الصفحة الرئيسية > المؤلفات > الغيب في المعركة والتغيير الكوني > 2 > 3 > 4

( 4 )

-   أثر حرب الأفغان في التغيير  :

 وجاءت حرب الأفغان ،  فكانت فرصة لشباب الإسلام أن يذهبوا إلى هناك كي يتدربوا تدريبا عمليا ،  ويرجعون إلى بلادهم للعمل على قيام دولة الإسلام وكان للمرحوم الشيخ عبدالله عزام دوره في تدريب هؤلاء الشباب وإيقاظ روح التغيير والجهاد والإستشهاد فيهم مما دعى الكفر والخونة إلى قتله ،  فتعاونت المخابرات الأمريكية وبعض عملائها في أفغانستان في تنفيذ تلك الجريمة ،  فهم الذين يقودون القتال في كل مكان في مصر والجزائر وفي غير مصر والجزائر . 

 -   التحول في السودان  :

 وفي السودان ثورة ،  ولقد زرت السودان وأجتمعت مع المسؤولين ،  ولقد حدثني السيد عمر حسن البشير أنهم جاءوا للحكم ،  لأن ( جارنج ) ورفاقه من الصليبيين والوثنيين كادوا أن يصلوا إلى الخرطوم فأرسلت الحكومة آنذاك وفدا برئاسة المرغني يرجوهم أن لا يدخلوا الخرطوم ،  وإن دخلوها أن لا يسبوا المسلمات ،  ولما ذهب الوفد و( جارنج ) في أوغندا ،  وضع جارنج رجليه على الطاولـة في وجه المرغني وأخذ يملي عليه الشروط ،  وهنا تدخل الغيب فجـاء بعمر البشير ورفاقه من الضباط ،  وبدأوا يطبقون الإسلام .  وكان النميري قد سرق السودان أيضا كما فعلـوا في مصر والجزائر ،  وسرق ستة عشر مليـار دولار ،  وكان الشعب في حالة مجاعة أو يكاد ،  فلما جاء هؤلاء الشباب المسلم إلى الحكم ،  وأعلنوا تطبيق الإسلام ،  شبع الشعب بعد جوع ،  وأنكسا بعد عري ،  وأنتصر بعد هزيمة وأمن بعد خوف ،  وقبل حوالي سنتين حينما قابلت عمر البشير قال لي : "" لدينا مليون طن من الذرة ( إحتياط إستراتيجي ) لا نمسها ،  وعندنا سبعمائة وخمسين ألف طن من القمح ،  والآن يتبرع السودان للدول الأفريقيــة من حولــه بالحبـوب ،  ويصدر السكر "" .. 

 وقال لي البشير عن الكرامات التي تحدث في السودان فضرب أمثلة على ذلك فقال :"" كادت أن تنفذ الذخيرة من الجيش   وأمريكا مانعة أحد من أن يبيعنا الذخيرة ، فإذا حاكم بورسودان يرسل برقية يقول فيها : إن في الميناء باخرة صينية على ظهرها هدية أسلحة من الشعب الصيني إلى الشعب السوداني،  ولم يحدث قبل ذلك أن أتصلنا بالصين وطلبنا أسلحة " ، قال البشير :" ففرحنا بذلك فرحا شديدا ، وصدق الله تعالى (ومن يتق الله يجعل له مخرجا * ويرزقه من حيث لا يحتسب) " . ولما قرب الجيش السوداني أن يحتل (توريت) - وهي المركز الرئيس لجارنج زعيم الكفرة المتمردين - قال البشير :" تقدم الجيش على الجبهة يريد أن يجتـاز واديا ،  فإذا نحل كثيف يقف في وجه الجيش فيمنعه من التقدم ،  وبعد ذلك بقليل فإذا بسيل عرم يجتاز الوادي ، وإذا بقنابل تنفجر بجنبات الوادي،  هذه الألغام إنفجرت وقد زرعها جارنج في الوادي لتدمير الجيش القادم ،  وبعـد ذلك ، اجتـاز الوادي الجيش المسلم مكبرا مهللا حيث أن النحل من جنود الله ، فلما قرب من توريت ، ويعلو توريت جبل ، وجنود الكفر قد تمركزت فيه،  فلو تقدم الجيش الإسلامي  فسيكون مكشوفا لجيش الكفر - وهنا يتدخل الغيب مرة أخرى - فإذا غمامة بيضاء تلف الجبل وتفصل بين جنود الكفر وجنـود الإسلام ،  فلا يرى أحدهم الآخر ، ومن خلال الغيمة صعد جند الإسلام الجبل ، فقضوا على حامية جيش الكفر ، وحرروا توريت " . وكان تحريرها نقطة البداية لإنهاء حركة التمرد الكافرة ، والتي يحاول الكفر العالمي أن يثبتها ، ولكن هيهات .. هيهات ، فالسودان المسلم عرف الطريق إلى النصر عبر الإسلام والاستشهاد ،  عبر ولوج الجنة برؤوس الكفار  .

 وقد زرت السودان مرة أخرى ،  وأتيح لي أن أذهب إلى الكلية الحربية في الخرطوم وأحاضر فيها بحوالي ألفي تلميذ عسكري - ضباط على وشك التخرج - وحين وصلت إلى الكلية ،  وكان الوقت قبل الغروب بقليل ،  رأيت شبابا كل يفتح مصحفه ويتلوا كتاب الله ،  وحاضرت فيهم ساعة من الزمن ،  وقلت لهم :" إنكم ستكونون من جند الإسلام الذي سينطلق في العالم كله وفي أفريقيا بالذات،  لتحملوا الرسالة وتؤدوا الأمانة - وكانت ساعة من ساعات الله - " ، وكنت في السنة التي قبلها قد زرت معسكرا للتدريب الشعبي ، ممن يعدون للمحاربة في معركة تحرير الجنوب ، فقد رأيت العجب العجاب ، رأيت الطبيب والمهندس والنائب والمعلم والفلاح والعامل والعالم والشــيخ كلهم في ثياب بيض ، مكبرين مهللين ،  ذهبت أذكــرهم في القدس ،  فذكروني ،  وذهبت أذكرهم بفلسطين ،  فذكروني ،  فبكيت وبكوا ، بعد أن خاطبتهم خطاب المؤمن للمؤمنين ، وقلت لهم :" إن النصر قادم لا محالة ،  فأنتم حملة الرسالة الآن وأنتم جند الله " .. فلو تورطت أمريكا في السودان ، فستجد جندا لا كالجند ، ورجالا لا كالرجال ، جند يكبرون ويبغون الجنة ، أقوى من أمريكا بقوة الله  .

 وإذا كان جند الله في لبنان قد أرغموا المارينز على الرحيل ،  بعد أن أسرعوا بثلاثمائة جندي منهم إلى الجحيم ، وقد سأل التلفاز الأمريكي أحد جنود المارينز ممن نجوا :"  ما أغرب ما رأيت أثناء إنفجار المعسكر ؟ "،  قال :" أغرب ما رأيت هو أن الشاب الذي كان يقود السيارة الملغومة ،  كان يبتسم في ساعة الإنفجار " .  وبالطبع لا يعلم الكفار ومن تبعهم لماذا هذا الشاب كان يبتسم في أثناء الإنفجار ،  ولكن الإسلام فسر لنا هذا ،  فالإنسان حينما تصعد روحه يرى منزلته من الجنة أو من النار ( فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد ) [ ق : 2-3 ] .. (حديد) - أي حاد - ، يرى ما لا يراه في الدنيا ، يرى منزلته في الجنة ، يرى الحور العين المعدة لاستقباله "يرى مالا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر" كما ورد في الحديث الصحيح  .

 وفي مقابل هذه الصورة الإيمانية ،  نرى صورة أخرى ،  يرويها الناطق باسم السادات ، الصحفي الخائن لأمته ولله ولرسوله أنيس منصور ، فيقول بعد مقتل السادات مباشرة :" ما ندمت على قرار أتخذته في حياتي كما ندمت حينما دخلت غرفة العمليات ، إنني رأيت فيها السادات وهو مقتول ، فقد رأيت منظرا ، أرجو الله أن يعينني على نسيانه " .

 وبالفعل ، رأى السـادات منزلتـه من النار ، فتقلص كل جسمه ، وأسود كل بدنه على سواده ، وأضطربت كل شعيرة فيه ، وهو حينما قتل -لعنه الله- وهو يسقط تحت الأرجل ظهر صوته في الإذاعة وفي التلفاز وهو يقول :" مش معقول ده يا حسني " أما أن يخون الأمة فهذا معقول عنده ، وأن يبيع مصر وشعب مصر ، وأن يبيع القرآن فهذا حلال له ، وأن يظهر بمظهر فرعون العصر - لأنه كان يتمتع بالأبهة والسلطان - وفرعون من قبـل قال (أليس لي ملـك مصر وهـذه الأنهــار تجــري من تحـتـي) [ الزخرف :  51 ] .. وكذلك كان يقول السادات  .

وحين شيع جثمــان السادات ، شيعه يهود وأربع رؤوسـاء من الولايات المتحدة الأمريكية ، ولم يمش في جنازته مسلم موحد إلا بعض المأمورين ، ولما قربت الخيل من القبر ، رفضت أن تسير ، وكانت الخيل تجر المدفع الذي عليه الجثمان الخبيث ، فضربوها ودفعوها وحاولوا المستحيل معها وهي ترفض أن تتقدم ، أما لماذا هذا الأمر ؟  فيجيب عنه الرسول صلى الله عليه وسلم :"إن عذاب القبر تسمعه كل المخلوقـات إلا الثقلين " لإنها لو سمعته لهلكت ، وأن الحيوانات ترى ما لا يراه الإنسان .  ولذلك قال الرسول صلى الله عليه وسلم : "إذا سمعتم الحمار ينهق فأستعيذوا بالله ، فإنه قد رأى شيطانا ، وإن سمعتم الديك يصيح فهللوا ، فإنه قد رأى ملكا " ،  لذلك يكون صياح الديكة في الفجر حينما تنزل ملائكة النهار لتستلم من ملائكة الليل ، وعند العصر يتكرر ذلك تنزل ملائكة الليل تستلم من ملائكة النهار ، وقد رأت خيل السادات ملائكة العذاب فخافت أن تتقدم ، وخصوصا أن الجنازة لا يشيعها إلا الكفار والمنافقون  .

 -   التحول في تركيـا  :

 وفي تركيا (الكمالية ، العلمانية) والتي تتغنى حكومتها بالكفر منذ أتاتورك - لعنه الله - ظن أتاتورك أنه قضى على الإسلام بمجرد جرت قلم ،  فألغى الحروف العربية ، ففصل الشعب التركي عن ثقافته وحضارته وتاريخه وإنتصاراته المدونة بالحرف العربي ، وألغى الأذان باللغة العربية ، وكان يغيظه أن يسمع أن محمدا رسول الله من فوق المآذن ، وكان مأفونا وهو من يهود الدونمة ولا يعرف له أب ، لكن الإسلام بفضل الله أقوى من أتاتورك ، فذهب أتاتورك وذهب (عصمت إنينو) خليفته الذي فاوض الكفار في ( لوزان ) وعقد صفقة معهم على أن ينسحب الحلفاء من تركيا مقابل إلغاء الخلافة الإسلامية وإلغاء الحرف العربي وتحويل الدولة التركية الإسلامية إلى دولة علمانية كافرة .  وذهب من حوله من الكفار والماسونيين ،  فكان أول العودة للإسلام من جديد أن أعاد عدنان مندريس - رحمه الله - الآذان باللغة العربية ،  وحينما أعلن أول آذان باللغة العربية ،  كان الشعب التركي كله على أسطح المنازل ،  وبدأ البكاء الشديد من الفرح ،  فكانت أول صفعة لأتاتورك ومن معه من كفــار الدونمــة والماسونيين والعلمــانيين ولخطهم الكافر ،  وبدأ يفـتح المدارس والمعاهد لتعليم القرآن واللغة العربية ،  ففتح منها بالمئات ، فقتله جيش أتاتورك بأمر الغرب ،  وبالرغم من ذلك بدأ الإسـلام يعــود ، وفي أخـر إنتخـابات للبلديـات في تركيـا ،  نجـح حزب الرفاه (الحزب الإسلامي) بغالبية البلديات ، وكان أبرز هذا النجاح والذي رج كثيرا من الأوسـاط الفكرية والسياسية في العالم بأسره هو نجاحه في اسطنبول وأنقرة وقونيا ، وخصوصا اسطنبول (عاصمة السلطنة الإسلامية لمدة أربعمائة عام) مما يبشر بعودة مباركة للإسلام في تركيا ليتولى سدة الحكم فيها ،  وقد طالب بعد المتنفذين في تركيا بإلغاء إنتخابات البلديات التي نجح فيها الإسلاميون ،  فنصحهم الدكتور نجم الدين أربكان زعيم حزب الرفاه أنه إن حدث ذلك وتدخل الجيش لإلغاء الإنتخابات فستتحول تركيا إلى جزائر أخرى ،  وقد أدت هذه النتيجة إلى إستقالة بعض الوزراء وعلى رأسهم وزير الداخلية .  وسيسير الأمر حسب خط الغيب بإذن الله حتى يبلغ الأمر مداه  .

 -   التحول في الكرة الأرضية  :

 والإسلام بدأ يتفاعل مع الكرة الأرضية كلها ،  ويقبل عليه الناس ويدخلون في دين الله أفواجا ،  وقد دخل في هذا الدين عقلاء القوم في أوروبا وأمريكا ،  وكان دخولهم ضربة للفكر المادي ، فرجل على مستوى جارودي ،  وكان أحد أعلام الفكر الشيوعي ،  وسكرتيرا للحزب الشيوعي الفرنسي لمدة عشرين سنة ،  فيعلن ردته عن الشيوعية ،  ويدخل الإسلام على بصيرة ،  مما أحدث هزة بين صفوف المفكرين الأوروبيين والأمريكيين  .

 وكان الجراح الدكتور ( موريس بوكاي ) الفرنسي المشهور ،  قد أعلن إسلامه ،  وألف كتابا أسمه " الإنجيل والقرآن في ضوء المعرفـة الحديثة " ..  فأثبت أن ( التوراة والإنجيل ) لا يشيران ولا إلى حقيقــة علميـة واحدة ،  لأنها كتب محرفة ،  والقرآن لا يصطدم ولا مع حقيقة علمية واحدة ،  لأنه من عند الله عالــم الغيب والشهادة ( ولا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد ) [ فصلت : 42 ] ..  قال تعالى ( إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون ) [ الحج :  5 ] ..  وفي أمريكا أسلم الكثيرون من العلماء والمفكرين والعاديين  .

 أما العلماء فحينما قرأوا القرآن ،  أذهلهم بما يحويه من حقائق ترسم الطريق لحياة إنسانية كريمة ، لا عوج فيها ، فكل خير في هـذه الحيـاة دعـا إليه الإسلام ، وكل شر في هذه الحياة حرمه الإسلام .. الأخوة بين بني البشر في القرآن حقيقة ، وليس لأحد فضل على أحد بجنس أو عرق أو لون لأن كل البشر لأدم وآدم من تراب ، وإنما إختلف البشر في ألوانهم وأعراقهم لأن الأب آدم عليه السلام ، أخذت طينته التي صنع منها من جميع تراب الأرض ، فالأرض ترابهـا الأبيض ،  والأحمر والأسمر ،  وفيــه الحزن والسهل ،  وفيه اللين والصلب .  فكان لا بد للبشر أن يأتوا على أصل التكوين الذي تكون منه أبوهم الأول ،  وأمهم حواء جاءت من آدم ،  فخلقت من ضلعه ،  وبهذه المناسبة خلق الله أربعة أنواع من الـبشر : خلـق آدم من غـير أب ولا أم ، وخلق حواء من آدم بلا أم ، وخلق عيسى عليه السلام من أم بلا أب ، وخلق باقي البشر من أب وأم  .

 وأخذ الإسلام يتفـاعل بقوة ،  وحينما حضر عالم في علم الأجنة ،  رئيس قسم التشريح في جامعة ( تورنتو - كندا ) مؤتمرا علميــا في هذا الموضوع أقامتــه جامعــة الرياض  ، وفسرت لـه آية تكوين الاجنة كما وردت في القرآن الكريم (ولقد خلقنا الإنسان من سـلالة من طين * ثم جعلناه نطفـة في قرار مكـين * ثم خلقنا النطفة علقـة فخلقنـا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاما فكسونا العظام لحما ثم أنشأناه خلقا آخر فتبارك الله أحسن الخالقين) [المؤمنون : 12-14] ،  فقال :"إن هذا الكلام ليس من كلام البشر ، لأننا لم نصل إلى هذه الحقائق العلمية إلا قبـل ثلاثين سنة حينما تم اكتشاف المجهر الالكتروني" ..  فأسلم هذا العالم الجليل ،  وقال : " لا أريد أن أعلن إسلامي في الرياض ، وإنما في الجامعة كي أحدث الطلاب والأساتذة عن سبب إسلامي "  .

 وهكـذا ،  أخذ الإسـلام يتفاعــل في الدنيا كلها ،  حتى أصبح الديانة الثانية في إنجلـترا ،  وفرنســا وايطاليــا وفي الطريق ليصبـح كذلـك في أمريكــا ..  وهكذا ينصر الله دينــه بغـير حرب ولا قتــال ( ليظهره على الدين كله ولو كره المشركـون ) [ التوبة : 33 ]  .

 زوال الإمبراطوريات التي ساهمت
بقيام دولة إسرائيل

وما يجري في الكرة الأرضية ، بسبب قضية الأرض المباركة ، إذ هي محور السياسة الدولية ، ومحور التغير السياسي ، ومحور الصراع بين الكفر والإيمان .  وهذا القرن الذي نعيشه والتي برزت فيه قضية فلسطين ( الأرض المباركة ) لتكون الشغل الشاغل للدنيا كلها ،  جرت فيه أحداث عظام لا تشبهها أحداث إلا أحداث القرن الأول للهجرة السادس الميلادي ، والتي أنطلقت فيها جيوش المسلمين ،  فهدمت الأمبراطوريات الظالمة ،  وحررت الإنسان من عبودية غير الله ،  وفتحت أبـواب الجنـة لآلاف من الشهداء الموحدين ،  الذين وصلوا إلى أسـوار الصين شرقا ،  وتخـوم فرنسـا غربا ،  وحـدود سبيريا شمالا وأدغال أفريقيا جنـوبا .  وهذه الصحوة الإسلامية في العالم الإسلامي والعالم كله تمهد الطريق لسيطرة الإسلام على الأرض وزوال إمبراطوريات الكفر التي شقي بها الإنسان ولا يزال  .

 -   زوال الإمبراطورية البريطانية  : 

وفي هذا القرن زالت الإمبراطورية البريطانية كقوة عظمى في التاريخ ،  نتيجة لمعاداتها للإسلام والمسلمين ولظلمها المتراكم في ظلم الشعوب ، ونهبها لخيرات البشرية ،  وبلغ ظلم بريطانيا مداه حينما أعطت وعد بلفور سنة 1917 ليهود بإنشاء وطن قومي لهم في فلسطين ، وأضطهدت الشعب المبارك فقتلت وخربت وعذبت وسنت القوانين والأنظمة مما أدى إلى إقامة دولة يهود ، فكان الله لها بالمرصـاد ، فدخلت الحرب العالميـة الثانية ، ودمر الله بريطاينا على رؤوس أهلها ، وخسرت الملايين من البشر في الحرب ، وخرجت منها محطمة،  وإن كان في ظاهر الأمر منتصرة ، إذ هي لم تنتصر حقيقة ، وإنما الذي انتصر هي أمريكا والاتحاد السوفياتي سابقا وورثت أمريكا امبراطورية بريطانيا .. ولا تزال بريطانيا في تدهور مستمر  .

 وكما قلت للتلفزيون البريطاني الرسمي محطة   B.B.C  إن هناك في بريطانيــا عدة ملايين من البشر يعيشون تحت خط الفقر حسب التقديرات الرسمية المعلنة ..  وهكذا كل من يمد يده للأرض المباركة وأهلها بسوء تحرقه ولو بعـد حين  "  .

 -   زوال الإمبراطورية الفرنسية  :

 وأيضا في هذا القرن زالت الإمبراطورية الفرنسية ،  والتي كانت تنافس الإمبراطوية البريطانية في إذلال المسلمين ،  ونهب خيراتهم ،  ولقد أذلها الله ،  وبلغت ذروة إذلالها يوم أن قام الشعب الإسلامي الجزائري بثورته التي أطاحت بهيبة فرنسا وإمبراطوريتها،  والذي قام بذلك هم جند القرآن ،  الذين تربوا في المساجد وتعلموا القرآن فيه ،  ففتح الله عليهم وأثابهم نصرا كبيرا ،  وكان الإستعمار الفرنسي بشعا ،  لا تقيم للنفس الإنسانية أي إعتبار ،  وتحمل مع استعمارها الإنحلال والتفسخ الخلقي المشهورة بها الحضارة الغربية عامة ،  والفرنسية خاصة  .

 -   زوال الإمبراطورية الألمانية  :

 وفي هذا القرن ، ذهبت إمبراطورية هتلر ،  فقامت في هذا القرن وزالت به ،  وكان لا بد أن تذهب لأمرين  :

 الأول  :   لأنها تنادي بما يخالف الفطرة ، وهو تفوق العنصر الآري (الأوروبي) عامة ، والألماني خاصة ، وهذا يرفضه الله رب العالمين  .

 الثاني :   أنه لو إنتصر هتلر لما قامت دولة يهود وقيامها وعد من الله ،  وها هي قد قامت بالفعل وهي الآن بطريقها إلى الزوال على أيدي المسلمين بإذن الله تنفيذا لكامل الوعد الآلهي بقيامها وزوالها  .

 -   زوال السلطنة العثمانية  :

 وحتى تقوم دولة يهود كان لا بد من زوال الدولة العثمانية بوصفها دولة إسلامية ،  ولأنه لا يمكن أن تقوم دولة يهود ويتحقق وعد الله في ذلك في قيامها وزوالها وللإسلام دولة في الأرض ،  فصار الانقــلاب العثمـاني سنة 1909 وتم عزل السلطان عبدالحميد - رحمه الله - واستولى على الحكم (الماسونيون ، والعلمانيون ، والقوميون الأتراك ، ويهود الدونمة والصليبيون)  .

 فكان لا بد من زوالها ثم جاء أتاتورك محاولا إخراج الشعب التركي من الإسلام أو نزع الإسلام منه فألغى السلطنة الإسلامية سنة 1924 وأعلنها دولة علمانية .  وظن العالم أن الإسلام قد إنتهى في تركيا ولكن أحداث السنين الأخيرة أجمعت أن الإسلام في تركيا أقوى من أن ينزع ،  فعادت الأحزاب الإسلامية والجمعيات الإسلامية تحمل الإسلام وتعمل على عودة الخلافة .  فالصحوة الإسلامية في تركيا هي مكملة للصحوة الإسلامية عند العرب وفي العالم كله  .

 -   زوال إمبراطورية الاتحاد السوفياتي  :

 وفي هذا القرن ،  زالت الإمبراطورية الإلحادية الأولى في التاريخ الاتحاد السوفياتي سابقا وكان زوالها مذهلا للبشرية ، إذ أنها تملك من الوسائل المادية والأسلحة التدميرية ما تستطيع أن تدمر به الكرة الأرضية (270) مرة ،  ومساحتها سدس الكرة الأرضية ومن أغنى دول العالم في الثروات الطبيعية  .

 وحـين اجـتمع كــنيدي مـع خروتشـوف عـام 1962 في النمسـا وأغلقا الباب على نفسيهما ست ساعات ، وأقتسما النفوذ في العالم فيما بين أمريكا والاتحاد السوفيــاتي ، قال كنيـدي لخروتشوف : إن لدى أمريكا ما تستطيع به أن تـدمر الاتحاد السوفياتي 220 مرة - في ذلك الوقت -  فرد عليه خرتشوف :" إن لدى الاتحاد السوفياتي ما يستطيع به أن يدمر أمريكا مرة واحدة وهذا يكفي " .

 وكان لا بد لهذه الإمبراطورية ( السوفياتية ) أن تزول لأن فكرها ينافي الفطرة البشرية ، وفعلا زالت بين يوم وليلة بعد أن قتلت وشردت الملايين ،  ولقد طردت الشعب الشيشاني المسلم من أرضه في القوقاز إلى سبيريا ، وكانت الأطفـال تبكي والنساء تتضرع والرجال تستغيث برب العالمين ، وكان الله للإتحاد السوفياتي بالمرصاد ، فأذن الله بزوال هذه الإمبراطورية الكافرة الملحدة الظالمة بعد حين ، والتي ساهمت في إقامة دولة إسرائيل وإيذاء الشعب المبارك،  فهي الدولة الثانية التي إعترفت بقيام دولة إسرائيل بعد ثلاث دقائق من إعتراف الولايات المتحدة الأمريكية بهذه الدولة ،  وهي بهذا الإعتراف خالفت النظرية الشيوعية التي يزعمون أنها لا تعترف بالقوميات ولا بالأديان ،  وكانت تمد إسرائيل بالأسلحة هي والدول التي تـدور بفلكها وخصوصا (تشكوسلوفاكيا) ( قبل أن يمزقها الله إلى دولتين ويقضي عليها كدولة واحدة ) وذلك لمساندتهـا ودعمهـا لما يسمى بدولة يهود ، وكان هذا من الله جزاء وفاقا ، كما عاقب الله "نيكولاي تشاوسيسكو" زعيم رومانيا وعراب دولة إسرائيل ، فانهار وهو في أوج قوته وقتـل كما تقتـل الكلاب .. وهكذا كل دولة أو زعيم ساهم في تثبيت إسرائيل دولة أو اقامتها نال وسينال وبال أمره ، لأن الله لا يرد دعوة المظلوم ، فالرسول صلى الله عليه وسلم يقول :"اتقوا دعـوة المظلوم ، فإنه ليس بينها وبــين الله حجاب" ، وفي حديث آخر يخاطب الله المظلومين الذين يدعونه :"وعزتي وجلالي لأنصرنك ولو بعد حين" [ حديث قدسي ]  .

 وهكذا استجاب الله دعاء المسلمين الضعفاء ، وذهبت إمبراطورية القيصر ولينين وستالـين .. وعادت المساجد تفتح أبوابها ، والمآذن ترسل نداء "الله أكبر"  كل ذلك حدث بعد يأس  . 

ولقد زرت الاتحاد السوفياتي سابقا عام 1977 ، وكنت أتحدث إلى بعض العلماء في التغيير ، فيقولون بيأس :"ماذا نفعل؟ "، ولكن الله هو الذي فعل، وهو المنتقم الجبار ، وخاضت صاغرة مهزومة ، لكن الأفغان - سامحهم الله - انقسموا  فذهبت الأمال التي كانت تعلق عليهم ، وهذا وضع مؤلم وحزين  . 

-   الزوال القادم للإمبراطورية الأمريكية  :

 ولما كانت سنن الله في الكون لا تتغير ( ولن تجد لسنة الله تبديلا ) فإن الأمر سيتم بزوال الإمبراطورية الأمريكية ،  حيث أن أمريكا كدولة في التاريخ لا يتجاوز عمرها أربعمائة سنة ،  وقامت أول ما قامت على إبادة سكان أمريكا الأصليين (الهنود الحمر) والتي لا تزال بقية منهم الذين نجوا من الموت ،  يعيشون عيشة بدائية ، وفي تمييز عنصري ، إن الذي دفع الأوروبي ليأتي لأمريكـا حب المال ، ومحاولة الثراء السريع ، بغير اعتماد على ما قررته الأديان من سلوك إنساني راق ، لا ظلم فيه ولا طغيان ، وبغير إهتمام بالقيم الربانية ، فذبح الإنسان كذبح الشاة عندهم ، وهذا لا يزال في أحفادهم ، فالقتل هواية الآن في أمريكا  .

 ولقد قرأت اليوم (24/1/1994) أن العاصفة الثلجيـة التي تجتاح أمريكا الآن ، أوقفت سيدة أمريكية سيارتها في الشارع بسببها ، وذهبت تطرق الأبواب لتأوي نفسها من العاصفة الثلجية حتى تهدأ العاصفة ، ولم يفتح لها أحد بعد أن طرقت عدة أبواب ، وبعد ذلك وجدت في الغابة جثة متجمدة  .

 وظلم آخر قامت عليه الحضارة الأمريكية ، لما بدأ الأمريكان الأوروبيون يعمرون أرض الولايات المتحدة الأمريكية ، احتاجوا إلى أيد عاملة كي تزرع وتقلع ، فبدأوا يغزون شواطيء أفريقيا ويخطفون السود (الزنوج) من بيوتهم ويكتفونهم ويذيقونهم أشد أنواع العذاب ، وبعد ذلك يستعبدونهم ، فنشأت مشكلة العبيد في أمريكا ، وهذه المشكلة الآن ستكون بإذن الله من الأسباب في تفسخ الولايات المتحدة ، وهم يكونون الربع أو يزيد من عدد سكان الولايات المتحدة ،  وتضخمت الولايات المتحدة وأنتفخت كمـا تضخمت الدول الأوروبية الكبرى (بريطانيا ، وفرنسا ، وروسيا وألمانيا .. الخ) من قبلها وأنتفخت ، وإن الأسباب التي أدت إلى زوال تلك الإمبراطوريات هي الأسباب التي ستفسخ الولايات المتحدة الأمريكيــة  .

  قـواعد زوال الإمبراطوريات

 إن هناك قواعد ربانية لا تتخلف تتسبب في زوال الإمبراطوريات منها:

 -   القاعدة الأولى (الـترف) :

 الترف الذي حطم الإمبراطوريات الأوروبية ، تعيش فيه أمريكا الآن ،  والترف من أسباب زوال الإمبراطوريات العظمى في التاريخ ، وحتى الدولة الإسلامية كان من أسباب تفسخها الترف ، والذي تمثل في العصر الأول من الدولـة العباسيـة ومن بعض خلفاء بني أميـة والسلاطين العثمانيين ، والذي يفسخ وفسخ دويـلات الخلـيج  .

 فالإنسان المترف لا يستطيع أن يصمد أمام الأحداث ، ويفقد روح التحدي ، فيتفسخ في نفسـه ، وتتفسخ روحه وتمزق الأمراض جسده ، وهذه قاعدة ربانية قال تعالى ( وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناهـا تدميرا ) [ الإسراء : 16 ] ..  وقد قلت في بيان لي بعد حرب الخليج ،  وكان الكويتيــون قد إتهموا الفلسطينيين والعرب أنهم وراء ما حدث لهم ، فقلت إن الذي أهلك الكويت ومن فيها هم الكويتيون أنفسهم ،  الحكام وترفهم ، والأغنياء وترفهم ، والله يقـول (وضرب الله مثــلا قرية كانت آمنة مطمئنــة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان فكفـرت بأنعم الله فأذاقها الله لبـاس الجوع والخوف بما كان يصنعــون ) [ النحل :  112 ]  .

 ولقد مررت بالكويت سنة 1981 في طريقي للهند لحضور مؤتمر إسلامي ، فخطبت بعد صلاة الجمعة في أحد مساجدها الرئيسة (مسجد العثمان) ،  وكانت الحرب الأهلية في لبنان على أشدها ،  وقد دمرت بيروت ،  فأعدت عليهم الأية السابقة ،  وقلت إن الذي حدث في بيروت سيحدث في الخليج والكويت ، أما متى وكيف لا أدري ،  لأن القاعدة الربانية لا تتخلف سواء للمسلمين أو غير المسلمين ، والحضارة الغربية تحتضر  .

-   القاعدة الثانية (الربــا)  :

 الربا ما دخـل بلدا إلا وأهلكه ،  وأمريكا أفقرت العالم الثالث بقروضها الربويـة ،  وأجاعته ،  وقلت ذلك للسيد أحمد بن بيلا ،  أول رئيس للجزائر بعد الإستقلال ،  فصدق كلامي وقال : " والله ما أفقرنا إلا القروض الأمريكية والربا الأمريكي ،  فوالله لو أكلنا من قمحنا وعدسنا وبصلنا ومن خيرات بلادنا لما أصابنا هذا الفقر الذي نعيش الآن  "  .

 وعودة إلى الكويت والخليج والعراق ،  فالربا كان من أهم العوامل في تدمير الكويت والخليج والعراق ،  فالإنسان في الكويت ربوي ،  والسيارات ربوية ،  والطائرات ربوية ،  والأكل ربوي والحياة كل ما جل منهــا ودق ربوية ،  فلمـاذا تتخلـف القاعـدة القرآنيــة من تدمـير الكويت والخلـيج والعراق بسبب الربـا ؟ .

 والله يقول (يمحق الله الربا ويربي الصدقات) [ البقرة : 276 ] ..  وقاعدة تخريب الربا للاقتصاد والحياة تنطبق على المسلمين وعلى غـير المسلمـين أيضا . فقد أخذ الربــا شكله الـبنكي في الـقرن السابع عشر ، ونتيجة لذلك كان في القرن الثامن والتاسع عشر حروب دموية ، بين الدول الأوروبية ،  فلما إستفحل أمر الربا كانت الحرب العالمية الأولى في بداية القرن العشرين ،  فأكلت الأخضر واليابس ، ودمرت كل ما عمله الربا في أوروبا ، وانتعش الاقتصاد العالمي بعد الحرب الكونية الأولى إلى أن كانت سنة 1929 ،  فانهارت (80%) من بنـوك وشركات أمريكا ، وأعلنت إفلاسها ، وتبعها العالم كله ، فحدثت أزمة اقتصادية عالمية خانقة ، فجاءت الحرب الكونية الثانية ،  تهدم كل شيء بناه الربا (الإنسان ، المدن ، الحيوان) . وجاءت الاشتراكية في البلاد العربية ، وصادر عملاء أمريكا (الاشتراكيون) أموال الناس ، وأراضيهم ،  والبنوك والشركات ، وهكذا استمر محق الربا  .

 وتضخم الربا في أمريكا ،  وبدأت تفلس شركات عملاقة ،  وتغلق كثيرا من مصانعها مثل (جنرال موتورز ، وفورد ومصانع الحديد) مما أدى إلى بطالة مرتفعة ،  وبدأت الحرب الإقتصادية الخفية والعلنية بين السوق الأوروبية المشتركة وأمريكا ،  وكذلك بين أمريكا واليابان التي تعاني أيضا من أزمة إقتصادية خانقة بعد الإزدهار الإقتصادي الذي عاشته منذ هزيمتها في الحرب العالمية الثانية  .

 -   القاعدة الثالثة (الظـلم)  :

 الحضارة الغربية قائمة على تفوق الجنس الأبيض ، وبذلك هي تحتقر بني البشر الذين ليسوا من هذا الجنس . وتجد ظلم الشعوب الملونة لا يكون خروجا عن عقيدتها ورسالتها ،  فهي تفتعل الثورات التي تريدها لتنقض بها على كثير من بني البشر . وهي تسرق خيرات الشعوب ،  فالمواد الأولية في العالم الثالث كله ، هي التي تغذي مصانع الغرب ، وتتولى إدارة ( انتاج وتسويق ) المواد الخام شركات غربية ،  فتأخذها بأبخس الأثمان وتبيعها مصنعة بأثمان مرتفعة  .

 وبعد ذلك تخرج على العالم في التلفاز ،  وتأتي بصور عن المجاعات ،  وتبرز بوجه حضاري على أنها تقدم المعونات .  فهي وراء المجاعة ،  فتأكل أموال الشعوب بالباطل ،  ثم تذرف عليهم دموع التماسيح  .

 كل شعـوب العالـم الإسلامي ذاق الأمرين من الـغرب وأهله من أمريكا وحضارتهـا ، والغرب على رأسه أمريكا يحقد على المسلمين لا لسبب إلا لأنهم مسلمون فقط ، فهو حقد على الله ورسوله والقرآن ، ولذلك ترفض أمريكـا بالذات والدول الغربيـة تبـعا لها يرفضـون كل قـرار يصدر عن مجلس الأمن فيه إدانة ليهـود ، فاليهـود لهم الحق بأن يقتلوا الأطفـال والنساء والرجـال ، فإذا ما قتل المسلمون يهوديا اضطرب البيت الأبيض ، وأضطرب البنتاغون ،  وزمجرت وزارة الخارجية أن (الهمج) من المسلمين قتـلوا يهوديا (يهـودي دمه زكي) لا يصـح أن يسفـك ، أما المسلم فدمه حلال .. لأن الغرب بقتــل هذا المسـلم يريـد أن يعلمه الحضارة ، فها هي أمريكا لا تريد أن يصـدر قــرار من مجلس الأمن لإدانة دولة يهود بعد مجزرة (الحرم الإبراهيمي الشريف) يوم الجمعــة (15/رمضان/1414 هـ) ، والتي خططت سلطات العدو ونفذها جيش يهود في فجر يوم جمعة ، فقتلوا العشرات وجرحوا المئات من المصلين وهم ساجدون بين يدي الله فخرجت أرواحهم ،  تشكوا ظلم الكفار ، وتآمر الحكام الذين خانوا الأمانة ، والذين يشاركون في تنفيذ مخططات عدو ، حتى إذا وقعت الكارثة نددوا بها بأسلوب شاعري ، على أن لا تمس مشاعر يهود لئلا يغضبوا أمريكا والغرب لأنهم من الماسونيين العقلانيين ، ومن المتآمرين على أمتهم وعلى هذا الدين  .

 وأمريكا ترفض الحماية الدولية للشعب في فلسطين ، لأن من حق يهود أن يقتلوا ما شاءوا ويذبحوا ما شاءوا من هؤلاء المسلمين ، ولكن كل ذلك إلى حين،  ستكون النهاية ليهود ،  نهاية لم يعرفها التاريخ ، حينما يمكن الله لنا في الأرض ،  لأن يهود بحقدهم على المسلمين ،  وقتلهم وتعذيبهم الأطفال والنساء والرجال لم يتركوا بابا للرحمة عليهم ،  ولا للصفح عنهم  .

 وأمـا (أمريكا) راعية الظلـم فـي العالـم فـأوكـلنـا الأمـر للـه لتدميرها ،  وقـد بدأ ذلـك كمـا أشـرنا إليــه ولا مجال لإعـادتـه ( ويقولون متى هو قل عسى أن يكون قريبــا ) [ الإسراء :  51 ]  .

 إن الظلم والفساد والإنحلال الذي مارسته الكويت (من حارات الخليج) من أسباب النكبة التي أصابتهم ، فقصم الله الكويت ، ولن تبقى كويت بعد اليوم ،  إسمع إلى قول الله تعالى (وكم قصمنا من قرية كانت ظالمة وأنشأنا بعدها قوما آخرين * فلما أحسوا بأسنا إذا هم منها يركضون * لا تركضوا وأرجعوا إلى ما أترفتم فيه ومساكنكم لعلكم تسألون * قالوا يا ويلنا إنا كنا ظالمين * فما زالت تلك دعواهـم حتى جعلنــاهم حصيدا خامـدين ) [ الأنبيــاء :  11-14 ] .. 

 وهذه الآيات تشمل الكويت وستشمل بقية حارات الخليج وستشمل أمريكا وأوروبا ..  فلتنتظر أمريكا الدمار وكذلك أوروبا (وإن من قرية إلا نحن مهلكوهـا قبل يوم القيامة أو معذبوهـا عذابا شديدا كان ذلك في الكتاب مسطورا) [ الإسراء :  58 ]  .

 وهكذا ،  يصدق الغيب ،  ولا يفلت أحد من قبضة الله والقواعد التي جاء بها القرآن الكريم لتنظيم شؤون الحياة لا تتخلف منها قاعدة ،  والعوامل الأخرى التي تنخر في جسم الولايات المتحدة الأمريكيــة ،  تبشر بزوالها عن قريب كدولة عظمى ، فهناك المخدرات التي وصلت إلى أطفال المدارس ، والتي تقتل الإنسان قتلا بطيئا ، بالرغم من أن أمريكا تشن حربا لا هوادة فيها على مهربي المخدرات ، لكنها لم تنجح في القضاء عليهم ، ويزدادون يوما بعد يوم  وهذا مما يدل على تفسخ الجهاز الأمني الأمريكي ، وأنهم شركاء مع المهربين ، وكذلك المسكرات ، وبعد ذلك تأتي الأمراض ، وكانت نتيجة طبيعية للشذوذ الجنسي والزنا ، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ يقول :"ما فشت الفاحشة في قوم إلا وسلط الله عليهم أمراضا لم تكن في الذين سبقوهم" ،  وبدأ الأيـدز يعمل عمله وهو أخطر من القنبلـة الذرية ، خصوصا إذا علمنا أن كاليفورنيا وهي من أكبر الولايات المتحدة الأمريكية نسبة الإيدز فيها  (20%)  كما نشر عالميا ، هذا بالإضافة إلى أمراض أخرى وعلى رأسها السرطان وغيرها من الأمراض الفتاكة . وهكذا بدأ يعاقب الله الشعب الأمريكي بإنحرافه عن الفطرة التي فطر الله الناس عليها ، ويأتي بعد ذلك الجريمة المنظمة (المافيا) التي تجعل حياة الإنسان في الولايات المتحدة في إضطراب دائم وخوف وقلق ،  مما يسبب الأمراض النفسية والتي لم تعد المستشفيات قادرة على استيعاب المرضى النفسيين ، لأن هؤلاء أعرضوا عن ذكر الله (ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى) [طه : 124]  لأن الذي يجعل القلوب تهـدأ والنفوس تطمئن ذكر الله (ألا بذكــر الله تطمئن القـلـوب) [ الرعد : 28 ]  .

 

نعم لقد كسبت أمريكا العلم ، وتفوقت فيه وأستعملته لتدمير النفس البشرية ، ولكنها خسرت الإنسان ،  والمفروض أن العلم يجيء لخدمة الإنسان وسعادته ،  لا لتدميره وإرهابه ،  ويقول الذين عاشوا في أمريكا إنه من الصعب أن يسير الإنسان في شوارع المدن الأمريكية الكبرى بعد الساعة الثامنة ليلا ،  وخصوصا إذا كان مظهره يدل على أنه يحمل مالا ،  فسرعان ما سينقض عليه رجال المافيا والجريمة ويسلبونه كل ما يملك أو يقتلوه أو الإثنين معا  .

 فأصبح المجتمع الأمريكي مجتمع القسوة الذي لا يعرف الرحمة ،  إلا في خدمة الجشع والطمع والمال الأمريكي ، والأمريكان الذين جاءوا بالسود (الأفارقة) إلى أمريكا فأستعبدوهم وأذلوهم وأحتقـروهم ،  الآن بدأ العنصر الأسود في أمريكا يهدد أمريكا بالخطر ، والأسود في أمريكا ليس له إلا طريقان : إما أن يسلم فيعيش بأخلاق وطهارة ورحمة وأخوة الإسلام ،  وإما أن ينحرف فيعمل في المجتمع تدميرا وتخريبا ،  وكلا الأمرين أحلاهم مر بالنسبة لأمريكا ،  فالأمريكي الأبيض سليل القتلة والمجرمين من قتلة السكان الأصليين ،  لا يريد الإسلام ،  بل قل لا يريد الإطلاع على الإسلام ،  ومن جهل شيئا عاداه . . إلا من رحم ربك ممن إصطفاهم ربك للهداية  .

 لذلك هناك كثير منهم الآن ممن أراد الله لهم الهداية فأطلعوا على الإسلام ،  أهتدوا ورأوا في الإسلام الخلاص .  وهناك تململ بين ولايات الشمال الغنية والولايات الجنوبية الفقيرة نسبيا ،  فولايات الشمال تقول :" لماذا نطعم الفقراء في الولايات الجنوبية ؟ " . وقد جاءتني صحفية أمريكية من مجلة نيويورك تايمز وهي بنفس الوقت باحثة اجتماعية ،  فلما شرحت لها العوامل التي ستدمر أمريكا صفنت ثم قالت : " إنا نعالج ذلك بالديمقراطية " ،  ولما شرحت لها ظلم الأمريكان قالت : " ما دمتم تعتقدون أن أمريكا هي كل شيء بالنسبة لإسرائيل ،  فلماذا لا تشتغلون بالأمن الأمريكي ؟ - وهي تريد بهذا السؤال أن تصل لشيء ما في نفسها - فقلت : " إننا أضعف من أن نشتغل في أمن أمريكــا التي تملك السلاح الفتاك ،  ولكننــا تركنا الأمر لله يدمر أمريكا حسب القواعد الربانية التي جاءت بها الكتب المقدسة وخصوصا القـرآن " . .  فسكتت  .

 وفي خلال عام من الزمن ، داعب الله الولايات المتحدة فأعطـاها إنـذرات أوليــة ، تمهيدا لتدمـيرها وهلاكها بإذن الله ، فأثار إعصار (أندروز) ووصل إلى بيت الرئيس بوش في تكساس فدمـره - وهو بيت العائلة - ثم جاءت فيضانات المسيسبي التي جرفت تربة الملايين من الأفدنة على ضفتي النهر إلى المحيط ،  والتي لم تعد صالحة للزراعة للأبد ، ثم الحرائق في غابات كاليفورنيا والتي دمرت الملايين من الأشجار ووصلت إلى المكسيك ، وعجز العلم والسلاح الأمريكي من إطفائها ، وكلما أطفأوها من ناحيــة جاءت الريح وهي من جند الله وأشعلتها من الجانب الأخر ، ثم جاء الزلزال في (لوس أنجلوس/كاليفورنيا) ،  فدمر وزمجـر وشرد الألوف من سكانها ،  وكما قال الرئيس كلينتون إن الجسور التي دمرها الزلزال دمرها كما يدمر الإنسان حبة البسكويت  .

 وأخيرا وليس آخرا جاء الصقيع والعواصف الثلجية فجمدت الإنسان والحياة والكهرباء والماء ،  وهكذا تمضي أمريكا نحو نهايتها بقوة العزيز الجبار كدولة عظمى  .

  التغـيير الكوني في الـقرآن

 الله جعل قضية فلسطين فتنة للعالمين ، يهلك بها دولا ، ويهلك بها جماعات ويهلك بها أفرادا ، ويدخل بها أقواما النار وأقواما الجنة . وهذا الذي حدث للإمبراطوريات السابقة في هذا القرن (قرن العشرين) ويحدث للإمبراطورية الأمريكيـة ، هو ما تحدثت عنه آيات القرآن وقواعد الإسلام ولنبدأ ببيانهـا  : 

-   الآية الأولى  :

 ) فأما عاد فاستكبروا في الأرض بغير الحق وقالوا من أشد منا قوة أولم يروا أن الله الذي خلقهم هو أشد منهم قوة وكانوا بآياتنا يجحدون * فأرسلنا عليهم ريحا صرصرا في أيام نحسات لنذيقهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا ولعذاب الآخرة أخزى وهم لا ينصرون ) [ فصلت : 15-16 ]  .

 هناك قاعدة عند علماء أصول الفقه تقول : " العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب " أي حينما تنزل آية لسبب من الأسباب ، فإن حكمها لا ينحصر في هذا السبب ، وإنما يشمل كل ما يشابهه إلى يوم الدين لإشتراكهما في العلة  .

 ومن هنا كان باب الاجتهاد ، والذي أثرى الفقه الإسلامي عبر التاريخ ،  فالأمبراطوريات التي زالت وستزول في هذا القرن وعبر التاريخ ، شاركت الله في الوهيته وجبروته ، فأصابها الغرور ، فحللت وحرمت ، ومنعت وأباحت ،  وعذبت وأضطهدت ، والتحليـل والتحريـم هو عمـل اللـه ، ولـذلك لما نـزل قـول الله تعالى (اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله والمسيح ابن مريم وما أمروا إلا ليعبدوا إلها واحدا لا إله إلا هو سبحانه عن ما يشركون) [ التوبة :  31 ] ..  قال عدي بن حاتم الطائي - وكان نصرانيا فأسلم - :" لم يتخذوهم يا رسول الله أربابا -يعني الأحبار والرهبان-  قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم :" ألم يحلـوا لهم ويحرمـوا عليهم ؟ قال : بلى ، قـال : هذا هو عمل الله " ،  أو كما قال عليه الصلاة والسلام  .

 وأمريكا اليوم تمثل الإستكبار العالمي ، كما إستكبرت عاد في التاريخ ،  ولقد سمعت بوش بأذني يقول في حرب الخليج كما قال قوم عاد بالنص :" قال : نحن أمريكا من أقوى منا ! " وكأنه يريد أن يقول علينا أن نأمر فيكون السمع والطاعة على جمـيع الناس ، فقلت وكان من حولي قوم :"أهلك بوش قوم " ..  لأنه نسي أن الله أقوى من أمريكا ، بل أقوى من الكرة الأرضية ، بل أقوى من السمـاوات والأرض .. لأنه خالقها والخالق لا يعجزه شيء ، وما هي أمريكا ؟!! وما هي الكرة الأرضية ؟!! . والحديث الذي رواه أبو ذر عن الرسول صلى الله عليه وسلم :"ما السموات السبع مع الكرسي إلا كحلقة ملقاة في فلاة وفضل العرش على الكرسي كفضل الفلاة على الحلقة " [ القرطبي 2 - 278 ٍ]  .وكان هــلاك أمريكا أوله هـلاك بوش ،  إذ سقط في الانتخابات ،  فبدأ الله به فأذله ،  مع أنه خاض الإنتخابات بعد حرب الخليج ،  وكان المفروض أن يصبح بطلا تاريخيا في أمريكا ،  وبدأ الله بعدها يفعل الأعاجيب في أمريكا ،  وهاهم الجنود والضباط الذين شاركوا في حرب الخليج يصابون بأمراض جسدية ونفسية لا يجدون لها علاجا - بالرغم من التقدم الطبي في أمريكا -  .

 إن كل ما أهلك الله به الأمم السابقـة (أقـوام الأنبيـاء) موجـود الآن في الحضارة الغربية وفي أمريكا بالذات ، فكان الله يهلك القوم لذنب من الذنوب ، الشرك والالحاد ، أهلك الله به فرعون وحزبه ، وقد أهلك الله به الاتحاد السوفياتي في هذا القرن ، (اللواط) أهلك به الله قـوم لوط ، واللواط مرخص به في الغرب وأمريكا ، حتى وصل بهم الاستهتار بالله وقوانينه ، ومخالفة الفطرة التي فطر الله الناس عليها ، أن أباحوا زواج الرجل بالرجل ، والمرأة بالمرأة ،  ووصل الاستهتار ذروته حتى أنشأوا محاكم -في مدينة سان فرانسيسكو- لفض المنازعات بين الزوجـين من الذكـور ..  وهكذا كل ما أرتكبتـه الشعـوب عـبر التاريخ الآن يجتمع في الحضارة الغربية بشكل عام وأوروبا وأمريكا بشكل خاص ( وأنتظروا إنا معكم منتظرون ) [ هود :  122 ]  .

-   الآية الثانية  :

 وتمضي الآيات ويمضي الغيب ليحدثنا عن حتمية هزيمة الحضارة المادية ( إن الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيـل الله فسـينفقـونهـا ثم تكـون عليهم حسـرة ثم يغلبــون والـذين كفروا إلى جهنم يحشرون ) [ الأنفال : 36 ] ..  والمتتبع لهذه الآية التي ترسم ما قام به الكفار عبر القرون الأخيرة ،  بعد هزيمتهم في الحروب الصليبية ،  وخروجهم من المنطقة أذلاء مقهـورين ،  عرفوا سر النصر في المسلمـين وأنه يكمن في الإسلام ،  فخططـوا لإخراج الإسلام من المسلمـين أو إخراج المسلمين من الإسلام ، فقاموا بنشر الخرافات والتشكيك في أحكام الله ،  وإثارة قضايا جانبية بإشغال المسلمين عن الجوهر وتشجيع الانحرافات الفكرية ، وتشجيع الغلاة من الصوفية الذين لا يقولون بمحاربة الكفار ، وأن محاربتهم إعتداء على (قدر الله) ، لذا هم يتعاونون مع الكفر ويرضخون له ،  وقد قلت لهم مرة في أحد الأحاديث الإذاعية :" إن قولهم لا يجوز مقاومة الكفــار والإستعمار لأن مقاومته إعتداء على ( قدر الله ) هو جهل فاضـح ،  لأن الجاهليــة كانت قدر الله ،  فكان على الله أن لا يرسل الأنبيــاء لتغيير هذه الجاهليــة " !!  .

 وقد حدثني أحد الصوفيين ممن طمس الله على قلوبهم وأبصارهم ،  أنه لما أحتلت فرنسا المغرب ودخلت بلدا مدفون فيها رجل يزعمون أنه ولي ،  فتسائل أحدهم أمام شيخ الطريقة :" كيف يدخل الكفار بلدا فيها هذا الـولي المدفـون ؟ " ، فزجـره شيخه وقال له :" لقد رأيت هذا الولي يقود فرس القائد الفرنسي بنفسه ويدخل به البلدة ".. وهكذا انتشرت الخرافة والجهل والكفر ،  وهم يجهلون أن تغيير قدر الله يكون بقدر الله في إرسال الرسل واتباعهم إلى يوم الدين  .

 وبعد ذلك أخذ الغرب ينحوا منحا أخر في مقاومة الإسلام ،  فأنشأوا المدارس التبشيرية والتي تجعل المتخرج منها ليس له إنتماء ،  فهو ليس مسلما وليس نصرانيا وليس يهوديا ، وإنما هو مهزوز الشخصية مضطرب في كل حياته (إلا من رحم ربك) ،  وبلغ الأمر ذروته بإنشاء الجامعة الأمريكية في بيروت ،  هذه الجامعة التي خرجت الأفواج التي ساهمت في (اسقاط السلطنة العثمانية) وإقامة دولة يهود ، ويحضرني هنا أن مسؤولا أمريكيا جاء إلى المنطقة ،  فلما زار لبنان وأجتمع بخريجي الجامعة الأمريكية قال :" لو لم تكن الجامعة الأمريكية موجودة في المنطقة ،  لكان وضعنا أسوأ بكثير " ، وهكذا أدت هذه الجامعة رسالتها في تغريب فكر كثير من الشباب ، وإيجاد نمط الحيـاة الأمريكيـة في العيش في فئة من  المجتمع الإسلامي ،  وتتابعت الجامعــات التي تعتمد على الحضارة الغربية في مناهجها ، وقد حاول الغرب أن يقضي على جامـع الأزهر بحجة تطويـره ،  فأنشـأ مدرستين على المستوى الجامعي لتحل محل الأزهر ،  واحدة للغــة العربيــة وآدابها وهي دار العلـوم ،  والثانيــة للقضاء الشرعي ( مدرسة القضاء الشرعي ) ،  ولكن المدرستين لم تنجحا باداء الرسالة التي أنشأت من أجلها ،  فأندمجت دار العلوم في جامعة القاهرة ،  وأغلقت الثانية .  ولقد حاولت المخابرات الأمريكية مرة أخرى تطوير جامع الأزهر بعد ثورة (23/يوليو) ،  فأرسل عبدالناصر أحد وكلاء وزارة التربية والتعليم إلى أمريكا ،  كي تدربه المخابرات الأمريكية هناك على كيفية تخريب جامع الأزهر بحجة تطويره ،  ولقد أصبح الأزهر جامعة من الجامعــات الكثـيرة الموجودة في مصر ،  وقد فقد مركزه كحصن حصين للإسلام وروحــه اللغة العربيـة ،  وأخذ يخرج أفواجـا من الجهلة ،  وقد رأيت بأم عيني وكنت عضوا في إحدى لجان التعيين بوزارة الأوقاف ( الأردن ) ،  كيف أن بعض حديثي التخرج من الأزهر وقد قدموا طلبات التعيين من كليــات الشريعة والقانون على جهل عظيم بكل شيء ،  حتى أن أحدهم لا يحفظ قصار السور ،  وكانت الخطة أن يأخذ هؤلاء الشباب في الصيف إلى المصايف المصرية ليتأقلموا مع الحياة العصرية .

 

لكن الله كان بهذا الدين رؤوف رحيم ،  فأنشأت كليات للشريعة وأصول الدين في كثير من الدول العربية والإسلامية ،  وحلت محل الأزهر في تأدية رسالته ،  وكذلك أنشأ الغرب النوادي بدلا من المساجد لينصرف إليهـا الناس وخصوصـا الشبـاب ليعيشوا حياة ليس لها رسالة ،  وليقضوا أوقاتهم في اللهو واللعب ،  وأخيرا أنشأوا النوادي الرياضية وخصوصا نوادي كرة القدم التي حلت محل الأحزاب ،  فبدلا من أن يفكر الشاب في كيفية خلاص أمته ويحمل هم قومه ،  تراه قد تعصب لناديه تعصبا لا مثيل له ،  وكأنه في إنتصار ناديه بكرة القدم تنتصر أمتـه ،  ولقـد مات بعضهم من شدة التـأثر حينمـا إنتصر ناديـه أو إنهـزم ،  فذهـب ( شهيد الكرة ) بدلا من أن يكون ( شهيد المعركة )  .

 وأستخدم الغرب ( النواحي الإنسانية ) لمحاربة الإسلام ،  فأنشأ المستشفيات ،  والمستوصفات ،  ودور الأيتام ،  وتقديم المساعدات للمحتاجين ،  كل ذلك القصد منه محاربة للإسلام والمسلمين ،  وهذا الذي يقوم به الغرب من أعمال إنسانية والإغاثة البشرية وديمقراطية غربية ،  حدث به رسول الله صلى الله عليه وسلم ،   ففي صحيح مسلم - باب علامات الساعة - عن المستورد القرشي أنه قال في مجلس كان فيه عمرو بن العاص : " تقوم الساعة والـروم أكــثر الناس " ، فقـال له عمـرو :" أبصر ما تقـول " ،  فقـال المستورد :" حديث سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم " ،  فقال عمرو :" أما وقد قلت :"  فإن فيهم خصالا أربع ،  أحلم الناس عند فتنة ،  وأسرعهم كرة بعد فرة ،  وأسرعهم إفاقة بعد مصيبة ،  وخيرهم لمسكين ويتيم وأسير وخامسة حسنة جميلة وأمنعهم من ظلم الملوك " أو كما قال صلى الله عليه وسلم .  وكانت النوادي في بادىء الأمر مقتصرة على أبناء الطائفة النصرانية من أبناء المنطقة ،  ولكنها لم تؤدي الرسالة المطلوبة ففتحوا أبوابها لإبناء المسلمين كي تؤدي رسالتها فيهم ،  لأنها من أجلهم أنشأت ،  فقد أنفق الغرب الملايين بل قل المليارات على هذه الأغراض المتقدم ذكرها ،  حتى ظن الغرب وأبناء المنطقة ممن آمنوا بثقافته وحضارته أن الإسلام قد إنتهى أو كاد ،  وأنه دين المتخلفــين عقليــا أو المتبطلـين .  ولا أزال أذكر أني بعد تخرجي من الأزهر عام (1949) وقد عينت معلما في مدينة الخليل بفلسطين ، وكنت أسير أنا وأحد مفتشي التربية ومدير مدرسة مخضرم ،  فذكرت لهما حرمة الربا أثناء الحديث ،  فما كان منهما إلا أن نصحاني بما يشبه الزجر أن هذا الأمر لا يصح بحثه الآن ،  وأن الربا من ضروريات الحياة ،  وأن العالم إستقر في معاملاته على الربا ،  وكأنهم يستهزؤن بكل حكم شرعي ( يا أيها الذين آمنــوا لا تتخــذوا الذين أتخــذوا دينكم هـزوا ولعبــا من الذين أوتـوا الكتـاب من قبلكم والكفـار أوليـاء وأتقــوا الله إن كنتم مؤمنين * وإذا ناديـتم إلى الصـلاة أتخذوهــا هزوا ولعبــا ذلك بأنهم قـوم لا يعقلون ) [ المائدة :  57-58 ]  .. مع أن الأحداث في الدنيا الآن تبين لنا كيف عذب الربا ويعذب الإنسانية التي تعاني من أزمات إقتصادية متلاحقة ، وكيف أن الإنسان في ظل الربا يعيش مهموما متوتر الأعصاب لا يهنأ بعيش ولا يتلذذ بطعام ، ويوم القيامة يقوم من قبره مذعورا كالذي يتخبطه الشيطان من المس ، وهو في الدنيا كذلك مذعور دائما ، نزلت الأسهم فينزل ضغطه معها ، ارتفعت الأسهم فيرتفع الضغط معها ، ارتفعت الأسهم فترتفع نبضات قلبه معها ، حان موعد الكمبيالة ، السوق واقف فيذهب إلى بيته مهموما مغموما كيف سيدبر الأمر فيصفن ، فتقول له زوجته مالك يا رجل ، فيجيب جاءت ساعة الكمبيالة ، ولا أدري من أين سأسددها ، هاتي ذهبك وذهب أختك وذهب بناتك وهكذا المرابي يقترض بالربا أو من يقرض بالربا في إضطراب لا يهدأ ، والبورصات العالمية الآن بين فترة وأخرى يصيبها الكساد ، فتخسر المليارات في لحظات ، ويخسر كثير من المرابين حياتهم مع خسارة البورصات ،  فتصيبهم السكته ، أوالشلل أو إلى غير ذلك من الأمراض ، ويصدق القرآن في الـمرابـين ( الذين يأكلــون الربا لا يقومـون إلا كمــا يقــوم الـذي يتخبطه الشيطان من المس ذلك بأنهم قالوا إنما البيع مثل الربا وأحل الله البيع وحرم الربا فمن جاءه موعظة من ربه فأنتهى فله ما سلف وأمره إلى الله ومن عاد فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون ) [ البقرة :  275 ]  .

 وتبدأ التفليسات ،  ويمحق الله الربا في الأزمات الإقتصادية وبالحريق والغريق ،  والحروب ،  والزلازل ،  وتصادم الطائرات ،  والسيارات وغرق البواخر وحاملات النفط ،  ويصدق الغيب ،  والغيب دائما صادق ،  لأن الغيب من الله وما أخبر به الله يتحقق  .

 والذين كفروا أنفقـوا أموالهم وينفقونها لإقامـة وتثبيت دولـة يهود ،  فهل تبقى دولة يهود ؟ إنها لن تبقى ،  لأن الآية تتكلم عن المستقبل ، فتقول ( إن الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله ) ،  وقد بينت كيف أنفقوا أموالهم في كل وجه وسبيل ،   ليصدوا عن سبيل الله واطفاء نوره سبحانه وتعالى . وبعد ذلك تمضي الآية فتقول :" فسينفقونها " أي مستقبلا وليس حين نزول الآية ،  لأن الـسين هنا سين الاستقبال ،  وبعد أن ظنوا أنهم بهذا الإنفــاق أطفـئوا نـور الله يجيبهم الله فيقول : ( فسينفقونهــا ثم تكون عليهم حسرة ) . .  وهكذا كان ،  فإذا الصحوة الإسلامية تقلب الموازين رأسا على عقب ،  وإذا الشباب المتعلم في مدارس الغرب ومناهجه دعاة إلى الله ،  حفظة للقرآن ، يقومون الليل ويصومون النهار ويترفعون عن الدنيا والدنايا ، وكثير من الشباب في بلاد المسلمين يذهبون لإكمال تعليمهم في الغرب ، ويذهبون غير متدينين أو مقصرين في عباداتهم ويرجع الواحد منهم فإذا هو داعية إلى الله وقد أطلق لحيته ويبدأ في هداية أهله إن كانوا مقصرين . ويفاجأ الغرب كيف حدث هذا الأمر ؟!!  وكيف يعالجون هذه الظاهرة ؟. وكأن النفس الإنسانية بأيديهم ، والغواية والضلالة في الإنسان تحت أمرهم ، ويأمرون عملاءهم من المفكرين والسياسيين ،  أن يعالجوا هذا الأمر الخطـير ،  ولم يعلموا أن الرسول صلى الله عليـه وسلم قال :""  قلوب العباد بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء  ""  .

 ولقد أتيح لي في عمان أن أجتمع إلى نخبة من الأطباء الذين تخصصوا في الغرب ،  لأحدثهم عن الحل الإسلامي لمشاكل الأمة .  فقلت لهم :" أنتم الذين رأيتم الغرب بأم أعينكم وإنهيار حضارته ، وتعذيب إنسانه ، وشقاء الأنثى فيه التي أصبحت سلعة تباع وتشترى للأفلام السينمائية والمســارح والمواخير وإلى غير ذلك ، مما أشقى الإنسانية وأشقاها" ،  وقلت : " إن اجتماعي بكم هذا ،  هو علامة من علامـات التغيير في المجتمـع ورجـوع المجتمع إلى أصوله والأمة إلى عقيدتهـا "  .

 وفي مجال الصحوة الإسلامية والتي ليست في مكان بعينه وإنما تكاد تشمل العالم كله حدثت هذه الصحوة في فلسطين القسم المحتل سنة 1948 وكان من ضمن مظاهرها إطلاق اللحى والتنادي بالفكر الإسلامي ،  مما جعل يهود يستغربون هذا الأمر وكانوا يظنون أنهم قضوا على بذرة الإسلام في قلوب الشباب ،  فألفوا لجنة من أساتذة جامعـة (تل أبيب) من علماء النفس والتاريخ والإجتماع لدراسة هذه الظاهـرة ،  فقلت لهم في حينها بمقال نشرته الصحف :" يا معشر يهود ، إن هذه الصحوة لا يمكن أن تدخل ضمن تحليلاتكم ولا مختبراتكم ،  إنها قـدر من القـدر الذي سيعصف بكم على أيدي هؤلاء الشباب الذين عادوا إلى الله ،  وسيأخذ الله بيدهم لأنهم جنده وجند الله لا يغلب ،  فلن تستطيعـوا أن تفهمـوا ما يجري ،  لأن ما يجري من الغيب ،  وأنتم قوم لا تعقلون "  .

 والفكر المادي خدع الإنسانية بفكرة التطور وجعلها تشمل كل شيء الإنسان والحيوان والأديان والمادة ،  وهذا خطأ فاحش ،  فوسائل المواصـلات مثلا كانت في بداية التاريخ وإلى وقتنا الحاضر الجمل ،  والحصان ،  والبغل والحمار ،  وهذه لم يلحقها التطور ولا التغيير ،  فالجمل لم يصبح سفينة ، والحصان  لم يصبح سيارة ،  وهكذا بقي الحصان حصانا ،  والجمل جملا والحمار حمارا ،  ولكن الإنسان اخـترع أشياء جديدة لحله وترحالـه من الدراجة وحتى الطائرة ،  وهي موجودة هذه المخترعات بجانب هذه الحيوانات . .  ولذلك إطلاق كلمة التطور على الأحكام الشرعية خطأ فادح ،  لأنه لا اجتهاد في مورد النص ،  فالربا حرمته قائمة إلى يوم القيامة ،  ولكن وظيفة المجتهدين من العلماء أن يبحثوا مدى إنطباق حرمة الربا على العقود الجديدة التي تنشأ إلى يوم الدين ،  فإن كان فيها علة الربا فهي حرام حرمة الربا وإلا فلا .  والزنا حرام إلى يوم القيامة ولا يقول بإباحته إلا كافر .  والخمر حرام إلى يوم القيامة ،  وفروض الإسلام الخمسة مستمرة إلى يوم القيامة ،  والجهاد مستمر إلى يوم القيامة لا يبطله عدل عادل ولا جور جائر ،  وهكذا بقية الأحكام الشرعية ،  لا يلحقها تبديل ولا تغيير ولا تطور ،  لأن التطور محال في الأحكام الشرعية التي علمت من الدين بالضرورة  .

 وهناك في المجتمع بقية من مخلفات الحضارة الغربية ، الذين (يزعمون التقدم ويقولون بالتطور) ، والذين كانوا يقولون ولا يزالون (لا جنة ولا نار ،  ولا بعث ولا نشور ، وإنما هي أرحام تدفع ، وقبور تبلع ، وأن الإنسان تطـور عن الحيوان وأن الحيوان تطور عن الخليـة الأولى) وهم يعجزون وعاجزون عن الإجابة عمن أعطى الخلية الأولى الحياة ؟ . ولقد قرأت عن عالم روسي عام (1959) قال : " لنا ثلاثون عاما نحاول أن نعطي الحياة للخلية الأولى والتي عرفنا مكوناتها ، ونعلن الآن عن عجـزنـا عن معرفــة سر الحياة فيها " فصـدق اللـه وصـدق الغيب ( ويسألـونك عن الــروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا ) [ الإسراء : 85 ] ..  وكلمة التطور توسع الناس في استعمالها فجعلوها تشمل أشياء لا يمكن أن تتطور ،  والتطور الحقيقي هو في الجنين في رحم أمه ويصفه القرآن ( ولقد خلقنــا الإنسان من سلالة من طين * ثم جعلنــاه نطفة في قرار مكين * ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنــا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاما ثم كسونا العظــام لحما ثم أنشأناه خلقا آخر فتبارك الله أحسن الخالقـين ) [ المؤمنون : 12-14 ] .

 ونعود إلى آية الإنفاق من سورة الأنفال ،  فبعد أن بين الله أن الكفار سينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله ، قال ( فسينفقونها ) وبعدها مباشرة إستعمل ( ثم ) أي بعد بفترة وقد تطول ، وستكون الحسرة ، لأن " ثم " للعطف مع التراخي ، وبعد هذه الحسرة التي ستشمل العالم الغربي بل قل العالم الكافر كله ، وتشمل منافقي العرب أو قل المنافقين من الحكام وأعوانهم من وزراء ،  وسفراء ، وكتاب وصحفيين وساسة ومتنفذين وخونة ومنتفعين ، استعمل الله (ثم) مرة أخرى ثم يكون بعد الحسرة الغلبة عليهم  .

 وهاهي الغلبة بدأت للمسلمين ،  هذه الصحوة الإسلامية ،  التي تشمل العالم الإسلامي ،  بل تشمل العالم كله ،  والتي جعلت الرئيس الأسبق للولايات المتحـدة الأمريكيــة ( نيكسون ) يقول في كتاب لـه :" إن المعركة القادمة هي بين الإسلام والحضارة الغربية ،  وخصوصا بعد إنهيار الشيوعية "  .

ولذلك يتسابق الغرب وحكام الدويلات في بلاد العرب والمسلمين ،  في محاولة لتثبيت يهود دولة ،  إن حكام العرب والمسلمين وأعوانهم يخافون من النصر كما تخاف إسرائيل من الهزيمة  .

 وها هي الثورة في الجزائر ، والثورة  في مصر ، والثورة في السودان ،  وفي غير مصر والـسودان تبشر المسلمين بنصر من الله قريب ، وغلبة الإسلام حتمية .. ويصدق الله في الكفار ( ثم يغلبون )  .

 والغلبة على الكفار كما تكون بسبب الحرب ، تكون بسبب ارتكاب المعاصي ،  كانتشـار الزنـا والـخمر والميسر واللـواط وأكل مـال الربـا ،  وأكل مـال اليتـيم ،  وهذا يصدق ما قالـه الرسـول صلى الله عليه وسلم :"اجتنبوا السبع الموبقات" - اي المهلكات - قالوا :"وما هن يا رسول الله ؟ " ، قال :"الشرك بالله ، والسحر ، وأكل مال الربا ، وأكل مال اليتيم ، وقذف المؤمنات المحصنات الغافلات ، والتولي يوم الزحف وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق" أو كما قال عليه الصلاة والسلام  .

 ولذلك أهلك الله الشعوب بهذه الذنوب ،  وبدأت الحضارة الغربية الأمريكية والأوروبية تنهار ،  نتيجة الشرك والموبقات الأخـرى .  وهاهي أول دولة الحـادية في التاريخ قد عفى عليها الزمن ،  فقد أصبحت مزقا وأشلائا ،  ذلك أن الغلبة ستكون للحضارة الإسلامية ( ليظهره على الدين كله ) ثم قال الله ( والذين كفروا إلى جهنم يحشرون ) كفروا بالله ورسوله وبالإسلام ،  لأن بكفرهم هذا سيدخلون النار ،  لأن الله سبحانه وتعالى خلق أقواما للنار وأقواما للجنة ،  ولذلك يقول صلى الله عليه وسلم :" كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى ، قالوا :  ومن يأبى يا رسول الله ؟ قال : من أطاعني دخل الجنة ومن عصاني فقد أبى"  .

 ومعركتنا مع الكفار شاملة ،  هي بيننا وبين يهود ونصارى الغرب ،  ويحاول كثير من الساسة والصحفيين العرب بتشجيع من المخابرات الأمريكية ،  أن يبينوا أن الإدارة الأمريكية مغلوبة على أمرها وأنها دمية في يد يهود ،  وأن أمريكا تأتمر بأمرهم ولا تستطيع أن تخرج عما يريدون ،  وهذا جهل وتغيير للحقيقة ،  حيث أن كثيرا من الساسة والحكـام تغلب عليهم الأميـة في التعليم والأميـة في السياسة ،  لذلك فإن مستشارالحاكم من هؤلاء الحكام ،  الأمريكي أو الأوروبي أو الغربي عموما هو الذي يفكر له ،  فإذا سمع خبرا أو فوجأ بشيء فغر فـاه كالأبله ،  إذ هو عليه أن يأكل ويشرب وينكح الحلال والحرام ،  ويلعب القمــار ويتسلى بالخيــول والكـلاب والقطط والصقــور ( والذين كفروا يتمتعـون ويأكلون كما تأكل الأنعـام والنار مثــوى لهم ) [ محمد : 12 ]  .. أو أن هذا الذي يروج لفكرة سيطرة يهـود على أمريكـا هو عميـل للمخابرات الأمريكية المركزيـة (C.I.A) ، فلا يريدون منا أن نحقـد على الأمريكان لأنهـم (مغلوبـون على أمرهم مساكين) وهذا ( المفكر ) خائن لأمته ، فاليهود عند أمريكا أقلية متنفذة في بعض مجالات الحياة ،  لكنها لا تؤثر في القرار السياسي للولايات المتحدة ،  إذا كان الأمر يتعلق بمصلحة أمريكا أولا .  ولكن تبني أمريكا لدولة يهود والدفاع عنها وحمايتها ،  هو داخل في الأمر الإلهي بموالاة اليهود والنصارى في هذا القرن ،  كي يتحقق الوعد الإلهي بإقامة دولة يهود تمهيدا لزوالها وزوالهم  .

 فممنوع أن يكون ليهود سيادة على النصارى ، لأن السيادة عزة ،  والعزة ممنـوعـة على يهود (ضربت عليهم الذلة والمسكنة ) [ البقرة : 61 ] أي ختمت ، ويقرر القرآن أنه لا يصح أن يكون ليهود سلطان على النصارى إذ يقول سبحانه وتعالى (إذ قال الله يا عيسى إني متوفيك ورافعك إلي ومطهرك من الذين كفروا وجاعـل الذين اتبعــوك -النصارى- فوق الذين كفروا -اليهود - إلى يـوم القيـامـة ثم إلـي مرجعكـم فأحكـم بينكـم فـي ما كنتم فيه تختلفــون) [آل عمران :  55 ] ..  وهذا نص قطعي الثبــوت ،  قطعي الدلالة ،  لا يحتمل التأويل في أن النصـارى هم أسياد يهود إلى يوم القيامة .  وعبر التاريخ كله تولى النصارى تعذيب يهود في أوروبا ، فمـا من دولـة نصرانيــة إلا وعذبت يهـود ، إنجلترا ، فرنسا ، ألمانيا ، إيطاليا ، روسيا ، إسبانيا ، النمسا ، المجر وأخر من تولى تعذيبهم في هذا القرن هتلر ، وها هي النـازية بدأت تطل برأسها في ألمانيا من جديد  .

 ولقد عشنا في هذا القرن أحداثا تدل على أن أمريكا حين تريد أن تنفذ أمرا يتعلق بيهود ،  لا تلتفت إلى يهود ولا إلى اللوبي الصهيوني كما يقولون ، ففي أثناء الغزو الثلاثي عام ( 1956 ) لمصر ،  وكان يهود قد إحتلوا قطاع غزة ،  فقرر يهود أن لا ينسحبوا من القطاع ،  ولقد نشر بن غوريون مؤسس دولة يهود في مذكراته أنه دخل الكنيسـت أول يوم فقــال : " إن غزة أصبحت جزءا من دولة يهود كتل أبيب ،  ولن ننسحب منهــا " وفي اليــوم التــالي جـاءه كتــاب من الرئيس الأمريكــي في ذلك الوقــت ( أيزنهاور ) يأمره بالإنسحاب ،  فقال بن غوريون : " فدخلت الكنيست في اليـوم التالي أشد شعري وأقـول غدا سننسحب من غـزة " وهو يبكي ،  وبالفعــل أعلنت إسرائيل منع التجول في اليوم التالي وأنسحبت ذليلة مقهـورة ،  لأن العزة لها ممنوعة  . 

) وإذ تأذن ربك ليبعثن عليهم إلى يوم القيـامـة من يسومهم سوء العـذاب ) [ الأعراف :  167 ] ..  والذي أذن الله بعذابه إلى يوم القيامة لا يمكن إلا أن يكون ذليلا ،  ولا تكون له سيادة أبدا  .

 وقصة أخرى للرئيس الأمريكي بوش في انتخابات رئاسته الأولى ،  كان منافسه على الرئاسة دوكاكس ،  ودوكاكس هذا متزوج من يهودية ،  فأختار يهود أن ينتخبوه دون بوش ،  لأنه صهرهم العزيز حيث سيقع تحت تأثير زوجته إذا ما تولى الرئاسة ،  ولكن دوكاكس سقط ونجح بوش ،  ومع كل هذا استمر بوش بتأييد ودعم ما يسمى بدولة يهود حينما تولى الرئاسة ،  لأن السياسة في أمريكا لا يرسمها فرد وإنما ترسمها مؤسسات .  ومصلحة أمريكا اليوم مع يهود وذلك لتمزيق العالم العربي والإسلامي ،  كي تكون رأس الحربة في ذلك .  فهذه فترة زمنية تحدث عنها القرآن حين نزوله ،  إنها ستقـوم في المستقبـل دولة ليهود في الأرض المباركة ،  وهذه الدولة جزء من العقاب المفروض عليهم إلى يوم القيامة ،  وقد بينت ذلك تفصيليا في كتابي " زوال إسرائيل حتمية قرآنية " حينما فسرت آيات الإسراء ، والتي تنص على فسادين وعلو واحد سيكون ليهود بعد نـزول الـقرآن ،  وبينت أن الفسـاد الأول كان في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ،  حينما خانوا وغدروا وتحالفوا مع قريش ضد المسلمين ،  ولقد تم تدمير هذا الفساد والرسول صلى الله عليه وسلم حي ، والقرآن ينزل ( وكان وعدا مفعولا ) ثم جاء الفساد الثاني الذي يصاحبه العلو الكبير ، وذلك في إقامة دولة يهود في هذا الزمان ،  ولما كان لا يمكن أن تقوم دولة يهود ،  بقوة يهود ،  فإذن لا بد من تعاون اليهود والنصارى على إقامتها ،  فبدأ التعاون بينهم لأول مرة في التاريخ في نهاية القرن التاسع عشر ، حيث أحتضنت بريطانيا العظمى فكرة إقامـة دولـة يهود في فلسطين ، فنفذتها خــلال ثلاثين سنة ،  فأصبح يهود والنصارى بعضهم أولياء بعض ،  والمولاة هي التعاضد والتحابب والتناصر وهذا يحدث لأول مرة في تاريخ اليهودية والنصرانية .  لكن هذه الدولة التي احتضنتها أمريكا فيما بعد لا تملك من أمرها شيئا ،  فأكلها أمريكي وسلاحها أمريكي وكل أمرها أمريكي وكذلك أوروبي ،  والأحزاب اليهودية تعرف هذه الحقيقة ،  وأن بقاء واستمرار دولتهم مرهون برضا أمريكا أولا وأوروبا ثانيا ..  ولذلك حينما تريد أمريكا أن تضغط على يهـود تنفذ ما تريد سواء أكان في الحكم في حزب الليكود أو العمل أو المتدينين أو العلمانيين ..  فالـذي ( أرجـع ) سينــاء كلهــا لـمصر هـو حـزب الليكــود وعلى رأسهم أشد الناس عـداوة للذين آمنـوا ،  الذي هـو ذروة العداء والحقد والضغينة ( ميناحيم بيغن ) ، وقد قتلتـه قضيـة فلسطين ولحقتـه لعنة الأرض المباركـة ، وذلك حينمـا غزا لبنان وخسر الجيش الإسرائيلي (29000) مقاتل سنة 1982 ( حسب ما نشرته مجلة الجيش الإسرائيلي ) ..  فأستقـال وعاش في هوس وفي مرض وفي شقـاء لا يعلمـه إلا اللـه ،  هذا عذابـه في الدنيـا فمـا عذابـه في الآخـرة ؟!!  . 

ولذلك فإن المقولة السياسية التي تقول بأن يهود يسيطرون على أمريكا وهم وخيال ، لأن النصارى يجب أن يكونوا مسيطرين على يهود وتحت رحمتهم إلى يوم القيامة تنفيذا لما جاء في سورة آل عمران التي أشرنا إليها سابقا .  ولذلك عدونا الأساسي هي الصليبية الحاقدة . وأمريكا هي وريثة الحقـد الصليبي الأوروبي ،  هذا الحقد الذي بلغ ذروته في الحروب الصليبية ،  والتي كانت نتيجتها هزيمة أوروبا هزيمة منكرة ،  لكن الحقد لم يذهب بل إزداد .  وتلعب الكنيسـة في أوروبا دورا كبيرا في تأجـيج هذا الحقد ،  فتكذب وتفتري ،  فهم في مواعظهم يقولون لأتباعهم : " إن محمدا كان بطركا ثم صبأ ،  وأنه سكر ذات يوم فنام على المزبلة ،  فجاء الخنزير فنهــش مـن لـحمه ،  فلما أفاق من سكـره حــرم الخمر والخنزير " - والعيـاذ بالله - كما ورد في كتاب ( مفترق الطرق ) لمؤلفه لوبايد فايس ( نمساوي وقد أسلم ) وأصبح إسمه محمد اسد  .

 وأمريكا بروتستانتية ، والبروتستانت يعتمدون على التوراة أكثر من الأنجيل ، وقد قال تشرشل - وقد كان له ( فضل كبير ) في تأسيس دولة يهود في فلسطين ،  حيث كان وزيرا للمستعمرات ،  ثم  رئيسا للوزراء في بريطانيا - قال عن نفسه : " إنه صهيوني لأنه بروتستانتي يؤمن بالعهد القديم " فهو ينفذ ما جاء بالتوراة  .

 والذين يحكمون بريطانيا هم البروتستانت ،  فهم يساندون يهـود في إقامة دولتهم وحمايتها ، ليس مصلحة فقط ،  وإنما هي عقيدة  .

 وها هو (البابا) ، زعيم الكاثوليك في العالم يسير في ركاب البروتستانت ،  والبروتستــانت أشد الناس عداء للكاثوليكية ،  ويتمثـل هذا الـعداء في الـثورة الأيرلـندية التي هي حرب بين الكاثوليك والبروتستانت ،  وها هو البابا يرضخ لأمريكا فيعـترف بدولة إسرائيل ، مع أن يهـود لا يعترفـون بالمسيح ويعتبرونه (ابن زنا) - والعيــاذ بالله - ولا يزالون ينتظرونه . فمسيحهم هـو المسـيح الدجال ،  والأنجيـل يقـول بصلب المسيح ، مع أنه لم يصلب . ويلعن الأنجيل الذين (صلبوا المسيح) اليهود وذراريهم إلى يوم القيامة ،  وقد برأ مؤتمر البطاركة الكاثوليك الذي عقد في روما سنة 1964 ( برئاسة البابا يوحنا الثالث والعشرين ) يهود من دم المسيح ،  وهكذا حرفوا الإنجيل أمام أعين العالم وبصره ،  فلا يستطيع أحد أن يقول إن الإنجيل غير محرف .  وها هم يعترفون بدولة يهود خلافا لكل معتقداتهم ،  وصدق الله إذ يقول ( ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم ) [ البقرة :  120 ]  .

 وكسب يهود باعــتراف البابا والكنيسـة الكاثوليكيــة بدولتهم ، وبقي يهـود على موقفهـم من المسيح عليـه السلام ، وأنـه (ولد زنا) - والعياذ بالله - أبوه يوسف النجــار (كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولــون إلا كذبا) [ الكهف : 5]  .

 وأمريكا اليوم تقود المعركة ضد الإسلام في العالم كله ،  فأمرت عملاءها بمحـاربة الصحـوة الإسلامية في كل مكان ، وأصبحت أمريكـا تصور الإسلام بأنه ( البعبع ) الذي يريد أن يبتلع حضـارة الغرب ،  فهي تخشى من هـذا الإسـلام ، لأنه يعني الطهـارة في كل أمور الحياة ،  يعني الطهارة في الفرد والأسرة وفي المجتمع وفي الإنسانية كلها  .

 لكن أمريكا لا تريد الطهر ،  وأوروبا لا تريد الطهر ،  والوثنية لا تريد الطهر ،  فهم يريدون الإنسان أن يعيش في شقاء ،  يريدون أن يمتصوا دماء الشعوب ،  وخيرات الشعوب ،  حضارتهم أوصلت الإنسان إلى الحضيض ،  فهو إنسان المخدرات ،  إنسان المسكرات ، شقي برباهم ،  يسرقون قوته وطعامـه ،  فالمرأة في غير حضارة الإسلام أشقى خلق الله ،  فهي لا تعرف معنى الحياة الزوجية الطاهرة ،  فهي سلعة تباع وتشترى ،  وحضارة الغرب هي حضارة الأيدز والأمراض ،  وهي حضارة المافيا ،  وهي حضارة التمييز العنصري ،  فشقيت الإنسانية بهذه الحضارة ،  ولا بد لها أن تشقى ،  فهم في الغرب الآن يخشون أن تقوم دولة الإسلام فتطبق الإسلام في داخلها ، و تحمله رسالة للعالم كله خارجها  .

 كما حدث في أول الرسـالة ،  طبقـوه فحملوه فرأت الإنسانيـة فيه خيرها فدخل الناس في دين الله أفواجا ،  وحينما تخلي أمريكا والغرب بين شعوبها وبين الإسلام ،  فسيرون فيه حلمهم المنشود ،  وأملهم المرتجى ، وبعد ذلك سيدخلون في دين الله أفواجا  .

 ويصـدق حديث رسـول اللـه صلى الله عليــه وسلم الذي يقول :" زويت لي الأرض - أي رأيت جميع زواياها - وسيبلغ هذا الدين ما زوي لي منها ،  وسيدخل هذا الدين كل بيت بعز عزيز أو ذل ذليل" ..  أو كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم  .

فأمريكا تقـود المعركة ضد الإسلام والمسلمين في ( مصر ،  والجزائر ،  والـمغرب ،  وتونس ،  وليبيا ،  والسودان ،  والصومال ،  والجزيرة العربية ،  والعراق ، والبوسنة والهرسك ،  وتركيا ،  وكشمير ،  وأفغانستان ،  والهند ،  واليمن وفلسطين ) ..  لكن كل ذلك إلى حين ،  فشباب الإسلام بدأوا يلجون الجنة يطرقون أبوابها برؤوس الكفــار والمنافقين ،  فإسرائيل إلى زوال والإسلام إلى نصر ،  ودولة الإسلام على الأبواب ،  غضب من غضب ،  ورضي من رضي  .

 -   الآية الثالثة  :

 هناك آيتان في سورة الأنفال تبشران بالنصر ،  الآية التي شرحناهــا آنفــا ( إن الذين كفروا ينفقون أموالهـم ليصدوا عن سبيل الله فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة ثم يغلبون والذين كفروا إلى جهنم يحشرون ) [ الأنفال : 36 ] ..  والآية الأخرى ( ولا يحسبن الذين كفروا سبقوا إنهم لا يعجزون ) [ الأنفال :  59 ] ..  لقد أصيب العقل المسلم بالتبلد والجمود بعد القرن السادس للهجرة ،  فأغلق باب الاجتهاد ، وانصرف العلماء إلى المذاهب الضيقة ، كل يدافع عن مذهبه ، وينافح عن شيخه ، وصحب ذلك خروج اللغة العربية من الحكم ، فلم تعد لغة الدولة ولا لغة الحكام ، وهذا الدين لا يفهم إلا بهذه اللغة ، ولا يستطيع أحد أن يستنبط الأحكام إلا باللغة العربية (إنا أنزلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون ) [ يوسف : 2 ] .. (وكذلك أنزلناه حكما عربيا) [ الرعد : 37 ] .. إلى غير ذلك من الآيات  .

 فبدأ الإســلام يمشي بغير لغته ،  يدفع عن نفسه الأذى ،  وفي هذا الوقت بدأت أوروبا نهضتها العلميـة ،  التي إنطلق فيها العقل الأوروبي يكشف سنن الله في الكون التي سخرها الله للإنسان فأمره أن يتفكر فيها ،  فيكتشف منها الكثير ،  فكان ما يسمى بعهد النهضة في أوروبا . وهذه النهضة هي نهضة علمية مادية ،  تبعتها نهضة سياسية ،  تبعتها نهضة اقتصادية ،  فتقدم الغرب وسبق ،  وبقي المسلمون في جمودهم  .

 وحسب سنن الله في الكون ،  أن المسلمين ينتصرون حينما يكون الإسلام حياتهــم ويرسم لهم طريق كل شيء ،  ومنها أن يكونوا أقوياء فيستجيبوا لأمر الله ( وأعدوا لهم ما أستطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم وما تنفقوا من شيء في سبيل الله يوف إليكم وأنتم لا تظلمــون ) [ الأنفال :  60 ] ..  والرسول صلى الله عليه وسلم يقـول : "" إن القوة هي الرمي "" والرمي أعم من أن يكون بسهم أو بندقية أو رميا بقنبلة ،  أو رميا بطائرة أو رميا بصاروخ أو إلى غير ذلك من أنواع الرمي  .

فكما يأمر الإسلام أن يكون المسلم نظيفا في بدنه ،  نظيفــا في ثيابه ،  يأمره بأن يكون نظيفا في فكره ،  نظيفا في تصوراته فلا يحشوها بالخرافات ،  يعبد الله في الصلاة ،  ويعبد الله في المختبر .  فهو حين يعبد الله في ركوعه وسجوده ، كذلك يعبد الله في صناعة يرفع بها شأن المسلمين ينصر بها الأمة والإسلام . تقدم الغرب في جميع شؤون الحياة المادية ،  وتأخر في العلاقات الإنسانية ، والناحية الخلقية ، وتأخرنا نحن في شؤون الحياة المادية ،  وأضطربنا في العلاقات الإنسانية . وساد كثير منا رجالا ونساء خرافـات وبعدنا عن جوهر الدين وحقيقة الإسلام ، ولكن كان ذلك إلى حــين ، فها هو الإسلام يفرض نفسه من جديد في المجتمع ، وخصوصا هذه الآية تطرح سؤالا كبيرا يتداوله العلماء وبعض دعـاة الإسلام وهو أن الغرب قد سبقنا في كل شيء ،  فمــاذا نحن فاعلون أمــام جبروتــه وقوتـه ؟ .. فيطرح الله هذا السؤال في كلمة ( ولا يحسبن الذين كفروا سبقوا ) ويجيب الله عليه في كلمة (إنهم لا يعجزون) وهذا جواب مسكت للمتشككين في قدرة الله وجبروته ،  سبحانه وتعالى لا يعجزه أمر في الأرض ولا في السماء .  فكان سبب تأخر المسلمين الذين تعلموا في الحضارة الغربية فرأوها بأم أعينهم ،  فيعيش الإنسان فيها مع الطائرة والكمبيوتر والصواريخ والأدوات الكهربائية كلها ،  يعيش ممزق النفس تنهشه المخدرات ،  وتقتله المسكرات ،  فيلجأ إلى علب الليل يريد أن ينجوا بنفسه ،  فيكون كمن فر من النــار إلى الجحيم ،  فتصيبه هذه الحضارة بأمراض مختلفة النفسية منها والعضوية القاتلة كالأيدز .  عرف هؤلاء الشباب المتعلم في الغرب أن لا خلاص له ولأمتـه إلا بالإســلام ولا خلاص للإنسانية كلها إلا بالإســلام  . 

فـبدأوا يحملونه عقيدة ،  ويسيرون به رسالة ،  حتى إذا فاجأوا الدنيا بذلك اضطربت الدنيا ،  وأضطرب المخططون بمخابرات الكفار بذلك ، وصاح العمـلاء ، وصرخ المضبوعـون بالثقافة الغربية ، ما الذي حدث ؟. كيف حدث ؟ وكيف عاد الإسلام إلى الحياة ؟ وكيف أن رجالا من حملة أرقى الشهـادات العلميــة من الغرب عـادوا يحملــون الإسلام ؟.. فمنهم من يكابر الآن ، ومنهم من بدأ يستسلم . .  والنصر آت  .

 لكن هذا السبق الذي وصل إليه الغرب في الأسلحة وآلات التدمير ،  يقول الله فيه أنه لا يعني شيئا مقارنة مع قدرته وعظمته وجبروته ، فهو خالق الكون ، وخالق الإنسان وخالق الحياة ، وبالتالي هو يستدرج الكفار الذين لا يستجيبون لهدايته ، ولا يؤمنون بكتبه ولا برسله .  هم يستطيعون تدمير العالم ولكن الله لهم بالمرصاد .  والغيب يفاجأهم بما لا يستطيعون دفعه ،  حيث تتعطل التكنولوجيا أمام كثير من جند الله ،  فتتعطل في الزلازل ،  أو تتعطل في الأعاصير ،  أو تتعطل في العواصف الثلجية التي تـنزل فيها الحرارة إلى مستوى  (40 أو 50)  تحت الصفر ، فتتجمد الحياة ، وتتجمد الزروع والثمار ،  ويتجمد الغاز والبترول ويقف الإنسان عاجزا أمامها  .

 فإذا أراد الله أن ينفذ مشيئته فيما رسم من خطط لسير الحياة ومنها عودة الإسلام إلى الحكم ،  وعودة الإسلام إلى تنظيم الحياة ،  وإنقاذ البشر من عبادة غير الله ،  وإنقاذهم من حياة الرذيلة وحياة المحرمـات التي تهلكهم ،  وهيأ لذلك الأسباب ،  وأمر جنده من الملائكة وما وضعه في الكون من أسلحة لا يعرفها البشر إلا حين تفاجئهم فتدمر مدنهم ،  وتقتل إنسانهم ،  وتهلك حضارتهم بريح صرصر عاتية تقتلع كل شيء ( وأما عاد فأهلكوا بريح صرصر عاتية * سخرها عليهم سبع ليال وثمانية أيام حسوما فترى القوم فيها صرعى كأنهم أعجاز نخل خاوية ) [ الحاقة :  6-7 ] ..  فما يمنع الله أن يسلط على أمريكا وأوروبا ريحه الصرصر التي لا تبقي ولا تذر ،  أو أن يخسف بهم الأرض بزلزال فتصبح عماراتهم الشاهقة ومصانعهم الجبارة بمستوى التراب .  فيلحقون بالشعوب التي بغت فضلت وهلكت ،  وتصـبح حضــارة الغرب أثرا بعد عين ،  ورواية تاريخ ، ومحاضرات في جامعات ،  وتحليلات في كتب . إن المبهورين بحضارة الغرب والمأخوذين بجـبروت المـادة ،  لا يتصورون عظمـة الله ،  ولا جـبروت الخالـق (فلا أقسم بمواقـع النجـوم *  وإنه لقسم لو تعلمون عظيم) [الواقعة :  75-76]  .. ولـقد توصل علمــاء الفلك ، فأكتشفوا جزءا  يسـيرا من هذا الكـون ،  فوقفوا أمامه مشدوهين ،  وكثير منهم عاد مؤمنا . وخالق هذه قوته ، ورب هذه عظمته ، كرسيه لا يحيط به عقل ، وعرشه لا يتصوره خيال ،  ماذا عليه لو خسف الكرة الأرضية كلها ، ماذا عليه لو خسف أمريكا ، ماذا عليه لو خسف أوروبا ( أو ليس الذي خلـق السمـاوات والأرض بقادر على أن يخلق مثلهم بلى وهو الخلاق العليم * إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقـول له كن فيكـون * فسبحـان الذي بيـده ملكوت كل شيء وإليه ترجعون ) [ يس : 81-83 ]  . 

فإلى هؤلاء الخائفين من عصا أمريكا ،  وقنابلها الذرية ،  نقول لهم ،  لا تخافوا فمهما بلغت قوة أمريكا فالله أقوى ، ومهما بغلت عظمت أمريكا فالله أعظم ،  وستلحق أمريكا بمن سبقها من إمبراطوريات الكفر والظلم والجبروت في التاريخ ،  ستلحق بالاتحاد السوفياتي ،  الذي أصبح أثرا بعد عين وهو قرينها فيما تملك من وسائل الدمار والطغيان والجبروت ،  ففككه الله دولة إتحادية ،  وفككه حزبا شيوعيا ودولة الحادية ، وأنهى فكره الذي كان يقوم عليه ، ونظريته المادية التي كانت دينه الذي يعتقد ( نظرية التطور الحتمي للمادة والمجتمعات وتفسيره للتاريخ تفسيرا ماديا لا أثر لله ولا للنبوة فيه ) ، فأصبح الآن في حاجة إلى من يلطم عليه ويرثيه ، وها هم الكتاب في الأرض والصحفيون يتبارون في بيان الأسباب التي أنهت الاتحاد السوفياتي السابق  ..  وكل يغني على ليلاه  .

 لكنهم يغفلون الحقيقة ،  وهي أن فكرة الالحاد تناقض الفطرة الإنسانية ،  فلا يمكن أن تستمر ،  وبالرغم من ذلك فإن الملاحدة العرب من بقايا الفكر الشيوعي والأحزاب الشيوعية على مختلف مسمياتها لا يزال كثير منهم لا يريد أن يعترف بالحقيقة بإنتهاء الفكر الالحادي الذي تربى على أساسه ،  وهم يقولون إن ما حدث للإتحاد السوفياتي السابق ما كان يجب أن يحدث ،  ولو كانوا نزيهين لرجعوا إلى الله تائبين مستغفرين ،  وإلى الإسلام دعاة مهديين ،  فعجلوا بنصر الله القـادم بإذن الله ولكن كما قال الله فيهم (أم تحسب أن أكثرهم يسمعــون أو يعقلــون إن هم إلا كالأنعام بل هم أضـل سبيلا) [ الفرقان :  44 ] ..  وأيضا (إن شر الدواب عند الله الصم البكم الذين لا يعقلون * ولو علم الله فيهم خيرا لأسمعهم ولو أسمعهم لتولوا وهم معرضون) [ الأنفال : 23-24 ] .

 ما زال في بلاد المسلمين بقايا أحزاب شيوعية ، صدأت نفوسهم وأغلقــت قلوبهم وعميت أبصارهم ،  فهم لا يرون ولا يعقلون ولا يسمعون ،  كبر عليهم أن يظهر الحق ، وأن يتضح الأمر ، وأن يصدق القرآن ،  وأن يصدق حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ،  فهم تعلموا في مدارس الكفر الفكرية ، التي ترفض الطهر والإيمان ، وتتغنى بالكفر والإلحاد ، ولكن نحن نشفــق عليهم أن يموتــوا على غير هدى ،  وأن يكونوا في جهنم التي وقودهــا الناس والحجارة ( يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون ) [ التحريم :  6 ] ..  فإلى هؤلاء وغيرهم ندعوهم خوفا عليهم أن تعالوا إلى كلمة سواء ،  تعالوا إلى الطهر ،  تعالوا إلى النور ،  أخرجوا من الظلام ،  تعالوا إلى ذكر الله ،  تعالوا إلى الشهادة في سبيل الله لتدخلوا جنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين تعالوا إلى النصر ،  نحن لا نحقد عليكم ،  ولكن نحن مشفقون عليكم بعد أن إتضح الأمر ،  وبآن الغي من الضلال ،  والظلمات من النور ،  ودولة يهود أو ما يسمى بدولة إسرائيل قامت ودولة الإسلام غائبة عن الأرض . وكان لا بد لدولة يهود أن تقوم في العصر الرديء ،  فدولة يهود نجسة ولا تقوم إلا في وضع نجس سبخ ، وضع القوميات الملحدة ،  والإشتراكية المجرمة ،  والشيوعية الكافرة ،  والرأسمالية العلمانية الظالمة ،  ووطن المسلمين ممزق إلى حارات وإلى دول ودويلات ،  وحكامها إما جهلة أو عملاء أو ماسونيين يهود  . 

ولكـن دولة يهـود قامت لتزول ،  فقيامهــا جزء من عـذاب الله على يهـود المفروض عليهـم إلى يـوم القيامة (وإذ تأذن ربـك لـيبعثن عليهم إلى يوم القيامة من يسومهم سوء العذاب) [ الأعراف :  167 ] .. فالكفر والإيمان لا يجتمعان ، والطهر والنجاسة لا يلتقيان ، أقامتها النجاسة وعاون في إقامتها الكفر كله ، وكل ملحد وخائن من حكام المسلمين ومنافق عتل بعد ذلك زنيم . ولقد انبثق النور وسيطرد الظلام كله من أرض المسلمين ، ولن يبقى في فلسطين أثر لدولة يهود ، وستعود كلها وستطهر أرضها ، وتصفو سماؤها ويطهر كل شبر فيها  .

 لأن الإســلام قد بـدأ ،  وبدأ جنـد الله على الطريق ،  ولقد قلـت في خطــاب لي في الجزائر فيما قلـت : "يا أمي في فلسطين ، يا أختي في فلسطين ،  يا إبنتي في فلسطين ، لا تخافي بعد اليوم ، ولا تحزني ، إن جند الإسلام آتون من الجزائر بعد أن يعيدوا الإسلام إلى حكمهـا .. ومن غــير الجزائر قادمون " ،  وهـا هـو الحكم اليوم في الجزائر يترنح ، ينتظر الضربة القاضية ، وسيتحقق هذا بـإذن الله  .

 إن أكثر الحكام اليوم في المنطقة يضعون رؤوسهم في الرمال ، فيتعامون عن الحقيقة ، ويستنجدون بأمريكا وهي تخطط لهم كيف يعملون ، محاولين ضرب الصحوة الإسلامية ، ولكن هيهات .. هيهات .. فالصحوة الإسلامية قدر، ودولة الإسلام قدر ، وذهاب دولة يهود (إسرائيل) قـدر ، وتوحيد المسلمين قدر .. وما كان من القدر لا يبطله البشر  ، ولو كانت أمريكا وأوروبا ، ولو كانت معهما اليابان وروسيا ( والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون ) [ يوسف : 21 ]  .

حقوق الطبع محفوظة لكل مسلم   2006 ©