الصفحة الرئيسية > المؤلفات > الغيب في المعركة والتغيير الكوني > 2 > 3 > 4 > 5

( 5 )
تدمــير الحضـارة الغربيــة
)فلسفتهم ووجهة نظرهم في الحياة )
والآيات القرآنية في ذلك

 -   الآية الأولى في تدمير الحضارة المادية  :

 ) فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون * فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين ) [ الأنعام :  44 - 45 ] .

 انطلـق العقــل البشري يعمـل وينقـب ويكتشـف من سـنن الله فـي الكون كل يوم جديد ،  لكنه مهما وصل لا يصل إلا إلى حد محـدود ،  فهو لا يمكن أن يعــرف سر الحيــاة ،  ولقد حاول كثير من الملاحدة وعلماؤهم أن يعطوا الحياة للخلية الأولى ففشلوا وسيفشلون ( ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أتيتم من العلم إلا قليلا ) [ الإسراء :  85 ]  . 

ولو اجتمع علماء الأرض ، ومختبرات الأرض ، وجامعات الأرض ، أن يعطوا حياة لذبابة ، فلن يستطيعوا . ولما أراد الله أن يتحدى العلماء والبشرية كلها ليثبت عجزهم ،  لم يتحداهم بالعلوم والمعارف ،  فهذه الله دعا إلى بحثها ،  ودعا إلى التفكر في خلق السماوات والأرض ،  وإنما تحداهم بسر الحياة  .

 ) يا أيها الناس ضرب مثل فاستمعوا له إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذبابا ولو إجتمعوا له وإن يسلبهم الذباب شيئا لا يستنقذوه منه ضعف الطالب والمطلوب * ما قدروا الله حق قدره إن الله لقوي عزيز ) [ الحج : 73-74 ] ..  ولاحظ هنا في الآية أن التحدي كان عاما شاملا للعقل البشري ،  وللألهة من البشر ،  وللمختبرات وللجامعات في أن يعطوا حياة لذبابة وهي من أصغر وأحقر مخلوقات الله  .

 ولم يكتف بذلك ،  بل تحداهم أن يستخلصوا الغذاء التي تأكله الذبابة من جسمها ،  فلن يستطيعوا ،  لأنه تبين أن الذبابة مع حشرات قليلة من خلق الله ليس لها معدة ،  وإنما يذوب الطعام حينما يلامس فمها ،  فيدخل إلى جسمها وخلايا جسدها  .

 فلم يكن ضرب الله لذبابة مثلا عشوائيا ،  بل هو تقدير الخبير العليم الذي أحسن كل شيء خلقه ، خالق السماوات والأرض ومن فيهن ومن عليهن ، ولو كان للذبابة معدة ، لاستطاعت المختبرات الحديثة المتطورة جدا أن تخرج من معدتها الطعام مهما دقت معدتها ، لكنه تحد من الله الخالق القدير الخبير  .

 فالكـون يسير في نظـام دقيق عجيب ،  فصول أربعـة لا تتخلف ،  وأشهر معلومة ،  وأيام معدودة مدتها الزمنية كل يوم في هذا الشهر من هذه السنة يقابله في السنة القادمة في نفس الشهر يوم يتطابـق معه في عدد ساعـات الليـل والنهـار منـذ بـدء الخليقـة وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها ( يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل ) [ فاطر :  13 ]  .. ولذلك حينما ناقش النمرود إبراهيم الخليل عليه السلام في أنه يحيي ويميت كما أن الله يحيي ويميت ، فأجابه إبراهيم بالتحدي المسكت المعجز فقال له : (فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب فبهت الذي كـفر) [ البقرة :  258 ]  .

 ولقد أصاب الغرور كثـيرا من العلماء والمفكرين نتيجة للاكتشافات الهائلة التي توصل إليها العقل البشري ، فأتخذوا من العقل إلاها ، ومن العلم إلاها ، وفاتهم أن هذا العقل وهذا العلم وما اكتشفه الإنسان ويكتشف يوميا ، هي سنن كونية خلقها الله في الكون تنتظر الاكتشاف . لأن الله قد سخر هذا الكون للإنسان ليستفيد منه ولقد ذلله له (ألم تروا أن الله سخر لكم ما في السماوات وما في الأرض وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير) [ لقمان :  20 ]  .

 ولقد رسم الله الكون بحكمة ومشيئة منه ، ودعا الإنسان لتدبر هذه الحكمة ، قال تعالى (إن في خلق السماوات والأرض وإختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب * الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السماوات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك فقنا عذاب النار) [آل عمران :190-191]  .

 ولو كان العقل البشري إلاها لما مات صاحبه ، ولقد (أله) ستالين نفسه في روسيا ، وكان (إلاها) يعبد بالفعل . ولو كنت تقرأ منشورات الحزب الشيوعي في أي بقعة من العالم في عهد ستالين والصفـات التي تطلق على ستالين والتي لا يوصف بها إلا الله جل جلاله . ولقد كان الإتحاد السوفياتي السابق يجري تجارب علمية لإطالــة الأعمار ، حتى إذا ما نجح في ذلك ( وهو لم ولن ينجح ) أعطى هذا الدواء لستالين حتى لا يموت ، فلما جاء أجل ستالين ،  فجر الله شريانا له في دماغه فقضى نحبه ، وذهب إلى حيث ينتظره مصيره الأسود ، مع آلهة البشر الذين سبقوه والذين جاءوا من خلفه .. وسيلحقون به  . 

ولو كان الأمر أمر مادة فقط لعالجوا هذا الشريان بمادة لاصقة (مثلا ) حتى يعود كما كان .  وهذا الذي كان يعمله الإتحاد السوفياتي السابق من محاولة لإطالة عمر ستالين ،  يدل على التناقض في النفس البشرية ،  إذ لو كان ستالين إلاها لما إحتاج لأحد كي يطيل عمره !!!

 ومن سنن الله في الكون أنه سبحانه يعاقب الشعوب إذا انحرفت عن الجادة التي رسمها لها ،  فهو سبحانه وتعالى يمهل ولا يهمل .  وفي المدنية الغربية ،  فتح الله عليها أبواب كل شيء ،  وكل يوم في المخترعات جديد ( في المواصلات البرية والبحرية والجوية ،  وفي المواصلات السلكيــة واللاسلكيـة ،  وفي الكمبيوتر ،  وفي السيارات ،  وفي الطائرات ) حتى لا يكاد الإنسان أن يلاحق هذا التقدم الجديد المذهل ،  وبدلا من أن يكون ذلك التقدم حافزا للإيمان وداعيا إلى معرفة الله تجعل الإنسان يقر بقدرة الله ،  وأن هذه السنن أودعها الله في الكون ،  فالإنسان يكتشف الموجود ولا يوجد المعدوم !!

 فلو لم يكن التركيب الكوني قابلا لنقل الأصوات والصور لما استطاع الإنسان أن ينقلها عبر الأقمار الصناعية ،  ولو لم يكن التركيب الكوني قابلا لسير السيارات ،  ولطيران الطائرات ،  وإنطلاق الصاروخ لعجز الإنسان على أن يفعل ذلك  .

 ونلاحظ هنا أن الله لم يهد الإنسان لإكتشاف الطاقة بأنواعها البترول ومشتقاته ،  والطاقة المستمدة من الشمس الرياح ومساقط المياه . . . الخ ،  إلا حينما إكتشف العقل الطائرات والسيارات والصواريخ والقاذفات ،  هداه الله إلى إكتشافها فأكتشف ( ذلك عالم الغيب والشهادة العزيز الرحيم * الذي أحسن كل شيء خلقه وبدأ خلق الإنسان من طين ) [ السجدة :  6-7 ]  .

 وفي نواحي الحياة الأخرى من طعام وشراب ولباس ، تفنن الإنسان في تحضيرها وتصنيعها حتى إن الإنسان ليحتار ما يأكل وما يترك ، وما يلبس وما يترك ، وما يشرب وما لا يشرب ، حتى إذا ما دخلت المحلات الكبيرة في عواصم العالم ذهلت مما ترى  .

 وتفنن الإنسـان في البناء ، فالمفروض في الإنسان أن يبني ما يقيه الحر والبرد وما يأوي إليه عند النوم ، لا إسراف ولا تبذير ، لكن الإنسان يبني (للخلود) ( وتتخذون مصانع لعلكم تخلدون ) [ الشعراء :  129 ]  .

 بل من سخف العقل البشري عبر التاريخ أن يبني الفراعنة لأنفسهم أهرامات ،  ظنا وجهلا منهم وتحديا لله أنهم باقون ( ألم تر كيف فعل ربك بعاد * إرم ذات العماد * التي لم يخلق مثلها في البـلاد * وثمود الذين جابوا - أي قطعوا - الصخر بالواد * وفرعون ذي الأوتـاد - أي الأهرامات - * الذين طغــوا في البلاد * فأكثروا فيها الفســاد * فصـب عليهم ربك سوط عـذاب * إن ربك لبالمرصـاد ) [ الفجر :  6 - 14 ]  .

 وفي هذا العصر ،  بنيت القصور ، وناطحات السحاب في أنحاء الدنيا .  وبعض القصور في الجزيرة العربية ، يكلف الواحد منها مليارات الريالات والدولارات ، فيها ما يذهل ، ويحضرني الآن صاحب القصر الذي بناه في الطائف ، وهو صاحب السلطان ، وقد ذهب ليتفرج عليه قبل أن يسكنه ، فلما اطمأن ورأى ما يذهله ويذهـل الناس ، كان ملك الموت على البـاب فقضى لساعته ،  وذهب إلى ربه ( كم تركوا من جنات وعيون * وزروع ومقام كريم * ونعمة كانوا فيها فاكهين * كذلك وأورثناها قوما آخرين * فما بكت عليهم السماء والأرض وما كانوا منظرين ) [ الدخان : 25-29 ]  .

 فهل يتعظ فراعنة قرن العشرين . . وما كان لهم أن يتعظوا ،  وهناك قصور في المغرب والمشرق ،  وأصحاب هذه القصور يظنون أنهم ينافسون بها قصور الجنة ،  لأن جلهم لا يؤمنون بالله ولا بالغيب ،  أو هم يستعجلون بنعيمهم في الحياة الدنيا ،  لأنهم والله أعلم سيكونون محرومين منها عند الله .  وهذه بنيت كلها في الغرب وفي الشرق لتذهب في الدنيا قبل الآخرة ،  وإن كانوا يتفاخرون بها في مجالسهم ، أرأيت القصر الفلاني ما به من عجائب ، أرأيت البيت الفـلاني (الفيلا) ما بها من غرائـب ،  أرأيت الزخـرف الذي يعجز الإنسان عن وصفه ،  أرأيت بركة السباحة ،  أرأيت الثريا والفن في الإضاءة ،  أرأيت آخر موديل السيارات وما بها من عجائب وتحف ، أرأيت الفن في الطائرات وما بها من وسائل الرفاهية ، والتي كانت مضرب المثل في ذلك طائرة شاه إيران في ذلك الزمان ، والتي جهزت وزخرفت من داخلها ب (45) مليون دولار ،  لقد رأيت بأم عيني من قصور الشاه ،  قصرا يسمى قصر (اللذة) ، حوائطه من البلور الكريستال المطعم بالفضة ، تكلفة المتر المربع الواحد من هذا البلور (11000) دولار بسعر الدولار في ذلك الحين كما أخبرنا الدليل ،  فماذا كانت النتيجة ؟..  خلف الشاه وراءه القصور كلها ، وأخذ يتنقل من بلد إلـى بلـد طريـدا شريـدا ، وأسـتـقر به المقـام في منتجـع سياحي في بنما سيء التأثيث ، سيء الخدمة ، وكانت (الإمبراطورة) تقوم بكي الملابس ، وتنظيف الغرف ،  فهل يتعظ فراعنة اليوم ؟؟!!

 استمع إلى قول الله تعالى ، وهو يخبر بأن هذه الأمور لم تغن شيئا وهي معرضة للزوال الحتمي ، فبدلا من أن يعاقب الله الناس الذين إنحرفوا بسرعة ،  يمهلهم لعلهم يعودون ، ولكن إذا استمر إعراضهم عن ذكر الله تكون النتيجة (فلما نسوا ما ذكروا به فتحنــا عليهم أبواب كل شيء حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون * فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين ) [ الأنعام :  44 - 45 ] ..

 أرأيت أخي القارىء الكريم كيف فتح الله أبواب كل شيء في هذا العصر ، والذي عددنا جزءا منه آنفا ؛ حيث لم يكن وقت نزول الآية شيء مفتوح ، إلا الشيء اليسير اليسير مما يحتاجه الإنسان من وسائل عيش بدائية ،  فهذه نزلت - والله أعلم - لنا نحن ،  أبناء القرن العشرين الميلادي ،  الرابع والخامس عشر الهجري ،  وإن الله يستدرجنا بذلك الفتح ليرى ماذا نفعل وهو الأعلم ،  فالإنسانية أعرضت عن ذكر الله ،  وعما جاءت به الأديان السابقة قبل أن تحرف ، وعما جاء به القرآن الكريم ، الذي هو رسالة الله الخاتمة إلى الناس أجمعين إلى يوم القيامة ، وواجبهم أن يحلوا ما أحل ، ويحرموا ما حرم ،  لكنهم لم يفعلوا ،  وبدأ الله يرسل الإنذارات لبني البشر من أمراض لا تشفى ، ومن مخدرات تشقي الإنسان ،  ومن زلازل تدمره ،  ومن فياضانات وأعاصير ومن صقيع ،  لعل الإنسان يرتدع . . وأنى للكفار والظالمين والمعرضين ذلك    .

وستتفاجأ الدنيا - بإذن الله - بأمر يذهلها ، ويجعلهـا في حالة يأس ( أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون - يائسون - فقطع دابر الذين ظلموا ) ممن ملأوا الدنيا إلحادا وفسادا وظلما وطغيانا وكفرا ونفاقا ، ( ويقولون متى هو قل عسى أن يكون قريبا ) [ الإسراء :  51 ]  . 

نحن على أبواب تغيير في مسار الحضارات ،  حيث الحضارة الغربية تحتضر ،  وهي في طريقها إلى الزوال والإنحلال ،  لأنها أشقت الإنسان ولم يعرف في ظلها إلا الشقاء والبلاء ،  نعم إنه يتمتع بألات حديثة ،  وسفر سريع ،  ولكنه شقي يحمل في جيوبه وفي حقائبه أدوية مختلفة ،  وعقاقير متضادة ،  هذا الدواء لينام ،  وآخر ليستيقظ ،  وثالث لضغط الدم ،  ورابع للسكري وخامس وسادس وهكذا ،  حتى إذا جاء أجله قالوا مات بسكتة قلبية ،  لم تنفعه ولم تسعفه السيـارة ولا الطيـارة ،  ولا كل ما توصلت إليه المدنيـة الحديثة ،  إنه يموت ببطىء ويعيش في شقاء   .

 والحضارة الإسلامية بدأت تتململ لتعود بطهارتها لتطهير الإنسان ،  وإرجاع الطمأنينة إلى قلبه بالذكر والعبادة وقيام الليل وتلاوة القرآن ( ألا بذكر الله تطمئن القلوب ) [ الرعد :  28 ] .. والشيطان يحرض أتباعه على مقاومة كل ما يـؤدي بالإنسان إلى الخير وكل ما يعطيه السعادة ،  فيغريه بأن يلجأ إلى المخدرات لعلها تغنيه عن ذكر الله ،  وإلى المسكرات لعله يهرب بها من نفسه ، لكنها لا تغنيـه شـيئـا ويـزداد شـقـاء وتشقى أسرته معه ويشقى مجتمعه به  .

 وعودة الإسلام لتنظيم الحياة قدر (ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون) [ التوبة :  33 ] ..  فالإسلام قادم ، وذهاب دولة يهود قادم ، وحينما ينزل عيسى عليه السلام إلى الأرض ،  يكون الناس على إمام ، ويكون الإمام مركــزه القدس ، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول :" كيف أنتم إذا نزل فيكم إبن مريم وإمامكم منكم "  .

 والإمام حين يطلق - يراد به الإمامة الكبرى " الخلافة " وليست إمامة الصلاة فقط  - لذلك أسرع الكفر يريد تثبيت إسرائيل دولة ،  وأجرى المفاوضات بين الأقوياء والأذلاء ،  بين السادة والعبيد ، وبين الأتباع والمتبوعين ، وبين من لا يؤمنون بهذا الدين من أطراف المتفاوضين ، من يتكلم باسم الفلسطينيين (زورا وبهتانا) ،  حيث اختارهم يهود والأمريكان ليتكلمـوا بإسمنا ، وليضيعوا أرضنا وعقيدتنا وكل فلسطين - وهذا إن استطاعوا - لكن الله لهم بالمرصاد ،  فكل من تآمر على هذه القضية من أول القرن ذاق وبال أمره ولحقه الخزي في الدنيا قبل الآخرة ولهم عذاب عظيم ،  وصدق الله عن هؤلاء الذين يبيعون دينهم بدنياهم ،  وهم كأحبار بني إسرائيل الذين حرفوا وغيروا وبدلوا ( فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلا فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون ) [ البقرة :  79 ] ..

والذين يفاوضون يهود الآن تتشوق نفوسهم وقلوبهم إلى مراكز الحكم الذاتي المحدود ،  والحقيقة أنهم سيكونون نواطير يحمون دولة يهود من غضب شعبهم ومن المجاهدين ،  ما أحقر مناصبهم وما أحقر ما ينتظرون ،  فهم يريدون منا أن نكون عقلانيين واقعيين ( حضاريين ) ،  نعرف كيف نتعامل مع الأكل والشرب الحرام والجنس الحرام ،  وكيف نفرط في عرضنا ،  كيف نبيع أرضنا ،  كيف نستجدي الإبتسامة من يهود ،  وكيف نستجدي لقاء مع مسؤول أمريكي ولو كان سكرتيرا في سفارة أو بوابا في تلك السفارة ،  فمن باع أرضه للكفار ليس مسلما ،  ومن يتآمر على دينه وأهل بلده ليس مسلما ولا مؤمنا ،  لأن أعظم الموالاة للكفار أن تسلمهم ديار الإسلام ،  وأن تتنازل لهم عن القبلة الأولى ،  والأرض المباركة ( ومن يتولهم منكم فإنه منهم ) [ المائدة :  51 ]  .

 ولذلك فإن قدر الله آت بتحطيم قــوة الغرب وعلى رأسها أمريكا ،  وعندها ستذوب دولة يهود من الوجود ( كما بدأنا أول خلق نعيده ) [ الأنبياء :  104 ]  فيعود يهود في الأرض مشردين لصوصا متآمرين ،  تضربهم الشعوب ،  ويحتقرهم الناس ،  لأن شقاء الإنسانية سببه يهود ،  ولأمر ما كان ثلث القرآن عن بني إسرائيل ،  فالذي لا يقرأ القرآن لا يعرف من هم بنو إسرائيل قتلة الأنبياء ،  أصحاب الغدر والخيانة ،  والذين يعتبرون الناس كل الناس حلالا دمهم ،  حلالا أموالهم ،  حلالا عرضهم .  وبعد وصف القرآن لهم وبيان تمردهم وتآمرهم وكذبهم وخداعهم يقوم واحد من عملائهم كأنور السادات (الذي والاهم فأصبح منهم وهو المعذب في قبره بإذن الله) ،  فيكذب القرآن ويقول إن يهود أهل عهد ووفاء - لكن الله كان له بالمرصاد - فقتل يوم زينته والله يقول ( ومن يتولهم منكم فإنه منهم ) ، والقرآن قد قرر أن يهود لا يوفون بعهد ( أو كلما عاهدوا عهدا نبذه فريق منهم بل أكثرهم لا يؤمنون ) [ البقرة :  100 ]  .

وكان السادات قبل أن يرحل إلى حيث أراد الله (بجانب فرعون وهامان وأبي جهل وكل من خان هذه الأمة بإذن الله) ،إنه بإتفاقه مع يهود "كامب ديفيد" قد أزال الحاجز النفسي بيننا وبين يهود ، الذي لـه ثلاثـون سنـة في زعمه فدلل بذلك على جهله بالتاريخ ، بالإضافة إلى جهله في الدين ، بالإضافة إلى جهله بالقرآن لأن الحاجز النفسي بيننا وبين يهود أقامه الإسلام منذ أن وصل الرسول صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ، ونقض يهود العهد الذي عاهدهم به رسول الله عليه الصلاة والسلام ، وقد حاولوا قتل الرسول عدة مرات ، فلعنهم الله في قرآنه ( لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون * كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون ) [ المائدة :  78-79 ]  .

 وثبت الله عدواة يهود للمسلمين في القرآن إلى يوم الدين لا يزيحها مفاوض خسيس ،  ولا مسؤول بئيس ،  ولا حاكم دسيس ، فالله يقول ( لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا ) [ المائدة :  82 ] ،  فإلى هؤلاء الحالمين بتثبيت إسرائيل دولة سواء كانوا من أصل يهودي كما يقال في كثير منهم ،  أو لم يكونوا ،  فالعبرة في العقيدة وليس بالنسب ،  النسب الشريف يزيد صاحبه شرفا إن كان على الطريق القويم والصراط المستقيم ،  وإلا فلا ينفعه نسبـه في شيء ( ونادى نــوح ربه فقــال رب إن ابني من أهلي وإن وعدك الحق وأنت أحكم الحاكمين * قال يا نوح إنه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح فلا تسألني ما ليس لك به علم إني أعظك أن تكون من الجاهلين  ) [ هود :  45-46 ] .  ولأمر ما أنزل الله سورة في القرآن يلعن بها عم الرسول أبا لهب إلى يوم الدين : بسم الله الرحمن الرحيم  ( تبت يدا أبا لهب وتب * ما أغنى عنه ماله وما كسب *  سيصلى نارا ذات لهب * وأمرأته حمالة الحطب * في جيدها حبل من مسد ) [ سورة المسد ]  .

 ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم :"يا فاطمة بنت محمد ، اعملي فإني لا أغن عنك من الله شيئا ، يا عباس ، يا عم النبي ، اعمــل فإني لا أغن عنك من الله شيئا" ويقول صلى الله عليه وسلم :"لا يأتيني الناس بأعمالهم ، وتأتوني بأنسابكم"  .

-   الآية الثانية في تدمير الحضارة المادية  :

 وتمضي الآيات التي تشير إلى التغيير الكوني أو إلى تدمير الحضارة المادية ، والتي نحن على أبوابها الآن ، وبدأت الإرهاصات فيه ، فيقول سبحانه وتعالى ( إنما مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فأختلط به نبات الأرض مما يأكل الناس والأنعام حتى إذا أخذت الأرض زخرفها وازينت وظن أهلها أنهم قادرون عليها أتاها أمرنا ليلا أو نهارا فجعلناها حصيدا كأن لم تغن بالأمس كذلك نفصل الآيات لقوم يتفكرون ) [ يونس :  24 ] ،  والإنسان الآن بما فتح الله عليه من أبواب العلم ومن إكتشاف السنن الكونية التي أدخلت الغرور إلى قلوب كثير من العلماء ،  وأضلت كثـيرا من عامـة الناس ، فنسبـوا قــدرة الله إلى الطبيعــة ،  وهـا هم ( العلماء ) يريدون أن يتحكموا في الرياح وفي مساراتها ،  وفي الأوزون ،  فيريدون أن يغيروا من خلق الله ،  ويولولون أنما في الكرة الأرضية من غذاء لم يعد يكفي للبشرية ،  وإن البشرية على أبواب المجاعة ،  وبدأوا يستعملون السموم لإنبات الزرع وتكثير الفاكهة ،  ولتسمين الحيوانات والطيور ،  فوقعت الإنسانية في المحظور ،  فصارت السموم بعض طعامها اليومي ،  فكثرت الأمراض وعلى رأسها السرطان  .

 وأزينت الكرة  الأرضية بزينة لم يعرفها التاريخ ،  ففي العواصم والمدن الكبرى زينة وزخرف ، وترف ونعيم ، إنك تمشي في بعض شوارع العواصم ،  فترى العجب العجاب من ذلك ، أنوار خافتة ، وأخرى ساطعة ، وأخرى تلمع ،  وثالثة تضيء لتنطفىء ، وتنطفىء لتضيء ، كل ذلك في زخرف عجيب ،  وحدائق ذات بهجة ،  ومياه ونوافير ،  وقصور وقلاع وفلل وناطحات سحاب ، وجسور وأبراج كل هذا مع إعراض عن ذكر الله ،  وعدم التفكر في الموت ،  وكأنما أمر الإنسان في الدنيا إلى خلود ، ويلهث الإنسان وراء الزينة حتى إذا أعياه الجري ،  سقط صريع حبه للدنيا ،  فيخسر الدنيا والآخرة ( ذلك هو الخسران المبين ) [ الحج :  11 ] ،  كل هذا الزخرف سينتهي إلى زوال ،  حتى إذا إستيقظ الإنسان ذات يوم ،  ورأى الأرض قد دمرت ،  والبنيان قد إنهار ،  وأن الزخرف أصبح أثرا بعد عين ،  فجاء الأمر لهذه الأرض (أمر التدمير) هدم البنيان ليلا أو نهارا بذرة تدمرها ، أو إنفجار يمزقها ،  أو ضربة بطرف مذنب يحملها على طرف ذنبه - وأغلب الظن أنه لا يشعر بها لحقارتها وصغر حجمها بالنسبة لأفلاك السماوات - إن عطاء الله الدنيا للكفار يتمتعون بها وللمترفين ليتمتعـوا بترفهم ، ليس ذلك دليــلا على حـب أو رضـاء الله عنهم .. والله يقول ( لـولا أن يكون الناس أمة واحدة لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفا من فضة ومعارج عليها يظهرون  -مصاعد كهربائية وسلالم إلكترونية .. الخ - * ولبيوتهم أبوابا وسررا عليها يتكئون * وزخرفا إن كل ذلك لما متاع الحياة الدنيا والأخرة عند ربك للمتقين ) [ الزخرف :  33 - 35 ] ..  ( كلا نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك وما كان عطاء ربك محظورا ) [ الإسراء :  20 ] ..  وجاء في الحديث : " إن الله يعطي الدنيا لمن يحب ومن لا يحب ، ولا يعطي الآخرة إلا لمن يحب " ، وحينما دخلت قافلة تحمل التجارة من الشام إلى المدينة ، وكان صاحبها عبد الرحمن بن عوف - رضي الله عنه - وكانت القافلة من خمسمائة جمل ، سمعت عائشة -رضي الله عنها- صوت القافلة فسألت عن ذلك ، فأخبروها أنها قافلة لعبد الرحمن بن عوف ،  قالت :  سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :" كل أصحابي يدخلون الجنة مسرعين إلا عبد الرحمن بن عوف يدخل الجنة حبوا ولما يكد  " فقال عبد الرحمن بن عوف : الجمال وما عليها في سبيل الله ..

 الآيات التي شرحناها آنفا هي في أمر الدنيا ،  لأن يوم القيامة يتغير التكوين الكوني كله ( يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات وبرزوا لله الواحد القهار ) [ إبراهيم :  48 ]  . ولذلك فإن الصحوة الإسلامية التي تحدثنا عنها هي قدر الله في خلقــه ،  ومن سننـه في كونه ،  فالمسلمـون بدأوا يعودون إلى ربهم ( أو كثير منهم ) ،  فبدأ الله يستجيب لهم ليكون على أيديهم إنقاذ البشرية ،  وقصة يهود مرسومة في الغيب كما بيناها ،  وإنا نوجزها اليوم بعد أن فصلناهـا في كتابي السابق " زوال إسرائيل حتمية قرآنية " - وقد طبع طبعات كثيرة ،  في بيروت ،  ومصر ،  والجزائر ،  ولندن ،  والأردن وتركيا بعد أن ترجم إلى اللغة التركية -  .

 فإسرائيل جاءت لتزول ،  عذابا من الله ليهود ،  وربنا يقول في سورة الإسراء ( وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب لتفسدن في الأرض مرتين ولتعلن علوا كبيرا * فإذا جاء وعد أولاهما بعثنا عليكم عبادا لنا أولي بأس شديد فجاسوا خلال الديار وكان وعدا مفعولا * ثم رددنا لكم الكرة عليهم وأمددناكم بأموال وبنين وجعلناكم أكثر نفيرا * إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم وإن أسأتم فلها فإذا جاء وعد الآخرة ليسوءوا وجوهكم وليدخلوا المسجد كما دخلـوه أول مـرة وليتبروا ما علوا تتبيرا ) [الإســراء : 4-7] .. "وقضينا" أي حكمنا ، "الكتاب" أي القرآن أو اللوح المحفوظ -سمه ما شئت فهو كلام الله- ، "لتفسدن" اللام : لام الإستقبال ،  " ولتعلن " اللام : لام الإستقبال ،  ( فإذا جاء وعد أولاهما بعثنا ) " فإذا جاء " :  إذا شرطية لما يستقبل من الزمان ،  لا علاقة لما بعدها بما قبلها ،  وعلى هذا فلا يمكن أن يكون الفسادان اللذان جاءت بهما الآية قبل نزول القرآن . 

فالفساد الأول كان في المدينة ،  فسلط الله عليهم أصحاب رسول الله ،  تحركوا خلال ديار يهود ،  وقضوا على فسادهم في المدينة وخيبر والحجاز كله ( وكان وعدا مفعولا ) تم والقرآن ينزل ،  والله قد أعلن في الآية بأنهم سيفسدون مرتين بعد نزول القرآن ،  لكنه وصف الفساد الثاني بالعلو الكبير الذي هو الآن في القرن العشرين - والله أعلم - .  ويهود الآن أصحاب نفوذ كبير في أكثر دول العالم ، وقد دعمها الكفر الصليبي فجعلها في مصاف الدول العظمى لأنه ملكها الذرة ، ثم يقول الله مخاطبا يهود ( ثم رددنا لكم الكرة عليهم ) على من ؟ ، على أبناء من ( جاسوا خلال الديار ) ، نحن العرب المسلمـين ، أحفاد الصحابة رضــوان الله عليهم ، وقد أخطأ خطأ كبيرا الذي قال : إن الذين جاسوا خلال الديار ، هم المقصود بهم الآشوريون أو الكلدانيون أو الرومان ،  لأننا لم نقرأ في التاريخ ولم يحدث أن جعل الله سلطة ليهود على هؤلاء الأقوام وهو مستحيل الآن ،  فهذه الشعوب والحضارات قد إنقرضت ولم يبق منها إلا شرذمة هنا وهناك لا يصلحون لتكوين أمة ،  إذن تعين بجعل الكرة ليهود علينا نحن العرب المسلمين  .

 وتمضي الآيات فتصف دولة يهود كما هي الآن ( وأمددناكم بأموال وبنين وجعلناكم أكثر نفيرا ) وهذه دولة يهود قائمة على التبرعات من أنحاء الدنيا ،  وأوروبا وأمريكا بالخصوص ،  وعلى المهاجرين الذين يأتون من أول القرن العشرين ،  ويهود اليوم أقوى عسكريا إذ ملكهم الصليبيون الذرة ،  وتحميهم أساطيل أمريكا والغرب . . لكن إلى حين  .

 ثم تمضي الآيات (إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم) يخاطب الله يهود (بني إسرائيل) وهم لا يحسنون ،  ويستحيل أن يحسنوا ،  ولكن هذا من قبيل إقامة الحجة عليهم ،  كما يقول المعلم في صفه للتلميذ الفاشل ،  إني إعطيك أخر فرصة لتقرأ وتنجح ،  وهو يعلم أن التلميذ لا يسمع له . . وتعالى الله عن التشبيه  .

 وتمضي الآيات ( وإن أسأتم فلها ) وقد أساء يهود بعد أن أعطاهم الله السلطة ، فقتلوا الرجال والأطفال والنساء ، وبقروا بطون الحبالى ، وعذبوا وشوهوا ، ونشروا الفساد بأنواعه ، وحرقوا المسجد الأقصى ، والمسجد الأقصى عند الله عظيم مبارك ،  ودنسوا مسجد الخليل عليه السلام ، والخليل عند الله هو الخليل . وهاهم اليوم الجمعة  (15/رمضان/1414هـ)  يقدمون على جريمة التاريخ في الخليل فيقتلون المصلين بين يدي الله وهم سجود ،  لا يرقبون في مؤمن إلا ولا ذمة .  وتخطط ما يسمى بدولة يهود لهذه الجريمة كل دوائر الأمن بما فيها رئيس الوزراء والمستوطنون ،  وقد منعوا أن يسعف الجرحى وقتلوا الشباب والرجال والنساء الذين ذهبوا للمستشفى الأهلي في الخليل ليتبرعوا بدمائهم لإنقاذ الجرحى فقتلهم أحفاد القردة والخنازير على درج المستشفى ،  مما ألهب المشاعر في كل فلسطين ، ولولا أن الحكام العرب تكبت شعور شعوبها وتمنعهم من التعبير عن غضبهم لثارت الدنيا ولكن كل ذلك إلى حين  .

مراحل تدمير دولة يهود

 وتمضي الآيات لتبين حكم الله في يهود بعد هذا كله ( فإذا جاء وعد الآخرة ) المرة الثانية لذهاب دولتكم بعد فسادكم وعلوكم ،  فتسير دولة يهود في ثلاث مراحل حتى تنتهي  : -   المرحلة الأولى  : 

إساءة الوجه ، وهذه تكفلت بها الإنتفاضة ، فظهر يهود على حقيقتهم ،  قتلة مجرمون ، فاسدون مفسدون ، ( لا يرقبون في مؤمن إلا ولا ذمة وأولئك هم المعتدون ) [ التوبة :  10 ]  .

 -   المرحلة الثانية  :

 دخول المسجد الأقصى ،  كأول مرة في دخوله ،  وربما أرغم العالم يهود على ترك المسجد الأقصى ليدخله المسلمون ،  لأن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - لما دخل المسجد أول مرة دخله بمفاوضات وليس بحرب  .

 -   المرحلة الثالثة  :

 تدمـير يهود ( إسرائيـل ) ( وليتبروا ما علوا تتبيرا ) " والتتبير " : جعل الشيء على مستوى التراب ،  وفي هذا إشارة إلى الأسلحة المتطورة ،  إذ هي فقط قادرة على جعل ما بناه يهود على مستوى التراب  . 

وفي آخر سورة الإسراء ،  آية تتعلق بالموضوع ( وقلنا من بعده لبني إسرائيل أسكنوا الأرض - أي تفرقوا أشتاتا في الكرة الأرضية كما هم الآن - فإذا جاء وعد الآخرة - أي المرة الثانية لعلوكم وفسادكم - جئنا بكم لفيفا - أي جماعات جماعات ،  وهذا ما يحدث ليهود ،  حيث أنهم يأتون جماعات جماعات - * وبالحق أنزلناه وبالحق نزل وما أرسلناك إلا مبشرا ونذيرا ) [ الإسراء :  104-105] .. فيه بشرى لنا ونذير لهم ، وهم من أول القرن يأتون جماعات جماعات ملتفين حول بعضهم البعض ،  فإذا قرنا هذه الآيات بحديث البخاري ومسلم " لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون يهود فيقتلهم المسلمون حتى يقول الحجر والشجر : يا مسلم ، يا عبد الله هذا يهودي ورائي تعال فاقتله إلا الغرقـد فانه من شجر يهـود " ..  وها هو الحجر والشجر يشتغل منذ ست سنوات ،  فهذا شيء لم يحدث في التاريخ قط ،  إلا على أيدي هذا الشعب المبــارك ،  وكلما ظن يهود أن الأمر قد ضعف ،  إنتفض هذا الشعب الجبار .. فأشعلها نارا تلظى . ويهود لا يغمض لهم جفن ، ولا تهدأ لهم نفس ، ولا تسكن لهم أعصاب ، زادهم الله ذلا على الذل الذي كتب عليهم ، وزادهم مسكنة على مسكنتهم المضروبة عليهم ، لكنهم قوم يكابرون حتى يأتوا إلى قدرهم المحتوم ، والقضـاء على دولتهم المرسوم ،  وتصبح دولتهم حديث تاريخ  .

 هذا في آيات الإسراء التي تتعلق بزوال دولة يهود ،  أما آيات المائدة الآية (53 فما فوقها) .. فهي تتحدث عن دولة إسرائيل كيف هي الآن ، وكيف تعـاون يهود والنصـارى في هذا الـقرن على اقامتها ،  يساعدهم في ذلك منافقوا الحكام من العرب والمسلمين ،  ممن نزلـوا عن صهوة الإسلام العظـيم ،  وأنغمسوا في الوسخ والطين ،  وأخذوا يلعقون مما يفرز لهم يهود والصليبيون يتمتعون بأكـل هذا الإفـراز ،  كما تتمتع الحشرات والمكروبات بأكل القاذورات ،  يقول الله سبحانه وتعالى ( يا أيها الذين آمنوا لا تتخــذوا اليهود والنصـارى أوليـاء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين * فترى الذين في قلوبهم مرض يسارعون فيهم يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة فعسى الله أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده فيصبحوا على ما أسروا في أنفسهم نادمين ) [ المائدة :  51 - 52 ]  .

 فالآيات تتحدث عن بدء الموالاة بين يهود والنصارى ،  التي لم تكن في التاريخ قط ،  وكان العكس هو الموجود ،  فقد سلط الله النصارى على يهود لتعذيبهم وذبحهم منذ أن اتهم النصارى يهود بصلب المسيح ،  مع أنهم لم يصلبوه ولكن شبه لهم ، فلم تبق دولة نصرانية إلا وعذبت يهود ، وكانت تصدر قوانين ضد اليهود ، إنجلترا ، ألمانيا ، النمسا ، روسيا ، فرنسا ، المجر ، إسبانيا وغيرها من الدول - وقد بينت ذلك بالتفصيل في كتابي زوال دولة إسرائيل حتمية قرآنية - .  وفي أواخر القرن التاسع عشر ، بدأت الموالاة بين يهود والنصارى ، واستمرت حتى أقامت الدول الصليبية دولة يهود على أرض فلسطين المباركة ،  وهم الآن يدعمونها ، فتعيش على التبرعات التي تأتي من الغرب ، وخصوصا من أمريكا، ويعاونهم وعاونهم في ذلك حكام العرب إلا من رحم ربك وقليل ما هم ،  وهؤلاء الحكام تشير إليهم الآية على أنهم كانوا مسلمين ، فأنتقلوا من الإسلام إلى الكفر (ومن يتولهم منكم فإنه منهم) ، والذي يدل على مراد هذه الآية أنهم هـم الحكام، الآية التي جاءت بعدها (إن الله لا يهدي القوم الظالمين) ،  فإن الذي يوصف بالظلم والعدل هو الحاكم ..  وهذا هو الغالب  .

 ) فترى الذين في قلوبهم مرض - شك في الله وشك في أمتهم - يسارعون فيهم ) ، والمسارعة عملية ميكانيكية ، كانت تمثلها الباخرة في أول القرن العشرين ، والآن تمثلها الطائرة النفاثة ، فالطائرات لا تهدأ في حمل الحكام وأعوانهم من وإلى لندن ، من وإلى واشنطن ، من وإلى موسكو ، من وإلى باريس ، من وإلى جنيف ومن وإلى تل أبيب ( سرا)  ثم أصبحت (علنا)  . 

وتسأل الحكام وأعوانهم لم هذه المسارعة في السفر ؟ ، فيجيبونك في مجالسهم الخاصة (نخشى أن تصيبنا دائرة) إذن فهو حرصهم على الحياة ،  وعلى المناصب ، وعلى السلطان الذي ليس لهم منه إلا تعذيب وتجويع الشعوب وحماية دولة يهود ، وحينما يصل الأمر الذي نحن فيه ،  فيصبح الحكام أدوات لتنفيذ مخططات يهـود في إذلال الأمـة ، يتدخـل الله (الغيب) برحمتـه فتـقـول الآيـة (فعسى الله أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده) ،"فعسى" : للترجي إلا في حـق الله فهي لليقين ، " الفتح " هنا هو الفصل والحكم - أي يحكم الله بين الشعوب وحكامها ويفصل في الأمر - ، و"أو"  هنا ليست للتخيير ، وإنما لمجرد العطف ،  وبدأ الأمر يأتي والحكم ينفذ ، فبدأ الله بشاه إيران - وكان حينها الحاكم الأقوى والأبطش والأكفر والأغنى  - وكان العمود الفقري لإسرائيل وشرطي المنطقة ،  وثنى الله بالسادات ، فأخذه الله يوم زينته ، وثلث بالنميري والبقية على الصفحات القادمة في القريب العاجل إن شاء الله . (فيصبحوا على ما أسروا في أنفسهم نادمين) وهذا ما حدث للحكام السابقين وسيحدث للآخرين ،  يندمون على ما أرتكبوا من جريمة وخيانة ،  وبيع للأوطان - ولا تزال الصورة في الذهن لشاه إيران وهو يمشي في العالم طريدا لا تقبله الدول ولا شك أنه كان في حالة ندم - وكذلك السادات حينما سقط تحت الأرجل يوم إغتياله وهو يقول : "مش معقول ده يا حسني" ، يريد نائبه الذي سيلحق به قريبا إن شاء الله ، لأنه كان يعتقد أن الحماية التي تحميه المخابرات الإسرائيلية ، والأمريكية ، وحرسه الخاص الذي تدرب في أمريكا ،  كل ذلك يجعله لا يتصور أنه يمكن لأحد أن يخترقه وكأنه لم يقرأ قول الله (أين ما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة) [النساء :  78 ]  .

 وتمضي الآيات فيقول الله سبحانه وتعالى ( ويقول الذين آمنوا أهؤلاء الذين أقسموا بالله جهد أيمانهم إنهم لمعكم حبطت أعمالهم فأصبحوا خاسرين ) [ المائدة :  53 ] ..  أي أنهم كانوا يتظاهرون بالإخلاص لهذه الأمة ،  يفلسفون الهزيمة والخزي والسخيمة ،  فلما تبين الحق ،  تبين أن هؤلاء كانوا دمى في أيدي أسيادهم لا يجرأون على مجرد الطلب إليهم أن يقيموا دولة فلسطينية ،  ولو على جزء من فلسطين ،  وقد قال كيسنجر بعد حرب ( 73 ) :" والمنع للنفط العربي عن الغرب وأمريكا قائم ، إنه لم يطلب حاكم عربي من الإدارة الأمريكية إقامة دولة فلسطينية ،  ولو طلبوا مني في ذلك الحين فلسطين لأجبتهم "  . 

وتمضي الآيات هنا ويأتي الغيب مبشرا بالنصر بقول الله تعالى (يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه - فيوالي يهود والنصارى - فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على الـمؤمنين أعــزة على الكافـرين يجاهــدون في سبيل الله ولا يخافـون لومة لائم ذلك فضـل الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم) [ المائدة :  54 ] .. ولاحظ "سوف" مستقبلا ، وأصبح هذا حقيقة الآن ، هؤلاء هـم الشبـاب المؤمـن في جمـيع أنحاء العالـم الإسلامي وحتى في الغرب ، هؤلاء صفاتهم أنهم يحبون الله ورسوله وبالتالي يحبهم الله ورسوله ،  فيمهد لهم الطريق إلى الجنة ،  وإلى العزة في الدنيا ، لأن الجنة لا يدخلها ذليل ، وصفات هؤلاء المؤمنين أنهم أذلة على المؤمنين لا يتعالون على المسلمين ،  لكنهم أعزة على الكفار - اليهود والنصارى وغيرهم - محميون بحماية الله لهم ،  ومن صفاتهم أنهم مجاهدون ، ألا تراهم في السودان وفي مصر والجزائر وفي لبنان وتركيا وغيرها ،  إنهم قادمون على الدرب ،  وقد وصلوا إلى أول الطريق وستتغير الدنيا على أيديهم بإذن الله ،  وسترتفع راية الإسلام على سواعدهم ،  وهم يلجون الآن أبواب الجنة يطرقونها برؤوس الكفار والمنافقين وبرأس يهود في فلسطين ولبنان ،  وبرأس الصليبيين والوثنيين في السودان ،  وبرأس الصليبيين في البوسنة والهرسك التي تقاتلهم الصليبية الأوروبية الأمريكية والصليبية الروسية ، لا لذنب إلا أنهم مسلمون ، وأمريكا صاحبة (النظام العالمي الجديد) تتغنى بحقوق الإنسان في كل مكان إلا على المسلمين في البوسنة والهرسـك ، والمسلمين في فلسطين ، والمسلمين في كشمير ، والمسلمين في الهند ،  والمسلمين في السودان ، والمسلمين في الفلبين ، والمسلمين في تايلاند ،  والمسلمـين فــي مـصر والـجزائر وتونس ، والمسلمين في العراق أطفالا ونساءا ورجالا ، والمسلمين في المغرب وليبيا والمسلمين أين ما كانوا  .

لأنه كما يبدوا فإن يهود والصليبيين لا يعتبرون المسلمين من البشر ،  ولقد عين بطرس غالي الأمين العام للأمم المتحدة مساعدا له لحقوق الإنسان ، وكأنه لم يسمع بمأساة البوسنة والهرسك ، وقتل النساء والأطفال والشيوخ ،  وكأنه لم يسمع في تعذيب يهود لأهل فلسطين ،  وماذا يعنيه هؤلاء - إنه مسؤول عن البشر - وأغلب الظن أنه يحمل في نفسه حقدا ، يصور له أن هؤلاء لا يرتقون ولا يرتفعون لمستوى البشر ، وذلك كله لأنهم يعبدون الله ولا يشركون به شيئا ، ولأنهم يحرمون كل ما يضر ويؤذي الإنسان ، ولأن خليفتهم أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ، حينما دخل القدس أمن النصارى فيها على كنائسهم وأموالهم وما يعتقدون ، ورفض أن يصلي في كنيسة القيامة حرصا منه على الوفاء بالعهد والعقد ، والله يقول ( يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود ) [ المائدة :  1 ]  .

 كل الذي نشاهده الآن من إجماع يهودي ونصراني ووثني على محاربة المسلمين في كل بقــاع الأرض ، وبالرغـم من ذلك كله ينتشر الإسلام وهو مضطهد ، ويمتد وهو مقاوم ،  ويقوى وأهله ضعفاء ،  وينتشر وكثير من أهله نيام ،  لكن القلة المؤمنة التي أنار الله قلبها بالإيمان ،  حملت الرسالة وسط الأشواك والألغام وهي منتصرة بإذن الله ،  كما شرحت في أول كتابي أن النصر ليس بقوة السلاح بالنسبة للمسلمين ،  وإنما يكون بهذا الدين ،  وسيرى الناس العجب العجاب  .. وهنا يرد سؤال :  هل معنى هذا أننا يجب أن ننتظر الغيب لا نعمل ؟

 هذا فهم خاطىء يـورده أعـداء الإسلام أو الجهلة بالإسلام ،  إن الإسلام فرض العمل وطلب العدة والاستعداد ( وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون ) [ التوبة :  105 ] ..  وأيضا ( وأعدوا لهم ما أستطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم ) [ الأنفال :  60 ]  .

 فالمطلوب منا أن نعد ولا نتحجج بأننا يجب أن نكون على مستـوى عدونا عددا وعـدة ، فهذا مستحيل ، نحن مأمورون أن نعد القوة التي نستطيعها وندعو الله والتوكل عليه وننصر بتطبيق الإسلام -وقد أخذ الله بعد ذلك الأمر له - ولذلك يقول الرسول صلى الله عليه وسلم :"نصرت بالرعب من مسيرة شهر" ،  فهو صلى الله عليه وسلم أعد الذي يستطيع وترك الباقي لله .

 وها هم اليوم أهل فلسطين ،  يقاتلون يهود بحجارتهم وسكاكينهم يرهبون عدو الله وعدوهم ،  وها هم السودان يقاتلون السلاح الأمريكي والسلاح السعودي والسلاح الكويتي بكلمة نداء " الله أكبر " فقد طهروا السودان أو كادوا من رجس الوثنية والصليبية ، وأهل أفغانستان حينما قاتلوا الالحاد الشيوعي بعقيدة الإيمان وقليل من السلاح وحينما تم لهم النصر أو كاد ،  دخل الشيطان بينهم وخاصة الأمريكي ، فأفسد عليهم نصرهم ، فتقاتلوا وهما فئتان مؤمنتان (ونحسبهم كذلك) وأخشى أن يكون القاتل والمقتول منهم في النار ،  إلا أن تكون هناك فئة مظلومة لا تقاتل لدنيا أو لمنصب وأرجو أن يكون ذلك ونرجو الله أن يهديهم سواء السبيل  . 

الـتوكل والـتواكل

 إن التوكل على الله لا يعني التواكل ، فالتوكل إيمان وقوة ، والتواكل كسل وهزيمة والرضى بالذل والسخيمة ، وهذه يمثلها بعض أصحاب الطرق الصوفية الذين شوهوا الإسلام وأفرغوه من مضمونه ، فأصبح الإسلام في مذهبهم دين الكسالى ، والمتبطلين .. فلذلك إن التـوكل على الله هو عقيـدة الإسلام ، قال تعالى (ومن يتوكل على الله فهو حسبه إن الله بالغ أمره) [الطلاق : 3] ،  فالتوكل إعداد إيماني ، وإعداد نفسي ، وإعداد مادي (بقدر الاستطاعة) والباقي على الله ، ولذلك يقول الله ( ولو يشاء الله لأنتصر منهم ولكن ليبلو بعضكم ببعض والذين قتلوا في سبيل الله فلن يضل أعمالهم ) [ محمد :  4 ] ..  قال تعالى ( يا أيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم * والذين كفروا فتعسا لهم وأضل أعمالهم ) [ محمد :  7-8 ] ،  أما التواكل فهو بلادة في الحس والروح والفهم ، كان الله يستطيع أن ينصر نبيه بكلمة (كن) لكنه أمره بالعدة والإستعداد والحرب والجهاد  .

 ( أذن للذين يقاتلـون بأنهم ظلمـوا وإن الله على نصرهم لقدير * الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامـع وبيع وصلـوات ومساجـد يذكر فيهـا اسم الله كثيرا ولينصرن الله من ينصره إن الله لقـوي عزيز * الذين إن مكناهـم في الأرض أقاموا الصلاة وآتـوا الزكاة وأمـروا بالمعروف ونهـوا عن المنكر ولله عاقبة الأمـور ) [ الحج :  39-41 ]  .

وهنا لا بد من الإشارة ،  أن الموالاة التي حدثت بين يهود والنصارى ،  هي موالاة مؤقته حتى تقوم دولة يهود ثم تزول ،  فما كان ليهود أن يقيموا الدولة بأنفسهم لأن الذل مفروض عليهم ،  والذليل ما كان له أن يقيم دولة ،  إذ أنهم أذل وأحقر من أن يقوموا بهذه المهمة إذ هم أحفاد القردة والخنازير ،  فهي دولة مسخ لا تقوى على الصمود ،  خرجت من رحم الصليبية الحاقدة ،  والعنصرية البغيضة ،  والماسونية بأنواعها والتي هي حركة يهودية ،  أدخل فيها يهود أصحاب النفوذ في العالم من ملوك ورؤساء وأغنياء .

فهي دولة لا تقوى على الصمود ، وما كان لها أن تصمد ، يعطيها الغرب الصليبي كل أسباب الحياة من مأكل وملبس وسلاح حتى السلاح الذري ،  ولولا هذا الدعم الغربي ما صمدت إسرائيـل شهرا واحدا ، ويأتي بعد ذلك دور الأنظمة العربيـة أو الحكام العرب في حماية دولة يهود ، فهم يطوقونهـا حماية لها ،  ويمنعون كل من يريد أن يمسها بسوء ،  فالجيوش العربية وظيفتها أن تحمي هذه الدولة ،  وكذلك أجهزة الأمن العربية  . 

هذا التعاون اليهودي الصليبي إلى حين فهو مرهون في الفترة التي ستبقى فيها دولة يهود ، وكان هذا التعاون فقط في هذا القرن في تاريخ اليهودية والنصرانية عبر القرون ، لأن العداوة بين يهود والنصارى هي الأصل ،  والشاذ هو الموالاة والمحبة ، ولذلك فإن كثيرا من علماء التفسير لم يتصوروا أن تكون هناك موالاة بين يهود والنصارى ففسروا آيات الموالاة على أنها بين النصارى أنفسهم وليس بين يهود والنصارى ، فقالوا إن النصارى بعضهم أولياء بعض ، وهذا مرفوض قرآنيا وتاريخيا ، إذ أن العداوة بين النصارى أنفسهم ممتدة من القرن الأول الميلادي إلى هذا الوقت ،  فالحرب بين الدول النصرانية لم تنقطع ، والحرب في إيرلندا بين الكاثوليك والبروتستانت ، والحرب في يوغسلافيا بين الأرثوذكس والكاثوليك ، والقرآن يقول (ومن الذين قالوا إنا نصارى أخذنا ميثاقهم فنسوا حظا مما ذكروا به فأغرينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة وسوف ينبئهم الله ما كانوا يصنعون) [ المائدة : 14 ]  .

 وكذلك قال بعض المفسرين إن الموالاة بين اليهود أنفسهم ،  وليس بين يهود ونصارى وهذا يرفضه القرآن ويرفضه الواقع أيضا ،  فالله يقول ( وقالت اليهود يد الله مغلولة غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء وليزيدن كثيرا منهم ما أنزل إليك من ربك طغيانا وكفرا وألقينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله ويسعون في الأرض فسادا والله لا يحب المفسدين ) [ المائدة : 64 ] ..  فالخلاف بين اليهود الشرقيين واليهود الغربيين "الشكناز والسفرديم" هو خلاف وعداء حقيقي ، ولذلك لكل فئة من هذه  الفئتين حاخام أكبر ، وكذلك الخلاف بين العلمانيين والمتدينين ، والخلاف بين اليسار واليمين هو خلاف حقيقي . وهكذا يتعين أن الموالاة في الآية هي بين يهود والنصارى .  حتى ينفذ أمر الله في إقامـة دولة يهود قبل قيـام الساعة ، فتقوم بمساعدة النصارى ، ويقضي الله عليها بقوة المسلمين الموحدين بإذنه سبحانه  . 

وهكذا يتبين لنا أن دولة يهود إلى زوال بنص القرآن ، وبنص حديث رسول الله ، ومن فهم الواقع الذي تعيشه دولة يهود والمحاولة اليائسـة التي تقـوم بها أمريكـا وأوروبا ويهـود مع حكـام العرب ومع (منظمة التحرير) لتثبيت يهود دولة في الأرض المباركة ستبوء بالفشل  .

 واليوم يجري على الساحة أمر عجيب ، فكلما وصلت (منظمة التحريـر) إلى اتفاق على مسألة جزئية ، أخرج لهم سحرة يهود الاعيب والأفانين ،  يبطلون به ما أتفقوا عليه بحجة أن المعارضة لا تقبل ، وضبـاط الجيش لا يرضون ، وصدق الله فيهم (أو كلما عاهــدوا عهدا نبذه فريق منهم بل أكثرهم لا يؤمنون) [ البقرة :  100 ]  .

 وستمضي هذه الحقبة التاريخية التي نعيشها بوجهين مختلفين ، وجه الذلة والمهانة والاستكانة والخيانة وتقوم بها (منظمة التحرير) وكثير من حكام العرب وكثير من الذين يزعمون أنهم مفكرون ممن يدعون إلى (العقلانية والواقعية) وإلى الإستسلام والذل والهوان هذا وجه للفترة نعيشها . أما الوجه الآخر ، فهو الوجه المشرق والمتلألىء بأنوار الإيمان المندفع بجند الرحمن ، شباب الصحوة الإسلامية يتسابقون إلى الجنة يطرقون أبوابها برؤوس الكفار والمنافقين . ويحاول سدنة الظلم والظلام والخيـانة والاستسلام أن ينعتوهم بجميع النعوت ، لكنهم إلى ربهم ماضون ، وإلى النصر سائرون ، لا تستطيع أن تقف في وجوههم أمريكا (ولا النظام العالمي الجديد) ، ولا هــؤلاء الدمى ممن فرغ الإيمان من قلوبهم فأستسلموا لنزواتهم ولشياطينهـم ، وصـدق قول الله فيهم (ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين * يخادعــون الله والذين آمنوا وما يخدعـون إلا أنفسهم وما يشعرون * في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا ولهم عذاب ألـيم بما كانوا يكذبـون * وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون ) [ البقرة : 8-12 ]  .

 قال سلمان الفارسي - رضي الله عنه - : (لم تنزل هذه الآيات في المنافقين في عهد رسول الله ، إذ كان المنافقون في عهد رسول الله لا يزعمون الإصلاح،  بل يبطنــون الكفر ويظهرون الإيمان فقـط ، وإنما نزلت في أقوام من هذه الأمة ستأتي فيما بعد تبطن الكفر ، وتظهر الإيمان في بعض الأحيان ، وتزعم الإصلاح) . وهذه الأحزاب التي أشقتنا من علمانيين وماسونيين وشيوعيين ومن أحزاب الكـفر التي أذلتنا ، والـتي أضاعـت فلسطين كل فلسطـين تحت شعاراتها ، ولا تزال تتمسك بهذه الشعارات أو بقايا هذه الشعارات ،  وهؤلاء المنافقون من حكام وأعوانهم ،  ومن صحفيين وسياسيين ،  ومن أدباء وشعراء ( وإذا قيل لهم آمنوا كما آمن الناس قالوا أنؤمن كما آمن السفهاء ألا إنهم هم السفهاء ولكن لا يعلمون ) [ البقرة : 13 ] ..  وقد قلت لواحد منهم يوما ، لم لا تصل الجمعة ؟ ، فقال :"  تريد مني أن أضع جبهتي في الموضع الذي يضع فيه الناس أقدامهم " ،  وقد ذهب إلى مصيره عند ربه  .

 وهؤلاء المنافقون من الحكام وأعوانهم يسايرون (المسلمين) في احتفالات (دينية) لم يرد فيها نص ،  وتكون عيون أسيادهم مفتوحة عليهم فيسألونهم :" ما هذا ،  أأسلمتم ؟!! " ، فيقولون : "بل نحن مستهزؤون" ، وأغلب الظن أنهم ينزلون إلى هذه الإحتفالات ويقيمون (الصلوات) بغير وضوء ( وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا وإذا خلوا إلى شياطينهم - السفراء ورؤوساء الدول الكافرة - قالوا إنا معكم - في كفركم - إنما نحن مستهزئون * الله يستهزىء بهم ويمدهم في طغيانهم يعمهون ) [ البقرة :14-15 ] .. لهذا ، ما جعل الله على أيديهم خيرا قط ، فلم يذوقوا طعما للمجد ، ولا انتصروا في معركة ، وما كان لهم أن ينتصروا لإن الله ينصر المؤمنين ولا ينصر المنافقين  .

 أيها المسلمون ،  أيها العرب ،  أيها الفلسطينيون ،  معركتنا مع يهود والكفار طويلة ومريرة ،  أعرضنا عن الله منذ هذا القرن والذي قبله فعاقبنا الله بما نستحق ،  عاقبنا بعقاب يهود ،  والآن بدأت أنوار النصر تلوح ،  وأنوار الإسلام تنتشر والرجوع إلى الله ،  فما كان الله ليخذل من يستغيث به ،  ستمضي دولة يهود إلى زوالها المحتوم وقضائها المبرم ،  وقد جعل الله زوالها مربوطا بمعجزة من معجزات محمد صلى الله عليه وسلم ، وهي أن المؤمنين سيقاتلون يهود قبل قيام الساعة ، فما كان لهم أن يقاتلوهم وهم متفرقون في الأرض ، فجاء الله بهم بقدر ، لينطق الحجر والشجر ويقول :"يا مسلم يا عبدالله ورائي يهودي تعال فأقتله إلا الغرقد فإنه من شجر يهود " وصدق رسول الله  .

 أيها المسلمون ، أيها العرب ، أيها الفلسطينيون في القدس ، في نابلس ،  في غزة ، في الجليل ، في الخليل ، في يافـا ، في حيفا ، في النقب ، في الناصرة ، في عكا ، في بيت لحم .. الخ : أرضكم أرض الله ، باركها الله ،  وقد اختاركم لسكناها ، ولولا أنكم أهـل لهذا الحمل العظـيم ما أختاركم ، وكذلك أنتم أحفاد الصحابة ، وأحفاد جند صلاح الدين هازم الصليبيين ،وأنتم من كرام قبائل العرب الميامين ، والمسلمين الموحدين ، مزيدا من القرب إلى الله ، مزيدا من التضرع والبكاء ، مزيدا من الصلاة والصوم ، مزيدا من الذكر والتسبيح (يا أيها الذين آمنوا إذكروا الله ذكرا كثيرا * وسبحوه بكرة وأصيلا) [الأحزاب :41-42] ..  (يا أيها الذين آمنــوا إذا لقيتم فئة فأثبتوا وإذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحـون) [ الأنفال :  45 ]  .

 الدنيا إلى زوال ، وبعدها خلود إما في الجنة أو النار -وقانا الله وإياكم منها- ، جاء الله بيهود إلى فلسطين ليذبحوا بأيديكم .. هذا قدرهم ، وهذا المكتوب عليهم ، ودائما عبر التاريخ يأتي يهود إلى مصارعهم على أرجلهم ، فما كان ليهود أن يثبتوا في هذه الأرض المباركة ، وقد بينت لكم من الآيات والأحاديث التي في هذا الكتاب عن حتمية النصر ،  وكيف بدا في الأفق ،  وأما هؤلاء الذين يفاوضون يهود ، فيخدعون أمتهم ( يخادعون الله والذين آمنوا وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون ) [ البقرة :  9 ] ..  وكثير من هؤلاء الذين يفاوضون يهود مجهولون في نسبهم مصطنعون في إنتمائهم لعلهم ممن دسهم يهود في قومنـا ، وأقاموهم ليكونوا قـادة فينا ، لكنهم سيبؤون بالفشـل ، وستعود فلسطـين كل فلسطـين لتكون جزءا من ديار بلاد الشام بإذن الله مركز الخلافة الراشدة القادمة ، وسنعود إلى الأقصى نعفر جباهنا بترابه الطهور ، ونتقرب إلى الله في محرابه الوقور ، نصلي لله خاشعين ، ونكون قد طهرنا كل أرض فلسطين ، وستعود مآذن فلسطين شامخة عالية ، ينطلق منها نداء "الله أكبر" فيفرح قلوب المؤمنين ،  ويصم آذان الكافرين  .

 سنعود إلى مسجد الجزار في عكا ، ومسجد الاستقلال في حيفا ، ومسجد حسن بيك في يافا ،والمسجد الأبيض في الرملة ومسجد السبع الذي حوله اليهود ، سنعود إلى مساجدنا في كل مدننا وقرانا ، مرفوعة هاماتنا ،  منتصرة أعلامنا (ويقولون متى هو قل عسى أن يكون قريبا) [ الإسراء : 51 ] .

 الحركات الإسلامية العاملة في الساحة

 اندفع المسلمون في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي عهد الخلفاء الراشدين وفي عهد الدولة الأموية وسنوات من الدولة العباسية ، ينشرون الإسلام ويطاردون الشيطان وينيرون الدنيا بنور الله ويطاردون الظلم والظلام ، حملوا الإسلام بلغته اللغة العربية ، فآمنت شعوب الأرض وسرعان ما أندمجت في هذا الدين وأصبحت من أهله فتعمقت فيه وفهمته حتى كاد أن يكون جل علماء التابعين وتابعيهم الذين أثروا هذا الدين بعقولهم وفهمهم لكتاب الله وسنة رسوله من غير العرق العربي ، لكنهم أصبحوا بإسلامهم وتكلمهم للعربية أصبحوا من العرب ، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول : "ليست العربية بأب أحدكم أو أمه إنما العربية اللسان فمن تكلم العربية فهو عربي" . ولذلك فإن الإسلام لا يدانيه أحد في التعصب للعربية والعروبة بمعناها (الثقافي والحضاري) وهو لا يفهم إلا بها وهي أشرف اللغات وكما جاء في الحديث النبوي الشريف :"أحب العرب لثلاث : لأني عربي ، ولأن القرآن عربي ولأن لغة أهل الجنة العربية"  .

 فالإسـلام يرفض العروبة بمعنـاهـا الجاهـلي (وهي التعصب للجنس ) ،  فيرفض التعصب للجنس العربي ، وللجنس (الآري الأوروبي) ، وللجنس السامي وللجنس الحامي ، فالإسلام يحارب الشعوبية بكل معانيها .  ولما بدأت ما يسمونه بالنهضة العربية الحديثة والتي حاولت أن تنهض بالأمة بالقومية المجردة عن الإسلام فلم تنجح هذه المحاولة ،  ففشلت ببلاد العرب ، وفشلت المحاولة ذاتها كذلـك عند الأتراك (الطورانيين) وكذلك عند الفرس (الكسرويين) .

 ويذكر الناس الإحتفال الكبير الذي أقامه شاه إيران (محمد رضا بهلـوي) بمناسبـة مرور أربعــة ألاف سنـة على كورش -أول كسرى في التاريخ- ودعا إليه زعماء وأثرياء العالم ،  وقد ألبس الحرس لباس جند كورش ،  ووقف في الإحتفال متحديا لله وخاطب كورش بقوله : "لقد أحييتك ولن تموت بعد اليوم" ..  وكان الله له بالمرصاد ،  فخرج على وجهه هائما ومات طريدا شريدا يلعنه الله والملائكة والمسلمون أجمعون .

 وكذلك فشلت الأحزاب التي نادت بالعروبة بمعناها العرقي سواء التقليدين منها أو الثوريين فتمزقت الأمة في عهدهم وفي ظل شعاراتهم ،  ولا يزالون يعملون في الأمة تجزئة وتقطيعا ويمزقونها مزقا مبعثرة  .

 فالإسلام روحـه العروبة ووعاؤه العربيـة ،  ولذلك فإنه يرفض التعصب للعربية دون الإسلام وبالتالي يرفض العصبية للإسلام دون العربية  .

 فلما أستولى على الحكم في بلاد المسلمين الأعاجم الذين لا يتكلمون العربية ،  بدأ الفكر يجمد ،  فأغلق باب الإجتهاد ظلما وعدوانا وتعصب العلماء للمذاهب التي نشأت في بلاد المسلمين ،  وأخذوا يشرحون أقوال الفقهاء بدلا من أن يشرحوا كتاب الله وسنة رسوله ،  ويجمد الفكر الإسلامي على المذاهب الأربعة عند أهل السنة ،  والمذهب الأباضي عند الخوارج ،  والجعفرية والزيدية عند الشيعة الغير الغلاة ،  أما الغلاة فقد خرجوا من هذا الدين ولم يعودوا مسلمين  .

 وانتكست الأمة وكان لا بد أن تنتكس ،  فحكمها حكام ظلمة يسودهم الجهل ،  وأصابهم العمى فلم يعودوا يرون بنور الله ،  وجاءت الحروب الصليبية ،  فجاءتنا أوروبا بخيلها ورجلها ،  واستمرت الحرب بيننا وبينهم مائتي عام وسقطت القدس بأيديهم تسعين سنة أو ما يقرب من ذلك ،  وكان سقوط القدس إيذانا بصحوة إسلامية جديدة في ذلك الحين (كما أن الصحوة الإسلامية الآن لم تتفجر إلا بعد سقوط القدس في أيدي الكفار)  .

 وكان لا بد لأوروبا أن تنهزم ،  لأن المسلمين عادوا يقاتلون بعقيدتهم ومن قاتل بعقيدة الإسلام فلن يهزم ، لأنه بقتاله بعقيدة الإسلام نصر الله  ..  والله ينصر من ينصره (إن تنصروا الله ينصركم ويثبت اقدامكم) [محمد : 7 ] .

 وبعد هزيمة أوروبا ، ركن المسلمون إلى الجمود الفكري مرة أخرى ،  وأخذوا يبحثون في أقوال الفقهاء ، وينشأون الشروح والحواشي ، وحواشي الحواشي . وأخذ الإسلام يعمل وحده بغير لغته ، حملته تركيا المسلمة إلى أوروبا ففتحت القسطنطينية وأنطلقت عبر أوروبا حتى أخذت البلقان كله ،  ووقفت على أبواب فيينا ، ومرة أخرى حكم المسلمين حكام جهلة بغير اللغة العربية ، وبذلك هم لم يفقهوا الإسلام ، لأن الإسلام لا يفقه ولا يفهم إلا بلغته (حم * تنزيل من الرحمن الرحيم * كتاب فصلت آياته قرآنا عربيا لقوم يعلمون) [فصلت : 1-3] .. وأيضا قوله تعالى (ولو جعلناه قرآنا أعجميا لقالوا لولا فصلت آياته ءأعجمي وعربي قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء) [ فصلت :  44 ]  .

الحركــات الإصلاحيــة

 أولا :  الحركات الصوفية  : 

وفي خلال هذا المد والجزر ، نشأت حركات وفلسفات ، حركات اصلاحية تريد أن ترجع بالإسلام إلى صفائه المتمثل بالكتاب والسنة الصحيحة .  ونشأت حركات صوفية منها المعتدل ، الذي يرى في الصوفية أنها الزهد والذكر وقيام الليل وتلاوة القرآن والابتعاد عن المحارم والابتعاد عن الترف ، بالإضافة إلى الصلاة المفروضـة والمسنونـة والصـوم والزكاة والحج والرباط في سبيـل الله ، وهذا الأمر هو لب الإسلام ، ونشأت حركات أخرى فلسفت الصوفية بعد أن اقتبست فكرها من الفلسفة الهندية والفارسية والإغريقية والنصرانية واليهودية. وخصوصا بعد أن شجع الخليفة المأمون ترجمة هذه الفلسفات وكان يعطي المترجم وزن الكتاب المترجم ذهبا ، فأختلط الأمر عـلى كثير من الصـوفية وأتبـاعهم حـتى وصل الأمر بالقـول (بوحدة الوجود وأن الله هو هذا الكون بما فيه ومن فيه) ، وكان يمثل هذه الفئـة أبي منصور الحلاج الذي كان يقـول ليس في الجنة إلا الله -والعياذ بالله - فأفتى العلماء بقتله ردة ، فقتلته الدولة العباسية وقال لأتبـاعه وهو يساق إلى القتل سأرجع لكم بعد ثلاثـين يوما ( وهو حتى الآن لم يرجع ) لأنه في قبره يرى منزلته من النار صباح مساء بإذن الله  .

 وسار على طريقه ومنهجه الفكري إبن عربي الذي ألف كتابا في مذهبه هذا (فصوص الحكم) ،  و(الفتوحات المكية) والتي يقول فيها عن نفسه إنه خاتم الأولياء ،  ومحمد صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء ،  وخاتم الأولياء أفضل من خاتم الأنبياء - والعياذ بالله - أغواه الشيطان فضل وأضل ،  ويقول خضنا بحرا وقفت الأنبياء على شواطئه ما أستطاعت أن تخوضه ،  ولا زال فكره الشيطاني يعمل في كثير من الطرق الصوفية  . 

وفي زمن ظهور ابن عربي ،  ظهرت الحركة المضادة لفكره وفكر الحلاج ، الحركة السلفية التي تدعوا إلى الرجوع إلى كتاب الله وسنة رسوله وما كان عليه السلف الصالح ، ظهر ابن تيمية وتلميذه ابن قيم الجوزية ، فصدوا هذه الهجمة عن الإسلام التي كانت تهدف إلى القضاء عليه .  فجاهد بقلمه وبسيفه ، أما قلمه فقد حارب فيه الصوفية المنحرفة والغلاة والدهريين من الفلاسفة والحركات الباطنية جميعا . كما بين الرأي الصحيح في دين المسيح ، وأما سيفه فقد حارب به التتر ودخل في صراع مع الصوفيـة فدسوا عليه عند الحكام ،  فحبسوه في الإسكندرية ، ثم حبسوه في دمشق ومات في السجن -رحمه الله- بعد أن أثرى المكتبة الإسلامية بكتب كثيرة وأهمها فتاوي ابن تيمية ،  وأستمرت المعركة بين الصوفية والسلفية منذ ذلك الحين إلى يومنا هذا ،  إلى أن جاءت الصحوة الإسلامية أخيرا ، وهذه الصحوة جذورها ممتدة من القرن الثامن والتاسع عشر ، ممثلة بالحركات الصوفيــة الجهادية المتمثلة بالحركة السنوسية في الجزائر وليبيا ، وكان تأثـيرها على المغرب العربي كله ،  والتي أفرزت أبطالا تاريخيين وعلى رأسهم إمام المجاهدين عمر المختار - رحمه الله - الذي قاوم إيطاليا عشرين سنة ولم تستقر إيطاليا في حكم ليبيا إلا بعد استشهاده ،  وهي حركة كانت تعتمد على تعليم القرآن الكريم وإنشاء الزوايا لهذا الغرض .  وكذلك حركة المهدي في السودان والذي استطاع أن يهزم بريطانيا في السودان ،  ولم تتغلب عليه بريطانيا إلا بعد أن استعانت بالجيش المصري في هذا الأمر ،  ولكن ابناء المهدي من بعده انحرفوا عن طريقه .  وبرز أيضا جمال الدين الأفغاني وتلميذه محمد عبده اللذان أثرا في فكر الأمة ،  واللذان قيل حولهما الكثير وخصوصا ما نسب إليهما أنهما دخلا في المحفل الماسوني في الإسكندرية - والله أعلم بالحقيقة -  ..   وكانا يريدان بعد أن يئسا من الأمة أو الحكام أو منهما جميعا ،  فشطح بهما الخيال بأن يختارا جزيرة في إحدى البحار ويأتوا بعدد من أبناء المسلمين في هذه الجزيرة يربونهم على أيديهم فيتخرجون دعاة ، لكنها فكرة لا تقبل الحياة فماتت في مهدها  .

 ثانيا :  حركة الإخوان المسلمين  : 

وجاء بعد ذلك المرحوم ( حسن البنا ) والذي إستطاع بما أوتي من الخطابة والتأثير على الجماهير أن يجلب كثيرا من شباب مصر الإسلام ،  ثم إمتد إلى العالم العربي والإسلامي فكانت حركة الإخوان المسلمين ،  التي كان لها الفضل الكبير في إيقاظ الشعور بضرورة عودة الإسلام إلى الحياة ،  وكانت قضية فلسطين وقيام دولة يهود قد برزت في هذا الوقت ،  فجند حسن البنا - رحمه الله - شبابا مسلما للدفاع عن فلسطين وأبدى هذا الشباب كثيرا من الشجاعة والفروسية ،  فتنبه الغرب الكافر لهذا الأمر فخافوا أن يستفحل فكر الجهاد ،  فقتلوا حسن البنا - رحمه الله - فذهب شهيدا إلى ربه بإذن الله  ،  فخلف وراءه حركــة ضخمــة ممـتدة في العالـم كلـه ،  فـقرر الكفر الصليبي أمريكا ويهود القضاء على حركة الإخوان ،  فجاءت بحركة الضباط الأحرار وعلى رأسها جمال عبد الناصر للقيام بهذه المهمة ،  وكان الغرب ماهرا في اللعب ،  فجعل عبد الناصر يتحالف مع الإخوان في بادىء الأمر حتى إذا ثبتوا له سلطانه ،  وكانت قيادتهم على غفلة كبيرة فلم يعرفوا عبد الناصر على حقيقته ومن وراءه وكان أي إنسان عنده إلمام في السياسة ولو بسيط يعلم أن عبد الناصر كان عميلا أمريكيا .  وكنا نقدم لهم النصائح ونبين لهم ذلك الأمر ولكن شباب الإخوان وأغلب الظن قيادتهم كانت تظن أن حركة الضباط هي حركة إخوانية .

 وشنق عبد الناصر علماء الأخوان سنة 1954 بحجة أنهم كانوا يتآمرون عليه ،  ثم شنق سيد قطب - رحمه الله - في صفقة مع الإتحاد السوفياتي وكان وقتها هناك ( جمال عبد الناصر ) بعد أن ألف المرحوم سيد قطب كتابه ( معالم في الطريق ) وهذا الكتاب يمثل انقلابا فكريا في طريق الدعوة عند الإخوان المسلمين ، وهذا الكتاب أقرب ما يكون إلى فكر حزب التحرير ،  فهو كتاب انقلابي وليس إصلاحيا . والذي كان يمثل فكر هذا الكتاب فيما بعد هو المرحوم عبدالله عزام وإخوانه من المجاهدين .  ولذلك جمد الأخوان المسلمون الدكتور عبدالله عزام لأنه سبب إحراجا كبيرا لقيادة الأخوان مع كثير من الأنظمة والحكام ، وقد قلت في حفل تأبينه يوم إستشهاده -رحمه الله- (أحرجوه فأخرجوه) .  وبالرغم من شنق المرحوم سيد قطب واخوانه السابقين واللاحقين فإن حركة الأخوان بقيت لأن معينها الفكري لا ينفد وهو الإسلام لأنه باق ما بقيت الدنيا .  وأما عبد الناصر فذهب وذهب ميثاقه وأندثر فكره إن كان له فكر فهو أفشل زعيم عرفه التاريخ  .

 وحركة الإخوان يبدوا من ظاهرها أنها ليست حركة إنقلابية وإنما هي حركة إصلاحية ،  فالبرغم من المؤلفات الكثيرة في النواحي الفكرية وفقه المعاملات في هذا العصر فإن حركة الإخوان لم تتبن حتى الآن دستورا تنظم به شؤون الدولة إذا ما فوجئت بإستلام الحكم في إحدى البلاد العربية أو الإسلامية .  كيف تعمل في الإقتصاد ؟ في الإجتماع ؟ في العلاقات الدولية وفي كل مناح الحياة .  ما هو البديل للبنوك الربوية ؟  وما وهو البديل لشركات التأمين ؟  وما هو البديل لأوراق البنكنوت ( التي أوجدها يهود لتخريب إقتصاد العالم ) ؟ كيف يمكن إستغلال التلفاز والإذاعة والسينما ؟ كيف نوحد العرب والمسلمين ؟ ..  إلى غير ذلك  .

 الرعيل الأول من الأخوان المسلمين أكرم الله قسما كبيرا منهم بالشهادة وبقي قسم آخر وقد أتعبهم المشوار وأرجو الله أن لا يكونوا من الذين ركنوا إلى الحياة الدنيا والظالمين من الحكام .  ولذلك تمرد شباب الأخوان في كثير من البلدان العربية والإسلامية على قياداتهم التقليدية فكانت ثورة في مصر - نرجو الله أن تؤتي أكلها قريبا -  فيطيح هذا الشباب بالنظام المهترىء الذي باع مصر ليهود والأمريكان ،  وأن يكون هذا الشباب قد حضر فكرا لتنظيم شؤون الدولة أو يقوم بذلك علماء الأخوان المسلمين وهم بحمد الله كثر وفيهم من أنار الله قلبه وعقله ولم تلحقه الغشاوة  .

 وقبـل ذلـك وبعـد ذلـك فإن الأخوان المسلمـين حركــة رائدة في العمل الإسلامي ،  هي المؤهلة إن أراد قادتها أن يستأنفوا حمل الرسالــة وقيــادة الحركة الإسلامية للتغيير في العالم العربي والإسلامي ،  ولا يكونون كبعض من ينتسبون للأخوان المسلمين فيكونون عونا للظلمة من الحكام كما حدث ذلك في الجزائر مثلا أو كما حدث ويحدث في الخليج .  إن حركة الاخوان تملك إمكانات فكرية وعددية وشبابا مستشهدا لا تلين له قناة وأوضح مثال على ذلك شباب حماس في فلسطين الذين يقدمون الشهداء تلـو الشهداء ،  باعـوا أنفسهم في سبيل الله ،  ومن رحمة الله بالقضية الفلسطينية أن قامت (حركة المقاومة الإسلامية) استجابة لأمر الله في الجهاد وطلب الشهادة  .

 لا أدعو أن يتولى الأخوان المسلمون قيادة الحركة الإسلامية بشكل عاطفي غير مدروس ،  ولكن بتغيير كثير من السلوكيات والعلاقات وخصوصا مع بعض الأنظمة ، وأن ينظروا إلى بقية الحركات الإسلامية ليس بعين عدائية ولكن بنظرة الأب لابنه ، ليكون الجميع صفا إسلاميا واحدا حتى يكون الجميع من أحباب رسول الله الذي قال :"طوبى لأحبابي" ،  قال الصحابة :"نحن أحبابك يا رسول الله" ، فقال الرسول :"بل أنتم أصحابي" ، فقالوا :"من أحبابك يا رسول الله ؟ " ، قال صلى الله عليه وسلم :"المصحلون إذا فسد الناس للواحد منهم أجر خمسين منكم" ، قالوا :"بل منهم" ، قال صلى الله عليه وسلم :"بل منكم لأنكم تجدون على الحق أعوانا وهم لا يجدون" أو كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم  .

 وإذا لم ينتبـه الأخوان المسلمون فيستوعبـوا الصحوة الإسلامية في العالم كله ، فإن لم يستوعبوها إستوعبها غيرهم من الحركات الإسلامية التي على وشك أن تطيح بالحكم في مصر والجزائر وفي غير مصر والجزائر ، في تركيا مثلا التي بدأ الإسلام فيها يعود من جديد بقيادة حزب الرفاة الإسلامي  . 

والأخوان المسلمون يتبنون في طريقهم لإستئناف الحياة الإسلامية طريقة ما يسمونه بطريق التربية . ولا يدري الإنسان كيف تبدأ هذه التربية وكيف تنتهي وإلى متى ، فكلما ربى الأخوان جيلا تسلط عليه الحكام ، فقتلوهم وعذبوهم وسجنوهم وشردوهم ،  وهذا كله لغياب التخطيط المدروس ، وغياب الطريق الواضح للعمل وبيان للهدف المنشود ، فصار إضطراب في سلوك الجماعة ،  احتجوا بأن الرسول صلى الله عليه وسلم ربى أصحابه وهذا صحيح .. ولكن كيف ؟، كان يربيهم صلى الله عليه وسلم تحت ظلال السيوف وفي المعركة .  وهذه خير تربيـه إذ جعل الرسول صلى الله عليه وسلم الجنة تحت ظلال السيوف ،  وقصة الصحابي الذي دخل الجنة وهو لم يصل لله ركعة ،  إذ أنه بعد أن أسلم دخل المعركة مباشرة فأستشهد فقــال الرسول صلى الله عليه وسلم فيه :"أجر كبير وعمل قليل" أو كما قال عليه الصلاة والسلام .. ففي بلد الأخـوان يضطهدون ،  وفي بلد يكونون فيها وزراء فيستغلهم الحاكم ويفعل بإسمهم ما يريد .  لا ينكر إنسان عنده عقل فضل الأخوان المسلمين كحركة في إيقاظ الصحوة الإسلامية التي تتفجر الآن في كل مكان  .

ثالثا :  حزب التحرير  : 

ومن الحركات الإسلامية البارزة حزب التحرير ، الذي أسس في أول الخمسينات (1952) ، وهو حزب كان له الفضل في نشر فكرة الدعوة إلى (الخلافة) وعودتها إلى الحياة لتتولى قيادة المسلمين وإنقاذ العالم الإسلامي ،  ولكن حزب التحرير أخطأ في كثير من الأمور مما جعله لا ينجح فيما يريد ..  وهذه الأخطاء هي :

 -   أولا  :  قسم الدعوة إلى فترتين ،  الفترة المكية والفترة المدنية ،  وهذا خطأ فاحش وقع فيه الحزب إذ أن هاتين الفترتين هما من خواص الرسول صلى الله عليه وسلم ولا يصح لأحد من بعده أن يدعيهما ، فبعد أن نزل قول الله تعالى (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا) [المائدة : 3] ..  لا يصح أن نعود بالمسلمين إلى العهد المكي ، إذ أن الرسول صلى الله عليه وسلم جاء إلى مشركين وكفار ليوجد منهم المسلمين ويقيم من هؤلاء المسلمين الدولة الإسلامية ، وبالفعل هذا الذي حدث ، أسلمت المدينة وأنطلق الإسلام بعد ذلك  .

 أما اليوم فالناس ليسوا كفارا ولا مشركين ،  وإنما منهم المؤمن التقي النقي ومنهم المنحرف الذي يرتكب المعاصي ولكنه لا يكفر بمعصية . وقد انحـرف المسلمون بذهاب الخلافــة ، فأي أسلوب يرجع الخلافة ؟ ولا يتناقض مع قواعـد الإسلام والحلال والحرام ، يجب على المسلمين أن يستعملوه ،  فلو قام ضباط الجيش العثماني مثلا فأقالوا أتاتورك -لعنه الله- وأعادوا السلطنة العثمانية ، فلا يصح أن نقول لهم عليكم الانتظار حتى تمروا بالفترة المكية . وتقسيم الدعــوة إلى فترة مكيـة وفترة مدنيـة فصلت الحزب عن الجماهير فهم لا يؤمنون بدخول البلديات ولا الغرف التجارية ولا النوادي ولا الجمعيات الخيرية فيقولون كل ذلك من عمل الدولة ، وكانوا لا يشاركون الجماهير في المظاهرات،  والأخطر من ذلك كانوا يقولون لا جهاد إلا وراء خليفة جاهلين قوله تعالى (فقاتل في سبيل الله لا تكلف إلا نفسك وحرض المؤمنين عسى الله أن يكف بأس الذين كفروا والله أشد بأسا وأشد تنكيلا ) [ النساء :  84 ]  .

 ويقول المفسرون إن هذه الآية نزلت للرسول صلى الله عليه وسلم وللمؤمنين من بعده ومتجاهلين قول الرسول صلى الله عليه وسلم :"الجهاد ماض إلى يوم القيامة لا يبطله عدل عادل ولا جور جائر وإذا أستنفرتم فانفروا " .  وهم الآن كما أخبروني لا يقولون بعدم الجهاد إلا من وراء الخليفة ،  فمن يريد أن يجاهد فليجاهد أما الحزب فلا يفعل ذلك متمسكا برأيه الأول  .

 -   ثانيا  :  ومن الأخطاء التي وقع فيها الحزب ،  طلب النصرة ،  فهم ينتظرون منذ تأسيس الحزب من يقوم بعملية انقلابية ثم يسلمهم الحكم ،  ثم يرجع إلى ثكناته إذا كان من العسكر ،  وهذا الكلام أقرب إلى خيال الشعراء منه إلى أقوال العقلاء .  ولذلك انتظروا طويلا وسينتظرون مدة أطول حتى يتولى غيرهم إقامة دولة إسلام وعند ذلك سيفرحون بنصر الله  .

 -   ثالثا  :  وفي الناحية السياسية :  لا تعني السياسة الدولية عندهم إلا الصراع بين الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا ، فكل ما يجري في الأرض خاضع لهذا الصراع ، ولا يزالون يعتبرون بريطانيا قوة مؤثرة فـي الأحداث العالمية وخصوصا في الـشرق الأوسط أو العالم الإسلامي ،  ولا أدري ماذا يستفيد المسلمون من هذا الإصرار على تصور الصراع بين بريطانيا وأمريكا وأن هذا الحاكم أو ذاك عميل إنجليزي والأخر عميل أمريكي ..  وأي إنسان يوالي أمريكا أو بريطانيـا هو خـارج عن ملة المسلمــين ( ومن يتولهم منكم فإنه منهم ) [ المائدة :  51 ] ..  الكفر حزب واحد سواء كانوا إنجليز أو أمريكان أو روس أو وثنيين أو من المسلمين الذين باعوا دينهم ،  فكلهم أعــداء لله رب العالمين ،  والله يقول ( والـذين كـفروا بعضهـم أوليــاء بعض إلا تفعلــوه تكـن فتنــة في الأرض وفسـاد كبير ) [ الأنفال :  73 ]  .

 -   رابعا  :  والحزب في عمله لإقامة الدولة الإسلامية يرجح القوى المادية والإعداد لها على الروحانيات والقرب من الله ،  وهذا خطأ كبير يتنافى مع حياة الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه ،  فهم لا يركزون على قيام الليل والذكر وتلاوة القرآن والدعاء والبكاء حتى أصبحوا مشهورين بالجدل العقلي ولا يعتنون كثيرا بالنوافل من صلاة وصيام ،  فهم يركزون على الناحية الإقتصادية في الإسلام ،  وأن الإسلام يشبع البطون وهو خير من الرأسمالية وخير من الشيـوعيــة في ذلـك الأمر ، وكأن الإسلام جاء لهذه الغاية ولـم يجيء ليجعل الإنسان يعبد الله في كل نواحي الحياة ،  فالإسلام يحارب الجوع ولكنه يرفض التخمة ، ويحارب العري ولكنه يرفض عبادة الثياب ويدعوا إلى الزهد وكما قال الرسول صلى الله عليه وسلم :"تعس عبد الدينار ، تعس عبد الدرهم ، تعس عبد القطيفة والخميصة ، تعس وأنتكس وإذا شيك فلا أنتقش"  .

 ومنذ أن أسس الحزب وشبابه -أكرمهم الله- في السجون يقضون فيها أعواما لتوزيع منشورات تكون في بعض الأحيان أي تعليق سياسي في جريدة سيارة أعمق وأشمل من هذا المنشور الذي سجن الشباب من أجله ،  أعانهم الله وخفف عنهم بلواه ،  وإذا لم يعمل الحزب على تغيير كثير من المفاهيم لإقامة الدولة الإسلامية بقي حيث هو وتقدم غيره .  ولذلك يجب على الحزب أن يوجه شبابه إلى تلاوة القرآن وحفظ وفهم القرآن وإلى قيام الليل وإلى الذكر والدعاء والبكاء حتى يكونوا قريبين من الله ،  وكما قال الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث القدسي :"ما تقرب إلى عبدي بأفضل مما أفترضت عليه ، ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه ، فإذا أحببته كنت بصره الذي يبصر به ،  وسمعه الذي يسمع به ، ويــده التي يبطش بها ، ورجله التي يمشي عليها ،  فبي يبصر ، وبي يسمع ، وبي يبطش وبي يمشي ، ولإن أستعاذني لأعيذنه ،  ولإن أستنصرني لأنصرنه"  .

 ويجب على الحزب أن يخوض المعركة ضد يهود وأعوان يهود وأن يشارك في الانتفاضة ، إذ أن الجهاد الطريق الوحيد لإقامة الخلافة ودولة الإسلام والتي لا تقوم بغير الشهداء والمستشهدين (والله غالب على أمره ولكن أكـثر الناس لا يشكرون) [ يوسف : 21 ]  .

رابعا :  الدعوة السلفية  :

 وهناك الدعوة السلفية وكان لها الفضل الكبير عبر التاريخ في صد مذاهب الفرق الباطنية وكشفها وكشف خطرها على الإسلام ،  وفي صد هجمات الغلاة من أصحاب الفكر الصوفي الذين يقولون بوحدة الوجود وأن الله هو الكون بما فيه ومن فيه ،  ويقولون بالإتحاد والحلول ،  وأن الله يحل في بعض عبيده  .

 ورأس هـؤلاء السلفيين وقمتهم هو الإمام ابن تيميــة - رحمه الله - حارب بفكره وبلسانه وقلمه الكفر والفكر المنحرف وحارب بالسيف فقاد المسلمين لمحاربة التتر حين غزوهم للشام حينما فر الحكام من الشام خوفا من التتر ،  وكان يمثل العالم المسلم الذي علم فعمل ،  فهو يقتدي برسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه الذين علموا فعملوا  .

 واليوم تنقسم السلفية إلى فئات  :

 -   فئة عكفت على تخريج الأحاديث وبيان الضعيف والقوي منها ،  فأشبعوه بحثا حتى كادوا أن لا يتركوا فيه ثغرة ،  وبالتالي هم لا يلتفتون إلى ما تعانيه الأمة في صراعها مع الكفار ،  ولا تعنيهم قضية فلسطين في قليل أو كثير ولا تهزهم الأحداث وإنما يشغلون أنفسهم والناس بالنوافل والسنن ، وعلى سبيل المثال يصطنعون معارك في السنة القبلية من يوم الجمعة هل وردت أم لم ترد ،  وفي تحريك الأصبع في التشهد ، وبتقصير الثوب ، وتطويل اللحى ، والصــلاة على الـنبي صلى الله عليه وسلـم بعد الآذان ، والشرب والإنسان واقف ،  والقيام للقادم ،  وتحضرني هنا قصة أقرب إلى الفكاهة إذ كان عدد من الأصدقاء مدعويين عند صديق لهم في رمضان ،  فلما أذن المغرب قال واحد من المدعويين حينما بدأ الأكل "بسم الله الرحمن الرحيم" وكان في المجلس (سلفي) قال :" يا أخي لم ترد هكذا وإنما ورد بسم الله فقط " ،  فقال الذي سمى بسم الله الرحمن الرحيم :"والله لا أفطر اليوم ما دمت أذنبت حينما قلت بسم الله الرحمن الرحيم" .. وهكذا يشغلون الناس في معارك جانيبة  .. والسلـفيون هؤلاء يخلطون الأحكام الشرعية ، فيرفعون المندوب (السنة) إلى مرتبة الواجب أو الفرض ، واللمم إلى مرتبة الكبيرة ، والله يقول (الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم) [النجم : 32] ، والكبيرة هي ما فرض الله لها عقوبة في الدنيا أو الآخرة أو فيهما ،  واللمم كل ما نهى عنه الإسلام ولم يفرض له عقوبة في الدنيا ويمحوه الله في الآخرة إذا أستغفر ولم يصر على فعله ، ويمحوه الوضوء إلى الوضوء ، والصلاة إلى الصلاة ، ورمضان إلى رمضان ، والحج إلى الحج والعمرة .  لذلك حينما يرفعون السنة والمندوب إلى مرتبة الواجب ، ويرفعون اللمم والصغائر إلى مرتبة الكبائر فهم بذلك يشددون بغير دليل شرعي ،  ويعسرون بغير برهان . والرسول صلى الله عليه وسلم حينما أرسل عليا ومعاذ بن جبـل - رضي الله عنهما - إلى اليمن كان فيما أوصاهما :"يسرا ولا تعسرا وبشرا ولا تنفرا " ولكن إخواننا السلفيين فات على كثير منهم هذا الأمر ،  فأصبح التشدد في النوافل والسنن طريق الكثير منهم ، وبعضهم الآن يأخذون بالحديث الضعيف أو الحسن أو الصحيح ويقدمونه على الآية فوقعوا في أخطاء كثيرة ، منها على سبيل المثال ، القول بعذاب أب النبي وأمه ، اعتمادا على حديثين مرويين عن رســول الله صلى الله عليه وسلم  :

 أما الحديث الأول :

 الذي يستند إليه بعض السلفيين في عذاب أم النبي قال الرسول صلى الله عليه وسلم :"أستأذنت ربي أن أسـتغفر لأمي فلم يأذن لي ، وأستأذنت أن أزور قبرها فأذن لي" .  وهذا الحديث إن لم نؤوله نرفضه . فأمه ليست في حاجة لإستغفار ،  لأن الإستغفار لمسلم إرتكب ذنوبا ،  وأمه ماتت من أهل الفترة ،  فذنوبها مغفورة ولو كانت أم النبي كافرة معذبة كما يقول هؤلاء ،  لما أذن الله له بزيارة قبرها .  ( ولا تصل على أحد منهم مات أبدا ولا تقم على قبره ) [ التوبة : 84 ] ..  فأم النبي وأبوه لا يعذبان بنص القرآن  .

 الحديث الثاني  :

 أن إمــرأة جـاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم قالت :" أدعو لأبي أن يدخل الجنـة " ، فقــال لها :"أبــوك في النار" فولت تبكي ،  فأرجعها النبي صلى الله عليـه وسلم وقال :"أبي وأبوك في النــار " .. وهـذا الحـديث إن صح يؤول بأن الــنبي كان يـريـد عمه أبا لهب ، والعم أب بنص القرآن (أم كنتم شهداء إذ حضر يعقــوب المـوت إذ قال لبنيـه ما تعبدون من بعدي قالـوا نعبد إلهك وإلــه أبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحق إلها واحدا ونحن له مسلمون) [ البقرة : 133 ]  وإسماعيل عم يعقوب . وإن لم نؤول الحديث نرده دراية لأنه يناقض قواعد قرآنية وهي  :

 -   القاعدة الأولى  :  العذاب ليس إلا بعد رسول ( وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا ) [ الإسراء :  15 ]  .

 -   القاعدة الثانية  :  إن أهل الفترة ناجون ( يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم على فترة من الرسل أن تقولوا ما جاءنا من بشير ولا نذير فقد جاءكم بشير ونذير والله على كل شيء قدير ) [ المائدة :  19 ]  .

 وأبو النبي وأمه ماتـا قبل الرسالــة ،  فهما من أهل الفترة والله يقول في هذا الأمر (وما آتيناهم من كتب يدرسونها وما أرسلنا إليهم قبلك من نذيــر) [سبأ :  44] .. لــذلك أبا النبي وأمه ناجــون بنص القرآن ،  فإن لم نؤول الحديث كما قلت نرفضه ولا نبالي ، لأنه يخالف قطعي الثبوت قطعي الدلالة (القرآن) ، والحديث ظني الثبوت ظني الدلالة .. ومالنا أن نشغل المسلمين بهذه الأمور والتي هي إختصاص الله سبحانه وتعالى .

 -   وفئة أخرى من السلفيين من لا يقول في الجهاد ولا يدرسون أحكامه ولا أحاديث الجهاد ولا حتى آيات الجهاد . فتحريك الأصبع أولى من تحريك المدفع عندهم .  والجهاد لا يعدله شيء في الإسلام ،  قال في الحديث الذي رواه البخاري :" دلني يا رسول الله على عمل يعدل الجهاد" ،  فقال صلى الله عليه وسلم :"لا أجد" ،  فأعاد عليه فقال صلى الله عليه وسلم :"لا أجد" ، فأعاد عليه  الثالثة ،  فقال صلى الله عليـه وسلم :"أرأيت لو صمت الـدهر لا تفطر ، وقمت الليل لا تفتر أو مستطيع أنت ذلك" قال :"لا" ، فقال صلى الله عليه وسلم :"فإنك لا تبلغ أجر المجاهد حتى يرجع"  .. وآيات الجهاد في القرآن تكاد لا تخلو منها سورة مدنية بالمال أو بالنفس أو بهما أو بالكلمة كمـا قـال رسول الله صلى الله عليـه وسلم :"أفضل الجهــاد كلمة حق عند سلطــان جائر" . وقال سيد الشهداء حمزة :"ورجل قام إلى إمام جائر فأمره ونهاه فقتله" .. فما بال هؤلاء الأخوة من السلف هدانا الله وإياهم يشتغلون في كل شيء بالإسلام إلا بالجهاد  . 

فئة ثالثة  : ولكن هناك فئات الآن من السلفية عرفت الطريق ،  فحملت الإسلام كلمة وعقيدة ومنهاجا وجهادا كما كان أبن تيمية ، وهؤلاء يمثلهم جبهة الإنقاذ الإسلامية في الجزائر بقيادة الدكتور عباسي مدني وعلي بلحاج ،  عجل الله بالنصر في الجزائر ، وفي مصر اليوم حركة جهادية سلفية توشك أن تطيح الحكم الظالم في مصر ، وفي السودان نصر للإسلام سلفي ، وكذلك كان في أفغانستان وهو في تركيا الآن ، فالحركة السلفية الآن تأخذ طريقها لقيادة المسلمين وإنتزاع الراية من المتشككين أو المتخاذلين أو المتاجرين بهذا الدين .  وحتمـا إن الله سيرعى هذه الحركة حتى تأخذ مداهــا في عـودة الإسلام إلى الحكم  . 

خامسا :  حركة الدعوة والتبليغ  :

وهناك على الساحة حركة التبليغ المسمون بالأحباب ،  وهذه الحركة أتباعها فيهم صفاء واقبال على الله ،  وقد انتشروا في العالم الإسلامي بل في العالم كله ، ولهم جهد مشكور في إرجاع كثير من المسلمين عن الغواية والضلاله ويصلون إلى أماكن نائية فينشرون كلمه الله ،  ولكن يؤخذ عليهم  :

 أولا  :  عدم تثقيف أتباعهم ، فهم يلتزمون بكتاب واحد كتاب "حياة الصحابة" وهذا لا يكفي ، فكثير منهم جهلة ولا أدري كيف يعلمون الناس .

 -  ثانيا :  هم لا يقولون في التدخل بالسياسة ،  وهم بهذا يفصلون الدين عن السياسة ،  أي يفصلون الروح عن الجسم في الإسلام ،  فالإسلام دين جاء لهداية البشرية وسياسة شؤونها ،  فإذا إعتقدوا هذه العقيدة - ونرجو الله أن لا يكونوا معتنقينها - خرج بهم هذا الاعتقاد عن الملة والعياذ بالله . وبالتالي هم لا يقولون بالجهاد ،  وهذا خطأ كبير خصوصا وأن أتباعهم في الأرض يعدون بالملايين ، فلو نظموا أنفسهم على أساس جهادي لكان الخير على أيديهم  .

 وأقدم نصيحة لأخواني أهل التبليغ أن يفهموا الإسلام كما هو ،  فلا يأخذوا بعض الأحكام ويتركون البعض إذ أن الرسول صلى الله عليه وسلم تركنا على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك ،  ونعوذ بالله أن يكونوا مثل أحبار بني إسرائيل الذين يقول الله فيهم ( أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزي في الحياة الدنيا ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب وما الله بغافل عن ما تعملون ) [ البقرة :  85 ] ..  والجهاد لا يعدله حكم من أحكام الإسلام ،  فهو ذروة سنام هذا الدين ،  وتكاد الجنــة تكون محرمة على غير المجاهدين في آيات كثيرة من كتاب الله ومنها قول الله تعالى ( أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب ) [ البقرة :  214 ] ..  والجنة لا يدخلها الأذلاء الذين رضوا بالذل والمهانة والله يقــول ( إن الذين توفاهم الملائكــة ظالمي أنفسهم قالوا فيما كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها فأولئك مآواهم جهنم وساءت مصــيرا ) [ النساء :  97 ] ..  وقد سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم :" أين نهاجر ؟ " ،  فقال صلى الله عليه وسلم :"لا هجرة بعد الفتح - أي فتح مكة - ولكن جهاد ونية وإذا أستنفرتم فأنفروا"  ..  هدانا الله وإياهم سواء السبيل  .

سادسا :  حركات مختلفة  :

 وهناك حركات إسلامية كثيرة متفرقة ويجب أن تلتقي جميعها في تيار إسلامي واحد لا تخوض في التفاصيل ولا في الخلافات المذهبية ولا الخلافات الشكلية ،  فالمرحلة التي نمر بها هي مرحلة عودة الخلافة على نهج النبوة التي بشر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديثه الذي رواه الإمام أحمد في مسنده حينما قال :"تكون الــنبوة فيكم ما شـاء الله أن تكون ثم يرفعها إذا شاء الله أن يرفعها ،  ثم تكون فيكم خلافة راشدة فتكون ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها ،  ثم تكون ملكا عاضا فتكون ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها ،  ثم تكون ملكا جبريا فتكون ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها ثم تكون خلافة على منهاج النبوة ..  ثم سكت" ، وقد جعل الله فلسطين هي المحور التي تلتقي عندها الحركات الإسلاميـة لتعمل على تخليصها من أيدي الكفار ،  وأي خلاف هو مضيعة للوقت ، وضعف للأمة ، وكل الحركات لا تختلف على كتاب الله وآيات الجهاد والأحاديث الصحيحة في ذلك ، ولا نريد أن نجعل حب الذات والتمسك بالشكليات يضعف أمتنا ، ويشتت الجهد كما يحدث الآن في أفغانستان ،  ومن العجيب أنهم هناك كل ينادي بالإسلام ، فما لهم يقتتلون على دنيا زائلة ،  ويقتلون الشعب معهم وإن الذي يحدث هناك يحير أصحاب الألبــاب ، فإذا إحتجوا بقتال علي - كرم الله وجهه - ومعاوية ،  فقد انتهى الخلاف بينهما في معركتين (معركة الجمل ومعركة صفين) ، ثم وحد الله المسلمين ببركة الحسن بن علي - رضي الله عنهما - حينما تنازل عن الخلافة لمعاوية عام الجماعة الذي بشر به الرسول صلى الله عليه وسلم حينما قال عن الحسن بن علي -رضي الله عنهما- :"إن إبني هذا سيد وسيصلح الله به فئتين عظيمتين من المسلمين"،  وأنتهت الحروب وعاد المسلمون وحدة واحدة ،  وتجاوز المسلمون الفتنة التي كادت تطل برأسها بعد مقتل الحسين -رضي الله عنه- ولعن الله قاتله ، مرة أخرى أصبح المسلمون وحدة واحدة وأنطلقوا يفتحون الأرض من جديد وينشرون دين الله ، فما بال هؤلاء الأفغان قد أستحوذ عليهم الشيطـان فأنساهم ذكر الله فأقتتلـوا لغير هـدف ؟!! ،  فدمروا كابل حيث لم يدمرها الروس .  فندعوهم باسم الله أن يعودوا إلى رشدهم وأن يحكموا القرآن في خلافاتهم لتعود الأفغان نجمة تضيء بعض الطريق بالرجوع إلى الله وقيام دولة الإسلام .  وبهذه المناسبة فإن زمام المبادرة في توحيد . الحركات الإسلامية يجب أن تقوم بها الحركة الأم (الأخوان المسلمون) فهي مسؤوليتهم الأولى بما يملكون من حركة دولية وقوى ونفوذ في جميع أنحاء العالم الإسلامي بل والعالم كله  .

 وهي كذلك مسؤوليــة الحركات الإسلاميــة لأن تتجاوب مع هذه الدعوة لتلتقي روافد الإسلام فتكون النهر العظيم الذي يجرف أمامه كل أسباب الخلاف والفرقة لتقوم دولة الإسلام الموعودة وينتصر المسلمون في الأرض وتتحرر الأرض المباركة .. وإني أبدأ بنفسي وبمن يتــأثر بقولي فأمد يدي لكـل من يمـد يده حتى نتعاون جميعا (وأعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا وأذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا) [ آل عمران : 103]  .. وخصوصا أن بوادر النصر الإسلامي قد بدأت تلوح بالأفق بسقوط أنظمة ، فالحكم في مصر يـترنح وهـو آيل للسقـوط ، والحكم في الجزائر يلفظ أنفاسـه الأخـيرة وهو لا يقوى على المقاومة ، وفي السودان نصر للإسلام .  وهو في تركيا بدأت تظهر الشعلة من تحت الرماد الذي حاول أتاتورك وخلفاؤه من بعده - لعنهم الله جميعا - أن يرجعوا الأتراك كفارا ،  فإذا هم في الانتخابات البلدية الأخيرة يصفعون الكفر كله والعلمانية خاصة وأتاتورك وخلفاءه وسيأتي اليوم القريب - بإذن الله - الذي ستداس أصنام أتاتورك المبثوثة في تركيا كما فعل في أصنام لينين وستالين من قبل ( ويومئذ يفرح المؤمنون *  بنصر الله ينصر من يشاء وهو العزيز الرحيم  ) [ الروم :  4 - 5 ]  .

 ويجب أن يتجاوز قادة الحركات الإسلامية في لقائهم وتوحيدهم عن الكثير مما لا يؤثر في الجوهر ولا في العقيدة ولا فيما علم من الدين بالضرورة .. النصر قادم والإسلام قادم ..  والفرقة إلى زوال ومقاومة الخلافة أو الدولة الإسلاميـة أصبح من المحال ، قال تعالى (ويقولون متى هو قل عسى أن يكون قريبا) [ الإسراء :  51 ]  .

 أسلوب الدعوة

 وإني إذ أتقدم إلى الحركات الإسلامية العاملة في الدعوة إلى الله وإقامة حكم الله في الأرض ،  أوجه لهم نصيحة وأبدأها بنفسي أن تكون الدعوة إلى الله بين الناس بالحكمة والموعظة الحسنة ،  والحكمة أن نضع الحكم الشرعي في موضعه فلا نرفع السنة المندوبة إلى مرتبة الواجب أو الفرض ،  فالله قد شرع أحكاما وحد حدودا فهو الذي شرع السنة ( النافلة ) شرعها بأن يثاب فاعلها ولا يعاقب تاركها ، وشرع الفرض بأن يثاب فاعله ويعاقب تاركه . ولذلك لما جاء الأعرابي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وسأله عن أركان الإسلام فقال له :"أن تشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله ، وإقــام خمس صلوات في الـيوم والليلة" ، قال : "هل علي غيرها ؟" ، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم :"لا إلا أن تتطوع ، وصوم شهر رمضان" ، فقال الأعرابي :"وهل علي غيره ؟" ،  قال رسول الله :"لا إلا أن تتطـوع وإيتــاء الزكـاة" ، قال الأعرابي :"وهل علي غيرها ؟ " ،  فقال الرسول :"لا إلا أن تتطوع" ،  فقال الأعرابي :" والله لا أزيد على هذا أو أنقص" فقال الرسول :"أفلح الأعرابي إن صدق" أو كما قال عليه الصلاة والسلام  .

 ولذلك لا يصح للدعوة الإسلاميــة أن تشغل نفسها بالتشدد في الدعوة إلى النوافل وأن تترك الفروض والواجبات ، وأخص بالذكر سلفي الجزائر وأعني "جبهــة الإنقاذ الإسلامية" ، وهم على أبواب إستلام الحكم بإذن الله ،  فيجب أن يأخذوا الشعب الجزائري بالرفق والمحبة والموعظة الحسنة وأن لا يلوحوا بالعصا الغليظة ، وأن يكونوا في لين مع المسلمين لا إرهاب ولا تخويـف والله يقول لنبيه (فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لأنفضوا من حولك فأعف عنهم وأستغفر لهم وشاورهم في الأمر) [ آل عمران : 159 ] .

 والعفو لا يكون إلا مع الخطأ فإذا لم يكن هناك خطأ فلا معنى للعفو ،  والإستغفار يكون للخطيئة وإذا لم تكن هناك خطيئة لم يكن هناك معنى للإستغفار ويكون ذلك إذا لم تكن هناك إشهار بالمعصية وتحد لله ،  فعند ذلك يأتي قول عثمان - رضي الله عنه - إن الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن ،  والآن الإقبال من الرجال والنساء على الله يشكل التيار الأكبر في المجتمع ،  ولا يصح أن نأمر المرأة أن تضع الحجاب على وجهها وخصوصا أن الصحوة الإسلامية ستشمــل الأرض ، فإذا قلنا للمـرأة في الـغرب ضـعي الغطاء على وجهك وهي لم تعرف هذا ولا هي ولا أمها ولا جدتها خصوصا وأن المرأة في الغرب قد خرجت من جميع ملابسها ، فإذا أرغمناها على تغطية الوجه أبعدناها عن هذا الدين والهداية وبذلك نكون قد إرتكبنا إثما ، ويجب أن لا تخاف المرأة المسلمة الآن من الإسلام القادم للحكم ،  فإن الإسلام يعطيها الحياة الكريمة والطهارة النقية ،  ولذلك بدأت النسوة يشعرن بحلاوة الإسلام وطهارته ، وشعرت أنه يجعل من إسرتها أسرة متراحمة متعاطفة مترابطة لا مكان للنجاسة فيها .. ولذلك الآن الإقبال من النساء المثقفات على الحجاب كبير في جميع شرائح المجتمع فمنهن أستـاذات الجامعات ومفكرات حتى وصل الأمر إلى الفنــانات ،  فتبن عما أرتكـبن وأقبلن على الله وصدق فيهن قولـه تعالى ( إنمــا التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالـة ثم يتوبون من قريب فأولئك يتوب الله عليهم وكان الله عليما حكيمـا ) [ النساء :  17 ]  . 

ولذلك مهمة الدعاة والحركات الإسلامية أن لا تنفر النساء ولا الرجال وأن تبشر .  وإني أتوجه إلى الثورة الإسلامية في مصر بالذي قلت وبشيء آخر وهو ألا يتعرضوا للأقباط بسوء ،  لأن الأقباط من أهــل الذمــة وقد أوصى بهم الرسول صلى الله عليه وسلم فقال :"إذا فتحت عليكم مصر فأستوصــوا بأقباطهــا خيرا فإن لكم فيهم نسبا وصهرا " ، وقال الرسول صلى الله عليه وسلم أيضا :"من عادى ذميـا فقد عاداني ومن عادى ذميا فأنا خصمه يوم القيامة " أو كما قال عليه الصلاة والسلام  .

 فنحن مكلفون بأن نحمي أهل الذمة أعراضهم ودماءهم وأموالهم ،  ومن قتل منا دون ذلك فهو شهيد إلا أن تثبت على هذا الذمي أو القبطي خيانة للعهد وموالاه لأعداء الأمة ،  فإنه يجري عليه عندئذ الحكم الذي يجري على المسلم إذا فعل ذلك  . 

فلا يصح لنا كدعاة أن نتصور المجتمع مجتمع ملائكة لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون ،  فخير المجتمعات عبر التاريخ مجتمع رسول الله صلى الله عليه وسلم ومع هذا كان فيه المخطئون والآثمون لأن هذا من طبيعة البشر ، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول فيما يرويه أبو بكر -رضي الله عنه- :"إن لم تخطئوا وتتوبوا يذهب الله بكم ويأتي بقوم يخطئون ويتوبون"  ، وفي حديث آخر :"كل أبن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون" .. والدعوة الإسلامية وهي مقبلة إلى إقامة الدولة الإسلامية يجب أن تقبل على الناس بوجه سمح ، قال تعالى  (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين) [ الأنبياء : 107] ، ويمثلها قول الرسول صلى الله عليه وسلم :"إذهبوا فأنتم الطلقاء"  .

 وهكذا فعلت الرحمة فعلتها والتسامح فعله والعفو فعله فأقبل الناس يدخلون في دين الله أفواجا ،  وكذلك نحن اليوم حينما يستلم الإسلام الحكم نعطي المخطيء الفرصة لأن يتوب ويرجع إلى الله ففي رحمة الله سعة للجميع  .

 

الهجرة من الأرض المبـاركة

 خرج علينا أحد العلماء ممن لهم تأثير في كثير من الناس ويحمل أقواله تلاميذ منتشرون في العالم العربي والإسلامي ، خرج علينا بفتوى :"أن أهل فلسطين يجب عليهم أن يهاجروا ، ولا يبقوا تحت حكم يهـود ، وأن هذا واجب شـرعي" .

 وقد أحدثت الفتوى ضجة كبيرة عند المسلمين ، وهذه الفتوى تخالف الشرع إذ أن الإسلام في مثل حالة فلسطين يحرم الهجرة وإليكم البيان  :

 -   أولا : أذن الله لنبيه صلى الله عليه وسلم بالهجرة بعد أن استعصت مكة فلم تعد تسمع الخير ولا تلين منها القلوب للإيمان ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد أمر أصحابه بالهجرة إلى الحبشة مرتين في خلال ثلاث عشر سنة التي قام بها في الدعوة بمكة رحمة بأصحابه ، وإنقاذا لهم من التعذيب ، لأن أكثر الذين أسلمـوا في مكة في بدء الدعـوة كانوا من العبيد والمستضعفين والذين لا سند لهم ولا قــوة عشـائريـة تحميهم ، وكذلك أسلم قليـل من السـادة . فلما أذن الله لنبيـه بالهجـرة وكان ذلك قبـل فرض الجهـاد ، نزل عليه وهو في الطريق بين مكة والمدينـة قـول الله تعــالى (أذن للذين يقاتلــون بانهم ظلمــوا وإن الله على نصرهم لقدير * الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله) [ الحج : 39-40] .. 

 فكان ذلك إيذانا بالجهاد وبدء المعركة بين الكفر والإيمان ،  بين الرسول وأصحابه من جانب وبين المشركين والكفار من جانب آخر . وهذه المعركة لم تنقطع من ذلك الحين حتى يومنا هذا ،  فهي مستمرة في فلسطين والبوسنة والهرسك وفي كشمير والهند وفي الفلبين وتايلاند وفي السودان وفي الجزائر وفي مصر وفي لبنان وفي الجزيرة العربية في السعودية وحارات الخليج وهي الآن في اليمن وفي غيرها  .

 -   ثانيا : نزل على الرسول صلى الله عليه وسلم الأذن بالهجرة وحرمت القعود تحت راية الكفـار والرضـوخ لهم ، وأن يعيشوا مستضعفـين وأن الذي يموت على هذه الحالة مآواه جهنم وبئس المصير ، في قوله تعالى (إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيما كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها فأولئك مآواهم جهنم وساءت مصيرا * إلا المستضعفين من الرجـال والنساء والولدان لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا  * فأولئك عسى الله أن يعفو عنهم وكان الله عفوا غفورا ) [ النساء :  97 - 99 ] ..  ولقد خصص الحديث الصحيح هذه الآية حينما سأل الصحابة الرسول صلى الله عليه وسلم :" أين نهاجر ؟ " ،  فقال صلى الله عليه وسلم :"لا هجرة بعد الفتح -فتح مكة- ولكن جهاد ونية ، وإذا أستنفرتم فأنفروا"  .

 ولقد فرض الله الجهــاد على النبي والمسلمين في حياته ومن بعده ،  ولو لم يبق من المسلمين إلا الرسول صلى الله عليه وسلم أو مسلم واحد في الأرض لقوله سبحانه وتعالى ( فقاتل في سبيل الله لا تكلـف إلا نفسـك وحرض المؤمنين عسى الله أن يكف بأس الذين كـفـروا والله أشد بأسا وأشد تنكيلا ) [ النساء :  84 ]  .

 -   ثالثــا : في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم :"الجهاد ماض إلى يوم القيامة لا يبطله عدل عادل ولا جور جائر وإذا إستنفرتم فأنفروا" .  فنحن مكلفون بنص هذا الحديث أن نقاتل وراء كل حاكم من حكام المسلمين سواء كان عادلا أو ظالما ،  فلا يشترط في المعركة عدل الحاكم  . 

-   رابعا : المعركة بيننا وبين يهود ليست معركة استعمارية ، ولكنها معركة بقاء أو عدمه وهي تهدف إلى إخراج المسلمين من الأرض المباركة وإستيطان يهـود محلهم ، وأي خروج للمسلمين من الأرض المباركة برضاهم هو خدمة للكفار ومن يدعو إليه يخدم يهود بعلم أو بغير علم  .

 -   خامسا : إن الهجرة تكون إلى بلد يقام فيه الإسلام وتطبق فيه حدوده وأحكامه ، وديار الإسلام أصبحت الآن ديار كفر ، تطبق فيها الأحكام الكافرة ،  لأن العالم شرعا ينقسم إلى قسمين ديار كفر وديار إسلام .  وقد عرف الفقهاء دار الكفر بأنها الأرض التي تطبق فيها أحكام الكفر ولو كان جل أهلها من المسلمين،  ودار الإسلام هي التي تطبق فيها أحكام الإسلام ولو كان جل أهلها من الكفار  .

 فإلى أين يهاجر أهل فلسطين يا فضيلة الشيخ ؟!! وأين هي الأرض التي يطبق فيها الإسلام الآن ؟! أليست هذه دعوة للإنتقال من دار كفر إلى دار كفر؟.  فإن قلتم يهاجرون إلى بلد تقام فيه الصلاة ففي فلسطين لم يمنع اليهود المسلمين الصلاة فيها ورفع الآذان  .

 وواجب العلماء والدعاة أن يحرضوا على المعركة ، وأن يدعوا الناس للجهاد والاستشهاد كما يفعل أهل فلسطين وأهل البوسنة والهرسك وأهل كشمير وأهل الجزائر ومصر وغير الجزائر وغير مصر  .

 إن أهل فلسطين منذ ست وسبعين سنة لم يتوقفوا عن تقديم الشهداء والجرحى والمعوقين ،  مما جعل رابين قبل أسبوعين يقول :"منذ ست وسبعين سنة لم نذق طعما للسلام" وذلك بفضل جهاد أهلها وقتالهم في سبيل الله  .

 وبهذه المناسبـة فإن يهـود محاربون تباح دمائهم وأموالهم ولا حرمة مطلقة لهـا .  فكل مـال يهـود يدخل في باب الغنـائم وكذلك مال كل من يعاونهم من الكفـار والله يقول (لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكـم من دياركم ولم يظاهروا على إخراجكم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسـطين * إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركـم وظاهروا على إخراجكم أن تولـوهـم ومن يتولهم فأولئـك هم الظالمـون) [ الممتحنة :  8 - 9 ]  .

 واليهـودي في فلسطين مغتصب ولا حرمة للمال المغتصب ، فالمسلم حينما يأخذ من مال يهـود فهو يأخذ بعض ماله الذي أغتصب منه ، ففلسطين لأهلها ، وأهلها حتى سنة (48) كانوا يملكون  (95.4 %)  منها . ولذلك البيارة في فلسطين ليست ليهود فأغتنامها حلال ، والمصنع ليس ليهود فتخريبه واغتنامه حلال ،  والمتجر ليس ليهود فأخذ ماله غنيمة . وهذه الغنيمة من أطيب رزق الله لعبـاده ،  وكل من يخالـف هذه الفتــوى من العلمـاء أو ممن يحسبـون على العلم يخالفـون القرآن ويخالفون قول الرسول صلى الله عليه وسلم حينما قال :"أحلت لي خمس لم تحل لنبي قبلي -ومنها- الغنـائم"  .

 ولقد سمى القرآن الكريم سورة باسم الأنفال (الغنائم) ،  قال تعالى (يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول فأتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم وأطيعوا الله ورسوله إن كنتم مؤمنين) .. وفي نفس السورة يقسم الله الأنفال (الغنائم) (وأعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل إن كنتم آمنتم بالله وما أنزلنا على عبدنا يوم الفرقان يوم إلتقى الجمعان والله على كل شيء قدير) [ الأنفال : 41 ]  .

 وهكذا مال الكفار يقسمه الإمام أو قائد المعركة ،  والقول بغير ذلك هو خروج عن فقــه الإسـلام وفقـه المعركة وتحريم ما أباح الله بل ما أوجبه الله ،  والله يقول بأوضح بيان ( فكلوا مما غنمتم حلالا طيبا وأتقوا الله إن الله غفور رحـيم ) [ الأنفال :  69 ]  . 

فمن الجهل الفاضح ، والغفلة الكبيرة ، وفي كثير من الأحيان مسايرة حكام الهزيمة الذين يسعون لبقاء دولة إسرائيل ، يقول بعض الذين ينتسبون للعلم ذلك زورا وبهتانا يقولون :"إن لمال يهود في فلسطين وخارجها حرمة" مسايرة وتبعا لهوى الحكام . والرسول صلى الله عليه وسلم يقول :"لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به"  .

 

فـادع أهـل فلسطين في الداخـل أن يأخذوا مال يهود بكل وسيلة مستطاعة ، خفية أو جهرة ، وأن ياخذوا من مال يهود في الخارج ممن يثبت أنه يدعم يهود في داخل فلسطين ، وكذلك مال كل من يساعد يهود (طوعا وأختيارا) فماله حلال. وهذا الحكم عام للمسلمـين في جمـيع أنحاء الأرض الذين يقاتلهم الكفار والله يقول (لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين * إنما ينهـاكم الله عن الذين قاتلـوكـم في الدين وأخرجـوكم من دياركـم وظاهروا على إخراجكم أن تولوهم ومن يتولهم فأولئك هم الظالمـون) [ الممتحنة :  8 - 9 ]  .

 ونرجو من الشيخ الجليـل أن يراجع فتـواه وكمـا قـال عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- في رسالته المشهورة إلى أبي موسى الأشعري -رضي الله عنه- :"ولا يمنعك قضاء قضيته ثم تبين لك أن الحق في غيره أن ترجع إلى الحق فإن الحق قديم"  .

 والله المستعان ،،

انتهى

حقوق الطبع محفوظة لكل مسلم   2006 ©