إلى الحبشة مرتين ،  ليعبدوا الله في هدوء وطمأنينة ،  ويخرج الرسول إلى الطائف لعل أهلها يسلمون ،  فيجتمع مع سادة ثقيف عبد ياليل وأخوانه ،  فيرفضون الإسلام ،  فيقول : "" اكتموا عني - أي لا تخبروا الناس - أني قد جئتكم "" ،  ولكنه الكفر دائما ، وأنى للكفر أن يصدق في عهد أو ميثاق  .  فيسلطون عليه صبيانهم ومجانينهم يلاحقونــه ويقذفونـه بالحجــارة فينزل الـدم من رجليه الشريفتين صلى الله عليــه وسلم حتى أوى إلى حائط عتبــة بن ربيعــة أحد سادة قريش  .

 فينــادي ربه بهذا الــنداء الجميــل :""  اللهم إني أشكـو إليك ضعف قوتي وقلة حيلتي وهواني على الناس ،  يا أرحم الراحمين ،  أنت رب المستضعفين ،  أنت ربي إلى من تكلني ،  إلى عدو يتجهمني أم إلى قريب ملكته أمري ،  أعوذ بنور وجهك الذي أضاءت به الظلمات وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة أن يحل بي غضبك أو أن ينزل علي سخطك ،  إن لم يكن بك علي غضب فلا أبالي ولكن عافيتك أوسع لي لك العتبى حتى ترضى ولا حول ولا قوة إلا بالله  ""  .

 وهنا يعمل الغيب ،  فينزل جبريل عليه السلام ومعه ملك الجبال فيقول له :  " لو أمرتني لأطبقت عليهم الاخشبين " - يعني جبلي مكة - ،  فيجيبه صلى الله عليه وسلم :"" أللهم إهد قومي فإنهم لا يعلمون ""  .

 وفي السنة العاشرة من البعثة ،  يقع الرسول صلى الله عليه وسلم في إمتحان عسير إذ يموت عمه "أبو طالب" الذي كان يحميه ،  وزوجته "خديجة" التي كان يركن إليها فيرى فيها السكون والهدوء والراحـة ،  فتخفف من آلامه ،  فيرحم الله نبيه فيسري عنه فتكون حادثة الإسراء من مكة إلى القدس ،  لتصبح القدس وفلسطين وبلاد الشام جزءا من عقيدة المسلمين ،  فيحيي الله له الأنبيـاء ويؤمهم في القدس ( المسجد الأقصى ) ،  وهذه بيعة منهم إليه بأن دينه هو خاتم الأديان التي سينقذ البشرية إلى يوم القيامة ،  ويعرج به من القدس إلى السماء ،  فيرى من آيات ربه الكبرى ،  ( ولقد رآه نزلة أخرى * عند سدرة المنتهى *  عندها جنة المأوى *  إذ يغشى السدرة ما يغشى * ما زاغ البصر وما طغى * لقد رأى من آيات ربه الكبرى ) [ النجم : 13 - 18 ]  .

 ويضطرب المجتمع في مكة ،  ويرتد بعض من آمن حديثا حينما أخبرهم الرسول بأنه ذهب إلى القدس ،  وأنه صعد إلى السماء في ليلته هذه ،  وها هو بينهم ،  ( وهؤلاء المرتدون من البشر ) والبشر غير المؤمنين لا يفكرون إلا تفكيرا ماديا يربطون الأسباب بالمسببات ،  ولكن لله في خلقه خطا آخر ،  فهو الذي أمر بربط الأسباب بالمسببات ،  فالنار تحرق ،  والسكين تقطع .  وفي دعوته لهداية البشر يرسل الرسل ويأتي على أيديهم بمعجزات لا يربط فيها الأسبـاب بالمسببات ،  فإبراهيم عليه السلام يلقى في النـار فلا يحـترق ،  والسكـين لا تقطع رقبة إسماعيل عليه السلام ،  وعصا موسى عليه السلام تلقف ما يأتي به سحرة فرعون ،  وعصا موسى عليه السلام تفلق البحر إلى إثني عشر طريقا ،  وعيسى عليه السلام يحي الموتى بإذن الله ،  ويبرىء الأكمه والأبرص بإذن الله . .  وهكذا كل الأنبياء لهم معجزات خاصة بهم تناسب أمتهم وزمانهم  . 

فالمعجزة بالنسبة للأنبياء أمر خارق للعادة يأتي على يدي نبي على سبيل التحدي لقومه ،  ليعجزهم أن يأتوا بمثلها ،  ومن هذه المعجزات معجــزة الإســراء والمعراج ، وبما أن محمدا صلى الله عليـه وسلم الرسول الأخير والخاتم ،  فمعجزته في الإسراء والمعراج كانت معجزة في عهدها ،  وهي الآن معجزة في عصر الصواريخ والسفن الفضائية ،  فمهما أكتشف العلماء من سنن الله في الكون في علم الفضاء والصواريخ ،  والمركبات الفضائية ،  فهي لا تصل ولن تصل إلى معجزة الله في نقل محمد صلى الله عليه وسلم إلى القدس وصعوده إلى السماوات العلى إلى سدرة المنتهى ..  فالبشر يستعملون الطاقة بأشكالها ،  ومحمد حمله البراق وصعد به المعراج بغير الطاقة  .

 وهنـاك الكرامة ،  وهي أمر خارق للعادة تأتي على يد ولي من أولياء الله لا على سبيل التحدي لقومة ،  ولكن على سبيل إكرام الله له ،  كما حصل مع أبي مسلم الخولاني ،  الذي ذهب إلى اليمن في عهد رسول الله صلى الله عليـه وسلم وكان الأسود العنسي في الـيمن قد إدعى الـنبوة مع من إدعى النبوة من المرتدين العرب ، فأستدعــاه الأسـود العنسي وقال له : " هل تشهد أن محمدا رسول الله ؟ " ،  قال أبو مسلم :" نعم " ، قال الأسود :" هل تشهد أني رسول الله ؟ " ، قال أبو مسلم :" لا أسمع " . فأمر الأسود العنسي بإيقاد نار فقذفه فيها ،  فلما خمدت النيران وجدوه يصلي في داخلها ..  كرامة له ومعجزة لمحمد صلى الله عليه وسلم ،  إذ لولا إيمانه بالله وبمحمـد رسـول الله صلى الله عليــه وسلم لمـا نجى من النار ،  فلما رجع أبو مسلم إلى المدينة وكان الرسول الله صلى الله عليه وسلم قد توفي وتولى الخلافة أبو بكر الصديق ،  فأجلسه عمر بن الخطاب بينه وبين أبي بكر وقال :" الحمد لله الذي جعل من أمة محمد صلى الله عليه وسلم من يقذف في النار فلا يحرق كإبراهيم عليه السلام "  .

الغيب في الهجرة  :

 ولما استعصت مكة على الهداية كان لا بد للدعوة من أن تنطلق ،  فأذن الله لنبيه بالهجرة ، بعد أن إستجابت المدينة إليه في موسمين من مواسم الحج ، وبعد أن هيأها مصعب بن عمير - رضي الله عنه - ،  وكان الرسول صلى الله عليه سلم قد أرسله معلما إلى المدينة ،  ولما رجع إليه قال :  " يا رسول الله ،  لم أتـرك بيتا في المدينة إلا وذكر فيه الإسلام " ،  فيأذن الرسول صلى الله عليه وسلم لأصحابه بالهجرة ،  وكانت قريش قد قررت إغتياله بشكل جماعي حتى يتفرق دمه بين القبائل فلا تستطيع بنو هاشم محاربة ومقاتلة قريش كلها  .

 ويبدأ الغيب يعمــل ،  فيخرج الرسول عليــه السلام من بيتــه وهـم نيــام فيضع الــتراب على رؤوسهـم وهو يتلـو قـول الله تعالى ( وجعلنا من بين أيديهم سدا ومن خلفهم سدا فأغشيناهم فهم لا يبصرون ) [ يس : 9 ] ..  وينــام علي بن أبي طالب - كرم الله وجهه - في فراشه تضليـلا لقريش ويختبىء هو وأبو بكر في غار ثور ،  وتعلن قريش مكافئة مائة من الإبل لمن يأتي بالرسول حيـا أو ميتا .  ويعمل الغيب مرة أخرى ،  فتصل قريش إلى باب الغار غار ثور فيضطرب أبو بكر خوفا على حياة الرسول صلى الله عليه وسلم فيقول :  يا رسول الله لو نظر أحدهم إلى موضع قدميه لرآنا ،  فيجيب الرســول صلى الله عليــه وسلم إجابة الواثــق بحمــاية الله لـه :"" يا أبا بكر ،  ما ظنك باثنين الله ثالثهما  "" ،  ( إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني إثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا فأنزل الله سكينته عليه وأيده بجنود لم تروها وجعل كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة الله هي العليا والله عزيز حكيم ) [ التوبة :  40 ] ..  ويسير الرسول صلى الله عليه وسلم وأبو بكر في رعاية الله ويمرون في الطريق على أم معبد ،  إمرأة من العرب تعيش ضنك العيش ،  وعندها شاة لا تقوى على القيام لهزلها وضعفها ،  فيقول لها الرسول صلى الله عليه وسلم :""  هل عندك من لبن تسقيه لنا  "" ،  فأخبرته أن زوجها يرعى الغنم بعيدا وأنه لا يوجد عندها غير هذه الشاة الضعيفة التي لا تقوى على الحراك ،  فيمسها الرسول صلى الله عليه وسلم بيده الشريفة ويمس ضرعها فتفيض حليبا فتحلب أم معبد لهم فيشرب ثلاثتهم الرسول صلى الله عليه وسلم وأبو بكر والدليل ،  فلما رجع زوجهـا إلى البيت وأخـبرته الخبر بأنه مر بنــا رجل مبــارك وقصت عليه قصتها معه .  فقال لها :  لعل هذا صاحب قريش الذي تبحث عنه  .

 ويلحق سراقة بن مالك بالرسول صلى الله عليه وسلم لعله يقبض على الرسول فيفوز بالمائة من الإبل التي أعلنتها قريش لمن يأتي بالرسول حيا أو ميتا ،  وهنا يظهر الغيب الذي لم يتخل عن رسول الله لحظة واحدة فتكبو في سراقة بن مالك فرسه مرة ومرة ومرة ، فيلتفت الرسول صلى الله عليه وسلم إليه ويقول :"" إرجع يا سراقة ولك سوارا كسرى  "" ، وأظنه عاد ولسان حاله يقول :" أي رجل هذا من قريش الذي سيأخذ سواري كسرى "  ،  ويرجع سراقة وهو متعجب من هذا الوعد ،  ولعله يقول في نفسه :" لعلها ضربة شمس أصابت الرجل "..  وتمضي الأيام فإذا سعد بن أبي وقاص في إيوان كسرى ،  وإذ هو يصلي ثمان ركعات بتسليمة واحدة ،  صلاة النصر ، لم يلتفت للقصر وما فيه من زخارف وأثاث ورياش تأخذ بألباب أي إنسان ، وكانت من بينها سجادة مرسوم عليها بلاد فارس بخيوط من الذهب والفضة وجبالها من الجواهر، ولما وصلت السجادة إلى عمر في المدينة قسمها بين الصحابة ،  فباع علي - كرم الله وجهه - حصتـه منهـا بعشرين ألـف دينـار ذهب ،  وليست حصته بأجودها .  لم يلتفت سعد وجنده إلى هذا كله ،  لأن الإيمان قد عمر قلـوبهم ،  لأنهم يعلمـون أن الـنصر من عند الله وإنما هم من جند الله ،  فلما وصلت الغنائم إلى عمر بن الخطاب في المدينة ومنها جواهر كسرى ومن ضمنها الأساور فينادي عمر سراقة بن مالك فيقول له : " خذ سواري كسرى صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم "  .

 وهكذا حينما كنا نخبر بأن الكرملين سينهار وتنهار معه الدولة الالحادية والحزب الشيوعي ، وقد كنا نبشر بهذا الإنهيار قبل وقوعه استنادا إلى الغيب والوحي في قوله تعالى (ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون) [التوبة : 33] وغيرها من الآيات والأحاديث ، وكان بعض الناس حينما يسمعون ذلك يسمعونه بإستخفاف وإزدراء ولا يتصورون دولة عظمى تملك من وسائل التدمير الكبير يمكن أن تنهار وأن يلحقها البوار ،  وهؤلاء الناس لا يؤمنون بالغيب وإنما تفكيرهم تفكير ترابي .  وهكذا حينما نقول اليوم بأن أمريكا سيلحقها البوار والإنهيار والتفسخ عقوبة من الله لها لا يقبلونه ولا يتصورونه أيضا ،  بالرغم من أن البوادر والإرهاصات لـهذا الأمر قــد بدأت تبشر بتفكك دولة أمريكا (العظمى) ،  وهؤلاء النـاس يفكرون تفكـيرا ترابيـا لا يؤمنـون بالغيب وصدق الله سبحانه وتعالى فيهم ( واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فأنسلخ منها فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين * ولو شئنا لرفعناه بها - ينظر إلى الأمور نظرة ربانية علوية - ولكنه أخلد إلى الأرض - فأخذ يبحث عن الأسباب والمسببات الدنيونيــة فقط - وأتبع هـواه فمثله كمثــل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث -يناقشون الأمور بصلف وتكبر وعمى- ذلك مثل القوم الذين كذبوا بآياتنا فأقصـص القصص لعلهم يتفكرون ) [ الأعراف : 175 - 176 ]  .

  الغيب في العهد المدني

 -   الغيب في غزوة بدر  :

 ويستمر الغيب في تحقيق النصر للمسلمين فتكون بدر الكبرى ،  حيث إلتقت قوى غير متكافئة لا عددا ولاعدة في ساحة المعركة ،  فجيش المشركين ما بين التسعمائة والألف ومعهم سبعون فرسا - والفرس في المعركة في ذلك الحين لها فعل عظيم - وبين جيش المسلمين البالغ ثلاثمائة ونيف ومعهم فرسان .  وقد خرجت قريش بأسلحتها الكاملــة لأنها أرادت أن تثبت موجوديتهــا في الحجاز ،  وتدافع عن زعامتها في العرب كلها ،  وفي المقابل خرج الرسول صلى الله عليه وسلم لا يريد المعركة ولا الحرب ،  وإنما يريد الأموال والغنيمة ،  ولكن القافلة التي أراد أن يتعرض لها فر بها أبو سفيان وأوصلها مكة سالمة ،  ومع هذا فقد أصرت قريش وخصوصا أبا جهل ( عمرو بن هشام ) على مواجهة التحدي والإستمرار في محاولة تثبيت الهيبة وتثبيت الزعامة ،  ولما فرضت المعركة على الرسول قبلها ،  فالتقى الجيشان على أرض بدر ،  وهي أرض تبعد عن المدينة حوالي مائة وخمسين كيلومترا ،  وبنى المسلمون لرسول الله صلى الله عليه وسلم عريشا ،  يشرف منه على المعركة ،  فلما بدأت المعركــة أخذ يناجي ربه ويقول :""ربي نصرك الذي وعدتني ، ربي أنجز لي ما وعدت ، ربي إن تهلك هذه العصابة لا تعبد"" ، ويرفع يديه مستغيثا حتى بان بياض أبطيه،  فأشفــق عليه أبو بكر - رضي الله عنه - وكان معه في العريش فقال :  يا رسول الله بعض مناجاتك لربك والله لن يخذلك أبدا ،  وتأخذ الرسول صلى الله عليه وسلم إغفاءة ،  فيرى مصارع القوم ،  فأخذ حفنــة من الحصى ورماها بوجوه القوم وقال :"" شاهت الوجوه "" فلم يبق مشرك من جيش قريش إلا ودخلت الحصى في عينيه (وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى) [الأنفال :17] ..  وتنزل الملائكة ويقول بعض الصحابة :  كنت أضرب المشرك فأرى رأسه يقع قبل أن يصل سيفي إلى رقبته  .

 ويروي شيخ المؤرخين الطبري عن رجل شهد المعركة ،  وكان مشركا قال كنت وأبن عم لي في ساحة المعركة ،  ولا إرب لنا فيها ،  فصعدنا إلى جبل ننتظر أن تنتهي المعركة فننتهب من الغنيمة أيا كان المنتصر ،  وبينما نحن على سفح الجبل إذ أقبلت غمامة سوداء في وسطها حمحمة - صوت الخيل - وإذا صوت فيها يقول أقدم حيزوم ،  فخلع قلب ابن عمي لساعته فمات ،  وتماسكت أنا فلمـا انتهت المعركة ،  نزلت فأخبرت الرسـول صلى الله عليـه وسلم  بذلك ، فقال :""  هذا جبريل وسط الملائكة ، وحيزوم فرسه التي كان يركبها  "" .

 وتنتهي المعركة بهزيمة لقريش وقتل سادتها وقادتها ،  ويسجل الله ذلك في كتابه ( إذ تستغيثون ربكم فأستجاب لكم أني ممدكم بألف من الملائكة مردفين * وما جعله الله إلا بشرى ولتطمئن به قلوبكـم وما النصر إلا من عند الله إن الله عزيز حكيم ) [ الأنفال : 9 - 10 ]  .

 ولـقد حارب الكون كله مع رسول الله ،  المطر ،  الأرض،  النعاس ليقوى الجند على المعركة،  وتمضي الآيات لتصف تدخل الغيب : ( إذ يغشيكم النعاس أمنة منه وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به ويذهب عنكم رجز الشيطان وليربط على قلوبكم ويثبت به الأقدام * إذ يوحي ربك إلى الملائكة أني معكم فثبتوا الذين آمنوا سألقي في قلوب الذين كفروا الرعب فأضربوا فوق الأعناق وأضربوا منهم كل بنان ) [ الأنفال : 11 - 12 ]  ..  وتنتهي معركة بدر الكبرى ،  والتي لو هزم المسلمون فيها لما بقي إسلام في الأرض ،  ولكن النصر فيها كان مفتاح النصر الكبير للإسلام عبر القرون ولأن يدخل الناس في دين الله أفواجا  .

-   الغيب في غزوة أحد  :

 ويستمر النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمون في المعركة مع الشرك ،  وتأتي بعد بدر أحد ،  ليعلم الله المسلمين أن مخالفة أوامر رسول الله صلى الله عليه وسلم معصية ،  وأن لا نصر مع المعصية ،  درس من الله يجب أن يستفيد المسلمون منه عبر التاريخ ..  وفي أيامنا هذه فما كان الله لينصر المسلمين بعقيدة البعث ،  أو الشيوعية ،  أو العلمانية ،  أو الاشتراكية ، أو الماسونية أو القومية المجردة عن الإسلام  .

 وكان رسول الله في أحد قد رتب الجيش ،  فوضع فئة من الجيش تحمي ظهر المسلمين ،  وأمرهم الرسول أن لا يغادروا أماكنهم سواء إنتصر المسلمون أو إنهزموا ،  وفي بدء المعركة كانت الغلبة للمسلمين ،  فطمعت بعض هذه الفئة في الغنيمة ،  فتركت مواقعهــا لتشــارك في جمع الغنيمــة ،  فأغتنم خالـد بن الولـيد - وكان حينئذ مشركا - الفرصة ،  فهجم على المسلمين في منطقة انكشــاف ظهرهم ،  وأضطرب جيش المسلمين ووقــع الرسول صلى الله عليــه وسلم في الحفرة ،  ودخل المغفر ( الحلقة ) في جبينــه ،  وأشيع أن رسول الله قد استشهد ،  وكانت هناك دروس وعبر ،  والنصف الأخير من سورة آل عمران يصف هذه المعركــة والنتـائــج المترتبــة عليها  ،  ويعلم الله المسلمين أن رسوله بشر ،  لا يموت الإسلام بموته ولا بذهابه ( وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل إنقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين ) [ آل عمران : 144 ]  .

 ويفصل الله ذلك في كتابه (ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة فاتقوا الله لعلكم تشكرون * إذ تقول للمؤمنين ألن يكفيكم أن يمدكم ربكم بثلاثة آلاف من الملائكة منزلين * بلى إن تصبروا وتتقوا ويأتوكم من فورهم هذا يمددكم ربكم بخمسة آلاف من الملائكة مسومين * وما جعله الله إلا بشرى لكم ولتطمئن قلوبكم به وما النصر إلا من عند الله العزيز الحكيم) [آل عمران : 123-126]  .

 وكان النبي صلى الله عليــه وسلم حينما وقـع في الحفرة ودخل المغفر في جبينه قال :"" كيـف يفلح قوم أسالوا دم نبيهم ؟ "" فيجيبه الله ( ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون ) [ آل عمران : 128 ] ،  ويقف أبو سفيان بعد انتهاء المعركة وقد إستشهد من المسلمين سبعون من بينهم أسد الله ورسوله حمزة عم النبي صلى الله عليه وسلم ، ومصعب بن عمير معلم الإسلام الأول في المدينة ، فيقول أبو سفيان : "يوم بيوم ،  يوم أحد بيوم بدر " ويقول :" إعل هبل "ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم لعمر بأن يجيبه :"" بل الله أعلى وأجل ، قتلاكم في النار وقتلانا في الجنة  ""  .

 وتكون أحد درسا لكل المسلمين عبر التاريخ ،   ودعوة للمقاتلين في سبيل الله ألا يخالفوا أمر الله ولا أمر رسوله ،  وأن يعتقدوا جازمين بأن النصر بيد الله (إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله أولئك هم الصادقون ) [ الحجرات : 15 ]  .

 وتستمر المناوشات بين قريش وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم ،  ولما حدثت معركة أحد وأصيب فيها المسلمون أطمع ذلك يهود ، وظنوا أن المسلمين ضعفوا ،  فتحرك شيطانهم الماكر في المدينة ، فقـرروا التحريض على رسـول الله ، فذهب وفد من يهود إلى مكة ، يحرضون على قتال رسول الله ، وتسألهم قريش بصفتكم أهل الكتاب الأول : أديننا خير أم دين محمد ؟ فيقولون لهم بخبث يهود ومكر يهود وغدر يهود وكذب يهود :  بل دينكم خير من دين محمد ،  ويسجل الله هذا الأمر في كتابه الكريم (ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت ويقولون للذين كفروا هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلا * أولئك الذين لعنهم الله ومن يلعن الله فلن تجد له نصيرا * أم لهم نصيب من الملك فإذا لا يؤتون الناس نقيرا ) [النساْء : 51-53 ]  .

 -   الغيب في غزوة الأحزاب  :

 وتتهيأ قريش بعد أن عقدت معاهدة مع يهود لغزو المدينة من جديد ،  وتتحرك قريش ب عشرة آلاف مقاتل ،  جيش لم تشهده الجزيرة العربية من قبل ،  وينضم إليهم ألاف من الأعراب في الطريق  .

 ويصل الخبر إلى الرسول صلى الله عليه وسلم ،  فيأخذ بالأسباب المادية التي لا بد منها لطمأنة النفس البشرية فقط لأن الـنصر من عند الله ،  فيشير عليه سلمان الفارسي - رضي الله عنه - بأن يحفر الخندق حول المدينة ،  وقال : " كنا في فارس إذا هوجمنا خندقنا " .. ثم بعد ذلك يبدأ الغيب في العمل ،  وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قسم حفر الخندق بين أصحابه ، فأعترضت صخرة في الخندق في القسم الذي كان يعمل به حذيفة بن اليمان وسلمان الفارسي - رضي الله عنهما -  ،  ولم يستطيعوا مع الصخرة عملا ،  فخرجوا إلى رسول الله يستشيرونه ماذا يفعلون ،  فنزل صلى الله عليه وسلم الخندق ،  وأخذ المعول بيده ،  فضرب الصخرة أول ضربة فخرج منهــا شرر أضــاء ما بين لابتي المدينة ( أطراف المدينة ) ،  فكبر الرسول وكبر أصحابه بتكبيره وأنفلق ثلث الصخرة ،  وضرب الصخرة الضربة الثانية ،  فخرج منها شرر أضاء ما بين لابتي المدينة ،  فكبر الرسول وكبر أصحابه بتكبيرة وأنفلق الثلث الثاني من الصخرة ،  وضرب الصخرة الضربة الثالثة فأنتهت الصخرة ،  وخرج منها شرر أضاء ما بين لابتي المدينة ،  فكبر الرسول وكبر أصحابه بتكبيره ،  ولما خرج الرسـول صلى الله عليـه وسلم من الخندق سأله حذيفة بن اليمـان عن الشرر الذي كان يخرج وعن التكبير الذي كان يكبره  .

 فقال صلى الله عليه وسلم :"أرأيتم ما رأى حذيفة ؟ " ، قالوا : "نعم"،  فقال رسول الله صلى عليه وسلم :""  أما الضربة الأولى فقد أضاءت لي منها قصور الحيرة بأرض فارس فأخبرني جبريل بأن أمتي ظاهرة عليها ، وأما الضربة الثانية فقد أضاءت لي منها قصور الحمر بأرض الروم فأخبرني جـبريـل بأن أمــتي ظاهـرة عليهـا ، وأما الضربة الثالثة فقد أضـاءت لي منها قصــور صنعاء اليمن ،  كأنها أنياب الكلاب ، فأخبرني جبريل بأن أمتي ظاهرة عليها ، فأبشروا يبلغهم الفتح وأبشروا يبلغهم الفتح وأبشروا يبلغهم الفتح "" . فقال المسلمون : يعدنا النصر بعد الحصر وأما المنافقون فقالوا (وإذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا) [ الأحزاب : 12 ]  .

 ويتخذ الرسول صلى الله عليه وسلم أسبابا مادية فيها الدهــاء ،  فيوقـع بين يهود وقريش ،  في مهمة قام بها نعيم بن مسعـود - رضي الله عنه - ،  وكان غير معروف الإسـلام حـتى ذلك الحين ،  فقــال لــه رســول الله صلى الله عليـه وسلم :"" ثبط عنا يا نعيم "" ،  فذهب إلى قريش يخبرهم بأن يهود قد ندموا على حرب محمد ويريدون أن يأخذوا منكم رهائن يقدمونها لمحمد كبادرة حسن نية ،  وذهب إلى يهود وقال لهم : قريش ستترككم وندمت على حرب محمد فأطلبوا من قريش رهائن حتى لا يتركوكم . وهكذا وقع الخلاف بين المشركين ويهود  .

 ويتدخل الغيب مرة أخرى ،  وهو لم ينقطع عن التدخل ،  ففي إحدى الليالي قال رسول الله صلى عليه وسلم :""  من يأتني بخبر القوم ويكون رفيقي في الجنة  "" ،  فلم يتحرك أحد من الصحابة ، لهول الموقف وشدته ،  عند ذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :""  قم يا حذيفة بن اليمان ،  فأتني بخبر القوم ولا تحدث أمرا حتى ترجع  "" فكان هذا تكليف من القائد ،  قال حذيفة :"  ذهبت وكانت الليلة شديدة البرودة ،  لكني كنت أتصبب عرقا ،  ووجدت أن الريــح قد بدأت تعمل عملها وتحارب إلى جانب المسلمين ،  فتكفت القدور ،  وتهدم الخيم وتزمجر ،  فقال أبو سفيان قائد الحملة ،  ليتعرف كل واحد منكم على صاحبه الذي بجانبه ،  وبدأت بصاحبي :  " من أنت ؟ " ،  خوفا من أن يسألني ،  وكنت أستطـيع أن أضرب أبا سفيــان بسهم ،  لكـني تذكرت قــول الـرسول صلى الله عليه وسلم " لا تحدث أمرا حتى ترجع " ،  وعند ذلك وقف أبو سفيان فوق ناقته وقال :" لم تعد الدار دار مقام ،  وإني راحل فأرحلوا "  وهكذا رد الله قريشا على أعقابها خاسرة ،  وأبطل مكيدة يهود  .

 وقد انتقم الرسول صلى الله عليه وسلم من يهود بعد ذلك ،  فقتل رجالهم ويسجل الله ذلك في كتابه ( يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ جاءتكم جنود - يهود وقريش والأعراب - فأرسلنا عليهم ريحا وجنودا لم تروها - الريح :  محسوسة ،  فما الجنود التي لم يرها الناس !؟ ، لعلهم الملائكة - وكان الله بما تعملون بصيرا * إذ جاءوكم من فوقكم ومن أسفل منكم وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنونا * هنالك ابتلي المؤمنون وزلزلوا زلزالا شديدا * وإذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا ) [ الأحزاب : 9 - 12 ]  .

 وتمضي الأيات في سرد القصة لتصف بعض المترددين والمنافقين ،  إلى أن تصل إلى وصف المؤمنين وماذا قالوا ( ولما رأى المؤمنون الأحــزاب قالــوا هذا ما وعـدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله وما زادهم إلا إيمانا وتسليما ) [ الأحزاب :  22 ] ..  وهكذا المؤمنون في كل وقت وفي أي وقت  .

 وما يجري الآن من محاولة لتثبيت إسرائيل دولة ،  يقوم بها الكفار جميعا ،  وأمريكا ،  وأوروبا ،  وروسيا ،  وحكام العرب والمسلمين إلا من رحم ربك وقليل ما هم ،  هي محاولة يائسة ،  تحاول أن تمنع قدر يهود في زوال دولتهم ،  بعد أن جاءوا إلى فلسطين عذابا من الله لهم ،  وسيفشل ذلك كله لأن ما كان من القدر لا يبطله البشر  .

 ولذلك حينما تخاطب المسلمين من خلال هذا الكتاب الذي يتبين فيه قدر الله بنصر المؤمنين والذين لا حول لهم ولا قوة إلا بالله ، محاولين أن نكشف الغطاء عن الأعين العمي وأن نسمع الأذان الصم وأن نفتح قلوب المؤمنين ليأخذوا من نور الله في كتابه وسنة نبيه وحياة الرسول الكريم والصحابة الميامين،  نفعل ذلك ونحن واثقون بنصر الله ولكنه نصر محدود بزمن معين وأيام لها تاريخ محدد ،  فمهما حاول المحاولون من كفار وأعوانهم والمتشككــون بنصر الله بأن يثبتــوا إسرائيـل دولـــة فلن يستطيعوا ،  فأمريكا بكل ما تملك من وسائل تدميرية وأسلحة فتاكة ويتبعها في ذلك أوروبا لا تساوي شيئا أمام إرادة الله وقدرة الله ،  فسيمزقها الله وسيفتك بإنسانها الأمراض وقد بدأت تفتك وتمزقها المسكرات والمخدرات وقد بدأت تمزق وتدمرها الزلازل وقد بدأت تدمر وتضربها الأعاصير التي لا تنفع أمامها التكنولوجيا الحديثة أو القديمة  .

 فما كان الله ليذر أمريكا لتفسد في الأرض وترعى الظلم وتحمي الكفر وتتمتع بقتل الإنسان المسلم هي وأبنتها اللقيط إسرائيل من هؤلاء حفدة القردة والخنازير الذين لعنهم الله في كتابه ( لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون * كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون ) [ المائدة :  78 - 79 ]  .

فهم اليوم في فلسطين يحتفلون بتوزيع الأوسمة على الجنود الذين قتلوا الشباب المجاهد في غزة غدرا بعد أن خرجوا من إجتماع مرخص به منهم ،  وما كان لهم أن يقتلوهم إلا بهذا الأسلوب لأنهم أحقر من أن يواجهوا في معركة..  لذلك فرح أحبارهم وحاخاماتهم ،  وأصدروا الفتاوي بجواز ذبح المسلمين والشعب الفلسطيني ،  وهم ليسوا أهلا بأن يوفوا بميثاق ولا بعهد ( فبما نقضهم ميثاقهم وكفرهم بأيات الله وقتلهم الأنبياء بغير حق وقولهم قلوبنا غلف بل طبع الله عليها بكفرهم فلا يؤمنون إلا قليلا ) [ النساء :  155 ] .. سيندم يهود في ذات يوم قريب بإذن الله ،  وسيندم حكام أمريكا وأعوانهم من حكام العرب ، حينما يفاجأوا بنصر الله للمسلمين ، ستكون الأرض المباركة مقبرتهم الجماعية عذابا لهم في الدنيا ، (ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب وما الله بغافل عن ما تعملون) [ البقرة :  85 ]  .

 وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم حين بايعه أهل المدينة في مكة ،  قد بايعوه على قتال الأحمر والأسود من الناس ،  ولما بايعوه على ذلك قالوا : " ما لنا مقابل ذلك " ،  فقال صلى الله عليه وسلم :"" الجنة  ""  .

 وتمضي الأيات في سرد قصة الأحزاب التي تبين عظمة الله وقـدرتـه وفي وصف المؤمنين ( من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهــدوا الله عليـه فمنهم من قضى نحبـه - نصيبه من الجهاد والاستشهاد - ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا ) [ الأحزاب :  23 ]  .

 -   الغيب في فتح خيبر :

 وتمضي معركة نشر الإسلام ، ويذهب رسول الله صلى عليه وسلم لفتح خيبر ، وهي المركز الرئيسي ليهود بعد المدينة في الحجاز ، وكان جنده ألفا وخمسمائة جندي ، وكان عدد جيش يهود خمسة عشر ألف جندي .  وخيبر فيها حصون كثيرة ، وأستمر الحصار الذي ضربه الرسول صلى الله عليه وسلم على خيبر شهرين ، وبدأت تسقط الحصون الواحدة تلو الأخر ، وأستعصى بعضها على الفتح ، ويأخذ الرسول صلى الله عليه وسلم في يده حفنة من الحصى فيضرب بها الحصن فيهتز ويرتج ويقول وهو يرمي الحصى :"" الله أكبر خربت خيبر "" وبقي الحصن الأخير ، سارت محاولة إثر أخرى لفتحه ولكن لم تفلح ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة لأصحابه :"" سأعطي الراية غدا لرجل يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله  "" ، وقال عمر :" ما تمنيت الإمــارة إلا ليلتها ، وكنت أتطاول حتى يراني رسـول اللـه صلى عليـه وسلـم " ، ثم نــادى الرسول صـلى الله عليـه وسلم عليــا - كرم الله وجهه - ،  وكانت عين علي رمداء ،  وهنا تحدث معجزة فيتفل الرسول صلى الله عليه وسلم في عين علي فتصبح أصح من صاحبتها ،  ويذهب علي - رضي الله عنه - ويتبارز مع مرحب قائد الحصن ،  وتحصن علي بباب الحصن حتى فتح الله عليه ،  وكان الباب من الثقل بحيث يصفه أحد الصحابة ،  حاولنا سبعة أن نقلب الباب على الوجه الأخر فأستعصى علينا ولم نستطع ،  بينما علي حمله بيده كرامة من الله له  .

 اليهود قوم لا يعقلون (ولو عقلوا لما جاءوا إلى فلسطين ، ولما جعلوا الشعوب تعذبهم وتضطهدهم عبر التاريخ) ، دخل عليهم في خيبر أحد حلفائهم من مشركي العرب ، ولعله عيينة بن حصن فقال لحيي بن الأخطب كبير يهود : "ما نتيجة المعركة ؟ " ، قال : "والله إننا لنعلم بأن محمدا سيذبحنا " ، قال : " فلم القتال ؟ " ،  قال : "ملحمة كتبت علينا يا بني إسرائيل"  .

وهكذا يسـاق يهود في التاريخ إلى حتفهم بعنادهم ، ويظنون أن الحصون مانعتهم ،  لكنهم يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين ،  والله يقول فيهم ( لا يقاتلونكم جميعا إلا في قرى محصنة أو من وراء جدر بأسهم بينهم شديد تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى ذلك بأنهم قوم لا يعقلون ) [ الحشر : 14 ] ..  وفي أول سورة الحشر (هو الذي أخرج الذين كفروا من أهل الكتاب من ديارهم لأول الحشر - الحشر إلى ديار الشام عامة ،  وفلسطين خاصة ،  ليقوم فسادهم الثاني - ما ظننتم أن يخرجوا وظنوا أنهم مانعتهم حصونهم من الله فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا وقــذف في قلوبهم الرعب يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين فأعتبروا يا أولي الأبصــار ) [ الحشر : 2 - 3 ] ،  وهكذا يأتيهم الله من حيث لم يحتسبوا  .

 وهكذا كان الأمر سنة 1973 ،  حينما إجتاز جند مصر المسلم قنــاة السويـس وهو يكبر ،  ويسير الجند حتى يحطموا (خط بارليف ) الــذي كان يفتخر به يهود ، وبارليف نفسه ويقول ليهود : " بنيت لكم حصنا لا يستطيع أحـد أن يجتــازه " .  ولكن جند الإسلام المكبرين إستطاعوا أن يهدموه في بضع ساعــات ،  لكن السادات - قاتله الله - كان متآمـرا على أمته وجنده ،  فأوقف الزحف ،  زحف جند مصر العظيمة ،  الذي - كبقية جند المسلمين - لم يعرف النصر إلا وهو في حالة التكبير ،  ولقد حطم هؤلاء الجند العظام والمستشهدين الكرام فرقة للدبابات - أي ما يزيد عن تسعين دبابة - في ثلاث دقائق  .

 ولو سار السادات بجيش مصر ،  لأنهى دولة يهود ،  ولكنه كان متآمرا مع المتآمرين ، مرتدا مع المرتدين ،  منافقا مع المنافقين الذين أضاعوا أمتهم وباعوا دينهم ووطنهم .  وتحضرني في هذه المناسبة ما قاله ( ناحوم غولد مان ) - رئيس الحركة الصهيونية العالمية من سنة 1936 إلى أول الثمانينات - إذ يقول في مذكراته عن اجتماع تم بينه وبين ( بن غوريون ) مؤسس دولة يهود :"" لا أنسى تلك الليلة من ليالي صيف 1956 حينما جلست مع بن غوريون في شرفة بيته في القدس ،  وكان القمر يرسل أشعته الفضية ،  وتحدثنا معا بقلب مفتوح وعقل مفتوح ،  فقال لي بن غوريون :  أنا واثق أني سأموت في ظل ( دولة إسرائيل ) ،  وأعطي أبني موسى 50% لأن يموت في ظل دولة إسرائيل ،  وأما حفيدي فلن يموت في ظل دولة إسرائيل ، وقــد حضر بن غوريـون حرب ( 73 ) ، فذهب لمقابلة (غولدا مائير) ،  وكانت رئيسة الوزراء في ذلك الحين ليطلع منها على الموقف العسكري ،  فأطلع على الحقيقة - إنهيار جيش دولة يهود - فنزل من عندها مهموما فأصابه الشلل ومات في يومه ،  وهو يظن أن دولة إسرائيل قد انتهت ""  .

 وكان موسى ديان وزير دفاع يهود في معركة (73) ،  ويقود المعركة ،  فأرسل إلى غولدا مائير أن الهيكل الثالث قد انهار - يعبر به عن دولة إسرائيل - وكان موسى ديان في حرب ( 67 ) أصبح أسطورة عالمية ،  وصوره في جميع أنحاء العالم ،  أنه القائد العسكري الذي هزم العرب في ساعات ،  وكان الذي يعرف الحقيقة موسى ديان نفسه والحكام العرب وجيوش العرب وكثير من شعوب العرب أن (موسى ديان) لم ينتصر ولم ينهزم العرب ، وإنما كانت الخيانة والتسليم ، فلما إنهزم في ( 73 ) ذهبت أسطورته ،  وعاد في التاريخ مخزيا ،  لأن الذي أنقذه من الهزيمة المحققة أمران :  خيانة السادات ،  وتدخل أمريكا المباشر في المعركة ،  لأنه لو بقي أسطورة فهذا نوع من العزة ،  والعزة محرمة على يهود ( وضربت عليهم الذلة والمسكنة وباءوا بغضب من الله ذلك بأنهم كانوا يكفرون بآيات الله ويقتلون النبيين بغير الحق ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون ) [ البقرة :  61] " وضربت " بمعنى ختمت ، فالذلة تلازمهم إلى يوم القيامة ، ولكن لله قدرا لا بد أن يتحقق في قيام دولة يهود ثم زوال دولتهم .  موسى ديان لم يعد قائدا تاريخيا في بني إسرائيل يمدهم بالمدد المعنوي ، كما في الأمم التي تفتخر بقادتهـا ليأخذوا منها مددا معنويا يغذي الأجيال عبر التاريخ ،  وليس لليهـود تاريخ عسكري ، ولا قادة تاريخيون ، فهم الرعب في قلوبهم ، والخوف حياتهم ، والذل معيشتهم .. فأنى ينصرون  .

 وإذا كان الأمر كما بينا ،  فاليهود ممنوعون من النصر ،  لا على المسلمين ولا على غير المسلمين ،  فكيف قامت إذن دولة يهود ؟‍‍!

 الجواب :  لم ينتصر يهود في أي معركة منذ ( 48 ) ولم تنهزم الجيوش العربية في أي معركة ،  لكنها الخيانة ،  وتنفيذ المخططات التي قام بها المسؤولون . ففي سنة (48) قطع المجاهدون المياه عن القدس ، وكانت القدس تشرب من رأس العين قرب اللد ، فأنقطع الماء كليا عن القدس ، فسار مائة ألف يهودي في مظاهرة بالقدس يطلبون التسليم ، لأنهم يريدون أن يشربوا،  وكان (الجيش العربي) موجودا في عين كارم ،  وهي قرية موجودة بجانب القدس ،  وهي مشهورة بآبارها وعيونها وكثرة المياه فيها ،  فأمر كلوب باشا قائد الجيش العربي في ذلك الحين بأن ينسحب الجيش من عين كارم ليشرب يهود ،  وهكذا لا تنسى الأمة ( الفضل الكبير !! ) لبريطانيا العظمى ،  عدوة المسلمين الأولى ،  والتي عملت عبر التاريخ بهدم الإسلام ودولة الإسلام  .

 دخل العرب ثلاث معارك حقيقية بعد (67) مع يهود ،  (معركة الكرامة) والتي ذاق فيها يهود الأمرين ،  لأنه كانت هناك إرادة للقتال ،  وحارب الجند بعقيدتهم ،  فأنهزم يهود شر هزيمة ،  والثانية في (حصار بيروت سنة 82 ) حيث إشترك الجيش اليهودي بمعاونة الأسطول الأمريكي ومعاونة الموارنة في حرب ضد الفدائيين ،  وصمد الفدائيون على قلة عددهم أمام أفتك الأسلحة ،  وتحت وابل القنابل ،  التي كانت تلقى جزافا من الطائرات ومدفعية الأسطول السادس الأمريكي ،  ولما لم تفلح الحرب في القضاء على الفدائيين وإخراجهم من لبنان ،  أخرجتهم السياسة والخيانة ،  والثالثة معركة (إجتياز قناة السويس سنة 73 ) والتي لولا خيانة السادات لكان في هذه المعركة القضاء على ما يسمى بدولة يهود،   ولقد سألني مسؤول أمني كبير سابق ،  أمام عزاء كبير ،  بعد أن شرحت الآيات التي تمنع إنتصار يهود في أي معركة وخصوصا مع المسلمين ،  فقال إذن :"  كيف ذهبت فلسطين ؟!! " قلت له :"  والله لا يعرف أحد مثلك كيف ذهبت ، فأشرح للناس الحقيقة " ، فسكت ،  بعد أن ضج العزاء بالضحك .!!! "  .

 والآية التي تحرم عـلى اليهود النصر في سورة آل عمران (لن يضروكم إلا أذى وإن يقاتلوكم يولوكم الأدبار ثم لا ينصرون) [آل عمران :111] ، "أذى" : نسف بيوت ، تقطيع أيدي ، تقطيع أرجل ، بقر بطون الحبالى ، قتل الأطفال وتجويع الناس . . إلى غير ذلك من أساليبهم التي تنم عن حقدهم الدفين ضد الإســلام والمسلمــين ،  بل ضد الخلق أجمعــين ،  لأن في التلمود - كتابهم المقدس الثاني - الذي يقدمونه على التوراة المحرفة ،  يقولون في هذا التلمود : "" إن البشر جميعا من نطفة الحصان ،  والذين من نطفة آدم هم اليهود فقط ،  وإنما جاء البشر على شكل آدمي حتى لا يشمئز اليهودي حينما يخدمه الناس ""  ويعتبر دم البشر مباح ،  وفي عيد الفطير عندهم ،  يبلغ ذروة قدسيته إذا إختلط العجين بدم المسلم أو النصراني ،  ويعتبرون مال غير يهود مباح ( ومن أهل الكتاب من إن تأمنه بقنطار يؤده إليك - والمقصود هنا بعض النصارى - ومن أهل الكتاب من إن تأمنه بدينار لا يؤده إليك إلا ما دمت عليه قائما ذلك بأنهم قالوا ليس علينا في الأميين سبيل ويقولون على الله الكذب وهم يفترون - وهؤلاء المقصود بهم اليهود - ) [ آل عمران :  75 ] .. و " الأميين " : هم غير اليهود من جميع الأمم ،  وهكذا ذهبت فلسطين بالخيانة والتسليم ولم تذهب بالهزيمة ،  ولكن كل ذلك إلى حين  .

 ولما كان زوال دولة إسرائيل قدرا من القدر ،  وحتمية قرآنية وبشرى نبوية ،  جاءت لتذهب ومنذ بدء تأسيس دولة يهود سنة 1918 وقد أسسوها سنة 1948 ،  وبالرغم من كل الوسائل المادية التي يملكونها وأسلحة التدمير ،  ومساعدة كل العالم لهم وعلى رأسهم الحكام العرب ،  مع هذا لم يذق يهود طعما للراحة والأمن ،  ولا تمتعوا بمتعة السيادة ،  حياتهم مضطربة ليل نهار ،  وخوفهم متصل لا ينقطع ،  وذلهم دائم لا يزول ،  فهم الشعب الوحيد في العالم الذي أصبعه على الزناد منذ ست وسبعين سنة لم يرفعه لحظة واحدة  .

 وهذه المرة كانت الإنتفاضة في فلسطين والتي شوهت وجه يهود ،  وكشفت جيش يهود ، وحقارة يهود ،  والتي هي أول الطريق لدولة يهود في الغريق ،  وأن تصبح من مخلفات التاريخ ،  يتبارى الكتاب والمؤرخون في بيان لماذا ذهبت دولة إسرائيل ؟ .

 والرسول صلى الله عليه وسلم قال قبل وفاته بخمسة أيام قال : " لا يجتمع دينان في جزيرة العرب ، أخرجوا اليهود والنصـارى " أما نصارى العرب وكانوا في اليمن فقد أسلموا ، وأما يهـود فأخرجهـم عمـر بن الخطاب ،  فـقد أرسـل عمر بن الخطـاب - رضي الله عنه - محمد بن مسلمـة من الأنصـار - رضي الله عنه - لإخراج يهود من خيبر والجزيرة تنفيذا لوصية الرسول صلى الله عليه وسلم قبل وفاته ، وكان محمد بن مسلمة على صداقة مع يهود أيام الجاهليــة ، فلمــا وصل محمد بن مسلمة خيبر قال كبير يهود أبن أبي الحقيق :"" ألم يجد عمر أحدا غـيرك كي يرسله إلينا - وذلك لما بينه وبين يهود من صداقة قديمة -"" فقال :"  هذا أمر أمير المؤمنين ولا بد أن تخرجوا " ،  فقال أبن أبي الحقيق :""  لا طالما تطاولتم علينا أيها الناس ، وظننتم أن الله قد تخلى عنا ، فوالله لنخرجنكم مثلها كفرا كفرا ،  حتى تدخل نسـاؤنا على نسائكم ،  فتبيت نسـاؤكم في شر ليلة ،  وتكون اللقمة في يد المسلم يريد أن يدنيها إلى فيه ، فيدخل عليه رجال أشداء من بني اسرائيل فيأخذونها منه ، وسيكون منكم رجال يأتمرون بأمرنا ،  ويعملون لمصلحتنا ،  يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدينا ، وإن هذا من أخبار أنبيائنا "" ،  فقال له محمد بن مسلمة :" والله لإن صدق أنبياؤكم فلكي يصدقوا نبينا محمدا صلى الله عليه وسلم الذي قال :"" لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون يهود ،  فيقتلهم المسلمون ، حتى يقول الحجر والشجر : يا مسلم يا عبدالله ورائي يهـودي تعـال فأقتله ، إلا الغرقد فإنه من شجر يهود  "" ، وسيكون استئصالكم واستئصال شأفتكم على أيدينا " . فلما رجع محمد بن مسلمة إلى المدينة أخبر بما حدث وما جرى من الحديث بينه وبين كبير يهود ، فقال عبدالله بن عمر :" أوكائن ذلــك يا أبا عبد الرحـمن ؟ " ، فقال له محمد بن مسلمة :" وما علمي بالغيب ، إنما هو حديث سمعته من الرسول صلى الله عليه وسلم " .. [ الرسالة وتصدر في مصر  ،  وكانت تصدر عددا هجريا كل عام ،  وهذا الحديث نشرته في عددها الصادر في عام 1946 / القاهرة لصاحبها أحمد حسن الزيات  . ]   .

 -   الغيب في فتح مكة  :

 ونعود إلى الرسول صلى الله عليه وسلم في حياته الجهادية المتصلة فيقــرر فــتح مكــة ،  التي وقــف ليلة هجرتـه منها على أبي قبيس مطلا على الكعبة وقال : " والله إني لأعلم أنك أحب أرض الله إلى الله ،  وأنك أحب أرض الله إلي ،  ولولا أن قــومك أخرجوني ما خرجت " فنزل عليه قوله تعالى ( إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد ) [ القصص :  85 ]  .

 وهكذا تهيأ الرسول صلى الله عليه وسلم لفتح مكة ،  وصدق الغيب ،  وصدق القرآن وتحقق وعد الله ،  ودخل مكة وطـاف حـول البيت يرمي بالأصنـام حــول الكعبة على وجوهها وهو يقــول : ( وقــل جاء الحق وزهــق الباطل إن الباطل كان زهوقا ) [ الإسراء : 81 ] ..  وكان قد رأى ذلك في المنام أنه سيدخل مكة ،  ورؤيا الأنبياء صلوات الله عليهم وحي ،  يصور ذلك الله سبحانه وتعالى في القرآن ( لقد صــدق الله رسوله الرؤيا بالحق ،  لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين محلقين رؤوسكم ومقصرين لا تخافون فعلم مالم تعلموا فجعل من دون ذلك فتحا قريبا * هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيدا ) [ الفتح :  27-28 ] ..  ويأمر الرسول صلى الله عليه وسلم بلالا أن يصعد على ظهر الكعبة ويؤذن ،  وكان بلال من العبيد المستضعفين الذين عذبـوا في الله ، وكان يقول وهو في أشد العذاب وقد أمره سيده ( أمية بن خلف ) بأن يعلن شركه :" أحد .. أحد .. " فهو بهــا يذكـر الله وبها يستغيث باللــه فاستجـاب له اللـه بعد حين (ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين * ونمكن لهم في الأرض ونري فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون) [ القصص :  5 - 6 ] ..  وهكذا نرجو الله سبحانه وتعالى أن يحقق وعده الآن على يد الشباب الذي يعذب في العالم الإسلامي لا لذنب أقترفوه إلا أن يقولوا ربنا الله ،  فسلط عليهم شياطين الإنس ( الكفر وأعوانه ) فراعنة هذا العصر الذين أمروا الشعوب أن تعبدهم من دون الله .  فنرجو الله أن يمكن لهؤلاء الشباب الموحد فيخرجون من سجونهم ومعتقلاتهم ومن عذابهم فيقفون في مساجد العالم الإسلامي في الأقصى ،  والكعبة ،  ومسجد الرسول ،  والأزهر والقيروان ..  وفي كل مساجد المسلمين الكبرى في العالم الإسلامي فيؤذنوا كما أذن بلال ،  ويكون الأمر لهم ويجعلهم الأئمة ويجعلهم الوارثين كما حدث لأسلافهم الذين مكن الله لهم في الأرض وجعلهم أئمة وجعلهم الوارثين .  فقد وقف ذات يوم أبو سفيان ( سيد قريش قبل الإسلام ) وبلال ( العبد قبل الإسلام ) على باب أمير المؤمنين عمر بن الخطاب - رضي الله عنهم أجمعين - يستأذنان في الدخــول عليه .  فأذن لبــلال قبل أبي سفيـان ،  فقيل له في ذلك :" كيف تأذن لبلال قبل سيد قريش " ، فقال :" لقد أعز الله بلالا فقدمه بالإسلام وأخر أبو سفيان " .  وكان عمر يقول :" أبو بكر سيدنا وأعتق سيدنا - يعني بلالا - "  .

 وهكذا تحققت الوعود الإلاهية وسيتحقق الوعد الرباني بزوال دولة إسرائيل لأن الواعد واحد والموعودون واحد ،  فالواعد هو الله والموعودون هم المسلمون منذ عهد الرسول صلى الله عليه وسلم وإلى قيام الساعة ،  والمتشككون في نصر الله هم المنافقــون من عهـد الرسول صلى الله عليـه وسلم وإلى قيـام الساعة .  فالذين يتشككون في نصر الله هم الذين لم يخامـر الإيمان شغاف قلوبهـم ،  فلا يتصورون أننا سننتصر على يهود ، ولا يصدقون ذلك ،  لأنهم عن الغيب معزولون ، ومن قراءة القرآن محرومون وعلى أحاديث رسول الله لا يطلعــون ،  حياتهم كفر في نفاق ،  وتضليل في الآفــاق ،  وكذب على الأمة ، نقول لهم سندخل القدس ، ندخله نحن جند محمد صلى الله عليه وسلم ،  وجند القرآن وجيش الإسلام ( وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون ) [ الشعراء : 227 ] ..  وهم لا يتصورون إلا القوى العظمى وما تملك من وسائل التدمير التي ترعب بهــا البشر ويخافون من الـمؤامرات التي تحاك ضد المسلمين ليل نهار ،  مؤامرات ضخمة فيها أموال ونساء وإنقلابات واغتيالات وإشاعات بحيث يتصور الإنسان أن هذه القوى لا تهزم وما عليه إلا أن يستسلم لها والله سبحانه وتعالى قد تحدث عن هذه المؤامرات والتخطيط الماكر للعدو الذي يحطم به الدول والأفراد والجماعـات ولكن هذا المكر وهذا الدهاء وهـذه المؤامرات لا تســاوي عند الله شيئــا عندما يقـرر الله تحطيم الكـفر ،  فالله يقول ( وقد مكروا مكرهم وعند الله مكرهم وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال ) [ إبراهيم : 46 ] ..  مؤامرات ضخمة لا يتصورها الخيال ،  والمكر هو التدبير الخفي ضد العدو ،  فالله يطلع على هذه المؤامرات أين تعقد !  وكيف تحاك !  في عواصم الكفر الكبرى وعواصم المنافقين وهم يتعاونون في ذلك التخطيط والتنفيذ ولكن الله لهم بالمرصاد فهو يطمئن المؤمنين الذين وعدهم بالنصر المبين وفتح الدنيا وظهور هذا الدين وزوال دول الكفر مهما عظمت ويكون ذلك بمقدار ما نتقرب إلى الله ونستغيث بالله يأتي الفــرج فيبشر المؤمنين ويقول بعد الآيات التي تحدث فيها عن المؤامـرات ( فلا تحسبن الله مخلف وعده رسله إن الله عزيز ذو انتقام ) [ إبراهيم : 47 ] ..  وها هو الآن قد مزق الإتحاد السوفياتي وأمريكا في طريقها إلى التمزيق وسينتقم بعزته وجبروته من الكفر والظالمين والقوى الكبرى ( إن الله عزيز ذو إنتقام )  .

-   الغيب في غزوة حنين  :

 ويخرج الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الطائف ليغزو ثقيفا ، وكانت قد خذلته قبل عدة سنوات  وخرج بجيش قوامه إثنا عشر ألفا ، عشرة ألاف جنود الفتح الذين جاءوا معه من المدينة والباقي من أهل مكة الذين أسلموا حديثا ،  والعرب لم تعرف هذا العدد من الجيوش في تاريخها ،  فأصاب الغرور بعض الصحابة فأغتر بكثرة العدد - ولعله أبو بكر - فقال :" لن نغلب اليوم من قلة " ، فدخل العجب إلى بعضهم ،  فنسوا نصر الله لهم وهم مستضعفون لا عدد ولا عدة ،  فأراد الله أن يؤدبهم ويعلمنا من بعدهم ،  ويعلم المسلمين عبر الأيام إلى قيام الساعة أن النصر للمسلمين ليس بكثرة عدد ولا عدة ،  إنما النصر من عند الله ،  فلما دخل المسلمون وادي حنين إنقضت عليهم ثقيف من جنبات الوادي ،  وكان ذلك مع عماية الصبح ، فأضطرب جيش المسلمين ، وولت الكثرة مدبرين،  ولــم يثبت إلا الــرسول صلى الله عليه وسلم وبعض أصحابه ،  وهنا يتدخل الغيب ،  فيقــاتل الرسول صلى الله عليــه وسلم بيديه وهو يقول :"" أنا الــنبي لا كذب ، أنا أبن عبد المطلب "" ..  إذن هي النبوة وهي الوحي وهــي الغـيب . وقــد أمـر عمـه العبـاس بن عبدالمطلب وكان جهوري الصوت أن ينادي في المسلمين :  أن هلموا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يا أصحاب بيعة الرضوان ، ويا أصحاب بيعة العقبة ،  ويا أهل بدر ،  ويفيق المسلمون من الصدمة التي صدموا بها ،  ويعودون إلى رسول الله والثابتين من حوله في المعركة  .

 ويتدخل الغيب ، وتتنزل جنود الله فتنقلب المعركة من هزيمة إلى نصر ، ويسجل ذلك الله في كتابـه ( لقد نصركم اللـه في مواطن كثيرة ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئا وضاقت عليكم الأرض بما رحبت ثم وليتم مدبرين * - وهنا يأتي الـغيب -  ثم أنزل الله سـكينتـه على رسولــه وعلى المؤمنين وأنزل جنــودا لم تروهــا وعــذب الذين كفــروا وذلك جزاء الكافرين ) [التوبة : 25 - 26 ]  .

 إذن أراد الله سبحانه وتعالى أن يعلم المسلمين ويؤدبهم أن النصر ليس بكثرة عددهم ولا بكثرة عدتهم ،  إنما النصر من عند الله ،  فينزل الجنود التي لا نراهــا حين يستغيث المسلمـون بالله ..  وهــذا المعنى الذي فقده المسلمون أيام هزائمهم ،  حين سيـطر الفكر المادي على قياداتهم وحكامهم فلم يلجأوا إلى الله ،  وأنى لهم أن يفعلوا ذلك ،  وجلهم لا يؤمن بالله ،  فلا يمكن أن يأتي النصر على أيديهم  .

 وهنا نريد أن نوضح قاعدة غائبة عن كثير من الناس حتى عن كثير من الدعاة الإسلاميين . أن النصر لا يكون بكثرة العدد والعدة ،  لأن الكثرة لا تنتصر إذا لم تعتمد على الله ، فقد شطب الله الكثرة وهو ينصر القلة المؤمنة ،  فلا يعتمد على الكم ، ولكن يعتمد على الكيف . ويقرر ذلك في آيات قرآنية كثيرة  : ( ويوم حنين إذ أعجبتكم كـثرتكم فلم تغن عنكم شيئا ) [ التوبة :  25 ] .. ( وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين ) [ يوسف : 103 ] ..  ويقول ( وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون ) [ يوسف : 106 ]  .

 إذن هذه الفئة الضالة أو المشركة - ولو كثرت - لا تنتصر ،  وفي كل المعارك التي خاضتها ( الجامعة العربية ) منذ سنة 1948 - هذا إذا فرضنا أنه حصلت هناك معارك حقيقية ولم يكن الأمر أمر مؤامرات تنفذ - كان العرب دومـا أكـثر عـددا وعـدة من يهـود ، لكن هـذه الجيوش لم تنــاد الله ،  ولم تستغث بالله ،  بل كان ممنوع عليها أن تستغيث بالله ،  فهي تستغيث بكل شيء إلا الله ،  وكان من ضمن شعارات معركة ( 67 ) ( الـميراج يتحدى القدر ) ومنها الأغنية المشهورة ( لأجل الربيع . .  لأجل الرضيع . .  لأجل الحياة إضرب ) ، وكان المشرفون إعلاميا في المعركــة يمعنون في تحد لله ، فيقولون ( يا أبناء الفراعنة ) فهم يشيدون بالكفار وآلهة البشر التي تحدت الله عبر التاريخ . . فأنى ينصرون .  وكان جنود مصر في معركة سنة ( 67 ) بدلا من أن يستغيثوا بالله ويكبروه ،  أمــرهم قـائدهـم (الملهم) أن يقولوا وهم في ساحة المعركة (بر ، بحر ، جو) بدلا من التكبير ،  لأن التكبير لا يتناسب مع ( التطور الحتمي ) الذي كان ينادي به ،  وكذلك تستغيث ( بالقائد ،  الزعيم ،  الفراعنة ،  جاهيلة أبي جهل ) .. 

 ولذلك كان لا بد أن يحدث الذي حدث ،  وأن يهزم الفكر والحكام والأحزاب التي كانت تسود المنطقة من أول الـقرن إلى أن قامت دولة إسرائيل ،  في مرحلتين أساسيتين : المرحلة الأولى : حيث نفذت ( الجامعة العربية ) الخطة التي قامت من أجلها وهي إقامة دولة يهود ،  بعد أن عجزت بريطانيا ويهود من أخذ فلسطين من أهلها ، إذ كان يهود يملكون حتى سنـة 1918 (2%) من أرض فلسطين ،  ولم يملكوا حتى سنة 1948 سوى ( 5.6 % ) من أرض فلسطين ،  أي أنهم إستطاعوا أن يملكوا خلال ثلاثين سنة ( 3.6 % ) فأعيا ذلك الإنجليز ويهود ،  فأنشأوا الجامعة العربية لتتولى هي تسليم فلسطين ليهود ،  فسلمت ثلثيها عام 48 في عهد الحكـام الرجعيين وتم تسليم الباقـي سنة 1967 ،  وذلك في عهد الحكام الثوريين جدا !! .

 وكان لا بد أن ينهزم هؤلاء الحكام ولو إنتصروا - لا سمح الله - لانهـارت قاعــدة الإسـلام الثابتــة ( إن تنصروا الله ينصركـم ويثبت أقدامكم ) [ محمد :  7 ] ..  وأنى هناك نصر يكون للمسلمين بغير إسلام !!؟  .

 وكنت في سنة (67) وقبلها بسنين أرى الأمة بعين المؤمن وهي تنهار ،  وأن زعاماتها في ذلك الحين تقودها إلى المسلخ وإلى الهزيمة وإلى العار ،  كان ميثاق عبد الناصر قد أحله محل القرآن ،  وأمر أئمة المساجد ووسائل الإعلام أن تستشهد به مكان القرآن ،  بالإضافة إلى تعذيب الإنسان وترويع الآمنين وقتل المؤمنين ،  فما كان اللـه لـينصره وأن ينصر حـزب البعث ،  الــذي قال أحد قادته قبل المعركة بثلاثة أشهر في مجلة خاصة بالجيش السوري : " إن الله من مخلفات التاريخ ،  وأنه يجب أن يوضع في متحف "   

كـبرت كلمـة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كفرا وإلحادا ،  فكانت الهزيمة التي لم ينتصر فيها يهود وإنما سلم العرب أوطانهم بغير حرب ،  لأن النصر ليهود ممنـوع لا على المسلمـين ولا على غير المسلمين ، لأن النصر عزة ، والعزة ممنوعة على يهود (ضربت عليهم الذلة والمسكنة) [البقرة : 61]  .

 والذي وضح هذا المعنى وهو عدم إنتصار ( يهود في أي حرب ) مع المسلمين أو غيرهم آية في سورة آل عمران ( لن يضروكم إلا أذى وإن يقاتلوكم يولوكم الأدبار ثم لا ينصرون * ضربت عليهم الذلة أين ما ثقفوا إلا بحبل من الله وحبل من الناس وباءوا بغضب من الله وضربت عليهم المسكنة ذلك بأنهم كانوا يكفرون بآيات الله ويقتلون الأنبياء بغير حق ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون ) [ آل عمران : 111-112 ] . والكثرة الضالة كما بينا سابقا لا تنتصر ولكن النصر يكون للفئـة المؤمنة ولو كانت قليـلة ، ويقرر الله ذلك في آياته فيقول (كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن اللـه واللـه مـع الصابريـن) [ البقرة : 249 ] ،  ( ثلة من الأولين * وقليل من الأخرين ) [ الواقعة : 13-14 ] ، (وثلة من الأولين * وثلة من الأخرين) [ الواقعة : 39-40 ] ..  والقلة قد تتقلص إلى رجل واحد مؤمن من أولياء الله ،  يدعو فيستجيب له الله ، ويهييء الله بسبب دعائه أسباب النصر .  ولذلك كان قادة الفتح الإسلامي الأول يحرصون على أن يكون في جيوشهم عدد من أصحاب معركة بدر ،  لأنهم مستجابو الدعاء ،  وقال فيهم الرسول صلى الله عليه وسلم :""  لعل الله تجلى على أهل بدر يوم بدر وقال إفعلوا ما شئتم فإني قد غفرت لكم  "" ،  والحديث ""  رب أشعث أغبر مدفوع بالأبواب لو أقسم على الله لأبره  ""  .

 المسلمون عبر تاريخهم كانت القلة هي التي تنتصر ،  لكن أي قلة ؟  قلة متصلة بربها ،  في صلاة ، وصيام ،  وزكاة وحج ،  وفي نوافــل يتقرب بها العبد إلى الله ،  وتلاوة قرآن في الليل والنهار ،  وفي ذكر وتسبيح والذي يكون أشد ما يكون إليه العبد وهو في المعركة حتى يأخذ المدد من الله ،  فيثبتــه ويقويه ( يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فأثبتوا وأذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون * وأطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم وأصبروا إن الله مع الصابرين ) [ الأنفال : 45 - 46 ] ..  وفي الحديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم ""  ما تقرب إلي عبدي بأفضل مما أفترضت عليه ، وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه ، فإذا أحببته كنت بصره الذي يبصر به ،  وسمعه الذي يسمع به ، ويده التي يبطش بها ، ورجله التي يمشي عليها ،  فبي يبصر ،  وبي يسمع ،  وبي يبطش ،  وبي يمشي ،  ولإن استعاذني ،  لأعيذنه ، ولأن استنصرني لأنصرنه  ""  .

 هذه النوعية من المؤمنين التي تنتصر ،  رهبان في الليل فرسان في النهار ،  وفي الحديث " أن الله ينزل إلى سمــاء الدنيا - والله أعلم كيف ينزل - في الثلث الأخير من الليل ،  فيقول :""  هل من مستغيث فأغيثه ،  وهل من داع فأستجيب له وهل من مستغفر فأغفر له  "" .

 جند المعركة الإسلامية المنتصرون عبر التاريخ ،  هم الذين يأكلون الحلال ،  ويشربون الحلال ،  ويلبسون الحلال ،  فتنموا أجسامهم من الحــلال ويتجنبون الحــرام ما أمكن ،  فـلا يدخل جوفهم مال من ربا أو غش أو قمار أو سرقة أو رشوة أو خيانة إلى غير ذلك من الحرام ،  وعند ذلك يصدق قوله تعالى ( إن تنصروا الله ينصركم ) فنصر الله هو تنفيذ لأحكامه يقوم بها المسلم والأمة منها ما يتعلق بعلاقة الفرد مع ربه من صلاة ، وصيام ، وزكاة ، وحج ، وتسبـيح وتهليل ( يا أيها الذين آمنوا إذكروا الله ذكرا كثيرا * وسبحوه بكرة وأصيلا ) [ الأحزاب  : 41 - 42 ]  . فما كان الله لينصر قوما لا يؤمنون به ،  ويرتكبون المعاصي ، ويتبجحون بعد ذلك بأنهم مسلمون ،  كتب عمر بن الخطاب رسالة إلى سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنهما - بعد أن ولاه العراق وقيادة معركة القادسية ،  يقول له :"" يا سعد سعد بني وهيب ، لا يغرنك أن قيل خال رسول الله - لكون سعد من بني زهرة أخوال النبي ،  وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يفتخر به :" هذا سعد خالي فليرني امرؤ خاله " - إن الله لا يمحو السيْء بالسيء ،  ولكن يمح السيء بالحسن ،  إياك أنت وجنودك من المعصية ،  فإنما تنتصرون على عدوكم بمعصيتهم لله ومخافتكم أنتم له ،  فإذا تساويتم مع عدوكم في المعصية لم يكن الله مع أحد الطرفين ،  وكانت الغلبة لمن هــو أكثر عددا وأكثر عـدة ،  ولا تقولوا إن عدونا شر منا فلا يسلط علينا ،  فربما سلط قوم على من هو شر منهم ،  كما سلط الله نبوخذ نصر على بني إسرائيل  ""  .

 ومنها ما يتعلق بعلاقة الفرد مع الدولة ،  من الأحكام التي لا تستطيع تطبيقها إلا الدولة من أحكام إدارة شؤون الناس والجهاد ، والقضاء ، والعقوبات إلى غير ذلك من الأحكام . كذلك ما يتعلق بعلاقة الفرد مع مجتمعه من الأخـلاق الحميدة التي دعا إليها الإسلام ، عند ذلك يأتي نصر الله ( إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد ) [ غافر :  51 ]  .

 -   الغيب في معركة مؤتة  :

 ويستمر الرسول صلى الله عليه وسلم في نشر دعوته إلى العالـم بعد أن دانت له الجزيرة العربيــة ( الحجــاز ،  نجـد ،  واليمن ) ،  فيقرر أن يخرج إلى تخوم بلاد الشام أرض مؤتة في الكرك ،  لطرق أبواب الدولة الرومانية ،  ليعلمهم أنه قد أرسل إلى الناس كافة ،  ويسير برعاية الله يرسل جيشـا قوامه ثلاثة ألاف رجل ،  ويعين لهذا الجيش ثلاثة من القادة لأول مرة في معركة من المعارك قال :""  الأمير القائد زيد بن حارثة ،  فإن أستشهد فالأمير جعفر بن أبي طالب ،  فإن إستشهد فالأمير عبدالله بن رواحة  "" - رضي الله عنهم جميعا - ويخرج الجيش ليلتقي بجيش الروم وعدده مائتا ألف ،  مائة ألف من الروم ومائة ألف من العرب المتنصرة ، لا تكافؤ في عدد ولا عدة ،  ولكنه تمرين عسكري لطرق أبواب الدولة الرومانية ،  وليعلمهم أن هذا الدين الذي جاء لإنقاذ العالمين قـادم عليكم لا محالة ،  ويستشهـد زيد بن حارثة - رضي الله عنه -، فيأخذ الراية جعفر بن أبي طالب بيمينه فتقطع ،  فيأخذها بيساره فتقطع ،  فيضعها بين عضديه حتى إستشهد ،  ويتردد عبدالله بن رواحة في أخذ الراية بعض التردد ، فيجزر نفسـه ويقـول لهـا : " يا نفس أمن الجنـة تفريـن " وكان الرسول صلى الله عليه وسلم على اتصال مباشر مع المعركة عبر الوحي فقال لهم :""  إستشهد زيد بن حارثة ،  فأخذ الراية جعفر وقطعت يداه ،  فأبدله الله بيديه جناحين يطير بهما في الجنة - ومن هنا سمي جعفر الطيار - واستشهد عبدالله بن رواحة ،  وقد رأيت الثلاثة على سرر من ذهب في الجنة ، وفي سرير عبدالله بن رواحة ازورار - أي انخفاض - عن صاحبيه لأنهم أقدموا وتردد  ""  .

 ويجمع المسلمون في المعركة على ( خالد بن الوليد ) ، فيعطونه الإمارة ، فيناور ويتكتك - كما يقولون - حتى إنسحب من المعركة بمهارة عسكرية فائقة ،  فلما وصل الجيش المدينة قابله المسلمـون بغير ترحاب وهم يقولـون لهم أنتم الـفرار ،  ولكن الرسول صلى الله عليـه وسلم دافـع عنهم وهـو يقول :" بل الكرار بإذن الله "".. وتؤدي هذه المعركة رسالتها في جرح معنويات الإمبراطورية الرومانية، فما كانت تتصور أن هؤلاء العرب ، يمكن أن يهاجموها في عرينها .

 -   الغيب في غزوة تبوك :

 فيقرر الرسول صلى الله عليه وسلم أن يخرج مرة أخرى إلى حدود بلاد الشام ،  وهذه المرة بنفسه قرر أن يخرج إلى تبوك في شدة الحر ( شهر آب ) ،  حيث لا ماء ولا ظل في أرض تلتهب حجارتها ،  والإنسان أحوج ما يكون إلى ظل ظليل ، أو إلى ماء بارد يمنع عنه شدة العطش ،  لكن الرسول صلى الله عليه وسلم يخـرج في هـذه الحالــة ،  لـيجري التمرين الأخــير للجيش الإسلامي الذي سيتولى تحطيم الإمبراطوريتين الفارسية والرومانية فيما بعد  .

 ويصل إلى تبوك بجيش قوامه ثلاثون ألفا ،  في شح من الماء ،  فلما شكا المسلمون من العطش وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم أصابعه في الرمل ،  فنبع الماء من بين أصابعه فشرب الجيش ،  وأخذ ما يحتاجه من الماء للغسيل أو الطهي ،  وأرسل وفدا إلى معان ،  وآخر إلى أيلة - العقبة - ويأتيه صاحب معان وصاحب أيلة ،  ويعطيهما الأمان ويكتب لهما كتبا بذلك مقابل دفع الجزية ، ويخبر الرسول صلى الله عليه وسلم عن تبوك أنها ستصبح جنـات وأنهــارا فيقول :""  كيف أنتم وقد عادت تبــوك جنات وأنهارا  "" وهي اليوم كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم . .  إنه الغيب  .

 وكانت سحابة قد مرت فأمطرت الجيش ،  فقال المسلمون معجزة لرسول الله من الله ،  وقال الذين في قلوبهم مرض سحابة صيف مارة .  وتخلف أقوام عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يلحقوا به في المعركة ،  فمنهم من كان مؤمنا لكنه آثر الدعة والراحة ،  فلما رجع رسول الله كانوا صادقــين معه فلـم يختلقــوا الأعذار ،  فأمر الرسول صلى الله عليه وسلم بمقاطعتهم حتى ينزل فيهم الوحي ،  وأستمرت المقاطعة خمسين ليلة ثم صدر العفو الرباني عنهم وقبول توبتهم ( وعلى الثلاثة الذين خلفوا حتى إذا ضاقــت عليهم الأرض بما رحبت وضاقت عليهم أنفسهم وظنوا أن لا ملجأ من الله إلا إليه ثم تاب عليهم ليتوبوا إنه هو التواب الرحــيم ) [ التوبه :  118 ]  .

 وأما المنافقــون الذين اعتذروا بأعذار واهيــة فلم تقبل توبتهم ،  لأنهم حاولوا خداع الله ورسوله . .  وأمثالهم اليوم الذين ينادون بالصلح مع يهود حرصا على حياة الدنيا ،  وخوفا من أن تدمر قصورهم وبيوتهم وأموالهم ،  فيدعون إلى ( العقلانيـة والواقعية ) ،  فيسجل الله الموقف لأولئك القوم ولكل متردد أو خائف أو منافق عبر التاريخ في هذه الأيام وفي كل يوم آت (فرح المخلفون بمقعدهم خلاف رسول الله وكرهوا أن يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله  وقالوا لا تنفروا في الحر قل نار جهنم أشد حرا لو كانوا يفقهون * فليضحكوا قليلا - في الدنيا - وليبكوا كثيرا جزاء بما كانوا يكسبون) [ التوبة : 81-82 ] .

حقوق الطبع محفوظة لكل مسلم   2006 ©